لم يعد يفصلنا الكثير عن ليلة الثامن والعشرين من مايو، أم المعارك في القارة العجوز، نهائي دوري أبطال أوروبا بين ريال مدريد وليفربول.
ريال مدريد يبحث عن لقبه الرابع عشر، بينما يهدف ليفربول لتقاسم الوصافة مع ميلان والوصول إلى اللقب السابع.
لهذه المباراة عدة أوجه.. فمنها صراع يورجن كلوب مع ريال مدريد، حيث لم يتمكن من إقصاء الملكي منذ نصف نهائي 2013 حين كان مدربا لبوروسيا دورتموند، بعد ذلك عانى أمامه الأمرين مع ليفربول.
هناك أيضا ثأر 2018 يلوح في الأفق، وهو ثأر عام بالنسبة للريدز، وخاص للغاية بالنسبة للنجم المصري محمد صلاح، الذي تعرض لإصابة الكتف الشهيرة إثر التحامه مع سيرخيو راموس في الدقائق الأولى لتلك المباراة.
هناك كريم بنزيمة الباحث عن حسم الكرة الذهبية، وكارلو أنشيلوتي الباحث عن لقبه الرابع كمدرب، وفض الشراكة الأزلية مع بوب بيزلي، والحديثة مع زين الدين زيدان.
كلها أمور ستحسم خلال 90 دقيقة، أو ربما 120، ليبقى منها هذه الأرقام، ولكن ماذا عن أرض الواقع بالنسبة للفريقين؟ ماذا عن المستقبل بالنسبة لهما؟
في هذا الصدد وبمنتهى الصراحة.. هذه المباراة لا تعني شيئا على الإطلاق.
ليفربول لن يصبح خارقا لو فاز، ولن يصبح فاشلا لو خسر.
إن فاز الريدز، سيضيف مشروع كلوب جوهرة جديدة إلى حصاده المميز، تمنحه المزيد من الروح والدوافع للاستمرار، وتزين موسما توج خلاله ببطولتي الكأس في إنجلترا.
كل ما سيحتاجه عملاق أنفيلد هو مواصلة العمل على نهجه الحالي، سواء بدعم خط الوسط بنجم موناكو الواعد أوريلين تشاوميني -الذي يصارعه عليه ريال مدريد أيضا- أو تقوية مقاعد بدلائه.
الأخيرة تحديدا مسألة بالغة الأهمية في مناطحته المزمنة لمانشستر سيتي، الذي تفوق عليه في سباق الدوري بفارق نقطة وحيدة للمرة الثانية في آخر 4 مواسم.
بصورة عامة، هناك 32 فريقا يتقاتلون على لقب دوري أبطال أوروبا في كل موسم، يفوز منهم واحد فقط.. فهل يعني ذلك أن الـ 31 الآخرين لا قيمة لهم؟
هذه نظرة قاسية للغاية، تتبناها سردية التاريخ الذي لا يتذكر إلا النتائج..
ففي نهاية المطاف، ليفربول سيستحق التحية على موسمه الحالي سواء فاز بدوري الأبطال أو لم يفز به.
أما ريال مدريد، فإنه بلا شك سيستحق ما يفوق التحية، أيا تكن نتيجة هذا النهائي.
فقط مشجع متفائل للغاية أو مفرط في الثقة، كان ليملك ما يكفي من الجرأة في بداية الموسم لقول شيء يشبه أن ريال مدريد سيكون في نهائي دوري الأبطال.
الميرينجي مر من عقبات لم يكن من المتوقع أبدا أن يجتازها جميعا، سواء ضد باريس سان جيرمان، أو في المواجهة الثانية الحرجة ضد تشيلسي، وخصوصا ضد مانشستر سيتي في نصف النهائي.
أمور قاربت المعجزات، دفعت العديد من متابعي كرة القدم لتحليل أمور تخرج عن إطار المستطيل الأخضر، وتتجه لدراسة الصلابة النفسية والإيمان بالحظوظ للحظات الأخيرة، او ما يعرف إجمالا بـ "شخصية البطل".
ولكن، بينما يعتبر ذلك أمرا مميزا يساعد على دفع الفريق لخطوات أبعد من الممكنة فنيا، إلا أن هذا لا يعني إهمال الجانب الفني، وبالعودة لكرة القدم، فإن تتويج ريال مدريد سيكون خطيرا للغاية عليه لو سمح لإدارته بتجاهل مشاكل الفريق.
على المستوى المحلي، وبينما تبدو عودة برشلونة للساحة صعبة بعض الشيء في ظل وضعه الاقتصادي الحالي، إلا أنه لن يظل نائما إلى الأبد.
أما على المستوى القاري، فإن ما حدث لا يملك ضمانة لتكراره، حتى لو تكرر عشرين مرة..
ريال مدريد يجب أن يعلم أن الاعتماد المفرط على لاعب مهما بلغ تألقه يسفر عن نتائج كارثية حين يغيب أو يرحل أو يعتزل أو حتى ينخفض مستواه، إذ تبقى العملية الهجومية بالكامل رهن حالة هذا اللاعب، وهو درس شرحه غريمه بأوضح الطرق الممكنة.
كريم بنزيمة لن يتمكن من حمل المنظومة الهجومية وحده لثلاثة أعوام قادمة، ومن هنا كان بحث الميرينجي عن جناح هداف بوجه عام، أو كيليان مبابي بصورة محددة للغاية.
فشل هذه الصفقة ليس نهاية المطاف، ولا ضياع فرصة التعاقد مع إيرلينج هالاند كذلك، فالعالم لم ولن يتوقف عن إنتاج المزيد.
ثلاثية خط وسط ريال مدريد تلفظ أنفاسها الأخيرة، ودفاعه قطعا ليس في أفضل أحواله. كم الفرص التي أتيحت على مرمى الميرينجي في كبرى المواجهات تفضح ذلك الأمر بسهولة.
هناك تحرك تم بالفعل وينقصه الإعلام، وهو ضم أنطونيو روديجير من تشيلسي، ولكن هل تم ذلك لأنه متاح مجانا؟ وهل يصمد روديجير في خط دفاع رباعي رغم فترته المخيبة بهذا النظام مع تشيلسي، المنافية تماما لتألقه الكاسح في خط دفاع ثلاثي تحت قيادة توماس توخيل؟ أم يتجه ريال مدريد نفسه لخط الدفاع الثلاثي؟
كلها أسئلة يجب إجابتها على وجه السرعة لأجل مستقبل الميرينجي، بشرط ألا يكون لنتيجة الثامن والعشرين من مايو أدنى كلمة فيها.