تحقيق في الجول - محاولة لفك لغز إصابات منتخب مصر

بعد جيل تاريخي حقق ثلاثية تاريخية، تبعها فترة غياب طويل. عاد منتخب مصر إلى الساحة الإفريقية وكالعادة من الباب الكبير. ثلاث مشاركات متتالية تخللهم الوصول إلى نهائي كأس أمم إفريقيا مرتين وبلوغ كأس العالم 2018.

كتب : محمود ضياء

الثلاثاء، 19 أبريل 2022 - 12:49
الإصابات المتكررة في منتخب مصر

بعد جيل تاريخي حقق ثلاثية تاريخية، تبعها فترة غياب طويل. عاد منتخب مصر إلى الساحة الإفريقية وكالعادة من الباب الكبير. ثلاث مشاركات متتالية تخللهم الوصول إلى نهائي كأس أمم إفريقيا مرتين وبلوغ كأس العالم 2018، لكن المشاركات لم تكن أبدا كالذي فات، وقتما كان الأمر الأسهل، هو تحقيق البطولات.

الأمر المعتاد في السنوات الأخيرة مع خوض منتخب مصر للبطولات المجمعة هو عدد الإصابات الكبير في صفوف الفراعنة.

last man standing

هل تعرفون سلسلة “Hunger Games”؟ مجموعة من البشر يتصارعون، ومن يبقى في النهاية وحيدا يكون المنتصر. ومنتخب مصر أصبح بهذا الحال مؤخرا بتقديم القرابين بالإصابات في كل لقاء.

16 إصابة مختلفة تعرض لها لاعبو منتخب مصر خلال أمم إفريقيا الأخيرة وكأس العرب وتصفيات كأس العالم، 13 إصابة منها كانت عضلية.

أربعة من لاعبي منتخب مصر أصيبوا بشد عضلي (أحمد حجازي أمام الجزائر في كأس العرب – أحمد فتوح أمام نيجيريا - محمود حمدي الونش أمام غينيا بيساو – أحمد الشناوي أمام كوت ديفوار).

أربعة إصابات للاعبي المنتخب كانت بسبب الإجهاد في العضلات (حمدي فتحي أمام كوت ديفوار – محمد أبو جبل أمام المغرب – حمدي فتحي ومحمد الشناوي أمام الأردن).

وتعرض ثلاثة من لاعبي الفراعنة للإصابة بتمزق عضلي (محمد الشناوي أمام ليبيا – رامي ربيعة أمام السنغال – أحمد حجازي أمام المغرب).

بالإضافة إلى قطع الرباط الصليبي لأكرم توفيق أمام نيجيريا، وجذع في أربطة الكاحل لعمر جابر أمام السنغال، وجذع في الرباط الداخلي للركبة لأيمن أشرف أمام الجزائر، بجانب كسر في الأنف لـ محمد عبد المنعم، وجرح قطعي في الشفاة لمحمد شريف أمام كوت ديفوار.

8 إصابات في أمم إفريقيا 2021، 4 في كأس العرب، 4 في تصفيات كأس العالم، وإذا عدنا بالذاكرة لما هو أبعد من ذلك سنجد مجموعة لا بأس بها من الإصابات في أمم إفريقيا 2017 أيضا.

إذا استثنينا الإصابات غير العضلية، فإن 13 إصابة عضلية بين بطولتين مجمعتين أو مباراة حاسمة أمام السنغال لا يمكن أن يكون بمحض الصدفة.

فلماذا يتعرض لاعبو منتخب مصر لكل هذه الإصابات؟

الحمل البدني الكبير؟ تلاحم المباريات؟ الضغوطات النفسية؟ عدم الاستعداد الكافي؟ عديد الأسباب قد تدور ببالك فدعنا نتعمق أكثر في حالات الإصابة عموما وإصابات الفراعنة في الفترة الأخيرة خصوصا.

لن نتجاهل بالطبع حقيقة أن لعب عدد كبير من المباريات في وقت قصير وبأوقات إضافية يجعل الفريق عرضة للإصابات أكثر مع الإجهاد وتلاحم المباريات.

أسباب تكرار الإصابة

طبيعة رياضة كرة القدم تصنف من أعلى الرياضات في الإصابات بشكل عام ولا يمكن أن يكون هناك سبب واحد لتكرار الإصابات بالنسبة للاعبين.

*الصورة من أحد الأبحاث التي أجرتها جامعة سامفورد على إصابات الرياضيين في سن 19 عاما، حيث تقع كرة القدم في المركز الثالث*

استعجال العودة من الإصابة قد يكون سببا في تفاقهما مثلما حدث مع سيرجيو راموس الموسم الماضي وعودته في وقت مبكر مع منتخب إسبانيا وريال مدريد وهو ما أثر عليه لفترة أطول من المعتاد حتى في الموسم الحالي.

33 مباراة غاب عنها سيرجيو راموس هذا الموسم مع باريس سان جيرمان، مع لعبه لمباراة واحدة مع ريال مدريد منذ 13 مارس وحتى انتقاله للفريق الفرنسي.

فارق الحمل البدني بين الدوريات قد يكون أحد أسباب تكرار الإصابة، نابي كيتا مع ليفربول في أول موسمين مع الانتقال من الدوري الألماني للإنجليزي الذي هو صاحب المعدل الأعلى في الحمل البدني.

الضغوطات التي يتعرض لها اللاعب قد تكون سبب في ذلك أيضا، بين ضغط النادي الجديد، اللعب في مستوى أعلى، الظروف المحيطة باللاعب.

15 إصابة مختلفة تعرض لها نابي كيتا مع ليفربول -بعيدا عن فيروس كورونا- وهو في موسمه الرابع الآن.

مايكل ليندمان مدرب أحمال الأهلي السابق يتحدث لـ FilGoal.com عن أسباب تكرار الإصابات

"الحمل التدريبي الزائد قد يكون أحد الأسباب أو الخطة الموضوعة للتدريب البدني للاعب. السرعة الزائدة في بعض الأوقات أيضا أو معدل الجهد".

"يجب أن يتم التعامل مع كل لاعب بأسلوب خاص حسب الحمل البدني الخاص به وقدراته البدنية".

أنيس الشعلالي مدرب أحمال الأهلي السابق يذكر كيف يجب أن يتم التعامل مع الإصابات لـ FilGoal.com

"يجب الاهتمام بالفترة اللازمة للعودة وضرورة العمل بطرق علمية من خلال المتابعة الدقيقة لتفادي التكرار مع الراحة واستعمال الأساليب المتطورة".

"التغذية الصحية والمناسبة هي واحدة من أهم العوامل المؤثرة على مستوى اللاعب البدني وخطورة تعرضه للإصابات".

"لا يمكن إغفال الجانب النفسي في إصابات اللاعبين أيضا مع الضغوطات التي قد يتعرض لها اللاعب في بعض الوقت".

الضغوطات النفسية

بذكر الضغط النفسي الذي تحدث عنه الشعلالي، اعتاد اللاعب المصري في السنوات الأخيرة اللعب في غياب ضغوطات الجماهير.

الأمر ذاته يتعلق برتم المباريات، في مصر تتوقف المباريات كثيرا مع سهولة إطلاق الحكام للصافرات دون ضغوطات وهو ما يقلل دقائق اللعب الفعلية في المباريات أولا وسرعة النسق ثانيا.

فهل يمكن أن يكون التوتر العصبي سببا في الإصابة؟

في دراسة أجراها مجموعة من الباحثين الإنجليز ونشرتها "المكتبة الوطنية للطب" لمعرفة تأثير الإجهاد الفكري على اللاعبين بشكل عام.

تم قياس معدل إصابات اللاعبين (75 لاعب كعينة) في فترة التحضير للموسم وفترة زيادة الحمل وقت المباريات ومقارنتها بنفس العوامل عندما يتعرض اللاعبون للإجهاد الفكري خارج الملعب بمختلف أشكاله.

تبين أن معدل الإصابة عندما يتعرض اللاعب لضغوطات خارج الملعب باختلاف أشكالها يزداد بنسبة تتراوح بين 18-27% وتختلف حسب بنية اللاعب البدنية بالطبع.

مايكل ليندمان يوضح "التوتر الجسدي والعقلي يمكن أن يكون له دورا كبيرا في الإصابة، إنه يجعلك تتخذ قرارات بشكل انفعالي قد تجعل نسبة الإصابة أعلى".

"أتذكر عندما كنت في إنجلترا، كان هناك لاعبا سريعا للغاية ولياقته البدنية عالية وعندما لعبنا أمام فريقه القديم تعرض للإصابة بتمزق في أوتار الركبة خلال أول 5 دقائق".

"التحول في السرعة والحمل مهم للغاية، وبالطبع يكون له تأثيره في الإصابات إذا تغير بشكل مفاجئ دون أن يعتاد اللاعب على زيادته".

"يمكنك أن ترى الفارق بين سرعة خسارة واستعادة الكرة في الدوري الإنجليزي على سبيل المثال التي هي أقوى من باقي الدوريات الأوروبية وهو ما يجعلنا نرى برامج مختلفة لللاعبين الوافدين من خارج إنجلترا قبل دخولهم في أجندة المباريات".

الإصابات في الجانب الدفاعي لمصر

ذا نظرنا إلى إصابات المنتخب المصري سنجد أغلبها في الجانب الدفاعي، بين حراسة المرمى وخط الدفاع ولاعب الارتكاز.

عبد الرحمن عيسى مخطط الأحمال والمعد البدنى للاتحاد السكندرى يجيب عن سؤال، لماذا تزداد الإصابات في الجانب الدفاعي لمنتخب مصر؟ فكان رأيه كالتالي.

"الإصابات العضلية معناها أنك غير جاهز 100% للمطلوب منك في هذا التوقيت. دور الإعداد البدني هو كيفية التهيئة لأكبر سيناريو ممكن".

"نسبة خطورة الإصابة تزداد في المواقف التي تكون فيها رد فعل وليس الفعل وهذا يفسر سبب الإصابات الكثيرة في خط الدفاع".

"الأزمة تأتي دائما في المواقف التي تقوم فيها بعمل رد فعل مفاجئ أو تغيير الاتجاه".

"الإصابة المفصلية تكون بسبب الإجهاد العام وعدم القدرة على تحمل المطلوب منك ومنها جزء قدري بالطبع، يجب الوضع في الحسبان لعب عديد المباريات بدقائق كثيرة خلال فترة قصيرة أيضا مع كون المنافسين شرسين بشكل كبير والفروق الفردية موجودة".

معدل الإصابات الزائد مع تلاحم المباريات

كثيرا ما سمعنا المسئولين في مصر يشتكون من اللعب كل ثلاثة أيام وما يسببه من إرهاق وإصابات للاعبين.

أمر نراه يتكرر كثيرا في أوروبا ولكن مع معدل إصابات أقل، فلماذا قد يحدث ذلك؟

مايكل ليندمان يجيب لـ FilGoal.com عن ذلك "أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك الكثير من التحسن إذا اهتممنا بـ تغذية اللاعبين. عندما كنت في مصر لم يكن لدى اللاعبين الكثير من الخضروات على أطباقهم، تجد فقط الأرز والسمك والدجاج".

"أيضا ما يحدث داخل الملعب وكيفية الاستعداد له مهم، يجب أن نحصل على جدول زمني للاعب وملف التعريف الخاص به ومراقبته بشكل واضح لكي تعمل معه بشكل أفضل".

"لا يجب أن نغفل أيضا تأسيس اللاعبين منذ البداية وهو ما يؤثر في قدرات اللاعب البدنية بعد ذلك".

لكل من الأسباب التي ذكرناها سابقا دور في ذلك، ولكل منها تأثيرها الخاص على اللاعبين، ولكن ماذا عن تأسيس اللاعب بدنيا منذ البدايات في مرحلة الناشئين؟

سيكون لنا حديث قريب عن كيفية صناعة لاعب كرة القدم منذ الصغر وكيف يمكن أن تعود مصر منبعا للمواهب من جديد.

عبد الرحمن عيسى يجيب على سؤال أزمة تأسيس اللاعبين منذ الصغر "هناك أشياء في التأسيس مهملة بالنسبة للاعبين منذ مرحلة الناشئين وهذا يؤثر على عمل المعد البدني. نجد صعوبة كبيرة في تأسيس اللاعب حركيا وليس في البدني فقط مع السن الكبير".

"نصبح مضطرين للتعامل مع المستوى الممكن وليس على التعامل المثالي، المرجع في عملك هو مستوى اللاعب الحالي وكيفية العمل عليه ثم تبدأ بالبناء".

مايكل ليندمان يرى أيضا أنه يجب الوضع في الاعتبار العمر البيولوجي للاعب عندما تبدأ في تأسيسه، قائلا: "يمكن أن يسبب الإصابة إذا بدأت العمل على الطفل في وقت مبكر أكثر من اللازم. البعض يبدأ في دخول مرحلة المراهقة بعمر 13 عاما في الوقت الذي يزال فيه البقية أطفالا".

هانا ترومبلي من جامعة "سامفورد" الأمريكية أجرت دراسة على بعض الرياضيين الشباب للوقوع على أسباب الإصابات ومعدلها.

من أبرز هذه الأسباب كان التدريب المفرط والمشاركة في عديد البطولات، وأن اللاعبين في سن صغير يحتاجون للشعور بالمرح عند ممارسة الرياضة.

التغيرات البيولوجية في جسد المراهقين أيضا يجب التعامل معها بشكل أكثر حذرا وعدم إجهادها، ونتيجة ذلك في عديد الأوقات قد يكون نشأة اللاعب وهو معرضا للإصابة أكثر من زملائه وربما في بعض الوقت النفور من الرياضة بشكل عام.

207 لاعبا تم إجراء الدراسة قياسا على ما يقدموه، وتبين إصابة 80 منهم (39%) مرة واحدة على الأقل كل ستة أشهر عندما يشاركون في عدد كبير من البطولات خلال الموسم الواحد.

أحمد حسام ميدو لاعب الزمالك وتوتنام وروما السابق قال في وقت سابق عن ذلك: "كنت ألعب في بعض الوقت مع ثلاث فرق في الناشئين في نفس اليوم".

وأضاف "كان لدي شغف كبير بكرة القدم ورغبة في اللعب ولكن لو عاد بي الزمن لن أكرر ذلك لأنه كان يستنزفني بشكل كبير".

تأسيس اللاعب المصري منذ البداية ووضع برامج بدنية واضحة لتقليل خطر التعرض للإصابات العضلية هي الخطوة الأولى فيما يتعلق بالمستقبل.

ما بعد ذلك، اللعب في ظروف اعتيادية فيما يخص الحضور الجماهيري ورفع مستوى الاحتكاك في الدوري المصري وبالتبعية في بطولات الأندية القارية ومنتخب مصر.

الاهتمام بقياسات اللاعبين البدنية بشكل أكبر ومتابعتهم بشكل دوري لرفع المستوى البدني وبالتالي تقليل خطر الإصابة.

إصابات منتخب مصر كانت العامل الأبرز في أي بطولة مجمعة منذ 2017، وأحد العوامل التي يجب العمل عليها لتجنب حدوثها مستقبلا، شأنها كشأن إعداد اللاعبين والاحتكاك القوي وإخراج المواهب والبنية التحتية وهيكل المسابقات المحلية.