كتب : محمد سلطان
حين تبحث في أرشيف كرة القدم المصرية في أيامها الأولى تدرك قيمة عام ١٩٢٠ كأحد الأعوام الفارقة في تاريخ اللعبة في مصر، لأنه شهد واحدة من أهم المحطات في تاريخنا الرياضي وهي تكوين المنتخب الوطني المصري. هذا المنتخب الذي تكون حتى قبل ظهور الاتحاد المصري لكرة القدم الذي تم تأسيسه في العام التالي.
المنتخب الوطني المصري الذي تكون بمجهودات استثنائية من رواد اللعبة في البلاد كان يستعد للمشاركة لأول مرة في الألعاب الأولمبية التي تستضيفها مدينة أنتويرب البلجيكية، وكانت مسابقات كرة القدم في الألعاب الأولمبية تعتبر بمعايير تلك الأيام كأس العالم لكرة القدم.
كانت المشاركة المصرية في الأولمبياد تعني الخروج خارج حدود الوطن واللعب أمام منتخبات أخرى بعيدًا عن ملاعب القاهرة وجماهير العاصمة المتحمسة.
كان المصريون أول العرب والأفارقة الذين قطعوا الطريق إلى أوروبا للعب كرة القدم ببعثة رسمية، تتضمن مجموعة من الشباب المصريين الحالمين بإظهار ما لديهم للعالم مدعومين بدعوات الجماهير في الوطن.
سافرت البعثة المصرية إلى أوروبا مدركين أن كل ما سيحدث لهم في هذه الرحلة سيصبح بعد ذلك تاريخًا تتحدث عنه الأجيال القادمة، وأن كل خطوة سيخطوها هؤلاء الشباب ستحفر في تاريخ الوطن.
اقرأ: صادق فهمي.. رحلة المصري الأول في أرسنال
البداية من أنتويرب
ما كنا نعرفه أن تأريخ هذه الرحلة رياضيًّا يبدأ منذ وصول البعثة إلى مدينة أنتويرب البلجيكية للمشاركة في البطولة، ودائمًا ما ذكرت المصادر التي أرخت هذه الرحلة أن المنتخب المصري لعب مباراته الدولية الأولى في التاريخ أمام فريق مكون من نجوم أنتويرب في الأيام الأولى من أغسطس قبل بداية البطولة التي لعبت منافساتها بين ٢٨ أغسطس و٥ سبتمبر ١٩٢٠.
بعض المصادر تذكر أن هذه المباراة انتهت بفوز مصري بخمسة أهداف مقابل هدف واحد، أما مصادر أخرى من بينها مجلة الكرة المصرية التي أصدرها الاتحاد المصري في نهاية سبعينيات القرن الماضي فتتحدثت عن أن مصر فازت في هذه المباراة بأربعة أهداف مقابل هدفين.
خلال رحلة البحث لم نعثر على ما يشير إلى هذه المباراة في أرشيف الصحف البلجيكية، ونخشى أن يكون قد حدث التباس بين هذه المباراة ومباراة أخرى أقيمت بين مصر ومنتخب أنتويرب لعبت بعد توديع مصر للبطولة وانتهت بفوز مصر بأربعة أهداف مقابل هدفين، وهو ما ذكره عبد السلام حمدي أحد أفراد المنتخب المصري الذي شارك في الألعاب الأولمبية بأنتويرب في حوار له مع مجلة الكرة المصرية، وأكده خبر في صحيفة «De Schelde» البلجيكية في عددها الصادر بتاريخ ١ سبتمبر ١٩٢٠.
بالأخذ في الاعتبار تاريخ صدور الصحيفة وحديث عبد السلام حمدي نستنتج أن هذه المباراة لعبت بين مباراتي المنتخب المصري في الألعاب الأولمبية، الأولى لعبت يوم ٢٨ أغسطس وهزمت فيها مصر أمام إيطاليا بهدفين مقابل هدف واحد، وهي المباراة الرسمية الأولى في تاريخ المنتخب المصري، أما الثانية فكانت أمام يوغوسلافيا وانتهت بفوز مصري بأربعة أهداف مقابل هدفين، وهي المباراة التي يراها البعض رسمية لعبت ضمن نظام تحديد المراكز في البطولة، والبعض الآخر يرى أنها لعبت في إطار ودي بعد خروج المنتخبين من المنافسات.
بعد بحث طويل في أرشيف الصحف البلجيكية التي صدرت خلال تلك الفترة وجدنا معلومات عن المباريات الثلاث السابق ذكرها (أمام إيطاليا ويوغوسلافيا وبينهما المباراة الودية ضد منتخب أنتويرب) لكن عدم الوصول إلى أي خبر له علاقة بمباراة لعبتها مصر في بلجيكا قبل مشاركتها في الألعاب الأولمبية جعلنا نتوجه للبحث في مصادر أخرى.
الرحلة عبر المتوسط
إذا انطلقت باخرة من مصر في طريقها إلى أوروبا فإن عليها أن تقطع البحر المتوسط لترسو في ميناء مدينة أوروبية مطلة على البحر المتوسط كأول محطة لها في أوروبا. هذا يعني أن الطريق إلى بلجيكا التي تقع في شمال القارة العجوز بعيدًا من البحر المتوسط يجب أن يكون الخطوة الثانية في الرحلة.
وبالتالي فإن البعثة المصرية قد وصلت إلى واحدة من الدول المجاورة لبلجيكا قبل أن تستكمل رحلتها داخل القارة، وبالوضع في الاعتبار أن فرنسا هي جارة بلجيكا المطلة على المتوسط، لذا كان أرشيف الصحف الفرنسية هو مقصدنا التالي في البحث عن أخبار تتعلق بهذه الرحلة التاريخية. وهو ما قادنا إلى ما نعتقد أنها أول مباراة دولية لمصر في تاريخها.
المصريون في باريس
في ٣١ من شهر يوليو عام ١٩٢٠ نشرت صحيفة «Excelsior» الصادرة في فرنسا خبرًا تحت عنوان «فريق كرة القدم المصري في باريس»، وتحدثت فيه عن خوض المنتخب المصري مباراة في اليوم نفسه في ملعب ريد ستار في منطقة «Saint-Ouen» أمام منتخب من نجوم العاصمة الفرنسية باريس.
ذكرت الصحيفة في تقريرها أن منتخب مصر في طريقه للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في أنتويرب، وأنه سيواجه منتخب باريس لكن من دون اللاعبين الذين انضموا إلى المنتخب الفرنسي المشارك في الألعاب الأولمبية.
تمت الإشارة إلى هذه المباراة أيضًا في عدد من الصحف الصادرة في فرنسا في اليوم نفسه، ومنها صحيفة «L'Avenir» التي أضافت معلومة جديدة عن كون هذه المباراة ستشهد المرة الأولى التي يلعب فيه منتخب مصري في باريس، وهو ما يعني أنه منذ وصول المصريين إلى فرنسا لم يلعبوا أي مباراة قبل هذا اليوم.
هنا نجد أيضًا بعض المعلومات التي ذكرتها الصحيفة عن المباراة، فأشارت إلى أن المنتخب المصري يتكون من مجموعة من اللاعبين العرب المتميزين بالسرعة الفائقة، لكنهم معتادون على ملاعب لا تتساقط فيها الأمطار دائمًا على عكس الملاعب في فرنسا، وأن المباراة نظمت نتيجة العلاقات الطيبة بين المسؤولين عن الكرة في مصر وفرنسا.
الفوز لمصر والمديح لحجازي ورفاقه
في اليوم التالي للمباراة انهالت الصحف الفرنسية بالمديح على المنتخب المصري بعد أن قدم مباراة رائعة، نجح فيها في تحقيق الفوز على منتخب الباريسيين بثلاثية نظيفة بعد أداء مبهر للإعلام الفرنسي.
هنا صحيفة «L'Avenir» في عددها الصادر في اليوم التالي للمباراة تحدثت عن الفوز المصري والأداء الرائع للاعبين المصريين الذين تميزوا بالسرعة والقوة البدنية والقدرة على التحكم في الكرة.
أما صحيفة «La Libre Parole» فأشارت إلى الفوز المصري في المباراة رغم قوة دفاع الباريسيين. ذكر تقرير الصحيفة أيضاً أن الثلاثة أهداف جاءت في الشوط الثاني وأشارت إلى تألق الثلاثي المصري (حسين والحسن وكابتن الفريق حجازي).
بالعودة إلى تشكيلة المنتخب المصري الذي شارك في الألعاب الأولمبية يتأكد لنا أن الثلاثي المقصود هم على الحسني وحسن علوبة وكابتن الفريق بكل تأكيد هو حسين حجازي.
تحدثت صحيفة «La Presse» عن المباراة، وامتدحت نجم المنتخب المصري حسين حجازي الذي لعب دورًا في الأهداف المصرية الثلاثة، التي كان من الإمكان أن تتضاعف لولا حالة أرض الملعب وتألق حارس المرمى بوديير.
من هو بوديير؟
بوديير حارس الباريسيين في المباراة كان الاسم الوحيد الذي نجحنا في الوصول إليه ضمن اللاعبين الذين واجهتهم مصر في المباراة، وبالبحث عن اللاعب وصلنا إلى أن الحارس المقصود هنا هو الحارس ماوريس بوديير، الذي كان خلال تلك الفترة لاعبًا في صفوف فريق «CA Paris» وهو فريق باريس الرياضي الذي حقق لقب كأس فرنسا عام ١٩٢٠.
بوديير لعب بقميص منتخب فرنسا ثلاث مباريات بداية من عام ١٩٢١، وهذا يعني أن المنتخب المصري لم يواجه فريقًا ضعيفًا رغم غياب اللاعبين الباريسيين المشاركين في الألعاب الأولمبية عن المباراة.
واحدة من أهم المصادر التي تحدثت عن المباراة كانت مجلة «Vie Au Grand Air» لأنها منحتنا صورًا خاصة بالمباراة.
الصورة الأولى وهي التي تجدها في غلاف هذا الموضوع تشير إلى صراع على الكرة بين لاعبي الفريقين خلال المباراة بينما حملت الصورة الثانية لنا تأكيداً لما وصلنا إليه في رحلة البحث.
هذه الصورة التي نشرت منذ فترة للمنتخب المصري المشارك في الألعاب الأولمبية لم يتم التقاطها خلال مباريات البطولة على عكس الشائع، ولكن وفقًا لتقرير الصحيفة الصادر قبل ٢٣ يومًا من أولى مباريات المنتخب الوطني في الألعاب الأولمبية فإن هذه الصورة التقطت قبل بداية المباراة الودية بين منتخب مصر ومنتخب باريس.
الصورة نفسها وجدناها بجودة أفضل خلال بحثنا عن المباراة في أرشيف المكتبة الوطنية الفرنسية، وذكرت المكتبة الوطنية أن الصورة التي تمتلك حقوقها وكالة «Rol» قد التقطت يوم ٣١ يوليو عام ١٩٢٠ في منطقة «Saint-Ouen»، المنطقة نفسها التي لعبت فيها المباراة.
ليس لدينا يقين من المعلومات التي تحدثت عن مباراة ودية لعبها المنتخب الوطني في بلجيكا قبل مشاركته في الألعاب الأولمبية. لكن ما نحن متيقنين منه -استناداً على ما وصلنا إليه من وثائق- أن تأريخ رحلة الفراعنة الأولى إلى أوروبا يجب ألا يبدأ من شهر أغسطس في أنتويرب لكن من العاصمة الفرنسية باريس مع اليوم الأخير من شهر يوليو.
بعد أيام من الإقامة في باريس انتقلت البعثة المصرية إلى بلجيكا للمشاركة في الألعاب الأولمبية في رحلة -رغم غياب النجاح عنها على مستوى النتائج- تظل واحدة من أهم الرحلات التي قام بها المنتخب الوطني عبر تاريخه، حيث شهدت تعريف العالم لأول مرة بالكرة المصرية.
المصادر:
مجلة الكرة المصرية
صحيفة «De Schelde» البلجيكية
صحيفة «Excelsior» الفرنسية
صحيفة «L'Avenir» الفرنسية
صحيفة «La Libre Parole» الفرنسية
صحيفة «La Presse» الفرنسية
مجلة «Vie Au Grand Air» الفرنسية
المكتبة الوطنية الفرنسية
اقرأ أيضا:
السر وراء غياب موسيماني عن الأهلي
قمصان يكشف.. من أدار مباراة المصري بالسلوم
خطاب من الأهلي لـ وزارة الرياضة
مصطفى شوبير يعلق على "مهاجمته بسبب والده"