"طبقا للمادة 14 البند الأول والمادة 19 من لائحة النظام الأساسي لـ فيفا، فإن كل الاتحادات الأعضاء ملزمة بإدارة شئونها بصورة مستقلة بدون تأثير غير مناسب من أي طرف ثالث، ومخالفة هذه الالتزامات يمكن أن يؤدي إلى عقوبات على النحو المنصوص عليه في لائحة النظام الأساسي".
بمراجعة كل التصريحات الرسمية من قادة الاتحاد الدولي، بل وكل القرارات الصادرة بهذا الصدد، تجد فيفا يتصدى بكل حزم لأدنى شبهة تدخل حكومي في إدارة شؤون كرة القدم. مجرد تدخل الحكومة -بصورة مباشرة وواضحة- في تحديد مسار اتحاد الكرة = تجميد النشاط الكروي في البلاد.
ألا يكفيك هذا الآن لتصدق أن كرة القدم بمنأى عن عبث الدول والحكومات بمقدراتها؟ لا يكفيك؟ عجبا..
ربما لأن الحكومات لا يسمح لها باختيار مجلس إدارة اتحاد الكرة، ولكن يسمح لها بامتلاك الأندية كبرت أو صغرت؟
ولكن هذا غير صحيح.. لا توجد حكومات تتملك أندية، هناك أندية تعتبر ملكيات عامة وتدار عن طريق أعضائها بالانتخاب المباشر مثل ريال مدريد وبرشلونة، فيما عدا ذلك لا يمكن لحكومة أي دولة أن تتملك ناديا..
هذا صحيح.. قطر لا تملك باريس سان جيرمان، والإمارات لا تملك مانشستر سيتي، وأنا لا أبكي تحت المطر، هذه ليست دموعي.
النظافة من الإيمان
لنعد بتلك القصة إلى بدايتها.. من يرفض 200 مليون يورو مقابل لاعب يبقى عام وحيد في عقده ولم يحسم قراره ومن الوارد خسارته مجانا؟ لا يشترط أن تكون دولة، أو بالأحرى ناد مدعوم من اقتصاد دولة فاحشة الثراء، ولكن الأكيد أنه ناد لن يبكي على ضياع مبلغ كهذا في جميع الأحوال.
هذا النادي رفض هذا المبلغ قبل عام واحد من نهاية عقد مبابي، في صيف تعاقد فيه مع ليونيل ميسي وسيرخيو راموس وأشرف حكيمي وجورجينو فينالدوم وجيانلويجي دوناروما وهاري هوديني وأدولف هتلر وأي شيء طالته يداه، ثم خرج رئيسه بكل هدوء ليقول: "الشيء الوحيد المهم هو أن النادي يحترم قواعد اللعب المالي النظيف".
حدث كل ذلك بعد عام واحد من ضرب جائحة "كوفيد" لكافة جنبات العالم بكل ما أوتيت من قوة. الكل يعاني، بينما باريس سان جيرمان يضيف هذه الكتيبة إلى فاتورة رواتبه التي تحمل بالفعل نيمار وفيراتي وماركينيوس ومبابي -براتبه القديم- بمكافآت الوفاء والولاء والبراء والأخلاق الحميدة وكل البنود الهيستيرية التي لم نسمع بها إلا في العاصمة الفرنسية.
هذا النادي الذي رفض رقما قياسيا للاعب يبقى في عقده عام وحيد، لم يمانع المخاطرة بأن يرحل هذا اللاعب مجانا بعد مفاوضات استمرت لم
+دة عام كامل، ولقاء إقناعه بالبقاء، يوشك على منحه رقما قياسيا في تاريخ رواتب اللاعبين، وبالطبع لن يواجه أي مشكلة مع اللعب المالي النظيف. باريس سان جيرمان وحده في هذا الكوكب من لم ولن يواجه أي مشكلة مع اللعب أو الأموال أو النظافة.
قواعد اللعب المالي النظيف وضعت لأجل حماية الأندية من أضرار الإنفاق المبالغ فيه التي قادت العديد من السابقين إلى الإفلاس، هل يبدو لك باريس سان جيرمان مهددا بالإفلاس في الأعوام الخمسين القادمة؟ لا، وبالتالي لا مشكلة.
لقد مات رايولا
وليست فايزة العماري من قتلته، وفي الحقيقة لا يبدو زمن الوكلاء التقليديين مهددا بالفناء أبدا، فحتى بعد وفاة الوكيل الإيطالي الأشهر، أنجز معسكره واحدة من أضخم الصفقات في عالم كرة القدم بنقل إيرلينج هالاند إلى مانشستر سيتي.
السرعة التي تمت بها الأمور بعد وفاة رايولا بـ 10 أيام فقط، ربما تعكس أن كل شيء كان قد انتهى بالفعل في حياته، ولكن إلى متى ستتمكن منظومته من الصمود بدونه؟
قصة مثل قصة رايولا بنيت على علاقة خاصة للغاية جمعته بكل النجوم الذين استحوذ على إدارة أعمالهم. زلاتان إبراهيموفيتش يفرد له فصلا كاملا في كتابه، وماريو بالوتيلي يتصل به حين اشتعل حريقا في منزله. ربما ترك سمعة ستمد هذه المنظومة بالحياة لبضعة سنوات، وربما ستبقى محتفظة بجيلها الحالي من النجوم حتى تنتهي مسيرتهم، ولكن ماذا بعد؟
اسم مثل خورخي مينديش وكيل كريستيانو رونالدو وبرناردو سيلفا وجواو كانسيلو وفابينيو وإيدرسون وديوجو جوتا وربما أي برتغالي أو ناطق بالبرتغالية تعرفه، لم يعد اسمه يتردد على الساحة بنفس القوة، حتى وإن كان يتحكم في مشروع كامل مثل وولفرهامبتون، قلعة البرتغال في الدوري الإنجليزي، إلا أنه وبمجرد اعتزال رونالدو، قد لا يملك شيئا بنفس القوة لبقية مسيرته العملية.
قبل ساعات قال الصحفي الفرنسي فريدريك هيرميل: "في كرة القدم هناك من يحترمون كلمتهم حين يعطوها، وهناك كيليان مبابي". لترد عليه فايزة العماري ببساطة شديدة للغاية: "لم يتم منح أي اتفاق أبدا".
في حقيقة الأمر يبدو هذا التصور أقرب للحقيقة، هذا الأمر لم يبق معلقا لعام كامل فقط لأجل "البروباجاندا".. كل ما هنالك أنها أخذت عرضا من هنا وطرحته هناك، لتأخذ من هناك عرضا أكبر تطرحه هنا، وهكذا حتى وصلت إلى الشروط الأنسب.
ظهور فايزة العماري على الساحة بهذه القوة خلال العام الأخير، أخذ النموذج اللاتيني ونقله إلى صفقة أوروبية في غاية الضخامة. فبعد نيمار الأب الذي حصد لولده العديد من المبالغ الطائلة، وقبله خورخي ميسي الذي قاد ولده للراتب الأعلى على الساحة، ها قد أتت والدة مبابي، ونجحت في استثمار الوضع القائم بأفضل الطرق الممكنة، لتجلب عقدا لن يضاهى لسنوات مقبلة.
زمن الوكلاء قطعا لن ينتهي، ولكن ربما امبراطورياتهم مع الوقت، فقد يأتي اليوم الذي تخرج فيه كبرى صفقات كرة القدم في العالم من أيدي أهل الثقة وأهل الخبرة، لتصبح بين يدي الأهل.. فقط.