كتب : أحمد العريان | السبت، 11 يونيو 2022 - 16:37

في حكم سياسة "قُرأت فاتحته".. من يدير الكرة المصرية؟

من يدير الكرة المصرية؟

مع كل إخفاق رياضي تقرأ فاتحة مسؤول أو عدة مسؤولين، لكن حقا. من يقرأ فاتحتهم؟

بداية، هل تعلمون معنى مصطلح "قٌرأت فاتحته" في الرياضة المصرية؟

حين يغضب "كبير" من مسؤولي الرياضة في مصر -والكبار كُثر- على أحدهم -وهم كثر كذلك- فيقرر تنحيته -حتى لو كان قراره دون علم الأكبر منه أحيانا- لكن مهلا كيف يصدر القرار دون أن يرتكب "أحدهم" جُرم واضح يستوجب الإقالة؟ هنا تظهر الخطة البديلة، فيرفع "الكبير" سماعة هاتفه مطالبا أبواقه بشن حملة على "أحدهم".

يبدأ البوق عمله المتقن والذي يجيده بشدة إحقاقا للحق، فتبدأ آراء العامة تتحول وتتكون الموجة ضد "أحدهم" ويتلاشى رصيده إلى أن يسهل على "الكبير" إصدار قرار الإقالة، أو أن يبقى "أحدهم" مهمشا إلى أن تنتهي صلاحيته مع مرور الزمن تلقائيا.

أحدهم تولى منصبه عشوائيا وكذلك رحل برفعة سماعة، وذلك "الكبير" سيكون "أحدهم" يوما ما. وهكذا تستمر دورة حياة المسؤولين الرياضيين في مصر، ويضيع حقنا في محاسبتهم بشكل جدي وقت الإخفاق.

_ _ _

إخفاق جديد تعرض له منتخب مصر -وما أكثر إخفاقات الكرة المصرية بتلك السنوات- وهذه المرة في لقاء ربما لا يحمل أهمية كبرى على مستوى نتيجته، لكنه يعكس ما وصل له حال الكرة المصرية من سوء.

مصر خسرت أمام إثيوبيا بهدفين. مباراة هي الثانية فقط لجهاز فني جديد بقيادة إيهاب جلال، لكنها قد تجعل من مباراته المقبلة الأخيرة.

حقيقة وقبل الخوض في واقع الكرة المصرية حاليا، فسألفت النظر لتجربة شخصية مع منتخب مصر، لكنها قد تتسق مع تجربة بعض قراء تلك الأسطر.

منتخبي الوطني يتفنن غالبا ومع الأسف في إحباطي حينما أتمنى الانتصار لأسباب شخصية.

في كأس العالم كنا قد ودعنا البطولة بالفعل، لكننا بصدد ملاقاة السعودية في الجولة الأخيرة. وبعدما قلت لنفسي بأن هذا المنتخب مُحبط ولن أشاهد المباراة الأخيرة، جلست طبعا أمام التليفزيون للمشاهدة -من يعلم متى سأشاهد بلدي في كأس العالم مجددا- وقلت سأتابع دون اهتمام. سجلنا هدفا وقدمنا دقائق جيدة، فاحتفلت وقلت ربما على الأقل سننتقم رياضيا من خسارتنا المذلة عام 1999 بخماسية في كأس القارات، لكن وفي فصل من فصول منتخب مصر "البايخة" لم يكتفوا بالتعادل، ونتعرض لخسارة في الدقيقة الأخيرة تجعلني أود لو أكسر الشاشة، وأكسر رأسي التي أقنعتني بمتابعة اللقاء.

خسرنا نهائي كأس أمم إفريقيا أمام السنغال بركلات الترجيح. حزنا وسمعنا بعض التصريحات المستفزة، وقالوا لنا بأن الرد سيكون في تصفيات كأس العالم. أصبح الأمر شخصيا؟ لكن نخسر مجددا أمام السنغال وبركلات الترجيح مرة أخرى.

المنافس هو إثيوبيا؟ إثيوبيا التي تجمعنا بها علاقات متوترة منذ سنوات بسبب سد النهضة، حسنا، بالتأكيد هؤلاء اللاعبين على علم بتلك القضية وسيقاتلون على أرض الملعب. ما الذي أقوله؟ من يفترض به أن يعلم أو يهتم؟ ما مدى ثقافة أغلب هؤلاء اللاعبين أساسا؟ والنتيجة؟ خسارة مذلة وإحباط جديد. من الآخر منتخبنا مابيسترش للأسف.

عذرا على الإطالة في تجربتي الشخصية، وسأعود الآن إلى سرد الواقع.

_ _ _

هل يفترض فعلا أن نناقش قرار إقالة إيهاب جلال المنتظر ومدى صحته؟ وهل سيشكل الأمر هذا الفارق المنتظر؟

كيف أتى إيهاب جلال أساسا؟

كارلوس كيروش كان قريبا من الاستمرار مع منتخب مصر، إذا فلا عوائق مادية من تواجد مدرب أجنبي براتب كبير، ولا عوائق سياسية تتمثل في توجه دولة كما يروج البعض لغسل أيديهم من عشوائية قراراتهم.

البرتغالي اعتذر عن عدم الاستمرار لأسباب شخصية، فبدأ الاتحاد سريعا يبحث عن البديل.

صدر اتحاد الكرة إلى الصحافة بأن المفاضلة بين إيهاب جلال وحسام حسن. صراحة لا أرى ما يجمع الثنائي إلا الجنسية!

حين نتعاقد مع مدرب لفريق أو منتخب، يفترض أن نضع بعض المعايير.

1-ما وضع فريقك حاليا؟ فريق جاهز للمنافسة ولا ينقصه سوى مدرب يدير الفريق داخل الملعب؟ أم فريق في مرحلة البناء ويحتاج إلى مدرب معروف عنه تجربة صناعة أجيال؟

2-ما طريقة اللعب المناسبة للاعبيك؟ إذا كنت تملك قائمة برشلونة مثلا، فلا يمكن التعاقد مع جوزيه مورينيو الدفاعي. وإذا كنت تملك قائمة أتليتكو مدريد، فلا يمكنك التعاقد مع بيب جوارديولا الذي يحتاج للاعبين بمواصفات معينة.

3-ما رصيد كل مدرب من المرشحين؟ المدرب في الأساس -وأي منصب قيادي- هو رصيد. يبدأ مهمته بنسبة شحن 100% ثم ينقص الرصيد أو يبقى على حاله حسب ردود الفعل حول قراراته ونتائجها.

4-ما قدرتي المادية على جلب هذا المدرب؟ بالتأكيد إذا توفرت لي الموارد المادية سأتعاقد مع المدرب الأفضل في العالم دون تفكير.

ماذا إن طبقنا المعايير السابقة على خطوة تعاقد اتحاد الكرة مع مدربي منتخب مصر؟

1-وضع الفريق: تعاقدنا مع كارلوس كيروش لبناء جيل جديد لمنتخب مصر، لكننا هاجمناه بعد عدم الفوز بكأس العرب. البطولة التجريبية التي شاركنا فيها بالأساس لاختبار لاعبين جدد؟ من هنا بدأ الهجوم واستنفاذ رصيد الرجل حتى بلغ أقله بعد الخسارة أمام نيجيريا في افتتاح أمم إفريقيا. لكنه مع مرور المباريات عاد وشحن رصيده مجددا، حتى اكتسب قاعدة كبيرة من متمنيين بقاءه يوم إعلان الرحيل.

الآن وبعد 9 أشهر فقط من تعيين كيروش، نحاول بدء مرحلة جديدة مع إيهاب جلال من نقطة الصفر، بل واقتربنا من العودة إلى ما قبل نقطة الصفر إذا رحل جلال كما المتوقع.

2-طريقة اللعب: نعيش وهم "الكورة الحلوة" منذ سنوات، في إغفال تام لأن اختيار طريقة اللعب يقوم على قدرات لاعبين ومميزاتهم، وليس على الأهواء.

كنت يوما رفقة أحد زملائي نجري حوارا مع مدرب أجنبي لفريق مصري ينافس على البقاء في تلك الفترة. انهال المدرب بالهجوم على رئيس ناديه خلال حديث ودي معنا -ليس للنشر- فقال نصا: "الرئيس دخل يوما علي وعرض فيديوهات لليفربول وقال أريد أن نلعب بتلك الطريقة. قلت له حسنا فلتشتري قمصان ليفربول وتضم محمد صلاح، وساديو ماني، وروبيرتو فيرمينو، وأعدك بأن نلعب بنفس الطريقة". بنفس تلك الطريقة يفكر جموع مسؤولي الرياضة المصرية.

على كل، فكون منتخب مصر في آخر السنوات تعاقد مع هيكتور كوبر -إله الكرة الدفاعية- وطالبه بلعب "الكرة الجميلة"، ثم رحل كوبر فتعاقدنا مع خافيير آجيري أحد هواة الكرة الممتعة، وحين فشل لجأنا إلى حسام البدري صاحب المدرسة الواقعية، ثم كان الحل في كيروش الدفاعي، ومؤخرا جلال المنتمي لمدرسة آجيري، فهذا الترتيب يعكس مدى هزلية المشهد وغياب الخطة.

3-ما رصيد كل مدرب؟: يفترض أن الإدارة التي تتعاقد مع مدرب، تكون قد اتخذت قراراتها بناء على معايير حددتها ومقتنعة بها تماما لمواجهة الانتقادات الموجهة لها. والأهم أنها تحاول دعم المدرب لإنجاح التجربة.

ماذا فعل اتحاد الكرة مع جلال؟ بعد التعيين سمحوا له بقيادة بيراميدز في مباراتي مازيمبي الصعبتين، فخسرهما ليكون مشهده الأخير خسارة سخيفة، فيتولى المهمة خاسرا.

في مؤتمر تقديمه وجه الصحفيون سؤالا بديهيا في كل مؤتمر إلى وليد العطار المدير التنفيذي للاتحاد، مفاده "ما معايير اختيار إيهاب جلال كمدرب؟" فكانت الإجابة "هذه الأمور تخص اتحاد الكرة داخليا". لماذا عقدتم المؤتمر إذا؟!

جمال علام رئيس الاتحاد قدم إيهاب جلال وذكر اسمه فلم يصفق الحضور. موقف عادي جدا لكن علام تعامل معه بالطريقة الأسوأ. قال للصحفيين مازحا "إيه ماصقفتوش ليه؟". كأنه يوجه رسالة "إيه مش مالي عينكم؟". منتهى الذكاء في التعامل.

4-ما قدرتي المادية؟ قدرتنا المادية كانت تسمح باستمرار كيروش، وبالتالي فالتعاقد مع مدرب محلي ليس توفيرا للنفقات.

بعد تحليل العوامل السابقة، فلا مجال للشك بأن الأمر أكثر عشوائية من تحليله. "هي ماشية كده".

_ _ _

الحل؟

هل الحل في إقالة إيهاب جلال إذا؟ من سيقيله؟ اتحاد الكرة؟ ومن وسيختار خليفته وقتها؟ نفس الاتحاد؟ وبأي معايير؟ وهل يعلم هؤلاء معنى كلمة "معايير" أصلا؟

هل الحل في رحيل اتحاد الكرة؟ من يصدر القرار؟ قرار وزاري يتبعه عقوبة من فيفا بسبب التدخل الحكومي؟ أم نلجأ لخطة "قٌرأت فاتحته" ويبدأ "الكبير" مهمته حتى يتقدموا باستقالتهم طواعية؟.

حسنا فليكن، لكن مهلا، من سخيلف هذا المجلس؟ لجنة مؤقتة لحين موعد انعقاد انتخابات جديدة؟ لجنة مجددا لا تملك حق اتخاذ قرارات طويلة المدى؟ تغسل يديها من قرارات المجلس الذي سبقها ويكون مبررها جاهزا بأنها في ظروف استثنائية تحاول فقط تسيير الأمور؟.

إن كانت إجابتك بـ "يا سيدي معلش نستحمل الفترة دي من عدم الاستقرار بس ييجي مجلس تاني أحسن" فدعني أذكرك بأمر آخر محبط، من سيأتي بالمجلس الجديد؟ الجمعية العمومية؟.

الجمعية العمومية لاتحاد الكرة تتكون من 129 ناديا. فيها تكون أندية الغابة، والطائرات، والمعادي واليخت، وهي أسماء أندية حقيقية طبعا لها كامل الاحترام، تساوي أصواتهم، أصوات الأهلي والزمالك.

من يرأس تلك الأندية الـ129 أصلا ليكونوا مؤهلين لاختيار مجلس اتحاد الكرة؟ وبأي معايير يختارون لمن سيصوتون؟ عشاء فاخر مثلا؟ أم وعود بدعم أنديتهم الفقيرة جدا بمليون جنيه تسدد ضائقتهم المالية؟

وإن قررنا تعديل قوانين الرياضة لتغيير الواقع الأليم السابق ذكره، فمن سيشرف على الأمر؟.

منذ نهاية عهد حسن شحاتة ونحن نعيش مع منتخب مصر أحد برامج رامز جلال. حلقات بنفس الخدعة السخيفة المكررة يوميا، لكن مع اختلاف الضيوف فقط وردود فعلهم.

نتعاقد مع بوب برادلي في توقف تام لنشاط كرة القدم في مصر. يحاول جاهدا ويغطي وجوده على عيوبنا مؤقتا، لكنه يفشل في النهاية لأنها النهاية المنطقية لغياب المنظومة. فيكون الحل في نظرنا هو رحيله. نتعاقد مع شوقي غريب في حنين لتجربة حسن شحاتة فيفشل، فنلجأ إلى هيكتور كوبر.

كوبر يحاول جاهدا ويغطي وجوده على عيوبنا مؤقتا، لكنه يفشل في النهاية لأنها النهاية المنطقية لغياب المنظومة، فيرحل ونتعاقد مع خافيير آجيري الذي سيعيد الكرة الجميلة. يفشل آجيري فنتعاقد مع حسام البدري في حنين لتجربة حسن شحاتة فيفشل، فنلجأ إلى كارلوس كيروش.

كيروش يحاول جاهدا ويغطي وجوده على عيوبنا مؤقتا، لكنه يفشل في النهاية لأنها النهاية المنطقية لغياب المنظومة، فيرحل ونتعاقد مع إيهاب جلال في حنين لتجربة حسن شحاتة فيفشل.

هل تعلمون لماذا لا ننجح في تكرار تجربة شحاتة؟ لأن نجاح تجربة المعلم نفسها كانت صدفة.

مدرب مؤقت لخلافة ماركو تارديللي الذي فشل فشلا ذريعا، ومهمة شحاتة فقط هي استكمال التصفيات التي خسرنا التأهل عنها بالفعل. يفوز شحاتة فتبدأ فكرة منحه الفرصة مع اقتراب أمم إفريقيا على أرضنا.

وعلى أرضنا نفوز بأمم إفريقيا فيستمر لكتابة تاريخه. لو احتسب الحكم ركلة الجزاء الصحيحة على إبراهيم سعيد في أخر دقائق نصف النهائي وخسرنا لما استمر شحاتة لكتابة المجد، ولو خسرنا ركلات الترجيح في النهائي أمام كوت ديفوار، لرحل شحاتة وما شاهدنا حقبة الفراعنة التاريخية.

هل تعلمون لماذا لا يمكننا تكرار تجربة حسن شحاتة حاليا؟ لأن شحاتة حينها كان هذا المدرب الذي صنع نفسه بنفسه، صعد بـ المنيا، والشرقية، ومنتخب السويس من الدرجة الثانية إلى الدوري الممتاز. فاز مع المقاولون العرب بـ كأس مصر كأول فريق يحرز البطولة من الدرجة الثانية بعد الفوز على الأهلي، ثم أحرز كأس السوبر المصري على حساب الزمالك.

ومع منتخب الشباب، أحرز بطولة أمم إفريقيا بجيل صادف أن يكون قوام منتخب مصر حين تولى هو المهمة، فكانت مهمته أسهل في توظيفهم، وساعده تاريخه ورصيده كأحد أساطير كرة القدم لاعبا بأن يكون مقنعا للجماهير والإعلام ويصبروا عليه لحين يثبت نجاحه.

تلك التجربة كلها كانت من قبيل الصدفة، وليس التخطيط لإيجاد الكوادر التدريبية. الآن هل يوجد مدرب مصري بنفس المواصفات؟ كم مدرب مصري يحصل على شهادات ودورات تدريبية معترف بها بإشراف من اتحاد الكرة؟

أعزائي ومع الأسف، إن كانت الكرة المصرية بوضعها الحالي مجسدة في شخص، فهو "أحدهم" الذي قرأ "الكبار" فاتحته.

أخر الأخبار
التعليقات