كتب : أحمد أباظة
لا جديد تحت الشمس، باريس سان جيرمان يتصدر الدوري الفرنسي، ونابولي على رأس جدول الدوري الإيطالي، وريال مدريد حامل اللقب لا يزال على قمة إسبانيا، وأرسنال يعود في حدث طال انتظاره ليتمسك بالصدارة حتى الآن..
لا شيء يبدو غريبا في الدوريات الخمسة الكبرى، ربما يمر إشبيلية وليستر بانهيار واضح في بداية الموسم، مانشستر يونايتد قلب بدايته السيئة إلى انطلاقة مميزة، ليفربول لا يزال يعاني ولكن تلك الأمور تحدث، وألمانيا ليست بحاجة للنظر إليها من الأساس، فليفعل من شاء ما يشاء وفي النهاية يبقى بايرن ميونيخ على القمة.
لا، هذا ليس الوضع الآن، بايرن ميونيخ ليس على الصدارة. دورتموند؟ لا. لايبزيج؟ أيضا لا.. يونيون برلين على صدارة الدوري الألماني، وبالطبع، لدينا العديد من الأسئلة أولها بداهة: من هو يونيون برلين أصلا؟
يجب أن تكون متابعا جيدا للكرة الألمانية حتى تعلم أن برلين تملك فريقا غير هيرتا من الأساس، رغم أنه عريق وتأسس عام 1906، إلا ان هذه هي أبرز إنجازاته باختصار غير مخل: وصافة الدوري الألماني عام 1923 – وصافة كأس ألمانيا عام 2001 – المشاركة في كأس المعارض الأوروبية مرتين – المشاركة في كأس الاتحاد الأوروبي (الدوري الأوروبي حاليا) لموسم 2001-2002 بناء على وصافة الكأس.
كل ذلك هو كل ما تحقق حتى عام 2018، أي قرابة 112 عاما من تاريخ هذا النادي، لا شيء تقريبا، ولكن لنتفق منذ البداية: الخط الفاصل هو الفاتح من يوليو لعام 2018.
الصياد
السويسري أورس فيشر هو بطل هذه الحكاية الخرافية. مدافع سابق لم يلعب سوى لفريقين في بلاده: زيوريخ وسانت جالين. بدأها ناشئا عام 1973، وختمها معتزلا عام 2003. ثلاثة عقود من ممارسة كرة القدم، على الأرجح ستنتج شخصا يواصل العمل في كرة القدم.
مسيرته كلاعب لا تختلف كثيرا عن تاريخ يونيون برلين، فقد فاز بكأس سويسرا عام 2000 مع زيوريخ، بطولته الوحيدة مع الأندية، أما مسيرته كلاعب دولي، فهي تتكون من 4 مباريات فقط بين عامي 1989 و1991. مجده الوحيد كلاعب هو أنه الأكثر مشاركة في المباريات بتاريخ الدوري السويسري، برصيد 545 مباراة.
يمكنك أن تأخذ الرجل من زيوريخ، ولكن فيما يبدو لا يمكنك أن تأخذ زيوريخ من الرجل. تماما كما كان فريق نشأته لـ 11 عاما، وفريق احترافه لـ 10 سنوات متقطعة، تدرج فيشر في تدريب مختلف مراحله العمرية بعد الاعتزال، حتى صار محطته التدريبية الحقيقية الأولى بين 2010 و2012.
هذه المرة كان زيوريخ بوابة للأمام، رغم أنه أقيل في أعقاب موسم سيئ، إلا أنه انتقل لقيادة كبير بلاده بازل في 2013، وفاز معه بالدوري في 2016، ثم جمع بينه وبين الكأس في 2017.
وخلال ذلك الموسم الناجح، وتحديدا في شهر أبريل، أتت الإدارة الجديدة للنادي وأعلنت أنها لن تجدد عقده.
ربما يتحلى الصياد بالصبر والقدرة على تحمل خيبة الأمل، ولكن وصفه بالصياد هنا ليس تلاعبا باسم فيشر الذي يعني نطقه بالإنجليزية "صائد السمك"، فالرجل يهوى صيد السمك حقا، لكن لا أحد يعلم متى على وجه التحديد تحولت وجهته من صيد الأسماك إلى مطاردة العمالقة..
الأرض الموعودة
تولى فيشر قيادة يونيون برلين في الدرجة الثانية الألمانية، وفي تجربته الأولى على الإطلاق خارج سويسرا، وما الذي كان منتظرا؟ مدرب متوج في سويسرا يبحث عن إعادة اكتشاف مسيرته التدريبية في درجة أدنى ببلاد كروية أقوى؟
بادئ ذي بدء، قاد الفريق في موسمه الأول للمركز الثالث المؤهل لملحق الصعود إلى البوندسليجا، ونجح في إقصاء بطل سابق لها، وهو شتوتجارت بفضل قاعدة الأهداف خارج الأرض.
تأهل غير متوقع، والآن الهدف هو مجرد تأمين البقاء في الدرجة الأعلى لأطول وقت ممكن، وبالفعل، شهدت نهاية موسم 2019-2020 تدرجا جيدا للغاية، إذ أنهى الموسم في المركز الحادي عشر بـ41 نقطة، بفارق 10 نقاط عن منطقة الهبوط، ليضمن تجدد المغامرة لعام إضافي.
بحلول ديسمبر 2020 كانت العاصمة الألمانية بأكملها تدرك أن هذا هو الرجل المناسب، ليتم تجديد تعاقده حتى 2023، ولكن هل يمكن قول أن هناك من توقع ما سيحدث لاحقا؟ على الأرجح لا..
بنهاية موسم 2020-2021، بات يونيون برلين سابع الدوري الألماني برصيد 50 نقطة. لم يعد من المهم احتساب الفارق بينه وبين مناطق الهبوط، مقابل حقيقة أنه كان على بعد 3 نقاط من مركز مؤهل للدوري الأوروبي.
لحسن الحظ الذي أحيانا ما يكافئ المجتهدين، حسم الرجل المباراة الأخيرة بثلاثية في شباك فورتونا دوسلدورف، ولم يعد مضطرا ليبالي بنتيجة مباراة ملاحقه الثامن بوروسيا مونشنجلادباخ الذي فاز بدوره.
ضمن يونيون برلين المركز السابع الذي صار هذا الموسم على وجه التحديد مركزا مؤهلا لبطولة أوروبية مستحدثة تدعى دوري المؤتمر الأوروبي.
للمرة الأولى منذ 20 عاما.. يونيون برلين سيمثل ألمانيا في محفل قاري.
لم تكن التجربة الأفضل بالطبع على صعيد النتيجة، حيث انتهت بالمركز الثالث في المجموعة عقب انتصارين وتعادل و3 هزائم، ولكن بالنظر إلى الأمر من الزاوية الأخرى، فأمامك خيارين لا ثالث لهما: إما كانت تجربة تفيد في صقل هذا الفريق و نقله خطوة للامام، وإما كان هذا الفريق مجرد ضيف عابر على المشاركات الأوروبية ولن يعود إلى هنا قبل 20 عاما على الأرجح.
المجد لما لن تصدقه قبل حدوثه
حسنا، إجابة يونيون برلين كانت قاطعة على هذا السؤال. 57 نقطة احتل بها المركز الخامس وتأهل للدوري الأوروبي، وكان على بعد نقطة وحيدة من المركز الرابع المؤهل لدوري أبطال أوروبا، تخيل أين كان يمكن لذلك الجنون أن يصل..
قصة خيالية، بطلها فريق منظم دفاعيا بسرعات ذات لدغة قاتلة في الأمام. 44 هدفا فقط تلقاها الفريق في الموسم الماضي، ليصبح ثالث أقوى دفاع بعد بايرن ميونيخ ولايبزج.
كل ذلك تحقق بثالث أصغر ميزانية في الدوري الألماني، وشعبية تكاد لا تذكر مقارنة بأقرانه. بمواصفات كهذه "لا يملكون الحق في الإنهاء بالنصف الاول من جدول الترتيب حتى، ولكن ها هم. يونيون برلين مرة أخرى في أوروبا وأفضل فريق في العاصمة بمسافة شاسعة" كما وصف تقرير "بولينيوز" هذه الحالة المحيرة.
البداية الأوروبية متخبطة كالعادة، إذ خسر الفريق أول مباراتين، ولا تخبرني أن فريقا كهذا مطالب بتنظيم أنفاسه بين الدوري والنضال القاري، بينما يخسر تشيلسي على يد دينامو زغرب في منتصف الأسبوع.
الحقيقة الأهم على الإطلاق هي كالتالي: يونيون برلين متصدر الدوري الألماني برصيد 17 نقطة بعد مضي أول 7 أسابيع بـ 5 انتصارات وتعادلين أحدهما أمام بايرن ميونيخ، الذي يبعد عنه بخمس نقاط الآن.
لا ضمانات لاستمرار ذلك بالتأكيد، وفي معركة النفس الأطول عادة ما يكون النصر حليف البافاري، ولكن بحلول الأسبوع السابع، من كان ليقول إن دييجو سيميوني سينتزع دوري 2014 من بين أنياب برشلونة وريال مدريد؟
بحاول الأسبوع السابع في الدوري الإنجليزي الممتاز، من كان ليقول أن كلاوديو رانييري سيضع يده على دوريه الأول على الإطلاق كمدرب مع فريق مثل ليستر سيتي بحلول صيف 2016؟
تبقى المسلمات مسلمات إلى أن يأتي من يحطمها.