كتب : أحمد أباظة
هل تتذكر فلانا يا أبي؟
بالطبع، لقد كان لاعبا عظيما، تتراقص الكرة بين قدميه، ويملك موهبة تحرك الشجر والحجر قبل البشر. كان من أفذاذ جيله بلا شك، ولكن "لو كان ركز في الكورة" لكان له شأن آخر..
لو.. حرف امتناع لامتناع، قيل أنه يفتح عمل الشيطان. لو دخلت تلك الكرة ولم تضرب العارضة لفاز فريقي بالبطولة. لو ذاكرت قبل ذلك الاختبار بوقت كاف لاجتزته. لو أني أعلم خاتمتي ما كنت بدأت.
النتيجة أن تلك الكرة لم تدخل وفاز خصمي بالبطولة، وأني رسبت في الاختبار، وأني بالطبع بدأت، وبالتالي ذاك الفلان لم يصبح له ذلك الشأن الآخر.
في رحلتنا هذه سنتفق أحيانا وسنختلف أحيانا، لكن ما لن نختلف عليه هو أنه لو كانت "لو" تغير شيئا لعاش الجميع في سعادة أبدية، ولكن هذه السعادة لا يعيشها الجميع بالطبع، لأنه كما اتفقنا سلفا، فإن الوظيفة الوحيدة الفعالة لتلك الـ "لو" هي نفي تحقق الجملة التالية للجملة البادئة بها على أرض الواقع، لا أكثر ولا أقل.
ولكن، ألا يبدو إخضاع مسألة نسبية بحتة كالموهبة لمقياس منطقي جاف كهذا أمر يشوبه شيء من القسوة؟ ألا تستحق الموهبة التي أمتعت أعيننا أن نتساهل قليلا في التقييم النهائي لمسيرة اللاعب وألا نحاسبه بالأرقام والحقائق المجردة؟
تتباين الآراء في هذه المسألة، فالبعض لا يبالي إلا باللمسة التي تقوده إلى حافة مقعده، والبعض الآخر لا تعنيه تلك اللمسة على الإطلاق ما لم تكن ذات قيمة فعلية.
قبل أن نتناول هذه المسألة علينا أولا أن نسأل، ما الذي أتى بنا إلى هنا؟ ما الذي أوجد تلك "لو" في المعادلة من البداية؟ ولماذا توجد هذه المواهب مقرونة بافتراض ما لم يحدث، بينما توجد مواهب مساوية وأحيانا أقل كسرت هذا الحاجز وحققت ما يتناسب مع المتوقع لها وأحيانا ما يفوقه؟
......................
لماذا لو؟
تتبادر الأمثلة إلى الأذهان محليا وعالميا بسهولة ووفرة، فالتاريخ "يرفع يديه للموهوبين وينسى دون اعتذار أنصاف اللاعبين"، وإن كان هناك ما نضيفه على ما قاله أيقونة التعليق المصري ميمي الشربيني، فهو أن الذاكرة الجمعية تعمل بنفس الطريقة.
ذاكرة المتابع الباحث عن المتعة وهو القاسم المشترك بين الغالبية العظمى من جماهير الكرة إن لم يكن جميعها، لن تنسى لاعبا أشبع هذه الرغبة لديها، حتى وإن لم يفعل ذلك لوقت طويل، ولكن بالتأكيد لن يحظى بنصيب من تحلى بهذه الاستمرارية المفقودة وواصل تلبية التوقعات كلما واتته الفرصة.
ما الذي يدفع لاعبا ولد محظوظا بموهبته الفذة للتنازل عنها وبالتبعية عن مكانة كبيرة تلائم حجم موهبته، وينجرف طواعية إلى مرتبة "الأنصاف"؟ الحديث هنا ليس فقط عن مرتبة أنصاف اللاعبين عموما، فهو يختار أن يكون نصف اللاعب الذي يمكنه أن يكون، وأحيانا أقل.
يجيبنا الكاتب الرياضي الكبير حسن المستكاوي مقسما هذه المسألة إلى 4 قواسم مشتركة لهذه الحالات:
-تأثير المال
-تأثير الشهرة والنجومية
-انعدام الثقافة
-النظرة الخاطئة للقيم
"الكرة تصنع نجومية وشهرة وأموال، وإذا لم يكن الرياضي أو الإنسان عموما يتحلى بالثقافة العامة، وإن لم يملك نظرة للحياة فيما يخص القيم، فمن السهل أن ينجرف في الطريق الخاطئ".
"القيم تختلف من إنسان لآخر وفقا لثقافته، فهناك من يعتبر الأموال أهم شيء، وهناك من يريد النجاح، يكسب الكثير من الأموال ولكنه في النهاية يعمل لكي ينجح".
"إذا لم يكن لاعب الكرة متعلما ومثقفا بصورة جيدة والأمر ذاته ينطبق على أي إنسان في أي وظيفة، لن يكون مهيئا للتعامل مع اكتسابه لأموال أكثر مما كان يتخيل، وبالتالي يضيع في طرق غير سليمة".
"هناك العديد من النماذج في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات للاعبين في أندية كبيرة، كانوا يملكون المهارات ويحققون الإنجازات، ولكن أحدهم اتجه للمخدرات وآخر اتجه للسهرات وثالث سار وراء الأموال حتى أفقدته اتزانه، فخاض مشاريع جنونية أفقدته كل ما يملك. كلها عوامل تقود للانحراف، وللانحراف أشكال كثيرة".
وبالحديث عن المال، وإن كان الأمر يتعلق بالتعامل مع دخول أموال طائلة غير مألوفة، فمن المستحيل تجاهل دور الفقر في تشكيل جزء كبير من العوامل السالف ذكرها، ودوره الواضح في تمهيد البيئة لتضخم حاد في اعتزاز الإنسان بنفسه لدرجة الغرور، أو سرعة شعوره بالاكتفاء والرضا المانع للتطور، ناهيك عن كون الفقر رفيقا مخلصا لقلة جودة التعليم والثقافة.
هناك بعض الأنماط شبه الثابتة للاعبين البرازيليين، فهم يأتون من ظروف مالية صعبة ويملكون مخزونا مهاريا ضخما ويلمعون بسرعة في سماء الساحرة المستديرة ثم يختفون في ظروف غامضة للغاية. كل شيء يحدث بسرعة يصعب تصديقها.
وبينما ذهبت غالبية الآراء للعوامل المتعارف عليها في انطفاء نجم اللاتينيين عموما والبرازيليين خصوصا، مثل غياب الالتزام وانعدام الطموح بعد تحقيق مبلغ معين من المال والانجراف في حياة السهرات والإفراط في الكحوليات، ذهب الباحث البرتغالي نونو ليتي إلى الجانب الآخر، وهو دور الفقر في تشكيل المهارة الفذة للاعب البرازيلي.
"البرازيل معروفة بزواجها الناجح من كرة القدم، ومعروفة أيضا بظروفها الاجتماعية الصعبة كالفساد وغياب المساواة والفقر. في 2013 تم تقدير عدد البرازيليين الذين يعيشون في فقر مدقع بـ13.5 مليون نسمة".
"في المجتمعات الغربية وجدوا علاقة بين المستوى الاجتماعي والمشاركة الرياضية، حيث تقدم الطبقات الاجتماعية الأعلى مزيدا من الفرص".
"هناك دراسات أشارت إلى أهمية كل العوامل المعقدة اجتماعيا وثقافيا في تكوين خبرة اللاعب البرازيلي، والذي تم اعتباره النموذج الأمثل للدراسة بالنظر لعادة البرازيل التاريخية في إخراج لاعبين بجودة عالية من قلب معوقات غير تقليدية".
وصل بحث ليتي إلى وجود هذه العلاقة بين تحدي أبناء البرازيل لكل هذه الظروف وبين الفجوة السحيقة بين الأغنياء والفقراء، وبالتالي يمكن القول أن المشكلة تبدأ من هنا، فهذه المهارة الفذة يتم تنميتها بغرض الهروب من الفقر والارتقاء في السلم الاجتماعي، وبمجرد تحقق هذا الهدف تصبح الدوافع في ذمة الله.
طرح يؤيده المدرب المخضرم ميمي عبد الرازق رئيس قطاع الناشئين في النادي المصري، حيث يرى للفقر والظروف المالية الصعبة التي يعانيها اللاعبين في بداياتهم دورا رئيسيا في شعورهم بالاكتفاء سريعا، فإن لم يتجهوا للطرق الخاطئة، اتجهوا لطريق ربما يكون أكثر فتكا في بعض الحالات، وهو انعدام الطموح وانقطاع تجدد الشغف.
وبينما يمكن تعميم هذا النسق على الغالبية العظمى من الحالات، يرى الكاتب حسن المستكاوي أن هذا الطرح ليس دقيقا بما فيه الكفاية:
"هناك لاعبين أفارقة مثل صامويل إيتو وديدييه دروجبا قطعوا الطريق من الفقر إلى الثروة واستمروا بنفس الأداء والقوة والانتظام. البعض الآخر بمجرد أن يجمع مبلغا من المال يفقد بوصلته بفعل الشهرة أو المال أو الاكتفاء، ليس لديهم رغبة في قيمة النجاح ولا زيادته".
"هذه مسألة ثقافة. الإفريقي أكثر فقرا من الأمريكي الجنوبي، وهناك آلاف البرازيليين احترفوا في العالم، فشل منهم الكثير، بينما يوجد عدد أقل من اللاعبين الأفارقة احترفوا في ملاعب أوروبا بمختلف درجاتها وانتشلتهم الكرة من الفقر، ولم ينحرفوا جميعا، على العكس، النسبة ضئيلة للغاية".
"هل هناك من هو أعظم من مارادونا؟ بيليه كان عظيم عصره ولم يفسد. مارادونا كان عظيم عصره وفسد بفعل المال والشهرة ووصل به الأمر إلى إدمان المخدرات. بيليه في زمنه كان يملك نفس الشهرة والنجومية ولكنه لم ينحرف".
وهذا ما يقودنا مباشرة إلى السؤال التالي.. قطعا لا ينتمي كل أصحاب الاستمرارية إلى الطبقات الأرستقراطية، فماذا فعلوا حتى لا نقول عنهم تلك الـ "لو" الملعونة؟
...................................................................................
الخط الفاصل
في تصريحاته الشهيرة التي أثارت الجدل قبل بضعة أعوام، قال محمد صلاح أهم محترف في تاريخ مصر بلا منازع: "مشكلتنا في مصر هي أننا لا نريد أن نتعب كي نصل إلى ما نريد".
وبينما أخذت هذه التصريحات على أكثر من محمل، كان الرجل كان متسقا مع ذاته طوال الوقت، فهو يتدرب ساعات أكثر لاكتساب وصقل المزيد من المهارات، ويعتمد نظاما غذائيا صارما للحفاظ على لياقته ومواصلة القتال على أعلى مستويات كرة القدم في العالم.
بينما يخبرنا صلاح عن شعوره العميق بالذنب إذا تناول الفطير، ويروي ببالغ الأسى قصة اليوم الذي تناول خلاله فطير وحمام وكشري –في العطلة- فقرر الصيام لنهاية الشهر، يخبرنا لاعب مصري شهير أنه تناول "كيلو ملبن بالقشطة" قبل مباراة رسمية، ضاحكا لأنه –لسبب ما- كان يرى الكرة اثنتين في قدم مهاجم الخصم.
هيونج مين سون الذي لا يقل كثيرا عن صلاح بالنسبة لكوريا الجنوبية، أخذ هذه المسألة لنقطة أبعد، فقد نصحه والده بعدم الزواج قبل اعتزال كرة القدم، وكأي ابن صالح، قال سون لصحيفة "جارديان" الإنجليزية: "والدي قال هذا وأنا أتفق معه. حين تتزوج يصبح المقام الأول للعائلة والزوجة والأطفال، ثم تأتي كرة القدم. حين تعتزل أو تصل إلى سن 33 أو 34 عاما، لا يزال بإمكانك أن تحظى بحياة طويلة مع عائلتك".
إنه هنا لا يكتفي بحرمان نفسه من بعض المتع والأطعمة، بل لا يمانع تأجيل مسألة تكوين العائلة لأجل كرة القدم، وهو ما يفسره الكاتب حسن المستكاوي قائلا:
"ما الذي تريد الوصول إليه؟ تريد أن تصبح الرقم 1 في مجالك؟ ستعمل بنفس الدأب والجهد، ولن تكتفي بكونك موظف. كل يوم يجب أن تسأل نفسك ماذا ستتعلم اليوم. في أي مهنة لا يوجد سقف للنجاح. احترامك لجمهورك ومحبيك يفرض عليك المزيد من التعلم والثقافة".
"هذا هو الفارق بين محمد صلاح وأي محترف آخر. ليس هناك الكثير من المحترفين الذين عملوا بعقلية احترافية حقيقية. قليلون منهم كان لديهم نفس الشغف والطموح والدأب ولكنهم لم يملكوا التوفيق، بينما ذهب صلاح إلى أكبر صالة عرض لكرة القدم: الدوري الإنجليزي".
في الإطار ذاته يقول المدرب الخبير محمود أبو رجيلة:
"إذا قرر اللاعب بدء مسيرته في كرة القدم ولديه الطموح اللازم، فيجب أن يبتعد عن كل شيء وأن ينتظم في تدريباته وأكله وشربه ونومه. الأمر يتوقف عليه، وعلى ما إذا كان يريد تحقيق هذا النجاح أم لا".
"البعد عن هذه الأشياء يتطلب كفاحا زائدا، إذ يجب أن يضحي بكل شيء، كأن يذهب إلى مقهى أو سهرة أو مكان غير مناسب".
"صلاح بدأ مسيرته في الدرجات الأقل ثم المقاولون العرب وكان يملك الحماس للتميز وسط مجموعة كبيرة من اللاعبين، فخرج من مصر وهو يملك الشخصية اللازمة".
صلاح نفسه وضع يده بسهولة على أحد أهم مفاتيح نجاح تجربته الاحترافية وفشل العديد من التجارب الأخرى ببساطة شديدة للغاية، إذ يجد اللاعب نفسه بعيدا عن أهله ولا يلعب فتزداد الضغوط، فيقول لنفسه لماذا أترك عائلتي وأمامي الأهلي والزمالك، فيعود إلى مصر ويجد وضعا مريحا.
كان هذا عن فشل تجارب لاعبين شوهدوا فسافروا فوقعوا عقودا وغادروا إلى الخارج بالفعل، ولكن هناك الكثير ممن كانوا يملكون متطلبات الاحتراف من حيث الموهبة، ولكن تفرقت بهم الأسباب فلم يحظوا بالفرصة من الأصل، أو أتتهم في توقيت متأخر، أو حتى لم ينجحوا في أن يصبحوا لاعبي كرة قدم من الأساس.
يمكننا القول أن الإرادة هي الرقم 1 هنا. لا يوجد فعل أي شيء لأي لاعب لا يملكها مهما بلغ حجم موهبته، ولكن الإرادة وحدها لا تكفي، فهناك عملية تكوين كاملة في البداية، ألا يمكننا التدخل خلالها للحرص –منطقيا- على إخراج أكبر عدد ممكن من "صلاح" وأقل عدد ممكن من "لو كان"؟
...................................................................................
اقتلوا "لو" في مهدها
هل من الممكن توفير مناخ أفضل يساعد هؤلاء الذين يملكون الإرادة على الارتباط أكثر بكرة القدم واكتساب الشخصية اللازمة والتجهز لمواجهة التغير المفاجئ في مستوى المعيشة مع أول نجاح؟
نجم الأهلي السابق ياسر ريان تحدث عبر قناة أون تايم سبورتس في معرض تفسيره لحديثه عن كونه أسرع من صلاح، وهو قول يؤيده كل من عاصره، أكد أن هذا بحد ذاته لا يعني أنه أفضل، وأشار إلى أن خروج صلاح المبكر من مصر ساهم في وضعه تحت دائرة الضوء وارتفاع أسهمه، بينما لم يكن هذا متاحا في زمنه.
هل يعني هذا أن الاحتراف هو السبيل الوحيد؟ بالتأكيد هو السبيل الوحيد لصناعة نجم عالمي، ولكن الحديث هنا عن تنشئة لاعب من الأساس، ألا يمكن تمهيد البيئة المحيطة لتكوين هذه العقلية وتجهيز اللاعبين بالشكل الملائم سواء للعب في مصر أو الاحتراف؟
يرى ميمي عبد الرازق أن هناك دور يتطلب جرأة أكبر من المدربين، ولكن الدور الأكبر يقع على عاتق إدارات الأندية في توفير التوازن اللازم الذي يضمن أفضل تنشئة ممكنة للاعبين الصاعدين.
"المدير الفني يريد اللاعب الجاهز ويخشى تصعيد الناشئ، حتى لو ضمه يحدث ذلك من باب المجاملة أو مراضاة رئيس القطاع ومجلس الإدارة، ولكن الاعتماد عليه أمر صعب بالنسبة له".
"يجب أن نقدم ميزانية ثابتة لقطاع الناشئين. لا يجوز أن أنفق 200 مليون جنيه على الفريق الأول وأنفق 200 أو 300 ألف جنيه فقط على الناشئين، فلا يجدوا رواتب ولا أماكن للنوم ولا نظام تغذية، وحتى الملابس تأتي بصعوبة".
"يجب أن يتم تخصيص 20% من ميزانية كرة القدم لقطاع الناشئين، هذا هو السبيل الوحيد لنخرج ناشئين بالطريقة الصحيحة، غير ذلك كل ما يحدث مجرد اجتهادات".
يتفق معه محمود أبو رجيلة بخصوص أهمية دور المدير الفني في نقل اللاعب من مرحلة الناشئ إلى مرحلة لاعب الفريق الأول، كما يسلط الضوء على ضرورة استغلال المميزات المتاحة الآن، والتي لم تكن متاحة في زمنه كلاعب كرة قدم.
"المدير الفني يتابع اللاعب الذين يريده ويظل وراءه حتى ينجحه، فهو المسؤول عن اللاعب والقادر على تطويره، ولكن اللاعب يجب أن يساعد نفسه أيضا بالالتزام والتدرب في صالات الألعاب الرياضية".
"قديما كنا نلعب في الحواري والميادين التي يتجول فيها الكشافون بحثا عن المواهب، الآن توجد مراكز شباب وأندية ومدارس لكرة القدم للاعبين في سن صغير وكشافين على أعلى مستوى ومختلف المراحل العمرية في المسابقات".
وإن كنا نتحدث عن وجود قصور في عملية التنشئة السليمة من الأصل، فإن عملية صناعة النجم تمر بمعوقات أكثر صعوبة، وهو ما يوضحه الكاتب حسن المستكاوي قائلا:
"لا يوجد نجم لامع لأنه يراوغ أو يسدد أو يسجل فقط. مواصفات النجومية تشمل المهارات والمراوغات والتسديدات والأهداف والانتصارات، كما تشمل الأخلاق والقبول والثقافة وطريقة الكلام والعديد من العوامل".
"النمط الاستهلاكي الناتج عن التقدم يزيد المغريات للاعب كرة القدم خارج لعبته، وهذه الأمور تأخذ من تركيزه. هناك شيء يدعى متاعب الرياضة، ولهذا أعتبر صلاح إنسانا نموذجيا".
...................................................................................
بين القمة والصفر
الإرادة والالتزام من جانب اللاعب، وتمهيد البيئة الملائمة من جانب المسؤولين، كلها عوامل يفترض بها الحفاظ على الموهبة وتنميتها، ولكن ماذا لو لم توجد الموهبة القوية من الأساس؟ ماذا عن اللاعبين الأقل حظا على صعيد الموهبة؟ هل يمكن تعويض هذا القصور بالعمل الجاد؟
يرى ميمي عبد الرازق أن الأمر ممكن، حيث قال:
"الالتزام هو أساس النجاح سواء وجدت الموهبة أو لم توجد. الالتزام هو ما يصنع الفارق لأن ليس كل اللاعبين موهوبين".
بينما اعتبر محمود أبو رجيلة أن البحث عن سبل التطور أيضا يساهم في تقليل هذه الفجوة، قائلا:
"الموهبة منحة إلهية ولكن يمكن للاعب أن يتحسن بالاستمرارية في التدريب والعمل مع مدربين متخصصين وفقا لظروفه. لدينا مدربين كبار يمكنهم معرفة ما إذا كان اللاعب يملك مستقبلا أو لا من لمسة واحدة".
على الجانب الآخر يرى الكاتب حسن المستكاوي أن هناك سقف لا يمكن اجتيازه بدون الموهبة حين نصل لمرحلة تقييم أفضل اللاعبين:
"الموهبة موهبة والمهارة مهارة والنجم نجم. نحن نطلق مسميات مثل نجم وبطولة تاريخية على كل شيء وهذا غير صحيح. حين كان الأهلي سيئا كتبت في الأهرام (هؤلاء لاعبين مجتهدين). هناك فارق بين لاعب مجتهد ولاعب يملك المهارات والابتكار، تحب أن تصل الكرة إليه كي تستمتع. عدد هؤلاء في تاريخ مصر لن يتخطى 40 لاعبا من 20 أو 30 ألفا".
"معيار التقييم بالنسبة لي هو الموهبة، وبالنسبة للبعض هو الأرقام. الأرقام بالنسبة لي تكمل الأصل، والأصل هو الإبداع. في رياضة الجمباز هناك حركات إجبارية لتحقيق الدرجة النهائية، وهناك حركات اختيارية إبداعية تمنحك درجات إضافية".
هذا كان فيما يخص صراع الموهبة ضد الاجتهاد، فالموهوب المجتهد بداهة سيفوز، رغم أنه من الممكن أن يحقق الأكثر اجتهادا حصيلة رقمية أفضل من الأكثر موهبة، ولكن ماذا عن تقييم الموهوب الذي أهدر تلك الموهبة؟
حتى إذا تخاذل هذا اللاعب ولم يحقق ما يتناسب مع حجم موهبته، ألا تستحق إمكانياته النظر إليها بحد ذاتها في عملية التقييم النهائي؟ "لو كان ركز في الكورة" بالتأكيد لما ظلم نفسه، فهل نظلمه نحن بإخراج ما يملك من المعادلة؟
تقديم الكاتب حسن المستكاوي للموهبة على الأرقام في أولويات التقييم، لم يتعارض إطلاقا مع إجابته القاطعة:
"صاحب هذه اللمسة الإبداعية إذا لم يركز على كرة القدم يتحمل نتيجة أفعاله واختياراته. لا أحد يجد نفسه مجبرا على السير في الطريق الخاطئ".
"لا يوجد له تقييم بالنسبة لي.. لاعب قدم ربع ساعة في 10 سنوات، كيف أقيمه"؟
أولا تأتي الموهبة كشرط أساسي للانضمام إلى صفوة اللاعبين، ثانيا تأتي مجموعة الالتزام والعمل الجاد والطموح والإرادة والرغبة في النجاح، ولكن إن لم تمنح "ثانيا" حقها، فإن "أولا" لن تشفع، وبينما كنت تملك ما يؤهلك لصناعة إرث كروي كبير، كل ما سيبقى من هذا الإرث مجرد "لو"، لا تشفي عليلا ولا تطعم جائعا.