كتب : زكي السعيد
مرت 22 عامًا، لكن دوي الصفقة لا يزال حاضرًا، أثرها لم يتلاش، وصدمتها لم تختف.
لويس فيجو انتقل من برشلونة إلى ريال مدريد في صيف 2000، أو صفقة القرن في صياغة أخرى.
النجم البرتغالي كان اللاعب الأفضل في العالم والمعشوق الأول لجماهير برشلونة، عندما اختار ارتداء القميص الأبيض في صفقة كانت سببًا رئيسيًا في فوز فلورنتينو بيريز بالانتخابات الرئاسية.
ومن صلب هذه الصفقة غير العادية، أنتجت منصة نتفليكس وثائقيًا بعنوان "أزمة فيجو: الصفقة التي غيّرت كرة القدم".
ويقدّم لكم FilGoal.com سرد لأبرز النقاط التي تناولها الوثائقي، والكشف عن الدور الخفي لـ باولو فوتري أسطورة أتليتكو مدريد.
الأبطال
نجح منتجو الوثائقي في جمع كل أبطال الصفقة تقريبًا في عمل واحد، مما أعطى القصة جانبًا دسمًا بالكواليس:
أزمة أولى
أولى أزمات فيجو التعاقدية لم تكن عام 2000، بل ترجع 5 سنوات إلى الوراء، وهو ما سلط عليه الوثائقي الضوء.
وقتما كان لاعبًا في سبورتنج لشبونة، وقّع فيجو لـ بارما الإيطالي وكان على وشك الانضمام إلى صفوفه، قبل أن يعترض يوفنتوس الذي حصل على توقيع فيجو أيضًا.
فيجو برر وقتها الأمر بإنه وقّع مع يوفنتوس على "اتفاق مبدئي" وليس تعاقد رسمي.
في النهاية تدخّلت رابطة الدوري الإيطالي وقررت حرمان فيجو من اللعب في سيري "أ" لمدة موسمين مقبلين، وهنا كان تأثير الفراشة.
بسبب تلك العقوبة، اضطر بارما إلى التخلي عن اللاعب، مما فتح باب انضمامه إلى برشلونة.
في الوثائقي تظهر لقطات لـ لورينزو سانز منافس بيريز يشير فيها إلى أن العقد المبدئي مع فيجو غير منطقي خصوصًا مع لاعب وقّع لناديين في نفس الوقت منذ عدة سنوات.
قصة حب
يظهر في جزء غير بسيط من الوثائقي قصة الحب العنيفة التي عاشها فيجو مع برشلونة.
يقول فيجو: "كانت أول محطة لي خارج البرتغال، كنت أعيش في منزل والديّ حتى تلك اللحظة".
على الطائرة رقم TP 718 الخاصة بالخطوط الجوية البرتغالية، انطلق فيجو صوب برشلونة، ووجد في استقباله حشدًا هائلًا من الصحفيين والمصورين.
وبلغة إسبانية يغلب عليها اللكنة البرتغالية، قال فيجو أثناء خروجه من المطار: "آمل أن أكون على قدر تطلعات برشلونة. أنا سعيد للغاية".
نقفز 27 عامًا إلى الأمام ليتحدث فيجو عن تلك اللحظات: "كنت عاشقًا للكرة الجميلة التي قدّمها فريق الأحلام مع يوهان كرويف، ولذا لم يتملكني أي شك. حظيت بمساعدة أغلب اللاعبين الإسبان، خصوصًا بيب (جوارديولا)".
"مرت 20 عامًا بالفعل؟ تبًا".. هكذا كان أول ظهور لـ جوارديولا في الوثائقي وهو يحك رأسه.
"ربما أغلب الأسئلة التي رغبت في طرحها عليه وقتها نسيتها بالفعل، مرور الوقت غريب في هذا الصدد".
يواصل جوارديولا: "كنا لا ننفصل، نقضي كل الوقت معًا. ذهبت إلى كرويف وقلت له: اللعنة! هذا اللاعب الذي استقدمتوه مميز للغاية".
"كان لاعبًا غير عادي، عندما تتعقد الأمور في المباريات الكبيرة، يظهر هو، يطلب الكرة. الكثير من اللاعبين يصعب العثور عليهم في تلك اللحظات، لكنه كان النقيض لذلك تمامًا".
قال جوارديولا تلك التوصيفات بالتزامن مع عرض أهداف نهائي كأس ملك إسبانيا 1997 التاريخي الذي سجل فيه هدفين.
برشلونة كان متأخرًا منذ الدقيقة 11 وفي وضعٍ سيئ، لكن فيجو سجل هدفًا رائعًا بمجهود فردي غير عادي في آخر ثواني الشوط الأول، قبل أن يعود لاحقًا ويسجل هدف الفوز قبل 5 دقائق على نهاية الشوط الإضافي الثاني.
أهمية ذلك التتويج أنه حدث في ملعب سانتياجو برنابيو الخاص بـ ريال مدريد، وعزفت بعد نهايته ألحان أغنية برشلونة، مشهدٌ كان مهينًا للميرنجي، ودفعه إلى رفض استضافة أي نهائي يكون برشلونة طرفًا فيه حتى يومنا هذا.
فيجو منذ ذلك اليوم بات المعشوق الأول لجمهور برشلونة، ونال هتافًا جماعيًا في اليوم التالي أثناء تقديم الكأس.
الوثائقي يسترجع أيضًا لحظات تفوق فيجو في مواجهاته أمام ريال مدريد.
يقول روبيرتو كارلوس: "اللعب أمام فيجو كان يعني أنك لن تنام جيدًا ليلتها، إيقافه كان مستحيلًا، كان أفضل لاعب في العالم".
لاحقًا تُعرَض لقطات الاحتفال بدوري 1999 عندما صبغ فيجو شعره بألوان علم برشلونة.
يقول فيجو في الوثقائقي: "كنت منتميًا لقيم النادي، دافعت عنه حتى الموت، وشعرت أنني واحد منهم".
وهنا تظهر اللقطة الشهيرة لـ فيجو في مبنى البلدية عندما أمسك بمكبر الصوت وقال للجمهور: "أعتقد أن الكثيرين يجب أن يهنئونا بهذا الانتصار: أيها البيض البكائين، باركوا للبطل" في إشارة إلى ريال مدريد.
هتاف ستستعمله الحملة الانتخابية لـ لورينزو سانز لاحقًا لتنفير أعضاء ريال مدريد من فكرة بيريز باستقدام فيجو.
برشلونة لم يكن مجرد نادٍ فحسب لـ فيجو، بل هي المدينة التي كوّن فيها عائلته.
يقول فيجو: "حظيت بفرصة التعرف على زوجتي، وإحدى بناتي وُلدت في برشلونة، كنت سعيدًا".
فيجو التقى بالعارضة السويدية هيلين سفيدين في مدينة برشلونة عام 1996 وتزوجها لاحقًا، ومنها أنجب 3 فتيات.
الوثائقي يتميّز بحصوله على الكثير من تسجيلات الفيديو الشخصية الخاصة بعائلة فيجو، وفي هذا الجزء يظهر احتفال عيد الميلاد الأول لـ دانييلا ابنة فيجو الكبرى قبل رحيله بأشهر، ويتواجد جوارديولا حاضرًا رفقة الأسرة.
يعترف جوارديولا: "عندما رحل فيجو، شعرت بالحزن، لن أنكر ذلك، كنت أفضّل أن يكون إلى جانبي، ليس فقط في الملعب، وإنما خارجه أيضًا".
"تمنيت له التوفيق وأخبرته أنني سأفتقده وانتهى الأمر".
أسوأ رئيس في تاريخ برشلونة
بطل آخر للقصة هو جاسبارت، الرجل الذي ظل نائبًا لـ جوسيب يويس نونيز رئيس برشلونة منذ 1978 حتى 2000.
مع رحيل نونيز، تقدّم جاسبارت لانتخابات النادي ليكون الرجل الأول، وتزامن ذلك كله مع أزمة فيجو الكبرى.
يوجه فيجو انتقادات قوية لـ جاسبارت على مدار الوثائقي، ويبدأ: "ما كان يهمني أن أشعر بأهميتي وبالتقدير في النادي الذي أعطيته الكثير. ربما لم أشعر بالتقدير من الإدارة بالمقارنة مع التقدير الذي تلقيته من الجمهور".
"سعادتي كانت تكمن في قدرتي على لعب كرة القدم، ولكن أيضًا أن يعترفوا بي ويقدروني. عندما ينتابك هذا الشعور أنهم لا يقدرون ما تعطيه، فربما الجانب الآخر (ريال مدريد) يقدرونك من كل الجوانب".
عندما وصل نبأ اهتمام ريال مدريد لـ فيجو، لم يتعامل مع الأمر بكثير من الحماس أو الجدية، لكنه رفقة وكيله حاولا الاستفادة من ذلك العرض لتجديد وتحسين العقد مع برشلونة.
يقول فيجا وكيل فيجو: "جاسبارت لم يكن شخصًا سهلًا، كان شخصًا لا يفي بوعوده".
"ذهبت وأخبرته أنه لدينا عرض أفضل دون أخبره بهوية النادي، وأننا نرغب في تحسين عقد فيجو مع برشلونة".
يرد جاسبارت: "كل فترة كان فيجو وفيجا يطلبان تحسينًا في قيمة التعاقد".
ثم يعود فيجا للحديث: "جاسبارت رد أنه لا يفكر في تجديد أي عقد. أخبرته أنه سيخسر فيجو لو لم يأخذ خطوة للأمام. أخبرني أن ذلك مستحيلًا وأنني أبتزه. قال لي: لو دفع أحد الشرط الجزائي في عقده وأحضر لي قيمة المبلغ، فإنني سأهديك أنت وفيجو تذكرة سفر درجة أولى وسأفرش لكما السجادة الحمراء في طريق سفركما".
يعلق فيجو: "كنت أنتظر أفضل من ذلك، كنت أنتظر مزيدًا من العاطفة والاعتراف، هو اعتقد أنني أتفاوض لتحسين عقدي مع برشلونة".
لاحقًا في نهايات الوثائقي يسترجع جاسبارت الساعات الأخيرة لـ فيجو كلاعب لـ برشلونة.
يقول جاسبارت: "فيجو هاتفني وهنأني بفوزي بالانتخابات، فسألته متى سيعود لـ برشلونة، فأخبرني أن ذلك يتوقّف عليّ. قال لي: لدي تذكرتي سفر، واحدة من لشبونة إلى برشلونة، والأخرى من لشبونة إلى مدريد، والأمر يتوقف عليك لأتخذ قراري".
"فسألته كيف يتوقف عليّ؟ فطلب مني ضمانًا بنكيًا بقيمة 500 مليون بيزيتا إسبانية (30 مليون يورو). فقلت له إنني لا يمكنني فعل ذلك في الثانية عشر منتصف الليل، وأنت تطلب مني المستحيل".
"عندها أخبرني: حسنًا، سأذهب إلى مدريد. فقلت له: حسنًا، اذهب إلى مدريد، فلتقض وقتًا سعيدًا، رحلة سالمة، ماذا تريد أن أخبرك؟".
هنا يرد فيجو في حزم: "أكذوبة، أكذوبة".
يتذكر جاسبارت ما حدث بعد صفقة الانتقال: "لقد نطحوني كما ينطحون الثيران، كانت مجزرة".
"بيريز لا يزال رئيسًا لـ ريال مدريد، وأنا كنت واحدًا من أسوأ رؤساء برشلونة، نقطة".
يقول بيريز: "دائمًا أقول لـ فيجو: معك بدأ كل شيء".
البطل الحقيقي؟
ربما لأسباب إخراجية تتعلق بالتشويق، لا يظهر بيريز في الوثائقي إلا في آخر 40 دقيقة.
بيريز يجلس، ويبدأ حديثه: "البطل هو أنا، أنا من يعرف الحقيقة"، هو نفس العبارة التي بدأ بها فيجو الوثائقي.
عبارة تلخّص كيف ينظر بيريز للقضية بأكملها، وكيف استعمل فيجو للتسلق إلى رئاسة ريال مدريد.
ما حدث ذلك الفوز كان تتويج ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا لثاني مرة في آخر 3 مواسم.
وبالتالي كان الرئيس سانز في وضعٍ أقوى من أي وقت مضى، لذلك اتخذ قراره بتقديم انتخابات النادي لتقام في 2000 بدلًا من 2001 ظنًا منه أن فرصه في الفوز وإطالة مدة بقائه ستكون أكبر.
تأثير فراشة آخر، لأن منافسه كان رجل الأعمال الثري بيريز، عضو في ريال مدريد منذ أيام طفولته الأولى.
بيريز كان اسمًا مغمورًا في عالم كرة القدم، لكنه فاجأ الجميع بثقته العمياء في الفوز بالانتخابات وهدوئه الشديد في أحاديثه التلفزيونية خلال تلك الأسابيع السابقة للسباق.
يقول هييرو: "كنا نعرف أنه رجل أعمال مهم وصاحب نفوذ يحب كرة القدم وقد تقدّم للانتخابات، لكن في الحقيقة كنا نعرف القليل جدًا عنه".
بينما يتحدث روبيرتو كارلوس عن رد فعله عند سماع نبأ إمكانية قدوم فيجو: "لم أصدق ذلك، تحدثت مع هييرو وإيكر (كاسياس) عبر الهاتف".
يؤكد هييرو: "بصراحة كان أمرًا لا يُصدَق، كنا نعرف جميعًا شرطه الجزائي، أنا شخصيًا اعتقدت أن ذلك مستحيل".
قبل 5 أيام على انتخابات ريال مدريد ألقى بيريز القنبلة الختامية: "لو فزت برئاسة ريال مدريد، لويس فيجو سيكون لاعبًا لـ ريال مدريد. ولو لم أف بهذا الوعد، سأدفع اشتراكات كل الأعضاء".
وبينما اشتعل الوضع في مدريد وبرشلونة، اتجه فيجو رفقة عائلته لقضاء الإجازة الصيفية في جزيرة ساردينيا بعد توديع يورو 2000 على يد فرنسا.
في النهاية تمكّن بيريز من الفوز بالانتخابات في مفاجأة مدوية، وأطاح بـ سانز من عرشه، وترقّب العالم قدوم فيجو.
يقول بيريز في ظهوره المتأخر بالوثائقي: "لم يتملكني الشك في أي لحظة من صفقة فيجو".
لكن الموقف تعقد عندما أخبر فيجو وكيله فيجو ورفيقه فوتري أنه "لن يذهب أبدًا إلى ريال مدريد".
فوتري يقول: "صرخ فينا فيجو وطلب منا التوقف عن مكالمته وأن ندعه في هدوء".
وهنا ظهرت أزمة العقد المبدئي الذي وقّع عليه فيجا مع بيريز، وهو ما نستعرضه في الفصل الأخير من هذا التقرير.
قوة الكلمة
إدارة النادي، اللاعب، وكيله... من المفترض أن ذلك المثلث هو المسؤول بالكامل عن إتمام أي صفقة، لكن في حالة فيجو، تحوّل المثلث ليكون مربعًا بعد أن أضيفت إليه الصحافة.
صحافة كتالونيا لعبت دورًا هائلًا في الضغط على فيجو قبل إتمام الصفقة، ثم مهاجمته بشراسة بعد إتمامها، مما دفعه لمقاطعتها حتى يومنا هذا.
في المقابل، لعبت صحافة مدريد دورًا مهمًا في إتمام الصفقة، تحديدًا خوسيه رامون دي لا مورينا الإذاعي الإسباني الشهير.
ويشتهر دي لا مورينا بكونه مُقدّم ومُعد برنامج "اللارجيرو" عبر إذاعة كادينا سير لمدة 3 عقود تقريبًا، ويعد صوتًا إذاعيًا ترعرعت على سماعه عدة أجيال في إسبانيا.
ما فعله دي لا مورينا في صفقة فيجو كان ببساطة: إطلاق القنبلة. هو أول من أعلن عن نية بيريز في التوقيع معه.
يظهر دي لا مورينا في الوثائقي ليجيب أولًا على سؤال: "لماذا قد يرغب شخص في أن يكون رئيسًا لـ ريال مدريد؟".
ليرد دي لا مورينا: "لماذا يرغب شخص في أن يكون رئيسًا لبلد؟ من أجل السلطة، من أجل القيادة".
يسترجع دي لا مورينا كواليس لقائه مع بيريز الذي عرف خلاله بنية الترشح لرئاسة ريال مدريد.
يقول دي لا مورينا: "أتذكر أننا كنا نتناول الطعام، وأخبرته أن فوزه بالانتخابات يعد أمرًا مستحيلًا، وأنه لا يمتلك الخبرة اللازمة، وأنه لن يصمد يومين في عالم كرة القدم بسبب شراسة المنافسين".
مر بعض الوقت وعرف دي لا مورينا بنية بيريز إطلاق قنبلة في عالم كرة القدم وضم فيجو.
وقتها قال دي لا مورينا لـ بيريز: "سأنشر الخبر".
ليرد بيريز: "لو فعلت ذلك، فإنك ستقضي عليّ، اللعنة، ستغرقني".
دي لا مورينا تشبث: "سأعلن عن الخبر في منتصف الليل (وهو وقت البرنامج)".
تزامن ذلك اليوم مع حفل زفاف ميتشل سالجادو لاعب ريال مدريد ومالولا سانز ابنة لورينزو سانز رئيس النادي.
دي لا مورينا كان مدعوًا على حفل الزفاف، ويتذكر: "نظرت إلى الساعة وكانت السادسة والنصف مساءً، فقلت: لماذا أنتظر حتى منتصف الليل؟ سأعلن عن الخبر الآن".
دخل دي لا مورينا سيارته، وظهر على عبر الهاتف على إذاعة كادينا سير: "لو فاز بيريز بانتخابات ريال مدريد، سيضم لويس فيجو".
واحدة من الاكتشافات الجديدة التي يفصح عنها الوثائقي هي قصة تعهد بيريز بسداد اشتراكات كل أعضاء النادي حال فوزه بالانتخابات وعدم نجاحه في استقدام فيجو.
الطريف أن دي لا مورينا هو من اخترع ذلك خلال تلك المكالمة مع إذاعة كادينا سير، شيء أثار غضب بيريز بشكلٍ إضافي لأنه لم يكن ينويه، واضطر لاحقًا لتأكيده علنًا لتقوية موقفه أمام الأعضاء.
يتابع دي لا مورينا: "بمجرد نشر الخبر، هاتفني بيريز وقال لي: أيها الوغد لقد أفسدت كل شيء وفوق ذلك قلت إنني سأدفع اشتراكات الأعضاء!".
صحفي ومحلل آخر شهير هذه الأيام هو خورخي فالدانو، كان مديرًا رياضيًا في مشروع بيريز الانتخابي.
يقول فالدانو لاعب ومدرب ريال مدريد السابق في الوثائقي: "بيريز حدثني عن رغبته في ضم فيجو خلال أول اجتماع بيننا، سألني عن رأيه في اللاعب، لقد استهدف أفضل لاعبي العالم منذ اللحظة الأولى".
بطل آخر للقصة من الصحافة كان خوسيه فيليكس دياز المسؤول عن قسم ريال مدريد في صحيفة ماركا.
يُعرَف فيليكس دياز حاليًا بين أوساط جمهور ريال مدريد وقت موسم الصفقات، لكن فترته الذهبية كانت صيف 2000 تزامنًا مع صفقة فيجو.
أول تحرُك لـ دياز كان بعد إعلان دي لا مورينا عن اهتمام بيريز بخدمات فيجو.
دياز تمكّن من إجراء حوار حصري عبر ماركا مع جوزيه فيجا اعترف خلاله أنه تحدّث مع بيريز بالفعل، لتكون بمثابة القنبلة في سوق الانتقالات.
صحافة كتالونيا بدورها حاولت توجيه الأحداث، واستطاعت صحيفة "سبورت" الحصول على مقابلة حصرية مع فيجو ينفي فيها إمكانية انتقاله إلى ريال مدريد بشكل قاطع.
الحوار كان بمثابة طعنة هائلة لحملة بيريز الانتخابية، ليهاتف جوزيه فيجا ويخبره: "كيف حدث ذلك؟ كيف يمكن نشر تلك المقابلة؟".
يتذكر فيجا ما حدث: "حاولت تهدئة بيريز، وهو في المقابل قال لي: حسنًا، فليجر مقابلة مع صحيفة ماركًا إذًا".
وفي تصاعد جنوني للأحداث، صرّح فيجو عبر ماركا أن كل شيء وارد وفتح الباب أمام انتقاله إلى ريال مدريد.
من جانبه، يظهر توني فريروس مدير تحرير صحيفة سبورت الكتالونية ويتحدث عن دوره البارز في محاولة إبقاء فيجو في برشلونة.
يتذكر فريروس: "هاتفني فيجو من إجازته وقال لي إنه يجب إيقاف كل هذه الشائعات الجارية، وبالتالي سافرت صحيفة سبورت لجزيرة ساردينيا للالتقاء به، ولم يشهر أحدًا سلاحًا في وجهه".
ظهر فيجو في تلك المقابلة مرتديًا قميص برشلونة ومؤكدًا على استمراره في الفريق، وعدم انتقاله إلى ريال مدريد سواء فاز أو خسر بيريز".
يعلّق فيجو على تلك المقابلة: "كنت أؤمن في تلك اللحظة أنني سأستمر مع برشلونة".
البطل الخفي
ربما لا يكشف الوثائقي عن كثير من الأسرار التي لم تكن نعرفها سابقًا، فعلى مدار السنوات نُشرَت العديد من التحقيقات والحوارات الصحفية ومنها تعرفنا على ما حدث من وجهة نظر كل طرف.
لكن ما يسلط الوثائقي الضوء عليه أكثر من أي وقتٍ مضى، هو دور باولو فوتري الخفي.
فوتري كان الفتى الذهبي لكرة القدم البرتغالية في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، ولولا الإصابات المتكررة والشرسة لدامت مسيرته أبعد من 1998 عندما اعتزل عن عمر 32 عامًا.
فوتري توج بدوري أبطال أوروبا 1987 مع بورتو، ثم انتقل إلى أتليتكو مدريد وبات معشوق الجماهير الأول بقيادته الروخيبلانكوس للفوز بكأس ملك إسبانيا مرتين.
نهائي 1992 تحديدًا كان لا يُنسى، فقد فاز أتليتكو على ريال مدريد في قلب سانتياجو برنابيو، وفوتري سجل الهدف الثاني في مباراة كان بطلها الأول.
ربما بسبب هذه المباراة وكونه رمزًا لـ أتليتكو مدريد، لا يحظى فوتري بكثير من مشاعر التعاطف لدى جمهور ريال مدريد، لكن كل ذلك تغيّر بالتأكيد يوم 25 أغسطس 2022 عندما أطلقت نتفليكس وثائقي فيجو، لأنه ولأول مرة، عرف العالم أن فوتري كان سببًا أساسيًا في إتمام الصفقة.
يتذكر فوتري ما حدث: "في وقتٍ متأخر من الليل، تلقيت مكالمة، شخص قال ليِ: أيها البرتغالي، أين أنت؟ فأخبرته: أنا في مدريد".
ويواصل: "طلب مني الحضور بسبب أمر عاجل، فذهبت ورأيت ذلك المبنى الضخم، دخلت، والسكرتيرة اصطحبتني إلى مكتب، وهناك التقيت بـ فلورنتينو بيريز لأول مرة".
هذا المبنى الضخم هو مقر شركة ACS للمقاولات التي يمتلكها بيريز والسبب الأساسي في ثرائه الفاحش.
يتابع فوتري: "كانت أول مرة في حياتي أسمع هذا الاسم، أخبروني أنه ينوي الترشح لرئاسة ريال مدريد في حال استطاع جلب لويس فيجو. ظننت أنها مزحة".
يقول فيجو مبتسمًا -لمرة نادرة خلال الوثائقي-: "فوتري كان مثلي الأعلى في طفولتي، ظهر فجأة في عملية انتقالي، إنه قادر على فعل كل شيء".
يتابع فوتري كواليس تلك الليلة الحاسمة في مكتب بيريز: "هاتفت وكيل فيجو، صديقي جوزيه فيجا، وأخبرته عن ذلك المرشح الذي يرغب في استقدام فيجو إلى ريال مدريد".
ما حدث أن فيجا لم يصدق ذلك، وقال لـ فوتري: "دعنا نتحدث غدًا"، لم يتعامل فيجا مع الأمر بجدية، وأغلق الهاتف في وجه فوتري.
يتذكر فوتري رد فعله: "عندما أغلب فيجا الهاتف في وجهي، ادعيت أنني لا أزال أتحدث معه لمدة 30 أو 40 ثانية إضافية، كنت أفكر خلال ذلك الوقت فيما سأقوله لـ بيريز. تلك الـ 30 ثانية كانت مفتاح الصفقة بأكملها، ظللت أفكر، لو كان بيريز قادرًا على دفع 72 مليون يورو كاش، فإنه قادر على دفع المزيد".
"عندها وضعت الهاتف على الطاولة وقلت لـ بيريز: لقد طلب فيجا 10 ملايين يورو عمولة".
"فرد عليّ بيريز: 5 ملايين. ثم وصلنا إلى 6 ملايين!".
"خرجت وهاتفت فيجا مجددًا: لا تغلق الهاتف في وجهي، انتظر، انتظر، 6 ملايين يورو من العمولة تنتظرنا".
"في ذلك اليوم بدأت قصة فيجو، بدأت بأكذوبة".
"لن أنسى أبدًا الحوار الذي جمعني بـ فيجو لاحقًا، قلت له: لقد اعتزلت منذ عام ونصف، وحتى اللحظة لم يدعني الاتحاد البرتغالي لأي مباراة تكريمية. أخبرك بذلك لأنه في النهاية لا يهم عدد الميداليات أو الكرات الذهبية أو حتى دوري أبطال أوروبا، في النهاية ما يهم هو المال، المال الذي ستحصده".
حصل فوتري على عمولة بلغت 1,5 مليون يورو من عملية انتقال فيجو، فيما نال فيجا 3,5 ملايين يورو.
العقد التاريخي
في 2022، فشل بيريز في حسم صفقة الفرنسي كيليان مبابي، خُدع على الأرجح، ونال موافقة ممثلي اللاعب، قبل أن يُصدَم بقرار تجديد الفرنسي مع باريس سان جيرمان.
لكن منذ 22 عامًا، لم يكن بيريز ليسمح بوضع حملته الانتخابية على المحك، ولهذا أجبر جوزيه فيجا على توقيع الاتفاق المبدئي الشهير.
في ذلك العقد، وُجد شرط جزائي قيمته 30 مليون يورو يجب دفعها لـ بيريز حال فوزه بالانتخابات وعدم موافقة فيجو على القدوم لـ ريال مدريد.
يتذكر جاسبارت: "الأمر الخطير في عملية انتقال فيجو وما يعد خيانة بالفعل، هو أن فيجو يقول إن فيجا وقّع على عقدٍ مبدئي دون موافقته، أنا لا أصدق ذلك تمامًا. كيف يمكن لـ فيجا أن يفعل ذلك لو لم يمتلك موافقة فيجو؟".
ويشرح فيجو: "فيجا تحدث معي عن الأمر وقلت له أن يفعل ما يجب عليه فعله، لم أكن ملمًا بالتفاصيل، ولا أعرف حقًا إن كان هناك عقد مبدئي أم لا".
يقول فيجا: "نعم، وقعت ذلك العقد. فيجو لم يوقّع. فيجو لم ير ذلك العقد أبدًا. بيريز لم يمتلك أي نسخة منه. أنا من امتلك النسخة الوحيدة. هاتفت فيجو وقرأت عليه نص العقد وسألته إن كنت أستطيع التوقيع، فقال لي: نعم، يمكنك".
يتذكر بيريز ذلك العقد: "كان مجرد دافع فحسب، فيجو لم يوقع عليه أبدًا، كان عقدًا وقعت عليه مع فيجا لإبداء حسن النوايا، خصوصًا أن فيجا لم يكن يملك أي سلطة للتوقيع باسم فيجو".
يقول فوتري: "كانت مشكلة هائلة، توجب على أحد تسديد ذلك المبلغ: 30 مليون يورو، ولذلك استأجرنا طائرة خاصة وسافرنا إلى ساردينيا لإقناع فيجو بالانضمام إلى ريال مدريد".
عندما هاتفاك من الفندق وأخبراك أنهما هناك، في ماذا فكرت؟ يرد فيجو: "ماذا يفعل هذان هنا؟؟".
يقول فيجا: "هيلين زوجة فيجو كانت حزينة للغاية ومنزعجة من كل ما يحدث، ولويس كان متوترًا ولا يرغب في الاستماع".
يواصل فوتري: "ظللنا نتبعه طوال اليوم، في البداية ذهبنا خلفه إلى المطعم، ثم الشاطئ".
يُكمل فيجا: "ذهبنا خلفه إلى الشاطئ ونحن نرتدي بذلات رسمية ورابطة عنق".
يتذكر فوتري: "أتفهم موقفك يا لويس، ولكن لو لم تذهب، فيجب أن يدفع أحد 30 مليون يورو لـ ريال مدريد. دعنا نستأجر طائرة ونذهب إلى لشبونة ونلتقي بيريز ونعتذر له وأن تخبره أنك لا تريد اللعب في ريال مدريد".
أمام الضغوطات، استسلم فيجو لرفيقيه ووافق على ركوب تلك الطائرة صوب مدينته الأم، لم يكن يعرف أن ذلك القرار سينهي حكايته مع برشلونة للأبد.
وصل فيجو إلى البرتغال والتقى بيريز لأول مرة، ورئيس ريال مدريد بدأ في ممارسة سحره.
بيريز يقول: "قلت له إنني أريد استقدام أفضل لاعبي العالم، نريد خلق شيء سحري في ريال مدريد".
عندها ذهب فيجو للتحدث مع زوجته هيلين عبر الهاتف. يقول فوتري: "كانا يتحدثان بالإنجليزية، ظل يقول: نعم، نعم، نعم، نعم، نعم، نعم. وعندما أغلق الهاتف التفت إلينا وقال: لا أستطيع التوقيع".
يواصل فوتري حديثه: "هنا تحدث بيريز مجددا وقال له: ستكون نجمي، ستكون لاعبًا لـ ريال مدريد يا لويس. أنا لا أريد الـ 30 مليون يورو، أريدك أنت، أريد صناعة أفضل فريق في العالم".
وعلى ما يبدو، فإن تلك العبارة هي ما أقنع فيجو أخيرًا بالانضمام إلى ريال مدريد.
يقول فيجو في الوثائقي: "ما أردته حقًا أن أتواجد في مكانٍ يقدّرني، هذا كان السبب الأساسي الذي أخذني إلى ريال مدريد، لقد أرادوني حقًا".
"ذهبت لتلقي مزيد من الأموال؟ نعم. لكني أعتقد أنه لو استمررت في برشلونة لحصدت نفس الأموال. ولهذا هناك لحظات مهمة عليك أن تفكر فيها في نفسك".
وأخيرًا يكشف فيجا: "عندما حل الصباح وبدأت الشمس في الشروق، وقّع فيجو على عقد انضمامه إلى ريال مدريد".
وخلال تقديمه لاعبًا جديدًا لـ ريال مدريد، حضر ألفريدو دي ستيفانو الرئيس الشرفي للنادي وأفضل لاعب في تاريخه، وظهر فيجو عابث الوجه بشكل جلي.
يفسّر فيجو ملامح وجهه في تلك اللحظة خلال الوثائقي: "في تلك اللحظة تفكر في الكثير من الأشياء، ولا تكون قادرًا على التعبير عن مشاعرك. أن تتخذ هذا القرار وفجأة تجد نفسك في مدريد ويتم تقديمك، هو مزيج من المشاعر. لم أكن في أفضل حالاتي للتعبير عن السعادة، كنت متأثرًا بعض الشيء".
بعد عدة أسابيع، جاء وقت الجحيم، ارتحل ريال مدريد لمواجهة برشلونة في كامب نو، لويس فيجو في معقل الكتلان لأول مرة بالقميص الأبيض، ولم يكن ينتظره إلا الغضب غير المسبوق.
يقول روبيرتو كارلوس: "بكل صراحة، في تلك المباراة دخلنا لإجراء عمليات الإحماء، ولو قام الحكم بإلغاء المباراة، لشعرت بالامتنان".
ويعترف جوارديولا: "من الجلي أن غلاف صحيفة سبورت ساهم في تأجيج الجماهير وجعلهم يشعرون بأنهم تعرضوا للخيانة".
ويتذكر فالدانو: "كانت أجواء لا تُحتمَل، لم أر أمرًا مشابهًا طوال حياتي".
هتافات عنيفة: "مُت يا فيجو، زوجتك عاهرة، البرتغالي ابن العاهرة" وغيرها من اللافتات الضخمة التي وصفت فيجو بـ "يهوذا".
لكن هل فكر فيجو في الغياب عن تلك المباراة لتجنب غضب الجمهور؟
يقول قائده هييرو: "أولًا، لا يحق لأحد منا أن ينصحه بذلك، ثانيًا، من يعرف فيجو جيدًا سيدرك أن ذلك ليس خيارًا بالنسبة له".
ويؤكد فيجو: "لا، هذا يفعله فقط الجبناء. هذا كان سينصر من كانوا يهاجمونني".
"رد فعل الجمهور كان بسبب ما فعلته الصحافة، لم يعد الأمر متعلقًا بصفقة انتقال، بل طال الأمر شخصي وعائلتي، ولهذا من تلك اللحظة وضعت علامة "إكس"، لقد انتهى الأمر".
-----
قضى فيجو 5 مواسم في ريال مدريد خاض خلالها 245 مباراة مرتديًا القميص 10، وسجل 58 هدفًا.
وفاز فيجو مع ريال مدريد بالدوري الإسباني مرتين، وبدوري أبطال أوروبا، وبكأس إنتركونتننتال، وبكأس السوبر الإسباني مرتين، وبكأس السوبر الأوروبي مرة.
كما حصد جائزة الكرة الذهبية بعد 6 أشهر فقط في صفوف النادي.
في النهاية، قضى فيجو إجمالًا 10 سنوات في الملاعب الإسبانية، في نصفها نُعت بـ "الخائن".