في نوفمبر من عام 1932 خرج كابتن فريق «Lions» الإنجليزي لهوكي الجليد إلى الصحافة ليقول: «لقد نجحنا في التعاقد مع لاعب مصري يلعب هوكي الجليد كما كان يلعب حسين حجازي كرة القدم، إنه أفضل من يلعب في صفوفنا الآن. رحبوا معنا بلاعبنا الجديد حبيب سرسق».
خبر رصدته صحيفة «Excelsior» الفرنسية، وأشارت فيه إلى تصريحات كابتن الفريق «J.C.Magwood» التي مدح فيها زميله المصري الجديد الذي لم يكن قد أتم عامه العشرين بعد.
تقرير صحيفة Excelsior في عددها الصادر بتاريخ 2 نوفمبر 1932
مصري يحمل اسمًا غير مألوف مثل سرسق، ويلعب لعبة لا يمكن ممارستها في مصر التي لم تعرف طبيعتها الجغرافية سقوط الجليد بل ويبرع فيها حتى يقارَن أداؤه بأداء أبي الكرة المصرية حسين حجازي في كرة القدم، كان دافعًا كبيرًا نحو البحث عن رحلة سرسق فوق جليد الإنجليز.
من هو حبيب سرسق؟
ولد المصري ذو الأصول اللبنانية حبيب سرسق في القاهرة عام 1913 في سراي الجزيرة (موقعه الحالي فندق ماريوت الزمالك) لعائلة سرسق التي حضر بعض أفرادها إلى مصر في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.
فتح حبيب عينيه على العالم ليجد نفسه ابنًا لعائلة من الأغنى في الوطن العربي، ويحتل أبناؤها مناصب قيادية مهمة في لبنان والقاهرة، وبدأ خطواته الأولى مع الرياضة في قلب نادي الجزيرة الذي كان حكرًا على الجالية الإنجليزية في القاهرة وعلية القوم من المصريين.
في زمان خطت فيه كرة القدم خطواتها الأولى وكانت بكل تأكيد بعيدة عن اهتمامات رواد نادي الجزيرة، مارس حبيب ألعابًا أخرى على رأسها التنس التي برع فيها منذ الطفولة. وفي مراهقته انتقل حبيب إلى سويسرا حيث تعرف هناك على لعبة هوكي الجليد.
سويسرا.. الخطوات الأولى على الجليد
بدأ المصري رحلته الأولى مع اللعبة حين كان في عمر الثامنة على الجليد السويسري، وبدأ رحلته الاحترافية مع اللعبة قبل أن يتم عامه الثامن عشر، حيث لعب ضمن صفوف فريق «Le Rosey» الذي لعب نهائي بطولة الدوري السويسري في عامي 1931 ,1932 وخسرهما في المرتين أمام فريق «Davos».
على الرغم من خسارة المباراتين فإن سرسق نال مديح الصحافة السويسرية في المباراتين، حيث قالت صحيفة «Neue Zürcher Nachrichten» في تغطيتها المباراة النهائية عام 1932 إن سرسق كان أفضل لاعبي فريقه، وهو ما جعل منتخب سويسرا يستعين به للمشاركة على المستوى الدولي.
تقرير المباراة النهائية للدوري السويسري عام 1931 من صحيفة Neue Zürcher Zeitung
تقرير المباراة النهائية للدوري السويسري عام 1932 من صحيفة Neue Zürcher Nachrichten
قبل أن يكمل المصري عامه العشرين سيرحل عن سويسرا إلى إنجلترا التي ستشهد سطوع نجمه وتألقه.
لندن.. المجد والشهرة
انضم حبيب سرسق إلى فريق «London Lions» عام 1932، وهناك بدأ رحلة جديدة على الجليد الإنجليزي حيث دفع تألقه منتخب إنجلترا إلى الاستعانة به بين صفوفه.
في مارس من عام 1932 كتبت صحيفة «The Daily Mirror» الإنجليزية -والتي ستجد ذكرها كثيرًا في هذا المقال- خبرًا عن المنتخب الإنجليزي الذي سيستضيف منتخب أمريكا في بطولة دولية قالت فيه إن حبيب سرسق الذي يبلغ من العمر 20 عامًا أصبح متاحًا وهو ما سيجعل المنتخب الإنجليزي يدخل المباراة بأقوى تشكيلة متاحة.
يظهر في التشكيل الذي كتبته الصحيفة اسم حبيب سرسق ضمن خط الهجوم وبجوار اسمه نجد اسم «London Lions» أول الأندية التي لعب لها حبيب خلال وجوده في إنجلترا.
تقرير صحيفة The Daily Mirror بتاريخ 20 مارس 1933
بعد موسم وحيد قضاه ضمن صفوف «London Lions» انتقل لاعب الهجوم المصري إلى صفوف فريق «Queen's».
في نوفمبر من عام 1933 مع بداية الموسم الجديد في إنجلترا سيبدأ ظهور حبيب ضمن تشكيلة فريق «Queen's» وهو ما نشر في تقرير لصحيفة «The Daily Mirror» بتاريخ 8 نوفمبر عن كون حبيب سرسق هو المصري الوحيد في فريقه الذي يسيطر عليه الكنديون.
تقرير صحيفة The Daily Mirror بتاريخ 8 نوفمبر 1933
ستشهد الأيام التالية إصابتين قويتين لحبيب، الأولى خلال مواجهة في الدوري تعرض فيها للارتجاج وبعدها بأيام قليلة سيصاب في الكتف خلال مواجهة تجريبية للمنتخب الإنجليزي أمام فرنسا.
تقرير صحيفة The Daily Mirror الصادرة بتاريخ 22 نوفمبر 1933عن مباراة إنجلترا وفرنسا
سيعود حبيب مرة أخرى للمشاركة مع فريقه ومع منتخب إنجلترا في العام التالي، ولأول مرة سيأتي ذكر مهارته الكبيرة في لعبة أخرى وهي التنس، وذلك في تقرير نشر في فبراير عام 1934 في صحيفة «Evening Despatch» تحت عنوان «نجم مصري» أشارت فيه إلى تاريخ سرسق، فذكرت أنه ولد لعائلة غنية في القاهرة وأنه مثَّل إنجلترا وسويسرا على المستوى الدولي في هوكي الجليد، بالإضافة إلى تمثيله المنتخب المصري في رياضة التنس.
تقرير صحيفة Evening Despatch في فبراير 1934
ترك سرسق فريق «Queen's» بعد نهاية الموسم وعاد إلى القاهرة، قبل أن ينجح نادي «Richmond Hawks» في ضمه إلى صفوفه ليلعب معه لموسمين وهي آخر محطات المصري مع هوكي الجليد في إنجلترا، عاد بعدها إلى القاهرة ليستكمل رحلته الرياضية مع لعبة أخرى عشقها منذ طفولته وهي التنس.
حبيب سرسق بالقميص رقم ٨ خلال لعبه في صفوف Richmond Hawks
سرسق والتنس
لا نملك الكثير من المعلومات عن رحلة حبيب سرسق مع التنس. تلك اللعبة التي لم تحظَ بتوثيق لتاريخها في مصر مثل الألعاب الأكثر شعبية، لكن ما وصلنا إليه يؤكد لنا قيمة حبيب في تاريخ التنس المصري.
في هذه الصورة نرى المنتخب المصري الذي يستعد للمشاركة في كأس ديفيز للتنس ويتوسطه حبيب سرسق، الذي يشار إليه في الكلام المكتوب أسفل الصورة أنه كابتن المنتخب المصري.
أيضًا لعب سرسق دورًا مهمًّا في جلب أفضل لاعبي التنس للمشاركة في البطولات التي كانت تقام في مصر، حين شغل منصب سكرتير الاتحاد المصري للعبة كان على رأسهم الإسباني مانويل سانتانا والإيطالي نيكولا بيترانجيلي.
أما دوره الأهم في الاتحاد المصري للتنس فجاء في جهود بذلها سرسق منحت مصر ثلاثة ألقاب في بطولات الجراند سلام في خمسينيات القرن الماضي بعد إقناعه ياروسلاف دروبني المصنف الأول عالميًّا في التنس بالمشاركة في البطولات تحت العلم المصري بعد هروبه من تشيكوسلوفاكيا.
خطوة موفقة من سرسق كافأه عليها دروبني حين منح مصر وإفريقيا اللقب الوحيد في بطولة ويمبلدون للتنس عام 1954. جاء ذلك بعد تتويجه بلقبي رولان جاروس عامي ١٩٥١ و١٩٥٢ وقد شارك فيهما أيضًا كلاعب مصري.
ياروسلاف دروبني
سرسق.. وثورة 1952
لم يجنِ سرسق ثمار الإنجازات التي حققها دروبني تحت راية العلم المصري، فبعد قيام ثورة 1952 عانت عائلته واضطرت أسرته للعودة إلى لبنان، بينما لحق بهم حبيب بعد عدة أشهر قضاها في السجن حتى تدخلت الرئاسة اللبنانية للإفراج عنه ليعيش سرسق حياته بين لبنان ومصر، إلى أن مات في القاهرة في عام 1981 بعد رحلة طويلة مع الرياضة حفر فيها اسمه في التاريخ الرياضي للوطن.
الرسالة
"مساء الخير،
أتمنى أن تكون في أفضل حال،
أكتب خلال هذه الفترة موضوعًا عن رجل مصري اسمه حبيب سرسق، ولد في القاهرة عام ١٩١٣ ومات فيها عام ١٩٨١. يراودني إحساس أن لك صلة قرابة بهذا الرجل. إذا كان تخميني صحيحًا أرجو الرد فلديَّ بعض الأسئلة عن حبيب سرسق لا أجد لها إجابات."
جاء الرد في اليوم التالي:
"نعم لديَّ معرفة بالرجل لكن أريد أن أعرف هدف الموضوع وأين سينشر؟".
بعد الإجابة عن التساؤلات:
"نعم أنا نيشا سرسق. أما الرجل الذي تسأل عنه فهو والدي".
كانت تلك الرسالة إلى حساب على «فيسبوك» لرجل ينتهي اسمه بلقب سرسق مع بعض المعلومات في حسابه عن وجوده في القاهرة خلال فترة الدراسة. رسالة أرسلت دون آمال معلقة فأصبحت هي الأهم في رحلة البحث عن قصة حبيب سرسق. فمعها ارتبطت كل الخيوط وحلت الألغاز بكم كبير من المعلومات منحنى نيشا إياها بكل حب لوالده وبإدراك تام لأهمية توثيق رحلة الفرعون الطائر على الجليد.
الصحافة.. فن الشك والمحاولة.
المصادر
أرشيف صحيفة Excelsior
أرشيف صحيفة The Daily Mirror
أرشيف صحيفة Evening Despatch
أرشيف صحيفة Neue Zürcher Zeitung
أرشيف صحيفة Neue Zürcher Nachrichten
أرشيف أسرة حبيب سرسق