فكرة مقالي ليست وليدة الإخفاق. أكره كتابتي وقت الخسارة ومهاجمة المسؤول، ليس إشفاقا عليه لكن لأن الهجوم وقت الخسارة دائما ما يكون الرائج. مقالي على كلٍ كنت أخطط له منذ مباراة الذهاب أيا كانت المحصلة، وكنت أتمنى كتابته في أجواء احتفالية بالتأهل.
مرة أخرى أخفقنا بالتأهل إلى كأس العالم، وكنت أتمنى التأهل هذه المرة تحديدا أكثر من أي نسخة سابقة، والسبب هو أن المرات المقبلة سيكون الطريق فيها أسهل بعد زيادة عدد فرق البطولة إلى 48 فريقا، وبالتبعية زيادة مقاعد إفريقيا إلى 9 مقاعد. تمنيت تأهلا صعبا أخيرا ولم أنله.
حقيقة، فالثابت تاريخيا هو عدم تأهلنا، والاستثناء كان في 2018 حين ابتسم لنا الحظ في ركلة جزاء بالدقيقة الأخيرة سجلها محمد صلاح وصعد بنا إلى كأس العالم بعد غياب 28 عاما، وبعدم تأهلنا إلى مونديال قطر عدنا إلى عادتنا فقط.
وبالنظر لواقع الأمر، فالإخفاق هذه المرة ورغم أنه كان بركلات الترجيح فقط، حيث يلعب الحظ دوره، لكنه له أسباب أخرى كانت سببا فيما وصلنا إليه.
مع صافرة مصطفى غربال حكم المباراة بإعلان نهاية الرحلة، انطلق وابل الهجوم ضد محمد صلاح ونجوم المنتخب، وطال الهجوم حتى جماهير مصر في المباراتين ذهابا وإيابا.
وإذا سألتني عن عنوان كبير يضم تحته أسباب الإخفاق الحقيقية، فربما ألخصه في "الجهل".
الجهل الذي يجعل مسؤولينا وبعض جماهيرنا حاليا يصدقون احتمالية إعادة المباراة بسبب "ليزر" مسلط في أوجه اللاعبين، هو نفسه الذي جعل منتخب مصر خارج مونديال قطر، ومن قبله مونديالات كثيرة حرمنا أنفسنا منها.
عودة إلى الخلف مع تأثير الفراشة
لكل تصفيات حكايتها وأسباب عدم التأهل فيها، لكن ربما الجهل هو العامل المشترك فيهم جميعا. بداية من جاهل ألقى بحجر في رأس حارس زيمبابوي بتصفيات 1994 فأعيد اللقاء خارج الديار، مرورا بجهل المسؤولين بنظام التأهل في تصفيات 2010 وهل الأولوية لفارق الأهداف أم للمواجهات المباشرة في صراعك مع الجزائر، وصولا إلى الجهل متكامل الأركان في 2022.
هل تعرفون قانون تأثير الفراشة؟ تعبير مجازي يصف الظواهر ذات الترابطات والتأثيرات المتبادلة والمتواترة التي تنجم عن حدث أول، قد يكون بسيطا في حد ذاته، لكنه يولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية والتي يفوق حجمها بمراحل حدث البداية.
هل يعقل لمنتخب وصل لنهائي نسختين من آخر ثلاث نسخ لكأس أمم إفريقيا وشارك في كأس العالم 2018 أن يتواجد بالتصنيف الثاني لمنتخبات إفريقيا وقت إجراء قرعة المرحلة النهائية من تصفيات كأس العالم 2022؟
في تصفيات 2022 كان الحدث الأول في تأثير الفراشة يعود إلى توديع أمم إفريقيا 2019 على أرض مصر مبكرا وإقالة الجهاز الفني.
إقالة صاحبها قرار آخر بتعيين حسام البدري مدربا لـ منتخب مصر. والحجة هي حتمية تعيين "مدرب وطني". كأن التصنيف يكون بـ مدرب وطني أو أجنبي وليس المدرب الأكفأ لكل مرحلة مقارنة بالمتاحين في السوق.
جاء حسام البدري، ولسوء الحظ صاحب حضوره جائحة كورونا العالمية، والتي أوقفت الرياضة في العالم كله لعدة أشهر.
بدء مهمة البدري كان بتاريخ 14 أكتوبر 2019 ورحيله كان في 5 سبتمبر 2021. وفي سنة و10 أشهر و23 يوما، لم يخض منتخب مصر سوى 10 مباريات فقط.
إنجلترا في نفس المدة خاضت 25 مباراة. والجزائر صاحبة الظروف المقاربة لـ مصر خاضت 13 مباراة. الجزائر لعبت 6 وديات أمام كولومبيا، ونيجيريا، والمكسيك، وتونس، ومالي، وموريتانيا. في المقابل لعبت مصر خلال تلك الفترة وديتين فقط أمام بوتسوانا، وليبيريا.
لماذا لم نلعب وديات؟ لأننا لا نجد الوقت لإقامة المباريات، وندور في دوامة البحث عن طريقة لإنهاء الموسم في كل سنة منذ 10 سنوات، فنمنح الأندية الأولوية عن المنتخب.
الدوريان التونسي والمغربي يتكونان من 16 فريقا. الدوري السنغالي أيضا يتكون من 16 فريقا، وكذلك الدوري المصري في عصره الذهبي كان من 14 و16 فريقا، لكن الآن نقيم الدوري بمشاركة 18 فريقا منذ عام 2015 بلا مبرر.
دوري طويل ينتج منافسة ضعيفة بسبب وجود عدد أكبر من الفرق الضعيفة، والأسوأ أنه يطيل مدة الموسم، فيفسد فرصة التخطيط السليم للمنتخبات. ولا تغتر رجاء بتفوق أنديتنا قاريا في منافسات مع فرق دوريات ينشط لاعبو منتخباتها في أوروبا ويتركون لاعبي الصف الثاني والثالث لمسابقاتهم المحلية.
ووسط تلك الظروف، جاءت جائحة كورونا كفرصة لبداية جديدة. بعض البلدان ألغت الموسم من أجل بداية الموسم التالي في موعده، والبعض الآخر سنحت له فرصة استكماله، لكن في مصر أصررنا على إكماله رغم طول الجزء المتبقي من الموسم.
وكانت المحصلة في النهاية هي بداية الموسم التالي في 11 ديسمبر 2020! ديسمبر حيث يفترض للدول أن تكون قد أنهت نصف موسمها، كان موعدا لبداية الدوري في مصر، وبالتالي انتهاءه في 28 أغسطس 2021 حيث تبدأ الدول المنظمة دورياتها. المحطة الثانية في تأثير الفراشة.
ووسط هذا الارتباك كان المنتخب هو الضحية كالعادة. منتخب مصر لم يخض سوى وديتين مع منتخبين ليسا مصنفين مع إهدار الفوز في المباريات الرسمية أمام فرق من تصنيف جُزر القُمر وكينيا، فانخفض تصنيف منتخب مصر حتى وصل إلى المركز الـ51، وإلى المركز الـ48 حين تولى كارلوس كيروش المهمة.
لو تواجد منتخب مصر في أجواء إدارية طبيعية ومناخ منظم، لما تواجد بالتصنيف الثاني ولتواجد بالتصيف الأول، فكانت فرص تأهله أكبر باحتمالية مواجهة منتخب أقل قوة من بطل القارة السنغال. خوض الوديات القوية والفوز بالرسميات يمنحك النقاط للارتقاء بتصنيفك، ونعم بأن خوض الوديات القوية والفوز بالمباريات الرسمية يزيد من حظوظك لكن لا ييجعلك ترتقي إلى التصنيف الأول بشكل حتمي، لكنك حتى لو لم تكتسب تلك الميزة، لفزت على الأقل بفرصة أكبر لمزيد من تجانس هذا الجيل واكتشاف مواهب أكثر وفرصة أكبر للمدربين للتجريب والحكم عليهم بشكل عادل.
لو لم نكابر في إلغاء المسابقة والبدء بشكل طبيعي، لما تعرض لاعبو المنتخب لهذا الكم من الإرهاق بسبب تلاحم المباريات ولما كنا الآن في الجولة الـ13 فقط بالموسم الحالي وقد وصلت جميع الدول إلى الجولات الأخيرة من دورياتها.
إرهاق يجعلنا نتساءل مع كل مباراة لمنتخب مصر، يا ترى من سيكون ضحية تلك المباراة من لاعبينا بإصابات أغلبها عضلي. ستجدون الأرقام مفصلة في تحقيق مطول يجريه FilGoal.com وسينشر خلال أيام.
هنا سألوم جهل مسؤولين عن تأثير قرارات كتلك بمستقبل الكرة المصرية. سألوم جهل متخذ قرار الإبقاء على عدد فرق المسابقة الكبير، وإصراره على إقامة الموسم الجاري بنظام المجموعة الواحدة رغم علمه بأنه سيطيل عمر المسابقة ويعرض لاعبين منهكين بالفعل لمزيد من الإرهاق.
جهل من نوع آخر
في مباراة الذهاب أمام السنغال، تحصل محمود حمدي "الونش" مدافع منتخب مصر الأساسي على إنذار أبعده عن لقاء الإياب. هل تصدق أننا لم نعلم بغياب الونش عن اللقاء التالي إذا حصل على إنذار إلا بعد المباراة؟
بعد المباراة في المؤتمر الصحفي، صرح كارلوس كيروش مدرب المنتخب نفسه بـ "سندرس حالة الونش وسنعرف إن كان سيغيب عن المباراة التالية أم لا" في دليل على عدم العلم المسبق بلوائح التصفيات وإن كانت الإنذارات تتراكم حتى المرحلة النهائية أم لا. (طالع مؤتمر كيروش كاملا بعد مباراة الذهاب)
بعدها بساعات أعلن اتحاد الكرة اصطحاب الونش لرحلة السنغال، قبل أن يعلن اتحاد الكرة مرة أخرى عدم سفره بعد تأكد غيابه عن المباراة. (طالع تصريحات وائل جمعة مدير منتخب مصر)
غياب للونش رفقة محمد عبد المنعم المصاب، أجبر المنتخب على استدعاء علي جبر، ورامي ربيعة المبتعد عن منتخب مصر منذ عام 2017 للمشاركة في المباراة، فما كان منه إلا خرج مصابا من لقاء الإياب بعد 26 دقيقة فقط.
والمثير للحزن الأعمق هو كيفية تحصل الونش على الإنذار. للاعتراض على مخالفة في منتصف الملعب؟ لو علم مسؤولو المنتخب باحتمالية غياب الونش ضمن خماسي يلعب مباراة الذهاب، لحذروه من الحصول على إنذارات سهلة بشكل مؤكد، ولربما تواجد الونش في الإياب، وهو الفرد الوحيد المتبقي من دفاع المنتخب الأساسي بعد إصابة أحمد حجازي، وعبد المنعم. مرة أخرى يحكم الجهل بأحكامه ويكون المنتخب الضحية.
الجماهير
وصلنا إلى المباراة الفاصلة أمام السنغال وخضنا مباراة الذهاب على إستاد القاهرة. استاد الرعب كما نطلق عليه والذي طالما كان مسرحا لانتصارات الفراعنة تاريخيا، لكن الجميع اتفق على ضعف تأثيرها رغم امتلاء المدرجات بالجماهير.
ما السبب في رأيك؟ النظام الإلكتروني المعقد مقارنة بوجود الشريحة الأكبر من جموع الشعب التي لا تجيد التعامل مع التكنولوجيا أساسا ولا حتى تملك حسابا بنكيا لإتمام عملية الشراء؟ أم تكلفة الحضور الكبيرة للمشجع البسيط، بين 100 جنيه سعر التذكرة في الدرجة الثالثة، و100 جنيه أخرى لاستخراج بطاقة المشجع، و100 جنيه ثالثة لإثبات أنك حصلت على اللقاح ومؤهل للحضور؟ أمور جعلت حضور المباريات ليس لكل الطبقات، وإنما للقادرين فقط على ادخار مبلغ 300 جنيه من مصروفه دون التأثير على قوت أسرته.
كلها أسباب حقيقية لكن الأمر أعمق في رأيي. في الجزائر حتى الآن لم ينشئوا النظام الإلكتروني المتبع في جميع أنحاء العالم. فكان هذا المشهد المرهق للجماهير من أجل الحصول على التذاكر.
مشهد دفع بعض الجزائريين للمطالبة بوجود النظام الإلكتروني على غرار مصر والمغرب. لأن ببساطة هذه طريقة العصر ويجب أن تجاريها.
من الطبيعي أن تتواجد جميع الطبقات في المدرجات حين نتحدث عن تشجيع منتخب مصر، والفيديو الرائج عن تشجيع المنتخب من كابينة فخمة في إستاد القاهرة ليس عيبا، بل بالعكس هو صورة جيدة للتطور الذي وصل له بنية مصر الرياضية تضاهي تقدم ملاعب العالم.
العيب في أن تكون هذه الإمكانيات غير مستغلة لسنوات أنست الجماهير المصرية كيف يكون التشجيع، وهنا تأثير جديد للفراشة لكن بتاريخ أسبق.
11 سنة من غياب الجماهير عن المدرجات في مصر جعلوا من كل مباراة نسمح فيها بحضور جماهيري كامل بمثابة الفرصة النادرة لمن لم يسبق له فرصة الحضور أن يخوض التجربة وأن يكون منبهرا بالحدث دون أن يعرف دوره الأصلي. جيل جديد نشأ لم يعتد حضور المباريات من الملاعب.
سكون جماهير مصر في مباريات المنتخب ليس بجديد، فطالما حفظ جماهير الكرة في مصر بأن جمهور المنتخب يذهب للاستاد ويشاهد فقط ولا يتفاعل، لكن الجديد هو هتاف جماهير الفرق ضد بعضها في المدرجات قبل المباراة. هذا ما لم نشهده من قبل.
لن ألوم شباب وشابات حضروا المباراة كرحلة ترفيهية لأن كرة القدم بالفعل مجال ترفيهي بالأساس، لكن سألوم المسؤول عن غياب الجماهير عن الملاعب لسنوات، أنست الجماهير كيفية التشجيع، وأضعفت المسابقة المحلية التي تبرز المواهب للمنتخب، وجعلت حضور الجماهير عبء على لاعبينا غير المعتادين على الأجواء وليس عامل قوة لهم ضد الأخصام.
لا يمكنني لوم جماهير السنغال كذلك، وكل مشجع لكرة القدم يعلم هذا. نعم لا أتفق مع الصفير على النشيد الوطني طبعا وهو سلوك غير مبرر، ولا أتفق مع إلقاء المقذوفات في الملعب. ليس لشيء إلا لأنه يعرضك أساسا للعقوبات، لكنني كنت أتمنى لو هتفت الجماهير المصرية طوال 90 دقيقة مثلما فعل السنغاليون طيلة 120 دقيقة.
تسليط الليزر في أوجه اللاعبين أمر مشين؟ لو عدنا للخلف سنجد أننا طالما سلطنا الليزر في وجوه لاعبي خصومنا، والعقوبة تكون غرامة مالية فقط وليس إعادة مباراة كما يروج بعض الجهلاء باللوائح حاليا.
حارس غانا في استاد برج العرب أمام مصر في تصفيات كأس العالم 2018 خير دليل، وقد تشفى من خسارتنا على طريقته.
منتخب تأسس عام 1920 وكان مؤسسا للكرة الإفريقية، هو منتخب متمرس على أجواء إفريقيا، والتي كانت أصعب منذ سنوات عنه حاليا. منذ سنوات ربما لم يكن الليزر متاحا بهذا الكم لدى جماهير السنغال أو غيرها من المنتخبات، لكن الملعب الرائع ذو الأرضية الممهدة أيضا لم تكن متوفرة لأجيال سابقة من منتخب مصر، والتحكيم المراقب بسبب إذاعة المباريات كذلك لم يكن ميزة يتمتع بها لاعبونا.
نعم خسرنا المباراة الفاصلة بركلات الترجيح، لكن الليزر والسناكس ليسا شماعتنا ولن يكونا. إهدار صلاح وزيزو ومصطفى محمد لركلاتهم كانوا سببا مباشرا للخسارة، لكن للإخفاق أسباب أكبر بجذور أعمق. رجاء أبعدوا الجماهير عن الحسابات، فالمسؤول الحقيقي هو جهل مسؤولين يتحكمون في كرة القدم المصرية.