حسام باولو.. كل تعثر هو بداية البحث عن طريق جديد للمجد
الأحد، 30 أكتوبر 2022 - 13:26
كتب : عبد الرحمن فوزي
تخيل أن تصل إلى الثلاثين من عمرك ولم تعرف الللعب في الدرجة الأولى من الأساس، ثم فيما تبقى من مسيرتك تقود بلادك لكأس العالم في لعبتين مختلفتين. هكذا هي الحياة في قاموس حسام باولو.
في 2013 ظهر اسم جديد على ساحة كرة القدم المصرية وهو حسام سلامة "باولو"، اسم ظهر لأول مرة كنجم مع فريق صغير لا يلفت الأضواء مثل الداخلية ولكنه تمكن من لفت الأضواء بنفسه وبالأداء داخل الملعب.
في الأيام الماضية وبعمر الـ 38 ظهر اسم باولو من جديد على الساحة بعد فترة طويلة من الغياب ولكن في كرة القدم الشاطئية خلال كأس الأمم الإفريقية وكان النجم الأول لمنتخب مصر خلال البطولة.
باولوخفتت مسيرته لعدة سنوات، لكنه الآن يخرجها للنور من جديد بطريقة خاصة لا يفعلها الكثيرين.
على مدار مسيرته تعثر باولو أكثر من مرة، وكل مرة كانت كفيلة بإنهاء مشواره في كرة القدم تماما ولكن إصراره كان كفيلا باستمرارها وبكتابة تاريخ لنفسه من جديد.
بداية باولو مع كرة القدم كانت هي التعثر الأول، مثله كأي طفل يحب كرة القدم ذهب حسام سلامة برفقة 4 من أصدقائه للاختبار في الزمالك ولكن لسوء حظه فإنه تعرض للرفض ولكن باقي أصدقائه تم قبولهم.
حسام لم ييأس وقرر التقدم للاختبار في الأهلي أيضا ولكنه قوبل بالرفض أيضا بسبب قصر قامته.
في النهاية قرر باولو الابتعاد عن كرة القدم بشكل نهائي واتجه للعب كرة الطائرة وبعد فترة طويلة عاد من جديد لكرة القدم من بوابة مركز شباب صنافير ومنه إلى أها إلى أن استقر في الفريق الأول لنادي طوخ في الدرجة الثالثة.
باولو تحدث منذ سنوات عبر قناة صدى البلد قائلا: "كنت أشاهد مهاجمي الدوري الممتاز عبر التلفاز مثل عمرو زكي وعماد متعب وأحمد حسام ميدو وأقول إنني قادر على اللعب مثلهم".
بعد ثلاث سنوات مع طوخ انتقل باولو إلى منوف وهي أحد المحطات المهمة في تاريخه حسب وصفه لأن مدربه في الفريق حمدي أبو راضي كان يقضي وقتا في تدريبه على اللعب كثيرا على المرمى والتسجيل وسجل 10 أهداف قبل أن يعود مرة جديدة لطوخ.
بعد التألق مع منوف حصل باولو على عرض من بلدية المحلة مقابل 50 ألف جنيه ليكون أغلى لاعب في تاريخ طوخ كما حصل على عرض آخر من غزل المحلة ولكن بشرط الاختبار مع الفريق.
ولأن باولو اعتاد على التعثر في مسيرته عرف مسؤولي بلدية المحلة بأمر خوضه للاختبار في غزل المحلة ليقرروا سحب عرضهم كما أن صفقة انتقاله لغزل المحلة لم تكتمل لأنهم تعاقدوا مع لاعب آخر.
باولو طلب الرحيل عن طوخ ولكن إدارة النادي اشترطت أن يدفع 50 ألف جنيه في مقابل أن راتبه الشهري هو 50 جنيها فقط مع النادي ليقرر اعتزال كرة القدم والاتجاه للعمل في أي مجال آخر للصرف على منزله.
حسام كان من أسرة فقيرة حاله كحال العديد من لاعبي كرة القدم لا يمتلك رفاهية دفع 50 ألف جنيها فقط للانتقال لناد جديد لدرجة إنه باع هاتفه المحمول مقابل 800 جنيه من أجل شراء الشبكة من أجل خطيبته.
بعد فترة من الجلوس في المنزل كان هشام عبد الرسول وكيل اللاعبين يبحث عن مهاجم جديد لفريق سكر أبو قرقاص وبالصدفة تحدث مع باولو وقدمه للفريق الذي خاض مباراة ودية معهم أمام القناة وكعادته تمكن من تسجيل هدف ليرغب مسؤولي النادي في التعاقد معه.
عاد سكر أبو قرقاص مرة جديدة للحديث مع طوخ ومن جديد طلب ناديه الحصول على 50 ألف جنيه ليتفق باولو مع أبو قرقاص على دفع المبلغ مقابل خصمه من عقده مع النادي.
في سن الـ 28 شارك باولو لأول مرة في دوري الدرجة الثانية برفقة سكر أبو قرقاص، الموسم الأول لم يكن ناجحا بالقدر الكافي وسجل خمسة أهداف فقط ولم يلعب بشكل مستمر ولكن الموسم الثاني شهد طفرة كبيرة وسجل 16 هدفا ليحصل على لقب هداف المجموعة.
أداء باولو لفت الأنظار إليه لينتقل إلى سكر الحوامدية ومنه إلى الشمس ومرة جديدة يحصل على لقب هداف المجموعة وهداف فريقه مع الشمس.
عذرا على الإطالة، لكننا لم نصل إلى مرحلة الممتاز بعد وقد بلغ باولو سن الثلاثين بالفعل، وهذا لن يعني الفشل..
وأخيرا يلفت باولو أنظار الفرق الكبرى وتلك المرة كانت الداخلية بعد توصية من صديقه وزميله السابق محمد السويفي لعلاء عبد العال مدرب الفريق، ليقرر أن يعرض على باولو الاختبار في الفريق وهو ما وافق عليه مباشرة لرغبته في اللعب بالدوري الممتاز بدون تفكير في الماديات على الرغم من احتياجه الشديد للمال.
الحلم يتحقق مقابل سلسلة ذهبية
حسام بولو يقول "خضعت للاختبار لمدة أسبوعين كاملين مع الداخلية ليوافق علاء عبد العال في النهاية على التعاقد معي، بشرط ألا يغالي فريقي في طلباته المادية".
نادي الشمس طلب في البداية الحصول على 56 ألف جنيه وهو ما تقاضاه اللاعب خلال فترته مع النادي، وبالفعل أخرج الداخلية المبلغ المطلوب ولكن النادي طلب الحصول على 7 آلاف أخرى وهي المكافآت التي حصل عليها.
وقال باولو عبر صدى البلد: "لم أخبر الداخلية عن المبلغ الإضافي كي لا تتوقف الصفقة ولكنني اقترضت من صديقي 4 آلاف جنيه كما قامت زوجة أخي مشكورة ببيع سلسلتها الذهبية مقابل 3 آلاف جنيها أخرى لإكمال المبلغ المطلوب".
حلم باولو تحقق ليصل إلى الدوري الممتاز في عمر 30 عاما، وهو سن يقترب فيه اللاعبين من الاعتزال. لكن في حالة باولو كانت هي البداية الحقيقية لمسيرته.
بعد موسم أول لم يكن ناجحا سجل خلاله هدفين، انفجر باولو في موسمه الثاني وأثبت قدر موهبته في موسم 2014/2015 ليحقق لقب هداف الدوري المصري الممتاز برصيد 20 هدفا متفوقا على باسم مرسي الذي تألق في عام تتويج الزمالك بالثنائية حينها.
تألق باولو فتح الباب لخطوة جديدة للأمام وتلك المرة كانت مع سموحة ليتألق من جديد ويحصل على هداف الدوري للمرة الثانية على التوالي بـ 17 هدفا.
ظهور باولو اللافت جعله يحقق الهدف الأسمى من لعبه كرة القدم وهو اللعب بقميص منتخب بلاده والمشاركة في الإنجاز الأكبر بالوصول لكأس العالم 2018،
في 30 أغسطس 2016 خاض حسام باولو مباراة دولية رفقة منتخب مصر أمام غينيا. مباراة خاضها بعمر 32 عاما و9 أشهر. ألم نقل بأن العمر مجرد رقم فعلا لا قولا في حكاية باولو؟
أمر قد لا يتذكره العديد من الناس، لكن باولو كان على دكة البدلاء في مباراتي غانا والكونغو في الجولة الأولى والثانية من التصفيات وذلك كفيل بذكر اسمه من ضمن الأسماء التي شاركت في صنع ذلك الإنجاز.
الموسم التالي كان يشهد استمرار باولو في تقديم أداء جيد مع سموحة وسجل 6 أهداف حتى شهر يناير ليلفت نظر الزمالك أحد قطبي الكرة المصرية الذي ضمه مقابل 7 مليون جنيه وهو فارق لا يقارن مع المبالغ التي دفعت في اللاعب سابقا.
اللعب في الزمالك حتى سن الـ 34 هو شيء صعب فما بالك بالتألق والانضمام للفريق في هذا السن لأول مرة مثل تلك الأشياء هي ما تبرز مسيرة باولو المكافحة.
ولأنه باولو الذي اعتاد على الصعاب والوقوع لم ينجح صاحب الـ 34 عاما مع الزمالك وشارك في 18 مباراة فقط خلال نصف موسم وسجل خلالهم ثلاثة أهداف لتبدأ مسيرته في التراجع من جديد. لكنه على الأقل حقق لقبا بتتويجه بكأس السوبر المصري عام 2016 على حساب الأهلي بركلات الترجيح.
رحل باولو عن الزمالك إلى الاتحاد واستبعد من قائمة منتخب مصر النهائية المشاركة في كأس العالم تحت قيادة هيكتور كوبر الذي وثق فيه سابقا.
خلال 4 أعوام لعب حسام باولو مع أربع أندية مختلفة في الدوري الممتاز باحثا عن التألق من جديد ولإثبات قدرته على تقديم المزيد من العطاء ولكن ذلك لم يتحقق ليعود في 2020 إلى الدرجة الثانية من جديد في عمر 37 عاما عبر بوابة الترسانة.
لكن هيهات، القصة أيضا لم تنته هنا.
لاعب في سن الـ 37 ينتقل من الدوري الممتاز إلى الدرجة الثانية مع نادي لا ينافس حتى على الصعود، تركيبة مثالية كانت كفيلة لإنهاء مسيرة العديد من اللاعبين السابقين ولكن في حالة باولو المكافح الأكبر لم تكن كذلك.
شارك باولو في الموسم الماضي مع بايونيرز ومنه انتقل إلى القناة في بداية الموسم الحالي ولكن قصة الكفاح لم تتمثل في كرة القدم كما عرفناها.
في العام الماضي قرر باولو المشاركة مع منتخب مصر للكرة الشاطئية.
باولو حكى قصة مشاركته مع منتخب مصر للكرة الشاطئية عبر قناة أون تايم سبورتس قائلا: "ذهبت للتدرب معهم بالصدفة خلال معسكر في السعودية أثناء أدائي مناسك العمرة ولم أكن قد لعبت كرة قدم شاطئية من قبل ولكنهم طلبوا مني المشاركة في تصفيات كأس العالم في السنغال".
وتابع "البطولة كانت ستستغرق 10 أيام وكنت أشعر بحالة نفسية سيئة لأنني لم ألعب كثيرا مع الترسانة وبالفعل ذهبت وشاركت وتألقت وسجلت 9 أهداف وكنت صاحب المركز الثاني في قائمة الهدافين".
لم يحقق منتخب مصر أي إنجاز خلال المشاركة في البطولة ولكنها كانت بوابة لتحقيق إنجاز خلال النسخة السابقة التي أقيمت في موزمبيق.
من جديد حصل باولو على الإذن للمشاركة في كأس الأمم الإفريقية للكرة الشاطئية مع منتخب مصر خلال الأيام السابقة وتلك المرة كان إنجازه أكبر.
باولو قاد منتخب مصر للوصول للمباراة النهائية للمرة الأولى في تاريخه وعلى الرغم من الخسارة من السنغال في النهائي إلا أنه قد ضمن التأهل لكأس العالم 2023 لأول مرة في تاريخ مصر.
صاحب الـ 39 عاما شارك مرة أخرى في تأهيل مصر لكأس العالم وعلى غير ما حدث في 2018 تلك المرة كان باولو واحد من الذين كتبوا الإنجاز بأقدامهم وسجل هدفين رئيسيين في مباراة الوصول للنهائي في مرمى المغرب.
هدف من عالم آخر 💫
حسام باولو مهاجم له سحره وبريقه داخل مربع العمليات 🎙️#BSAFCON2022 | @EFA pic.twitter.com/O9akIXNdQE
— كأس الأمم الإفريقة للكرة الشاطئية (@caf_online_AR) October 26, 2022
وقال باولو في تصريحات عبر قناة الحياة عقب البطولة: "سعيد بتحقيق هدفي بالوصول لكأس العالم مع منتخب الكرة الشاطئية قبل إعلان اعتزالي كرة القدم".
في 2018 لم يدخل باولو في قائمة منتخب مصر المشاركة في كأس العالم بعد تراجع مستواه ولكن تلك المرة قد يكون باولو أحد نجوم الفريق وفي الصف الأول وسيكون اسمه من ضمن قائمة شرفية ستمثل مصر للمرة الأولى في كأس العالم للكرة الشاطئية.
قصة حياة باولو مثالية من أجل كتب الروايات والأعمال الفنية المختصة في سرد السير الذاتية بما فيها من عثرات والعودة من جديد في كل مرة، ولكن أهم ما سيميزها وسيجعلها أيقونية هو استمراره في الكفاح دائما من أجل تحقيق أحلامه التي تحققت قبل مسافة قصيرة من نهاية مسيرته.
-وصل إلى الـ26 ولم يلعب كرة القدم لكنها حلمه؟ كافح ولعب الكرة بشكل احترافي.
-وصل إلى الـ30 ولم يلعب في الدوري الممتاز من الأساس؟ كافح وانضم لأول مرة رفقة فريق صغير بحجم نادي الداخلية. فشل في الموسم الأول وسجل ثلاثة أهداف فقط؟ نعم، لكنه عاد أقوى وكتب تاريخا لم يكتبه عمالقة.
حسام باولو سجل 63 هدفا في بطولة الدوري المصري الممتاز. عدد أكبر من مهاجمين عظماء خاضوا عدد أكبر بكثير من المباريات في البطولة. يكفي القول بأنه تفوق مثلا على أحمد بلال - بدوي عبد الفتاح - بابا أركو (62 هدفا)، ووليد سليمان، وعمرو زكي، وجمال جودة، وجمال حمزة. كلها أسماء سجلت عدد أهداف أقل من باولو الذي بدأ كرة القدم بعمر 26، وبدأ مسيرة في الدوري الممتاز بعمر 30 عاما، ولم تدم إلا 9 مواسم.
-باولو وصل إلى 34 عاما ولم يحقق أي لقب أو يلعب لفريق جماهيري؟ انضم إلى الزمالك بعمر 34 عاما وحقق لقبا بإحرازه كأس السوبر في موسم واحد قضاه مع الفريق، ولم يكن حال الزمالك جيدا كفاية حينها.
-حتى على الصعيد الدولي، حسام باولو وصل إلى 32 عاما ولم يلعب دوليا؟ انضم إلى منتخب مصر رغم كبر سنه وخاض مباراة دولية، والأهم أنه كان جزء من قائمة الشرف التي شاركت في إنجاز التأهل إلى كأس العالم لأول مرة بعد غياب 28 عاما. أمر لم يحققه عماد متعب وعمرو زكي ومحمد زيدان، وجيل المنتخب التاريخي.
-لم يشارك باولو في هذا الإنجاز على أرض الملعب واكتفى بالتواجد على دكة البدلاء؟ حسنا، ها هو يقود بلده مجددا إلى مجد كأس العالم، لكن في كرة القدم الشاطئة. هكذا فقط يحلم ويكافح، فيوفقه الله.
قد يكون حسام سلامة "باولو" قد اقترب من اعتزال كرة القدم وقد يتحقق ذلك عقب المشاركة في كأس العالم في العام المقبل ولكن مسيرته ستبقى واحدة من المسيرات الخالدة في تاريخ كرة القدم وسيبقى اسمه محفورا كلاعب حصل على لقب هداف الدوري المصري الممتاز مرتين وشارك في كأس العالم للكرة الشاطئية لأول مرة، ولم لا قد يستمر باولو في كتابة الإنجازات عقب الاعتزال بطرق أخرى في كرة القدم.