كتب : أحمد أباظة
في الأول من فبراير 2016، أعلن مانشستر سيتي تعاقده مع الإسباني بيب جوارديولا مدرب بايرن ميونيخ آنذاك، ليبدأ عمله خلفا لـ مانويل بيليجريني بنهاية الموسم بعد أشهر قليلة من تاريخ الإعلان، والبقية حتما للتاريخ..
هذه اللحظة الفارقة لم تغير فقط وجه مانشستر سيتي وتكسبه المزيد من الألقاب والقوة والشعبية والتماسك، بل عصفت بنواميس الكرة الإنجليزية قاطبة، وأقحمت فكرا دخيلا على بلاد الطوليات والمهاجمين من فئة ناطحات السحاب لاختصار عملية التحضير غير المعترف بها في "مهد كرة القدم".
في البداية هاجموه، ثم سخروه منه، ربما حاربوه، ولكنه قطعا انتصر..
هل توقفت حدود هذا النصر عن الدوري الممتاز "بريميرليج" وحسب؟ بحسب تقرير "دانييل تايلور" عبر موقع "ذا أثلتيك"، الإجابة لا. ماذا يفعل تأثير جوارديولا في مختلف مراتب الكرة الإنجليزية من المنتخب وحتى الدرجة الخامسة؟ هذا ما سنتعرف عليه..
"من وقت لآخر لا زلت أسمع صرخة: أوصلوها للأمام. سمعتها في مباراة مؤخرا ودخلت في مشادة مع أحد المشجعين، حيث كان يصرخ عليّ لان حارس مرمانا لعب الكرة قصيرة إلى قلب الدفاع بدلا من لعب الكرة الطولية. لا يمكنني إرضاء الجميع ولكن أعتقد عموما أن المشجعين يستمتعون".
هكذا كان إيان إيفات مدرب بولتون واندررز يشرح كيف يبدو الأمر حين يحاول مناصر لـ بيب جوارديولا إجراء تحويل في ثقافة ناد حقق أعظم نجاحاته في التاريخ الحديث على يد سام ألاردايس وجاري ميجسون.
"ما كنت لأرفض المدربين الذين لا يلعبون كرة قدم قائمة على الاستحواذ، ولكن استمتاعي كلاعب لـ 20 عاما كان يأتي من وجودي في فريق يهيمن على الكرة. الناس يدفعون الكثير من الأموال لمشاهدة كرة القدم ويجب إمتاعهم. بالنسبة لي، هذا يعني الاستحواذ واللعب المفتوح والكرة التوسعية الهجومية، وإذا تمكننا من توفير ذلك، فنحن نمتع قاعدتنا الجماهيرية".
ارتباط إيفات بهذا الأسلوب ينبع من تأثره بنجاحات جوارديولا في مانشستر سيتي وبرشلونة، وهو يعلم أن هذه الأساليب يمكنها العمل في مستويات أقل لأنه أثبت ذلك بالفعل مع بارو. تحت قيادة إيفات، عاد بارو إلى الدرجات الأربع الأولى في الكرة الإنجليزية في عام 2020، للمرة الأولى منذ 48 عاما، وكان لأسلوب لعبهم الفضل في تسميتهم "باروسلونة".
"حين توليت قيادة بارو كنت أخبر الناس عن رؤيتي وفلسفتي، فقال الكل: لا يمكنك الخروج من الدوري الوطني (الدرجة الخامسة) بهذه الطريقة. حين تخلصنا من ذاك العفن، بدأ الناس يتحلون بالشجاعة الكافية لقول: توقف لحظة، إذا كانوا قادرين على فعلها، فلماذا لا يمكننا نحن أيضا"؟
"يبدو أن هناك تغيير للحرس القديم الآن. العديد من المدربين من الجيل الأقدم يتجهون إلى خارج اللعبة، وهناك جيل من المدربين الشباب والواعدين بأفكار لامعة في الطريق".
الأمر لا يقف فقط عند بولتون الذي يحاول الطغيان على خصمه بأسلوب لعب لم يكن يبدو واردا، أو حتى قابلا للتخيل خارج حدود الدوري الإنجليزي الممتاز "بريميرليج"، قبل بدء جوارديولا في تغييره لطريقة تفكير العديد من الناس بشأن اللعبة نفسها.
بالنظر في مختلف الدوريات ستجد تزايدا في عدد الفرق التي تلعب من الخلف وتمنح قيمة إضافية للقدرة على التمرير والاحتفاظ بالكرة. ستجد أن الأمر يزداد انتشارا في موجة من المدربين الأكاديميين الذين نضجوا وهم يشاهدون فرق جوارديولا، والآن هم يخرجون الجيل القادم من اللاعبين الشباب بتركيز على المهارة والقدرات الفنية.
إذا نظرت بالدقة الكافية، ستجد أن حتى الدرجات الأدنى والمستويات الأقل في كرة القدم الإنجليزية والتي عرفت تقليديا بـ "الدم والرعد"، بدأت تتبع أساليب تذكرنا بكرة بيب.
في دوركينج واندررز على سبيل المثال، يقول مارك وايت مالك النادي الجنوبي ومؤسسه ومدربه أيضا بكل فخر: "نحن نلعب كرة شاملة. الأمور تبدأ من الخلف، الحارس لا يلعب بصورة مباشرة أبدا. نحن نلعب بثلاثي في الخلف ولدينا أظهرة هجومية، الأمر ديناميكي للغاية".
"لقد بدأ الأمر في القارة بوجود بيب في الطليعة والآن وصل إلى هنا. إنه يمنحنا منتجا أفضل بكثير، وخلال العملية تضاعف حضورنا الجماهيري. الناس يشاهدون ويستمتعون ويعتقدون أنها كرة عظيمة فيفضلون العودة مرة أخرى. أتلقى ردود أفعال مستمرة من الناس، يخبرونني بأنهم مزقوا تذاكرهم الموسمية في أندية أخرى ويأتون لمشاهدتنا".
نموذج آخر، جيتسهيد فاز بالدوري الوطني الشمالي بالاعتماد على أسلوب تمرير خاص به. دوركينج سينضم إليه في الدرجة الإنجليزية الخامسة عقب الفوز على إيبسفليت في الملحق، وهو تأهله الثالث عشر منذ أن أسس وايت هذا النادي عام 1999، ولغالبية هذا الوقت، كان الفريق يحاول الفوز على خصومه بأسلوب تمريره المنمق.
الأسلوب أيضا هو ما قاد ميلتون كينز دونز من دوري الدرجة الثالثة إلى تحطيم الرقم القياسي البريطاني –المسجل باسم سيتي جوارديولا بالطبع- في العام الماضي لأكثر عدد من التمريرات المتتالية المؤدية إلى هدف. (56 تمريرة)
الأسلوب هو ما حاول واين روني زرعه في دربي كاونتي حتى وإن كان أسلوب يتطلب صبرا أكبر في عملية بناء اللعب، مقارنة بالتكتيكات التي عهدها روني لقرابة عقد من النجاحات تحت قيادة سير أليكس فيرجسون في مانشستر يونايتد.
وهذه هي اللحظات التي تتساءل فيها عن مدى ارتباط كل ذلك بالرجل الذي فاز لتوه بلقب الدوري الإنجليزي للمرة الرابعة في آخر 5 أعوام، والذي شوهد لآخر مرة في الآونة الأخيرة على قمة حافلة مكشوفة السقف يدخن السيجار في احتفالات فريقه.
جمع النقاط معا وسترى تأثير جوارديولا يتجاوز البطولات التي فاز بها مع سيتي، ويتجاوز حتى تزايد أعداد القمصان الزرقاء السماوية التي بات يمكن رؤيتها في مدارس مدينة مانشستر وملاعبها.
يقول إيفات: "بيب بالنسبة لي هو الأفضل".
الرحلة عبر الدوريات تكشف عن وجود المزيد من المدربين والمساعدين والمحللين الذين يفكرون بنفس الطريقة، ويودون الاعتقاد بأن النجاح ممكن حتى في مستوياتهم المختلفة بهذا الأسلوب.
ربما تتذكر حين أتى جوارديولا إلى مانشستر سيتي للمرة الأولى في 2016 وكان قراره الكبير الأول هو تهميش جو هارت. تذكر الصدمة والحيرة وحتى الغضب.
يقول سيمون كرتيس، مشجع لمانشستر سيتي: "كان هناك مقاومة من قطاعات معينة. هارت كان رائعا ومؤديا عظيما في عدد من مباريات دوري أبطال أوروبا، ولكننا علمنا أن قدرته على التوزيع لا تلائم معايير جوارديولا وأن ذلك يمكنه أن يؤخذ ضده".
لقد كانت طريقة ما ليقدم بها جوارديولا نفسه، علما بأن هارت كان لاعبا دوليا وفائزا بالألقاب مع مانشستر سيتي تحت قيادة مانويل بيليجريني وروبرتو مانشيني. بيب قرر ضم كلاوديو برافو من برشلونة ليظهر الوجه الجديد الذي سيلعب به سيتي، ثم تخلص منه حين كان يعيش فترة كارثية في مستواه، إذ تلقى 14 هدفا من 22 محاولة للتصدي.
هارت نال مباراة واحدة كأساسي مع جوارديولا، وهي مباراة إياب تصفيات دوري الأبطال أمام ستيوا بوخارست، بعد الفوز 5-0 في الذهاب. حين تم منحه شارة القيادة، كان من الواضح للمشجعين أنها لفتة وداعية من المدرب، بحسب كرتيس الذي قال: "كان هناك العديد من اللافتات التي تقترح أنه ربما من المبكر قول وداعا، ولكن بيب كان اتخذ قراره بالفعل".
بعد 6 سنوات، يبدو من الغريب أنه كان هناك رد فعل متطرف للغاية حين اتضح أن جوارديولا كان يريد حارسا أفضل من هارت في اللعب بالقدم.
الآن سيتي يملك شخصا يؤدي هذا الدور ويمنحك الشعور بقدرته على إرسال الكرة إلى صندوق قمامة من مسافة 60 ياردة. تتذكرون تمريرة إيدرسون الشهيرة بدون النظر أمام واتفورد منذ عامين؟ سيتي لا يملك 10 لاعبين وحارس مرمى، بل 11 لاعبا، وببطء ولكن بيقين هذه المرة، يبدو أن بقية أطراف الرياضة يفهمون السبب الآن.
يقول إيان بركنال مدرب نوتس كاونتي الذي وصل إلى ملحق الدرجة الخامسة: "هناك رواية تقول أن اللاعبين في الدرجات الأدنى ليسوا بالجودة الكافية لفعل ذلك. هناك شيء من الخوف بين بعض الناس حين تبدأ في مطالبة اللاعبين بالتحلي بالمزيد من الشجاعة في التعامل مع الكرة، ولكن حين تتحدث للاعبين أنفسهم، تلاحظ أنهم يستمتعون بذلك حقا. إنهم يستمتعون بحقيقة وضع الثقة فيهم للعب بهذا الأسلوب الكروي المثير للاهتمام والأقرب لما يشاهدونه في الدرجات الأعلى".
يخوض بركنال موسمه الثاني مع نوتس كاونتي، وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، وسبق له العمل في أكاديمية ليدز، وها هو يمنح الانطباع برغبته في كسر الأحكام المسبقة الموجودة في هذه الرياضة، فهو يريد فريقا يجيد الاعتناء بالكرة، ومدافعين يشعرون بالراحة في الاستحواذ، ولاعبين يجعلون الجماهير تتقافز إلى حواف مقاعدها، وبينما لا يصيغها بهذه الطريقة مباشرة، فإنه يرى الأمر بمثابة التحدي في ظل وجود فرق أكثر تعتمد المقاربة المباشرة.
خلال هذه الرحلة كون المدرب سمعته بكونه أحد ألمع المدربين القادمين في هذه اللعبة بعمله عبر نهر ترينت، حيث قال الأسطورة برايان كلوف حكمته الشهيرة: "إذا كان الغرض من كرة القدم أن تلعب فالهواء، لوضع الإله عشبا في السماء".
يقول بركنال: "حاولنا بناء هوية واضحة. يجب أن نجد طريقتنا لفعل الأشياء ونحاول أن نكون استثنائيين في فعلها. هذا هو طريقنا. لا يحب الجميع ذلك ولكن في الوقت نفسه سجلنا 81 هدفا في الدوري هذا الموسم. سجلنا في كل مباراة على أرضنا لأول مرة منذ 1977. حققنا متوسط يبلغ هدفين لكل مباراة على ملعبنا وارتفعت أرقام الحضور الجماهيري ومبيعات التذاكر الموسمية بصورة ضخمة. عدد الكشافين الذين يأتون لمشاهدة مبارياتنا صار جنونيا هذا الموسم، ونحن نرى الآن أن اللاعبين الآخرين سيكونون مهتمين بالانضمام إلينا بفضل طريقة لعبنا".
في هذه الحالة، يرجع تأثر بركنال إلى فترة وجوده كمدرب في اسكندنافيا، تحديدا قيادته لفريق أسترسوند النرويجي خلفا لزميله وصديقه جراهام بوتر، مدرب برايتون الحالي، ولكنها في النهاية نفس فلسفة الاستحواذ التي يقبلها مناصرو جوارديولا.
سويندون تاون أيضا يفعل شيئا مشابها تحت قيادة بن جارنر. روب إدواردز انتقل لتوه إلى واتفورد بعد ضمان التأهل بهذا الأسلوب مع فورست جرين روفرز. لا أحد يجب أن يتفاجأ بمعرفة أن ليام مانينج مدرب إم كي دونز يرتبط بوظائف في درجات أعلى. هذه حقبة إعجاب المدربين بأساليب جوارديولا، واعتباره عميدا لهذه الصناعة.
حدث ذات الأمر حتى في منتخب إنجلترا نفسه، إذا وضعت في اعتبارك أن جاريث ساوثجيت حاول بناء اللعب من الخلف أكثر من كل سابقيه، وأقصى كريس سمولينج من حساباته لأنه كان يرى أن مدافع مانشستر يونايتد –آنذاك- ليس بالكفاءة الكافية في التعامل مع الكرة.
ستيفن كيني مدرب منتخب أيرلندا، حاول بدوره تحديث تكتيكاته في بلاد يعد جاك تشارلتون ملكها المتوج بأسلوب مناف تماما لهذه الأفكار. يحاول كيني الآن الخروج من هذه العباءة النمطية للكرة الأيرلندية، والتي لا تزال تتمثل في ميك مكارثي ومارتن أونيل. على عكسهما، لا يرى المدرب الحالي أي إلزامية في وجود رجل ضخم في الألمام، فالأمر لم يعد يتعلق بإيصال الكرة للأمام في أسرع وقت ممكن.
يقول داريل هورجان مهاجم أيرلندا: "إنها كرة قائمة على الاستحواذ وتهدف للتواجد في أماكن هجومية جيدة، بعد تحكم جيد في الكرة. كل فريق دربه كيني كان يملك هذه العقلية التوسعية بأظهرة طائرة ومهاجم يسجل الأهداف ولاعبين يستهدفون الحصول على الكرة. هذا ما يريده، لاعبون يتحلون بالشجاعة لإحداث الفوضى بصفوف الخصوم".
بطبيعة الحال، لا تسير الأمور دائما بالشكل الصحيح، ولا يزال هناك الكثير من الناس في هذه الرياضة من الذين يجدون صعوبة في فهم سبب أخذ أي فريق للمخاطرة على حدود منطقة جزائه وأحيانا داخلها.
يقول مايك ويليامسون مدافع نيوكاسل يونايتد السابق الذي قاد جيتسهيد لتوه إلى التأهل: "كان البعض يلقي الأشياء باتجاهي على خلفية عدد ركلات الجزاء التي تسببت بها، وما أسموه بعبثنا حول منطقة الجزواء. هناك تحديات بالطبع، فحين لعبنا في فارسلي على سبيل المثال، كانت أرضية الملعب مزرية، ولكننا أظهرنا وحدتنا وأثبتنا قدرتنا على اللعب بطريقتنا".
تأخر جيتسهيد في المباراة سالفة الذكر 3-1، ولكنه نجح في الفوز بنتيجة 4-3 بفضل 3 أهداف في الشوط الثاني، آخرهم هدف الفوز في الدقيقة 91. أكثر ما أرضى ويليامسون هنا، كان تمسك الفريق بأسلوبه.
"أريد لفريقي أن يحصل على الكرة ويلعب بشكل جيد. بالتأكيد نريد لعب كرة القدم لأجل الفوز، ولكن يجب أن يتم تحقيق ذلك بطريقة نستمتع بتنفيذها. أريد أسلوبا جذابا يستمتع اللاعبون بتقديمه والجماهير بمشاهدته. أؤمن بإمكانية دمج الفوز والأسلوب، هذه هي فلسفتي".
إيفات (مدرب بولتون) هو لاعب وسط كان يمكنه لعب تمريرة قطرية جميلة خلال مسيرته، ورغم أنه قضى معظم مسيرته في بلاكبول وتشيسترفيلد، إلا أنه سعيد بكسر بعض الصور النمطية عن الدرجات الأدنى.
"اللعب بهذه الطريقة صعب للغاية ويتطلب شجاعة حقيقية. دائما ما أقول إنك لن تتمكن من حمل أحد على الإيمان بك قبل أن تؤمن أنت بنفسك. هذا يشكل الجماهير والإدارة واللاعبين. يجب أن نثقف الناس، وأن نتمسك بما نفعله، وإذا بدأت في الحصول على النتائج، تحصل على ثقة الجميع".
ربما كان الفارق أن فكرة اللعب بأسلوب معين قد ترسخن داخل جوارديولا منذ سن مبكر في برشلونة، بينما اضطر إيفات لتعليم نفسه.
"فترة النضج كانت محبطة بمشاهدة دوري أبطال أوروبا أو المباريات الدولية تحديدا، كان لدينا بعض أفضل اللاعبين في العالم ولكننا كنا نضحي دائما بالكرة. الكل تحدث عن إسبانيا والبرتغال والبرازيل وكل هذه الفرق القائمة على الاستحواذ والهيمنة. نحن يفترض بنا أننا نملك أفضل دوريات العالم، لماذا لا ننشئ لاعبي الأكاديمات بهذه الطريقة؟ لماذا لا يمكننا الهيمنة على الكرة؟ ما أراه الآن عملية انتقالية إلى هذا الأسلوب كبلد بأكمله".
"تأثير جوارديولا؟ أحب رؤية فرقه تلعب. أحب رؤية ما يفعلونه. فلسفتي ستبقى دائما كما هي، ولكني أتعلم أيضا، وحين شاهدت ليفربول في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا كنت مستمتعا بعمله على الاستحواذ. هذه هي المرحلة التالية في تطوري وتطورنا كفريق، ولكن كيف ندخل ضغط يورجن كلوب العكسي على المنظومة؟ إذا أمكننا الحصول على الإثنين، سيكون ذلك عظيما للغاية".
إحصائيات أوبتا تظهر تناقصا تدريجيا في عدد الكرات الطولية التي تلعب بالدرجات الأربع الأعلى. بالطبع هذا ليس نفس نوع البيانات المتوافرة عن الدرجات الأقل في هذا الهرم الكروي، ولكن سيكون من المنطقي أن نفترض حدوث الشيء ذاته.
يقول وايت عن نهضة دوركينج: "هزمنا الكثير من الفرض لأنهم لم يتمكنوا من مجاراة أسلوب لعبنا. نحن ننفذه منذ بعض الوقت ونود التفكير بأن هذا أكسبنا أفضلية مبكرة، ولكننا نلاحظ أن المزيد من الفرق تعتنق الأسلوب ذاته شيئا فشيئا. الحرس يتغير. الكثير من نجاحات أسلوبنا كانت أمام فرق تلعب بالتكتيكات القديمة، وليست سريعة بما فيه الكفاية لتغيير حرسها القديم، ولكن الناس لا يتوقفون عن المجاراة والملاحقة".
بدأ دوركينج في مسابقة مغمورة للغاية والآن حقق الكثير من النجاح خلال 23 عاما من وجوده، وبالطبع يكاد لا يكون هناك أدنى وجود لمشجع يشكك في مقاربته. يساعد النادي أيضا كونه يملك ملعبا من النجيل الصناعي، عوضا عن ملاعب الأيام الخوالي التي ربنا كانت تصلح أكثر لرعي الماشية.
"لحسن الحظ نحن نلعب على العشب القديم 10 مرات في السنة. إذا كنت تلعب على أرضية سيئة حقا، ستفهم لدرجة ما لماذا بعض المدربين يقولون للاعبيهم: فقط تخلصوا من الكرة وألقوها في نصف ملعب الخصم وأجبروهم على ارتكاب الأخطاء".
يشير وايت إلى اثنين من أهم عناصر ودعائم أسلوب دوركينج، قائلا: "أول شيء هو الإيمان التام من الجميع. إذا كان هناك شخص واحد لا يؤمن بالفكرة لن تنجح. أما الثاني فهو ضرورة انعدام الهوادة في التمسك بالفكرة".
هل الأمر يتعلق بجوارديولا فقط؟ ليس دائما، ولكن بوضوح وإلى بعض الدرجات، الإجابة هي نعم..
تأثير جوارديولا حل على روني أيضا، وهو ما لم يخفه أسطورة مانشستر يونايتد حين قال: "ليس من اللطيف أن أقول ذلك (كلاعب سابق ليونايتد) ولكن إذا لم تكن قادرا على الاستمتاع بطريقة اللعب، فلن تتمكن من الاستمتاع بكرة القدم. مشاهدة كرة مانشستر سيتي أمر عظيم، على صعيد التحركات والثقة وحتى حارس المرمى، إنها تصبح كرة قدم مثالية في بعض الأوقات".
يقر كرتيس، مشجع مانشستر سيتي بأنه لا يزال ينتابه بعض الذعر حين يتبادل حارس المرمى إيدرسون التمريرات مع الزملاء داخل منطقة الجزاء، على الرغم من ثقته في قدرة لاعبي جوارديولا على أن يظهروا لبقية الأطراف الفاعلة بالكرة الإنجليزية كيف يجب أن تُفعل الأمور.
"تأثير جوارديولا يمتد لمسافة بعيدة ورقعة واسعة. لقد قدم الحاجة لعبقرية فنية وثقة بنسبة 100% في القدرة على تسلم وتسليم الكرة خلال لحظة، وهو ما أثبت تطورا ملحوظا للغاية مقارنة بما سبقه. أنظر لفريق من خارج الصفوة مثل برايتون، وكيف يفعلها بشكل جميل للغاية: لمسة واحدة، دقيقة وسريعة وفعالة".
ربما يكمن السر أيضا في الأشخاص الذين يقيلون المدربين بسرعة ويعينون غيرهم، إذ بات عليهم الآن أن يتحلوا بالصبر، واضعين في الاعتبار أن حتى جوارديولا نفسه واجه صعوبات في موسمه الأول مع مانشستر سيتي.
كل مدرب يحاول إحداث تغيير كبير يقول الأمر ذاته: إنه يتطلب الوقت. بالنظر مثلا إلى فرانك دي بور، المدرب الوحيد في التاريخ الذي فاز بالدوري الهولندي 4 مرات على التوالي حين كان في أياكس ثم لاقى فشلا ذريعا في كريستال بالاس، تجد أن لائحة المدربين السابقين له في بالاس تضم –بالترتيب- توني بيوليس ونيل وارنوك وألان باردو وسام ألاردايس. دي بور بقى بعدهم لمدة 5 مباريات، وتحديدا 77 يوما فقط.
إيفات أيضا يقول أنه كان على وشك التعرض للإقالة خلال موسم 2020-2021 حين كان بولتون يحتل المركز العشرين في الدرجة الرابعة بعد 7 أشهر من بداية عمله، ولكن بفضل حقيقة عدم وجود أصوات محبطة داخل الصفوف، توقفت الأمور عن السير باتجاه الأسوأ، وحلق بولتون في رحلته نحو الصعود.
بالتأكيد، بعض الفرق التي كرست نفسها لهذا الأسلوب لم تجد الأمور سلسة. وفقا لدراسة سويسرية، فإن رايان ألسوب حارس مرمى دربي كاونتي امتلك متوسط تمريرات في المباراة الواحدة يفوق جميع أقرانه في 36 دوري وقع في عينة التحليل، بواقع 50 تمريرة في المباراة الواحدة.
يبدو هذا الأمر رائعا، حتى تضع الإحصائية الأخرى في الاعتبار، والتي تقول أنه خلال آخر موسمين، فقط فريق واحد سجل أهداف أقل من ديربي في الدرجات من الثانية إلى الرابعة، وهو سكونثورب يونايتد الذي أنهى لتوه في المركز الثاني والتسعين بسلم ترتيب أندية الكرة الإنجليزية.
على الجانب الآخر، امتلك سوانزي سيتي تحت قيادة راسل مارتن أرقام أفضل في الاستحواذ (63.9%) من أي فريق آخر في الدرجة الثانية. مارتن كان مدرب إم كي دونز السابق، وفي عهده، فقط مانشستر سيتي وبرشلونة امتلكا نسبة استحواذ أكثر منه في أوروبا كاملة.
يلخص زاك جولز مدافع إم كي دونز هذا الأمر بقوله: "طريقة لعبنا تحبط معنويات الخصم. نحن نحتفظ بالكرة كثيرا لدرجة أن الفرق الأخرى حين تواتيها الفرصة للاحتفاظ بالاستحواذ لا تجد القوة الكافية في أرجلها، وخلال وقت قصير للغاية نستعيد الكرة ولا يرونها مجددا".
رغم ذلك لم يشفع الأسلوب وحده، إذ أنهى سوانزي في النصف الأسفل من الجدول، تماما كما فعل إم كي دونز نفسه في الدرجة الثالثة بالموسم الماضي. ربما كان سوانزي خبير الاحتفاظ بالكرة، ولكن على صعيد التسديد في المباراة الواحدة فهو في المركز السابع عشر بين 24 فريقا، وكان فارق أهدافه في ختام الموسم (-10).
إذا، كيف تتفادى أن تصبح فريقا يتخطى الخصم في التمرير دون أن يتخطاه في التسجيل؟
الإجابة بحسب إيفات هي المثابرة. بولتون أنهى الموسم في المركز التاسع بالدرجة الثالثة، ومدربه الطموح يؤمن تماما بأن الاستمرار بالأسلوب ذاته سيقوده حتما إلى الدوري الممتاز.
"ما نحاول فعله هو إتاحة المجال أمام نجاح مستدام. هذا الطريق في اعتقادي لن يقودنا فقط إلى النجاح في هذا الدوري، بل في الدرجة التالية أيضا".
ربما يتفق جوارديولا مع ذلك بعد 6 أعوام في مانشستر، و11 بطولة، وكل المجد المقترن بمجموعة من "الأبطال المتسلسلين" تربطهم علاقة وثيقة بالكرة أكثر من غيرهم حين تسير الأمور بالشكل الصحيح.
هل سيبقى جوارديولا لوقت أطول كي يفوز بالمزيد من الألقاب؟ هذا هو السؤال التالي الذي يتبادر إلى الأذهان، بالنظر لعقده الذي يقترب من عامه الأخير..
أنجح مدرب في تاريخ مانشستر سيتي يترك الجميع لتخميناتهم، وحتى وإن كانت الأغلبية تفترض بقائه، ولكن كل ما يمكن أن يقال حقا بنبرة الثقة، هو أنه مهما يكن قراره، سيظل من الصعب التفكير بعدد من المدربين الذين امتلكوا تأثيرا بقوة وانتشار تأثيره على الكرة الإنجليزية، والذي سيستمر بالتأكيد لوقت طويل بعد رحيله.