كتب : أحمد أباظة | الإثنين، 21 فبراير 2022 - 23:27
تشافي وكومان.. لأن النوستالجيا وحدها لا تكفي
مباشرة إلى الموضوع.. برشلونة يحتل المركز الرابع بالكاد، يفصله عن ريال مدريد 15 نقطة، خرج من دوري أبطال أوروبا بطبيعة الحال ومسيرته في الدوري الأوروبي مجهولة المصير حتى اللحظة.
النادي الكتالوني فاز بـ8 مباريات فقط من أصل 18 تحت قيادة مدربه الحالي، فلماذا يحظى هذا الرجل بدعم غالبية الأفواه التي لم تتوقف ولو للحظة عن الصراخ في وجه سابقه؟
التعامل مع بعض الحالات يتطلب أحيانا التجرد من الأسماء للوصول إلى رأي أكثر موضوعية، ولكن في هذه الحالة، فإن الأسماء تعني الكثير حتى وإن لم تكن كل شيء..
ليست فقط أسماء الشخصين موضع النقاش، بل عدة أسماء محيطة أيضا.. والسؤال هو: لماذا يحظى تشافي هيرنانديز بما لم يحق لرونالد كومان؟
النوستالجيا؟
هل هو مجرد الحنين إلى الماضي؟ هل هي مجرد العلاقة التي تجمع تشافي بجمهور كامب نو؟ لا شك أنه شخص يحظى بحب جماهير برشلونة حول العالم..
نتحدث عن حلقة رئيسية في جيل ذهبي هيمن على كرة القدم في وقته سواء في ناديه أو في منتخب بلاده. نتحدث عن قائد سابق حصد الكثير من الألقاب، وواحد من أفضل لاعبي الوسط الذين رأيناهم في هذه الحقبة.
هذا بحد ذاته ظالم للغاية بالنسبة لكومان، فهو أيضا من أساطير النادي كلاعب، وهو صاحب هدف نهائي أول دوري أبطال أوروبا في تاريخ الكتلان، من المفترض أن يحظى بالحماية ذاتها مقدما.. أليس كذلك؟
ربما بالنسبة للقدامى، والحديث هنا عن قدامى المحاربين في إسبانيا، فوسائل متابعة كرة القدم الأوروبية لم تكن في قمة تقدمها بالوطن العربي خلال الثمانينيات والتسعينيات..
لو أسقطنا هذه الحسابات على الفئة بين 16 و30 عاما كمثال، فإن أصغر أفراد هذه الفئة ربما لم يلحق بمجد تشافي ولكنه سمع به جيدا وأمامه آلاف من مقاطع الفيديو لاسترجاع ما فاته، أما أكبر أفرادها، فقد كان حديث الولادة حين سجل كومان هدفه التاريخي ضد سامبدوريا عام 1992.
كلها عوامل تتيح لتشافي العمل في بيئة أكثر تضامنا معه، وأكثر تقبلا لعثراته.. وإن كان هذا يكفل له بيئة أفضل مقدما، ورصيدا جماهيريا أكبر يسهل عملية إرساء دعائمه تدريجيا، إلا أن هذا لم ولن يكون السبب الوحيد.
الاستحقاق؟
كانت هذه أزمة كبرى في فترة كومان. تشافي يستحق الدعم الجماهيري المبكر لأنه أسطورة للنادي، وكذلك الهولندي كان أسطورة للنادي، وبالتالي حين لم يجد كومان الدعم ذاته من الجماهير، ثم من الإدارة الجديدة -وهذه مسألة أخرى سنتطرق إليها- بات يطارد استحقاقه الخاص بنفسه..
الجانب المهيمن على تصريحات تشافي هو الوعود المستقبلية. تشافي دائما ما يتحدث عن "كون الفريق على الطريق الصحيح" أو "هذا الشيء ينقصنا" أو "كان يجب علينا فعل ذلك"، وفي الوقت ذاته يحاول إعادة إنتاج الشخصية داخل الفريق بتصريحات تبدو عنترية للغاية مقارنة بالوضع الحالي..
الوعد بـ "فريق يفخر به الجماهير" أو "عودة برشلونة إلى موقعه الطبيعي" ليست سقف شعارات تشافي، فهو في أغلب المناسبات لا يتحدث عن أن "برشلونة يجب أن يعود ليصبح كما كان"، بل "إن هذا هو برشلونة ويجب أن يفوز".
أحاديثه تبالغ في سرعة النسق، لدرجة أنه قال شيئا كهذا قبل مباراته الخامسة في مهمته الجديدة، التي كانت ضد بايرن ميونيخ، والتي كان يعلم الجميع بمن فيهم تشافي نفسه أن برشلونة سيخسرها.
بالتأكيد ستجد نزعة من "الاستحقاق الزائف" في تصريحات تشافي، ولكنها لم تكن أبدا عن نفسه، بل عن النادي، وبوضعها في سياقها الصحيح فهي جزء من خطته طويلة المدى للعمل على عودة الفريق إلى سابق عهده في بيئة غير ممهدة.
هنا تحديدا كان كومان ينتزع الاستحقاق الذي لم يحصل عليه لا من الجماهير ولا من إدارة خوان لابورتا، فقاده ذلك إلى تبجح مبالغ فيه بصورة هزلية، كأن يقف ويقول "لولاي ما كان برشلونة ليملك مستقبلا".. أي مستقبل هذا الذي كان يملكه أصلا تحت إدارتك؟ لا أحد يدري.
هذا النوع من العجرفة معروف عن أساطير هولندا. يوهان كرويف لم يكن أبدا رجلا متواضعا، وحين يقول شيئا كـ "إن أردتك أن تفهم ما قلته لشرحته بطريقة أفضل" يمكنك ألا تشعر أن هناك خطب ما، فهو يملك ما يكفي من الاستحقاق لقول أشياء متعجرفة بالنظر لما قدمه.
لويس فان خال أيضا لم يكن رمزا للتواضع، بكل ما قاله وما أظهره -حرفيا- أمام لاعبي بايرن ميونيخ ذات مرة على سبيل المثال، ولكن انظر لإنجازات هذا الرجل على مر تاريخه التدريبي حتى تعرف من أين يستمد عجرفته.. ثم انظر إلى كومان وحاول إجابة السؤال ذاته: من أين؟ من موسم مميز مع ساوثامبتون وبضعة أشهر جيدة مع منتخب هولندا في 20 عاما من التدريب؟
كل ذلك لا ينفي أن بداية كومان كانت أفضل حتى من بداية تشافي، وسنخرج من الاعتبار تماما حقيقة أن كومان كان لا يزال يملك ليونيل ميسي في تلك البداية:
في أول 18 مباراة تحت قيادته فاز الهولندي بـ11 وتعادل في 5 وخسر مرتين فقط. في أول 18 مباراة تحت قيادة تشافي فاز برشلونة بـ8 مباريات فقط، مقابل 6 تعادلات و4 هزائم.
هذا لم يكمل إجابة السؤال بعد بل أبرزه أكثر، فكلنا نعرف أن كومان في هذه الفترة التي حقق خلالها 11 انتصارا لم يكن يحظى بنفس الدعم الذي يحظى به تشافي الآن.. وهنا تظهر هذه الأسماء الأخرى، اسمين على وجه التحديد، أولهما بطبيعة الحال هو موطن كل شر حل على هذا النادي: جوسيب ماريا بارتوميو.
ما بني على باطل..
نعم، بداية كومان كانت أفضل على الورق من بداية تشافي، ولكن بدايته للموسم الحالي أسوأ من الرقمين السابقين معا وهنا وقعت الإقالة، حين خسر 5 مباريات من أول 13، مقابل 5 انتصارات و3 تعادلات.
كومان خسر 3 مرات في الدوري ومرتين في دوري أبطال أوروبا، وهو ما ورثه منه تشافي، وبالتالي لا أحد يطالب تشافي بالدوري، ولم يكن الخروج من دوري أبطال أوروبا مشكلة، فهناك من مهد لكل ذلك ودفع ثمنه وأقيل وغادر، والآن لا أحد يطالب خليفته بأي شيء سوى التأهل لدوري الأبطال في الموسم المقبل.
وهنا يجب أن نعود إلى بداية هذه القصة.. متى وكيف أصبح رونالد كومان مدربا لبرشلونة؟ بالضبط.. بعد زلزال بايرن ميونيخ الشهير، وفي محاولة يائسة من إدارة بارتوميو لإنقاذ أي شيء وخطب ود أي فئة ممكنة من الجماهير.
هنا ارتكب كومان أكبر خطأ في مسيرته حين ترك منتخب هولندا الناجح نسبيا معه سعيا وراء حلم طال انتظاره، أن يدرب برشلونة، حتى وإن كان هذا في أسوأ ظروف ممكنة، ربما لعلمه في قرارة نفسه أن فرصة كهذه -بالنظر لمسيرته التدريبية الحافلة- ما كانت لتأتيه إلا في ظروف مشابهة.
كثير ما سمعنا عن أن مشكلة كومان الرئيسية والتي كانت في كثير من الأحيان مبررا كافيا للتغاضي عن أخطائه الفنية الواضحة هي أن لابورتا لا يحبه، ولكن هنا يجب أن نتوقف مجددا ونسأل: ماذا كان ينتظر كومان حين وقع على عقد مدته عامين قبل عام واحد من الموعد الطبيعي للانتخابات؟ إعادة انتخاب بارتوميو؟
كل المزاعم التي تتحدث عن ضرورة دعم كومان لمجرد أنه وافق على القدوم في هذا الظرف تأكل نفسها بنفسها واحدة تلو الأخرى، وللأسف بات الجميع يعرف ماذا كان ينتظر كومان في حالة تغيير الإدارة: 6 مليون يورو سيحصل عليهم إذا لم تجدد الإدارة المقبلة عقده.. نعم، في هذا الوضع الاقتصادي المهترئ بما فيه الكفاية لم يتوقف بارتوميو عن زراعة مساميره في النعش المتآكل سلفا، ولم يمانع "ابن النادي" ذلك الأمر على الإطلاق.
ماذا كنا نريد منه؟ هل هناك من سيرفض مالا يؤمن مستقبله من غدر الإدارة القادمة؟ هل هناك من سيرفض أي أموال من الأصل؟ لا أحد قال ذلك ولا أحد سيقول، ولكننا فقط نضع كل شيء في نصابه. كومان لم يضحِ لأجل النادي، بل لأجل طموحه الشخصي، وفشل في ذلك فشلا ذريعا يليق بإمكاناته واضحة المحدودية طوال مسيرته.
ببساطة كومان خفض جميع التطلعات إلى أدنى سقف ممكن.. وصدر القناعة باستحالة وجود الأسوأ، وأن كل شيء قد وصل إلى قاع الخراب بالفعل، تماما كما تقول كافة المؤشرات في برشلونة: دين غير مسبوق في تاريخ الرياضة – رحيل ميسي – إريك جارسيا وممفيس ديباي.
بالتالي، القاع هو البيئة الأنسب للتجربة. هنا سيتخلى الجماهير عن تطلعاتهم التنافسية بسهولة، وسيصبحون أكثر انفتاحا على صعوبات مراحل إعادة البناء، وسيتحلون بصبر أكبر طالما أنهم يشاهدون أي تقدم ولو كان بسيطا، بل سيسمح لهم أصلا برؤية التقدم البسيط.
بكلمات أخرى، سيقبلون بأي نتائج ما دامت ثمنا لإرساء مشروع إصلاحي، وكان تشافي في هذه اللحظة خير من يمثل هذا المشروع: أفكار واضحة – حمض برشلونة النووي – تجربة ناجحة بالفعل وخبرات مكتسبة وإن كانت في قارة أخرى.
كومان هو كل ما قيل عنه، هذا صحيح، ولكن من الظلم إنكار أنه كان ضحية لهذه المرحلة، وللأمانة ضحية مثالية للغاية.. أتعرف بطل بعض القصص الذي يدعي كونه الشرير الأعظم ليجمع كل الكراهية حوله حتى يعم السلام بمقتله؟ بالطبع لم يقصد الهولندي ذلك، ولكنه كان ذلك الرمز، وهذه هي الإجابة..
لماذا لم يحظ كومان بالدعم غير المشروط الذي يتمتع به تشافي الآن؟ ببساطة لأنه فوق كل العوامل السالف ذكرها، كان كومان هو أهم دعائم استقرار تشافي.
مقالات أخرى للكاتب
-
سمعا وطاعة.. لأن كلوب رئيس صلاح وصلاح رئيس أصدقائه رؤساء اتحاد الكرة الإثنين، 22 يناير 2024 - 19:17
-
صمت صلاح.. لأن الكلمة لم ولن تكون بلا قيمة الأحد، 15 أكتوبر 2023 - 23:48
-
ما يحدث مع هاري ماجواير.. حرية شخصية أم قلة أدب؟ السبت، 05 أغسطس 2023 - 23:41
-
نبوءة بوتر الناقصة.. حين أساء ملاك تشيلسي الاستماع إلى علي ماهر الأحد، 09 أبريل 2023 - 01:18