كتب : إسلام أحمد
إذا ذُكر اسم أحدهما لابد أن يُذكر اسم الآخر، إيفان "الرهيب" زامورانو ومارسيلو "الماتادور" سالاس، لدرجة أن البعض كان يعتقد أنهم أشقاء لارتباط اسميهما سويا.
لا يمتلك منتخب تشيلي تاريخا كبيرا، حتى ظهر جيلا تاريخيا حقق لقبي كوبا أمريكا 2015 و2016 على الترتيب على حساب الأرجنتين.
لكن قبل ذلك تفاوتت نتائج تشيلي سواء بالمشاركات القارية أو الدولية.
ورغم قوة وعظمة ما قدمه الثنائي التشيلي التاريخي إلا أنهما اجتمعا معا خلال بطولة كأس العالم 1998 وانتهى مشوار اللاروخا تحت قيادتهما عند ثمن النهائي أمام البرازيل.
كل ذلك والفارق العمري بينهما 7 سنوات.
حياة مختلفة
وُلد زامورانو في 1967 وبسبب عمل والده في المناجم انتقل من العاصمة سانتياجو إلى أتاكاما ليلعب كرة القدم وهدفه اللعب لصفوف فريقه المفضل "كولو كولو".
زامورانو استعاد بالذاكرة طفولته وبداياته في تصريحات سابقة لـ"ماركا" الإسبانية قائلا: "لقد عانينا ماليا. كنت أساعد عائلتي بالقيام بوظائف غريبة مثل تنظيف السيارات والنوافذ وأي شيء يدفع لي. سوف نستخدم هذه الأموال لشراء الطعام".
"أردت فقط أن ألعب كرة القدم، ولم يكن هناك شيء آخر مهم. كنت ألعب لأطول فترة ممكنة في الحديقة وفي الشوارع مع أصدقائي".
"يأتي والدي يبحث عني عندما يحل الظلام حيث أن المنطقة لم تكن دائما الأكثر أمانا لكننا كنا سعداء. كان لدينا طفولة سعيدة وعائلتي شجعتني على لعب كرة القدم. كانوا يعرفون أن لدي موهبة".
على بُعد 7 آلاف كيلومتر في تيماكو بعد 7 سنوات وُلد سالاس لكن في ظروف مختلفة تماما لوالد في الأساس يعمل مدربا لكرة القدم وساعده على تطوير موهبته.
على الرغم من البيئة والظروف المختلفة التي اجتمع فيها الثنائي وتشاركه نفس المركز إلا أن هذا لم يمنعه عن قيادة اللاروخا في العودة لكأس العالم بعد 16 عاما من الغياب في فرنسا 1998.
عالم كرة القدم
بدأ زامورانو مسيرته الاحترافية مع كوبريسال التشيلي خلال 4 سنوات، الأمر لم يكن سهلا فقد قضى موسما معارا لفريق بالدرجة الثالثة اكتشف فيها قدراته خلال 1986.
بعمر 20 عاما سجل زامورانو أكثر من 50 هدفا محليا، وجاءت ذروة مسيرته المحلية مع كوبريسال في كأس تشيلي عام 1987، سجل زامورانو 12 هدفا في 14 مباراة خلال مراحل المجموعات، ثم تأهل للنهائي لمواجهة فريقه المفضل كولو كولو.
وسجل زامورانو مرة أخرى في المباراة النهائية حيث توج كوبريسال النادي الذي تم تأسيسه بالكاد قبل ثماني سنوات، لقبه الأول.
فتح ذلك الباب للرهيب أن يصبح لاعبا دوليا عندما شارك ضد بيرو وخلالها سجل أول أهدافه الدولية، وخلال 12 مباراة دولية سجل فقط هدفين قبل الرحيل لأوروبا من بوابة سان جالين السويسري عام 1988.
في أوروبا وبعد موسمين فقط سجل زامورانو خلالهما 34 هدفا في 56 مباراة وحصل على جائزة أفضل محترف في الدوري السويسري، أصبح مهاجما قويا في الضربات الرأسية وعلى المستوى البدني كان لا يُقارن مع مهاجمي أمريكا الجنوبية.
زامورانو تحدث عن بداية الاحتراف "أردت شراء منزل لعائلتي عندما امتلكت أموالا في يدي، الرواتب في أوروبا كانت أفضل من تشيلي، لقد اشتريت سيارة للذهاب للتدريبات ثم صرفت أغلب راتبي بعد ذلك على عائلتي لشراء منزل لهم".
في كوبا أمريكا 1991 ورغم بداية زامورانو البطيئة مع المنتخب، إلا أن البطولة كانت بمثابة نقطة انطلاق حقيقية فسجل 5 أهداف بفارق هدفا عن عمر جابريل باتيسوتا وحل اللاروخا ثالثا.
انتقل زامورانو إلى إشبيلية الإسباني عام 1992، وهناك كوّن ثنائية مع دافور سوكر هداف كرواتيا الذي وصفه بعد ذلك أنه ثاني أفضل لاعب شاركه الهجوم عقب سالاس ومن ثم انضم لريال مدريد وقضى 4 مواسم بقميص الملكي.
قطع زامورانو بالفعل بعض الخطوات الكبيرة في مسيرته الاحترافية. بينما كان سالاس في سن المراهقة.
في نفس التوقيت كان سالاس يخطو خطوته الأولى نحو اللعب الاحترافي ليلعب لفريق أونفيرسيداد دي تشيلي بعد موسم وحيد تم تصعيده إلى الفريق الأول، فسجل خلال 1993 و1996، 76 هدفا في 126 مباراة وتوج بلقب الدوري مرتين.
اللقاء الأول لسالاس بقميص اللاروخا جاء ضد الأرجنتين وهو بعمر 19 عاما وتماما مثل زامورانو احتفل بهدفه الدولي الأول في اللقاء الأول، بل وأن إيفان سجل أيضا في المباراة المثيرة التي انتهت بالتعادل 3-3.
في مارس 1995 سجل الثنائي سويا ضد المكسيك في مباراة ودية انتهت بالتعادل 2-2.
غاب زامورانو عن تشيلي في كوبا أمريكا 1995 بسبب الإصابة، وظهر سالاس لكنه لم يكن قادرا على حمل كتيبة اللاروخا بمفرده في مشاركة للنسيان.
توج زامورانو الرهيب هدافا للدوري الإسباني وأفضل لاعب أجنبي موسم 1994-95 وحقق 3 ألقاب مع ريال مدريد، وفي صيف 1996 انضم لصفوف إنتر الإيطالي.
موقع ريال مدريد الرسمي سبق له أن وصف مهاجمه مكيلا له المديح: "مهاجم بحس جيد في التهديف، أعظم فضائله كانت الرأسيات على المرمى. لم يكن زامورانو طويل القامة (1.79)، لكن ساقيه القويتين سمحت له بالبقاء في الهواء لفترة أطول بكثير من المدافعين. خلال الفترة التي قضاها في إسبانيا، سجل برأسه بعضا من أكثر الأهداف إثارة على الإطلاق".
تألق إيفان في الكرات الرأسية جعل الفرنسيين يُطلقون عليه لقب "المروحية"، خاصة أنه تعلم كيفية الوصول للكرة برأسه عن طريق التدرب في صغره محاولة الوصول برأسه إلى مصباح كهربائي معلق في ردهة منزله محاكيا الكرة.
أداء سالاس في كوبا ليبرتادوريس 1996 جذب أنظار عملاق الأرجنتين ريفر بليت، والذي انتقل له على حساب الغريم بوكا جونيورز بفضل قرارا من عائلته.
وحقق سالاس 3 ألقاب للدوري المحلي مع ريفر بليت ثم تُوج بلقب كوبا سود أمريكانا ليخطو خطوته الأولى نحو أوروبا من بوابة لاتسيو الإيطالي عام 1998، بعد عامين من انتقال زامورانو لإيطاليا، عقب التألق في كأس العالم.
البداية سويا بقميص اللاروخا بدأت عام 1994، لكنهما اجتمعا في دوري واحد بعد 4 سنوات بفضل كأس العالم.
كأس العالم 1998
شارك منتخب تشيلي بانتظام في كوبا أمريكا، وظلت كأس العالم مستعصية عليهم منذ نسخة 1982.
ورث زامورانو وسالاس تركة ثقيلة.
في 1989 ادعى روبرتو روخاس حارس تشيلي إصابته في الرأس بسبب إلقاء ألعاب نارية على رأسه من جماهير البرازيل.
الأمر الذي انتهى لاحقا باستبعاد تشيلي من نهائيات كأس العالم 1990 وإيقاف روخاس مدى الحياة ومنع تشيلي من المشاركة في تصفيات كأس العالم 1994.
أقيمت تصفيات كأس العالم 1998 لأول مرة في أمريكا الجنوبية من مجموعة واحدة والهدف التأهل مع 4 منتخبات أخرى بجانب البرازيل بطل العالم 1994.
في ذلك الوقت كان زامورانو بعمر 30 عاما وسالاس بعمر 23 عاما، الخبرة تمتزج مع الشباب لتكون ما يشبه المعجزة.
في أول 8 جولات من التصفيات خاضت تشيلي 6 مواجهات خارج الأرض، ومع انتصاف المشوار كان اللاروخا متأخرا في الترتيب بفارق 9 نقاط عن المراكز الأربعة الأولى المؤهلة للمونديال الفرنسي.
انتعش زامورانو فسجل 5 أهداف في الفوز على فنزويلا 6-0، وسجل سالاس ثلاثية (هاتريك) أمام كولومبيا.
خسر اللاروخا من أوروجواي والأرجنتين لتصبح المهمة صعبة.
سالاس عاد من جديد فسجل ثلاثية ضرورية ضد بيرو.
في النهاية تأهلت تشيلي على حساب بيرو بفارق الأهداف (+14 لتشيلي مقابل -1 لبيرو) بعدما تعادلا برصيد 25 نقطة في الترتيب، الثنائي سجل سويا 23 هدفا (12 لزامورانو و11 لسالاس)، مقابل 19 هدفا لمنتخب بيرو.
23 هدفا سجله الثنائي وهو نفس عدد الأهداف التي سجلها كل لاعبي الأرجنتين وأيضا كولومبيا في التصفيات، وبفارق 9 أهداف عن أي فريق آخر.
وبات زامورانو هدافا للتصفيات متفوقا على كافة نجوم القارة اللاتينية.
وسُميت الثنائية التشيلية بـ "زا – سا" على نفس وزن ثنائية "را – رو" البرازيلية والتي تشير للثنائي رونالدو وروماريو.
قبل الوصول لكأس العالم 1998، السؤال هنا كيف كوّن الثنائي التشيلي هذه الثنائية المثيرة بقميص اللاروخا؟
لم يحب أحدا الرقم 9 مثل زامورانو، عندما انضم رونالدو الظاهرة إلى إنتر وحصل على القميص رقم 9، تحول إيفان للرقم 18 ومن أجل التحايل على ذلك وضع علامة + بين رقم 8+1 لتصبح 9 عوضا عن 18.
كان زامورانو قويا ولديه المثابرة لحماية الكرة من المدافعين الأقوياء، في نفس الوقت يعرف كيف يتيح الفرصة لزملائه لإخراج أفضل ما لديهم خاصة أنه جاور دافور سوكر وبراين لاودروب ورونالدو الظاهرة، ورغم أنه ليس طويل القامة (1.79) فكان رائعا في الارتقاء الهوائي.
على العكس امتاز سالاس بالسرعة والتسديد بكلا القدمين والأهم الموهبة، لتُكمل قوة إيفان ما يمتلكه سالاس ليقدما ثنائية ستظل تاريخية في كرة القدم.
في فرنسا قلب سالاس تأخر تشيلي ضد إيطاليا بعد هدف كريستيان فييري بتسجيل هدفين لكن ركلة جزاء روبرتو باجيو أنهت اللقاء بالتعادل 2-2.
سجل سالاس مجددا ضد النمسا وتعادلوا بهدف متأخر، ثم تعادلوا في الجولة الثالثة ضد الكاميرون دون أن يسجلا لتتأهل تشيلي في المركز الثاني خلف الأتزوري.
في ثمن النهائي التقى تشيلي مع البرازيل بطل النسخة السابقة، انتهى الشوط الأول بنتيجة 3-0 للسامبا، لكن هدف سالاس تبعه مباشرة هدفا للظاهرة رونالدو أنهى مشوار اللاروخا في المونديال.
بداية النهاية
في كوبا أمريكا 1999 انعكست الأمور فتألق زامورانو وسجل 3 أهداف اكتفى بها منتخب تشيلي بالحصول على المركز الرابع ولم يسجل سالاس.
شارك زامورانو في أولمبياد سيدني 2000 كواحد من ثلاثة لاعبين فوق 23 في الفريق. ساعد حصوله على الحذاء الذهبي على فوز منتخبه بالميدالية البرونزية في البطولة.
في كوبا أمريكا 2001 لم يتواجد كلاهما فانتهت مشاركة تشيلي من ربع النهائي.
على النقيض تماما في تصفيات كأس العالم لم تكرر تشيلي ما حققته من قبل، تذيلت الترتيب برصيد 12 نقطة من 18 مباراة.
سجل اللاروخا 15 هدفا منها 8 بالتساوي بين سالاس وزامورانو بواقع 4 لكل لاعب.
وتظل النقطة المضيئة في التصفيات للاروخا هو الفوز على البرازيل بثلاثية دون رد، ومباراة يصفها البعض بأنها خير ختام لثنائية "زا-سا" معا.
بنهاية مشوار تصفيات كأس العالم 2002 اعتزل زامورانو دوليا كأفضل هداف في تاريخ بلاده برصيد 34 هدفا.
وانتقل للعب في المكسيك بقميص كلوب أمريكا ثم حقق حلم حياته باللعب لفريق كولو كولو ثم اعتزل بشكل نهائي عام 2003.
في المقابل أثرت الإصابات على مسيرة سالاس عقب انتقاله ليوفنتوس، فعاد الأرجنتين مرة أخرى بقميص ريفر بليت ليقضي موسمين ثم أونيفرسيداد دي تشيلي خاض 4 مواسم، أما مع تشيلي قضى اعتزل دوليا عام 2007 بعدما وصل لـ 37 هدفا محطما رقم إيفان ليصبح الهداف التاريخي للاروخا، واعتزل نهائيا عام 2008.
الآن أصبح أليكسيس سانشيز الهداف التاريخي للاروخا لكنه يدين بالفضل لثنائية "زا – سا" إذ قال لموقع مارسيليا الرسمي: "أعتقد أنه عندما كنت أصغر سنا، كان زامورانو وسالاس حاضرين دائما في ذلك الوقت، فهم مثال للشباب وكل تشيلي".