كأس العالم - كوستاريكا.. أقوى جيش غير مسلح في العالم

كوستاريكا صاحبة معجزة مونديال 2014، عادت لتحقق معجزة جديدة ولكن هذه المرة في التصفيات.

كتب : زكي السعيد

الخميس، 10 نوفمبر 2022 - 11:17
كيلور نافاس - كوستاريكا

أيسلندا، بنما، جزيرة موريشيوش، إمارة موناكو، جمهورية فانواتو، كوستاريكا… دول من مناطق متفرقة في العالم، لكنها تجتمع على حقيقة واحدة: لا جيش لهم.

تعتبر كوستاريكا عضوة في قائمة قصيرة للغاية للدول التي اختارت ألا يكون لها جيش.

وضعٌ قائم منذ أن أقرته المادة 12 في الدستور الكوستاريكي عام 1949 في تصديق على قرار خوسيه فيجيريس فيرير بالعام السابق، لتكون البلاد على موعد مع الاحتفال بالذكرى 75 لهذا القرار بعد أقل من عامين.

في الواقع، فإن الذكرى 74 لقرار الرئيس فيجيريس فيرير ستوافق هذا العام مباراة كوستاريكا أمام ألمانيا في كأس العالم على أرض قطر.

المونديال حيث تعود كوستاريكا للظهور حاملة من جديد آمال شعبها، وصحيح أنها دولة بلا جيش، لكنها مليئة بالمقاتلين الذين ينوب عنهم أبرز لاعبيهم في أرض الملعب.

كوستاريكا صاحبة معجزة مونديال 2014، عادت لتحقق معجزة جديدة ولكن هذه المرة في التصفيات.

الأمر كان أشبه بالمعركة الخاسرة لفترة طويلة للغاية، لكن جيش كوستاريكا غير المسلح من اللاعبين استطاع الخروج منتصرا في سيناريو غير مفهوم.

ملوك المفاجآت

تلعب كوستاريكا كأس العالم للمرة السادسة في تاريخها، والثالثة على التوالي، وهو إنجاز تحققه لأول مرة.

المنتخب المنتمي لاتحاد "كونكاكاف" خاض في السابق 18 مباراة في كأس العالم على مر تاريخه، فاز في 5 منها وتعادل مثلها، وخسر 8 مرات.

ومن المنتظَر أن تشهد نسخة 2022 رقمًا قياسيًا كوستاريكيًا جديدًا يخص عدد المشاركات في المباريات.

فـ كريستيان بولانيوس صاحب الـ 9 مباريات مونديالية هو الأكثر ظهورًا في كأس العالم بقميص كوستاريكا، لكن يطارده مجموعة من نجوم الجيل الحالي برصيد 8 مباريات، هُم: كيلور نافاس، بريان رويز، كريستيان جامبوا، سيلسو بورخيس.

ولذا فمن شبه المستحيل أن يحافظ بولانيوس على رقمه صامدًا مع حقيقة أن كوستاريكا ستخوض 3 مباريات على الأقل في 2022.

بريان رويز -صاحب الهدفين السابقين- بدوره بمقدوره أن يكون الهداف التاريخي لـ كوستاريكا في المونديال لو سجل هدفًا ليتساوى مع رونالد جوميز وباولو وانتشوبي.

وشاركت كوستاريكا في تصفيات كأس العالم لأول مرة عام 1958، لكنها حققت التأهل الأول في 1990.

وفي ظهور مفاجئ، قدّمت كوستاريكا عروضًا قوية، فهزمت اسكتلندا والسويد في الدور الأول، وخسرت بصعوبة بالغة من البرازيل، لتعبر إلى دور الـ 16 حيث ودعت المسابقة على يد تشيكوسلوفاكيا.

وكانت كوستاريكا طرفًا في عدة مباريات شهيرة للمونديال، أبرزها الصدام أمام البرازيل في 2002 والخسارة 2-5 في لقاء يتذكره كل من شاهده.

كما قدّمت كوستاريكا عرضًا ممتعًا في افتتاح النسخة التالية أمام ألمانيا وخسرت 2-4 في مباراة الأهداف الجميلة.

المشاركة الأبرز كانت في 2014، ليس فقط لأنها وصلت إلى ربع النهائي، لكن لأنها تجاوزت مجموعة تضم أوروجواي وإيطاليا وإنجلترا.

هزمت اللاتينيين بثلاثية في اللقاء الأول، ثم صدمت العالم بفوز تاريخي على إيطاليا في اللقاء الثاني ضمنت معه التأهل والصدارة، ودون عناء وفي غياب بعض الأساسيين تعادلت سلبيًا أمام إنجلترا في ختام دور المجموعات.

لاحقًا قدّم كيلور نافاس ملحمته الخاصة وتألق أمام اليونان وقاد بلاده إلى ربع النهائي بعد المرور عبر ركلات الترجيح.

ورغم الصمود أمام كتيبة لويس فان خال في ربع النهائي، كان لـ تيم كرول رأي آخر وأذاق كوستاريكا من كأسها وأطاح بها من البطولة.

الظهور الأخير في 2018 كان شاحبًا بهزيمتين ثم تعادل متأخر، رغم أن مباراة الجولة الثانية أمام البرازيل كانت حية حتى الدقيقة الأولى من الوقت بدل الضائع.

المعجزة

كتابة هذا التقرير عن كوستاريكا هي معجزة حقيقية، لأن تأهلهم إلى المونديال حدث بصورة جنونية.

كوستاريكا بدأت التصفيات تحت قيادة المدرب الوطني رونالد جونزاليس صاحب الهدف الوحيد في شباك تشيكوسلوفاكيا بكأس العالم 1990.

لكن الانطلاقة كانت كارثية، مما دفع الاتحاد الكوستاريكي إلى إقالة جونزاليس وتعيين الكولومبي لويس فيرناندو سواريز.

في أول 7 جولات (أي مرحلة الذهاب من التصفيات)، فازت كوستاريكا مرة واحدة فقط، وودعت عمليا حلم المونديال.

لكن نقطة التحول حدثت في الجولة الثامنة عندما استقبلت كوستاريكا نظيرتها الهندوراس في الملعب الوطني بـ سان خوسيه.

النتيجة أشارت إلى التعادل 1-1 حتى الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع عندما سجل جيرسون توريس هدفًا قاتلًا أعاد بلاده إلى خريطة التصفيات.

يقول المدرب سواريز عن ذلك الهدف: "أعتقد أنها اللحظة التي أدرك فيها اللاعبون أن التأهل ممكن حقًا".

لم تعرف كوستاريكا الخسارة مجددًا في التصفيات وبدأت سلسلة من النتائج غير العادية، فهزمت بنما منافستها المباشرة، ثم فرضت التعادل 0-0 على المكسيك في قلب أزتيكا، وتفوقت على مضيفتها جامايكا، قبل أن تهزم كندا أفضل منتخبات التصفيات.

في الجولة 13 بات التأهل حلمًا مشروعًا للغاية عندما فازت كوستاريكا على السلفادور في ملعب الأخيرة بينما سقطت بنما أمام الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الجولة الأخيرة حسمت كوستاريكا المركز الرابع المؤهل إلى الملحق بالفوز 2-0 على الولايات المتحدة.

في النهاية امتلكت كوستاريكا نفس رصيد الولايات المتحدة (25 نقطة)، لكن فارق الأهداف كان أكبر بكثير من أن يعوضه رفاق كيلور نافاس، لتكتفي كوستاريكا بالملحق.

الخطوة التالية كانت الذهاب إلى قطر، ليس من أجل المونديال، ولكن لمواجهة نيوزيلندا بطلة أوقيانوسيا في الملحق المؤهل للنهائيات.

المدرب لويس ألبيرتو سواريز صرّح قبل اللقاء: "شاهدت هذه المباراة عدة مرات داخل رأسي بالفعل".

كوستاريكا سجلت بعد مرور 3 دقائق فقط بواسطة نجمها جويل كامبيل وحافظت على الهدف حتى صافرة النهاية، خطفت البطاقة رقم 32 والأخيرة إلى المونديال من ملعب أحمد بن علي الذي سيعودون للظهور عليه الجولة الثانية أمام اليابان.

صانع المعجزة

لويس فيرناندو سواريز هو الرجل الذي قلب شكل تصفيات أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي رأسًا على عقب.

الرجل الكولومبي صاحب الـ 62 عامًا تولى مهمة كوستاريكا في يوليو 2021، وبعد حوالي عام كان قد أتم المهمة التي بدت مستحيلة عند توليه.

سيخوض سواريز موندياله الثالث إذًا، بعد 2006 و2014، وأي منهم لم يكن مع بلاده كولومبيا.

المونديال الأول كان كمدير فني لـ الإكوادور عندما نجح لقيادتهم إلى إنجازهم الأفضل والعبور إلى الدور الثاني قبل السقوط أمام إنجلترا بركلة حرة من فِعل الاختصاصي ديفيد بيكام.

أمّا الإنجاز الثاني فكان مع منتخب هندوراس عام 2014 بالوصول إلى المونديال الثالث في تاريخها دون نتائج ملفتة.

لكنها كانت حقبة ناجحة، إذ احتل منتخب "البيكولور" المركز الرابع مرتين في الكأس الذهبية، كما تأهل إلى أولمبياد لندن 2012 وتغلب على إسبانيا ليعبر إلى الدور الثاني ويودع بصعوبة في مباراة مجنونة أمام البرازيل بنتيجة 2-3.

لم يكن سواريز لاعبًا كبيرًا، لكن إنجازه الأكبر حدث عام 1989 بتحقيق لقب كوبا ليبرتادوريس 1989 مع أتليتكو ناسيونال الكولومبي.

وفي بداياته التدريبية عمل كمساعد لـ فرانسيسكو ماتورانا المدرب الكولومبي الأشهر على الإطلاق.

وعندما حضر سواريز لقيادة كوستاريكا العام الماضي، كانوا بلا أي فوز رسمي لمدة عامين تقريبًا، تسلّم فريقًا ميتًا إكلينيكيًا، لكنه أنعشه وطار به إلى المونديال.

سواريز الذي تخرج في كلية التجارة، حصل على ماجيستير إدارة الأعمال من معهد يوهان كرويف عام 2008.

ويعتقد سواريز أن التعليم والقراءة مفيدان للاعب كرة القدم، فمهارته وحدها لا تكفي.

يقول سواريز في تصريحات سابقة: "في عائلتي لدينا تقليد أن تجد كتابًا في يدنا وأن نقرأ طوال الوقت، القراءة بالنسبة لي هي احتياج".

"أعتقد أن أحد أهم أسباب نجاحاتي التي حققتها كلاعب وكمدرب كانت بسبب اهتمامي بالتعليم، وأعتقد أن اللاعب يكون أفضل بكثير لو كان يدرس".

ويمتاز سواريز بوجه جامد خالٍ من المشاعر واتزان عصبي كبير، لكنه من الداخل لا يخل من التوتر.

في حوار سابق مطول مع محطة "تيليموندو ديبورتس" اعترف سواريز: "يجب أن يشعر المدربون بالتوتر والضغط، هذا طبيعي، أعتقد أن هذا وضعنا الطبيعي، كنت سأقلق أكثر لو لم يكن الخوف والقلق يتملكاني".

"في داخلي لست هادئا كما أبدو، أمتلك خوفًا مستمرًا من أن يخطئ اللاعبون أو أن يلعب الفريق الخصم أفضل".

"منذ 2015 أعتمد على معد نفسي، لأن اللاعبين في النهاية هم بشر، يمكن تطويرهم على جوانب حياتية عديدة".

"الموهبة ليست أكبر عامل في لاعب كرة القدم، الموهبة مهمة ولكنها ليست العامل الأكبر".

"الصحافة كانت قاسية جدا معنا في البداية، هذا كفيل بتدميرك تماما، أو بإعطائك دفعة هائلة، في حالتي حدث الأمر الثاني".

"سياستي أنني لا أنظر كثيرا للمستقبل البعيد، أعيش ما هو أمام أنفي مباشرةً، وهو أنف كبير بالمناسبة".

أفراد الجيل الذهبي

بعد 8 سنوات ونصف، يعود أغلب نجوم الجيل الذهبي الكوستاريكي للظهور في مونديالٍ قد يكون الأخير لهم.

الأشهر والأكثر نجاحًا والذي استفاد خير استفادة من مونديال 2014 هو كيلور نافاس، إذ سمح له بالانتقال إلى ريال مدريد في نفس الصيف.

حارس مرمى باريس سان جيرمان الحالي سيكمل 36 عامًا قبل 3 أيام على نهائي كأس العالم 2022، سيكون قد ودّع البطولة بالفعل إلا لو حدثت أكبر مفاجأة في تاريخ كؤوس العالم على مر عصوره.

ولا يعيش نافاس أفضل أيامه، إذ تم تهميشه بالكامل هذا الموسم في سان جيرمان ولم يخض أي دقيقة رسمية حتى اللحظة بعد أن صار الخيار الثاني خلف جيانلويجي دوناروما.

أمّا رمز هذا الجيل فهو القائد بريان رويز (37 عامًا) صاحب المسيرة الأوروبية الحافلة في أندية تفينتي الهولندي وفولام الإنجليزي وسبورتنج لشبونة البرتغالي.

ويلعب رويز في ألاخويلينسي الكوستاريكي منذ عام 2020، ويستعد للظهور الكبير الأخير.

يمتلك رويز 29 هدفًا دوليًا في 145 مباراة مع كوستاريكا، أشهرهما في شباكي إيطاليا واليونان بمونديال 2014.

في خط الهجوم أيضًا يبرز لاعب آخر هو جويل كامبيل لاعب ليون المكسيكي وصاحب هدف التأهل للمونديال.

كامبيل (30 عامًا) كان الاسم الأشهر في قائمة كوستاريكا بمونديال 2014 لأنه بدأ مسيرته في أرسنال عام 2011.

ورغم عدم تحقيقه نجاح يُذكَر مع المدفعجية، لكن مر عبر بوابة العديد من الأندية الأوروبية الشهيرة مثل فياريال وأولمبياكوس وريال بيتيس وسبورتنج لشبونة وغيرها.

وكان كامبيل صاحب هدف التعادل في مرمى أوروجواي بكأس العالم 2014، وهو الهدف الذي فتح الباب أمام المفاجأة الكبرى وقتها.

الضلع الرابع للثلاثي السابق ذكره هو سيلسو بورخيس لاعب الوسط الهدّاف، ويتميز عنهم بكونه اللاعب صاحب عدد المباريات الدولية الأكبر في تاريخ بلاده بواقع 154 ظهورًا دوليًا.

بورخيس (34 عامًا) يلعب كذلك في ألاخويلينسي، لكن فترته الذهبية كانت مع أيك سولندا السويدي، وديبورتيفو لاكورنيا الإسباني الذي انتقل إليه بعد تألقه في مونديال 2014.

وكان بورخيس أحد منفذي ركلات الجزاء الترجيحية الناجحة أمام اليونان في ثُمن نهائي تلك النسخة.

ويعد بورخيس أحد قادة غرفة خلع الملابس وأكثر اللاعبين ثقافة وإدراكًا، إذ يُلقَب بـ "عقل منتخب كوستاريكا" داخل وخارج الملعب.

ويتحدث بورخيس الإسبانية والبرتغالية والإنجليزية والسويدية بطلاقة، ويهوى ضرب الطبول في أوقات فراغه.

وأخيرًا يظهر أوسكار دوارتي قلب دفاع الوحدة السعودي أحد نجوم مونديال 2014 بدوره.

دوارتي (33 عامًا) تألق خلال مسيرته مع كلوب بروج وإسبانيول، ومحطته الأوروبية الأخيرة كانت ليفانتي قبل أن يتحوّل إلى الخليج العربي منذ بداية الموسم الحالي.

وسجّل دوارتي هدفًا في شباك أوروجواي بمونديال 2014، وتلقى بطاقة حمراء في مباراة ثمن النهائي أمام اليونان.

لوس تيكوس

يشتهر منتخب كوستاريكا بلقب "لوس تيكوس" أو "Los Ticos"، وهو توصيف للشعب الكوستاريكي بالكامل وليس للمنتخب فحسب.

ويرجع اللقب لأسباب لغوية، إذ يمتلك الكوستاريكيون طريقة مميزة في لغتهم العامية لتصغير الصفات عن طريق إضافة مقطع "تيكو" في نهاية الكلمة.

أمر تتفرد به كوستاريكا دونًا عن بقية الدول الناطقة بالإسبانية، مما حوّل هذا المقطع إلى صفقة في حد ذاته يشار بها إلى أبناء ذلك البلد.

أمّا اللقب الآخر الذي يُطَلق على منتخب كوستاريكا فهو "لا تريكولور" أو "La tricolor"، وهو يعني "أصحاب الألوان الثلاث".

وذلك لأن علم كوستاريكا يتكون من 3 ألوان تنعكس على الزي الأساسي للمنتخب: الأحمر والأبيض والأزرق.

مجموعة حديدية؟ وما الجديد!

على غير العادة، كانت كوستاريكا على علم كامل بمجموعتها قبل أن تتأهل إلى كأس العالم.

فبسبب تأخر مرحلة الملحق للتصفيات في هذه النسخة، أجريت القُرعة دون تحديد المتأهلين الأخيرين إلى النهائيات (أستراليا وكوستاريكا).

ووقعت كوستاريكا في المجموعة الخامسة رفقة إسبانيا وألمانيا واليابان.

مباريات كوستاريكا:

مجموعة تبدو حديدية في وجود منتخبين عملاقين مرشحين للتأهل، لكن التاريخ يخبرنا أنه فأل حسن لـ كوستاريكا الذي تجاوزت مجموعة أكثر صعوبة في 2014، وليس ذلك فحسب، بل تصدرها دون هزيمة.