كتب : أحمد أباظة ومحمد عبد العظيم
على قمة هرم كأس أمم إفريقيا يوجد منتخب مصر بـ7 ألقاب، يليها منتخب الكاميرون بـ5 ألقاب، ويليهما منتخب غانا بـ4 ألقاب..
صورة تتناقض كثيرا مع الخارطة الإفريقية عام 1982، إذ كان يملك منتخب مصر لقبي 1957 و1959، فيما كان منتخب الكاميرون يبحث عن لقبه الأول والذي سيتحقق بعد عامين، أما غانا.. كانت ترفع لقبها الرابع بالفعل.
تزعم منتخب "النجوم السوداء" قائمة أبطال أمم إفريقيا بلا منازع، حتى شاطره منتخب مصر هذه الزعامة بلقبه الرابع عام 1998، ثم التحق بهما منتخب الكاميرون بثنائية 2000 و2002، قبل أن يحلق الفراعنة بالثلاثية الشهيرة، ويقتنص أسود الكاميرون خامس الألقاب في 2017.
فكيف كان الوضع حتى وصلنا إلى الثمانينيات؟ وما الذي تغير؟
أشانتي
علاقة لا تخفى على متابعي اللعبة بين تقاطع عصر ذهبي لمنتخب ما مع العصر الذهبي لأحد أندية نفس البلد، رأيناها في مصر مع الأهلي بالنصف الثاني للعقد الأول من الألفية، ورأيناها مرارا وتكرارا في ألمانيا مع بايرن ميونيخ، وعلمناها علم اليقين بتقاطع حقبة بيب جوارديولا في برشلونة مع ذروة فيسنتي ديل بوسكي في إسبانيا.
لا تعني هذه العلاقة بالضرورة أن هذا النادي هو السبب، أو أن المنتخب يتكون حصريا من لاعبيه، أو حتى كما يشاع أن مدرب المنتخب يكتفي بنسخ ما يفعله النادي الأقوى، على الرغم من أن حدوث ذلك لا يتنافى إطلاقا مع المنطق: إذا كان لدينا منظومة ناجحة تضم عددا لا بأس به من القوام الأساسي للمنتخب، فما الداعي أصلا لتغييرها؟
في غانا كان هذا هو أشانتي كوتوكو.. النادي الأكثر تتويجا في بلاده، وأول أندية غانا وصولا لنهائي دوري أبطال إفريقيا بمسماه القديم، وبطبيعة الحال أولهم تتويجا به.
حين توج منتخب غانا بلقب كأس الأمم الإفريقية عام 1963 للمرة الأولى لم تكن بطولة الأندية قد بدأت، وحين نال لقبه الثاني في 1965، انطلقت النسخة الأولى للأندية..
شارك أشانتي كوتوكو بداية من النسخة الثانية وبلغ ربع النهائي، وفي العام التالي 1967 بلغ النهائي للمرة الأولى، وبعد التعادل ذهابا وإيابا مع إنجلبرت الكونغولي، خسر المباراة الفاصلة لأنه لم يتمكن من الحضور.
بلغت غانا نهائي أمم 1968 وكانت على بعد خطوة من الثلاثية المتتالية قبل 42 عاما من تحقيقها على يد حسن شحاتة ورجاله، ولكنها خسرت النهائي، بينما كان كوتوكو يبلغ نصف النهائي عام 1969..
حاول النجوم السوداء مرة أخرى في 1970 ولكن خسروا النهائي، على الجانب الآخر، كان كوتوكو يرفع لقبه الإفريقي الأول على حساب إنجلبرت ذاته.
غاب منتخب غانا عن 3 نسخ متتالية، بينما بلغ كوتوكو النهائي مرتين وخسره في 1971 و1973، وحين حان وقت تحقيق غانا للقب الرابع عام 1982، كان أشانتي يخسر نهائيه الثالث على التوالي، هذه المرة ليهدي الأهلي بطولة إفريقيا الأكبر للمرة الأولى في تاريخ العملاق المصري، قبل أن يثأر منه في العام التالي مباشرة.
كل ذلك مجرد استنباط تاريخي من السياق.. فهل كان ذلك حقيقيا؟
هل كانت هناك علاقة بين صحوة أشانتي كوتوكو وبين إنجازات منتخب غانا وظهوره القوي على الساحة الإفريقية؟ الإجابة يحملها جيمس كواسي أبياه، مدرب غانا السابق ولاعب كوتوكو والمنتخب في الثمانينات..
"أشانتي كوتوكو له تأثير مباشر بالطبع على تاريخ منتخب غانا. في كأس أمم إفريقيا 1982 حين فزنا باللقب أغلب قائمة المنتخب كانت من أشانتي كوتوكو. كنت أنا وعلى ما أتذكر معي 8 لاعبين آخرين وجمعيهم شاركوا بشكل أساسي مع المنتخب".
"المنتخب الغاني في تلك الفترة لم يكن مشهورا بكثرة المحترفين في الخارج لم يكن لدينا سوى إيمانويل كوارشي الذي لعب للزمالك ولاعب آخر وهو جورج الحسن الذي كان هداف البطولة".
"لاعبو أشانتي خلال تلك الفترة كانوا من الأفضل في القارة حيث نجحنا في الفوز بدوري أبطال إفريقيا وكنا فريقا قويا للغاية، وبشكل عام دائما هناك علاقة تاريخية بين أشانتي كوتوكو ومنتخب غانا، حين يحقق النادي نتائج جيدة ويمتلك عددا من اللاعبين المميزين تجد منتخب غانا يقدم النتائج المطلوبة. الآن أصبح الاعتماد الرئيسي على المحترفين لكن لا يزال هناك بعض هؤلاء المحترفين تكون ونشئ في نادي أشانتي".
إلى العالمية وما بعدها
حاول منتخب غانا اقتناص اللقب الإفريقي مجددا في 1992 ولكنه خسر النهائي أمام كوت ديفوار، فكرر المحاولة في 2010 وخسر النهائي أمام مصر، ليعاود الكرة في 2015، فينال منتخب كوت ديفوار لقبه الثاني على حساب الخصم ذاته.
قبل نهائي 2010 نال منتخب غانا المركز الثالث في 2008، وبين 2010 و2015 احتل النجوم السوداء المركز الرابع مرتين، وبعد خسارة نهائي 2015 احتل نفس المركز في 2017، ما يعني أنه حافظ على مقعده في المربع الذهبي لـ 6 نسخ على التوالي.
كان هذا هو الوقت الذي وصفه أبياه بـ "زمن الاعتماد على المحترفين"، وتقاطعت هذه المسيرة مع دخول الكرة الغانية لمعترك جديد عليها.. كأس العالم.
الرابط بين كوتوكو وغانا لم يعد بهذه القوة، إذ انتشر اللاعبون الغانيون -والأفارقة عموما- في شتى بقاع أوروبا، ونجح المنتخب في بلوغ المونديال للمرة الأولى في تاريخه عام 2006.
بداية جيدة للغاية، حيث خسر فقط أمام منتخب إيطاليا (بطل هذه النسخة في نهايتها) وفاز على التشيك والولايات المتحدة ليتأهل بالوصافة، ولكنه اصطدم بحامل اللقب منتخب البرازيل، لتنتهي المغامرة الأولى بثلاثية نظيفة.
المغامرة الثانية ليست من النوع القابل للنسيان.. في 2010 لم تخسر غانا في المجموعات إلا من ألمانيا، بعد أن فازت على صربيا وتعادلت مع أستراليا لتتأهل مرة أخرى.
يلتقي المنتخب الغاني بنظيره الأمريكي ويفوز عليه مجددا، هذه المرة في الوقت الإضافي، ليتأهل إلى ربع النهائي معادلا الكاميرون في 1990 والسنغال 2002، ويضرب الموعد الشهير مع منتخب أوروجواي.
اصطفت الغالبية العظمى من القارة السمراء دون مبالغة وراء غانا في تلك الليلة، إذ كنا قاب قوسين أو أدنى من مشاهدة أول منتخب إفريقي في المربع الذهبي العالمي، لولا يد لويس سواريز وركلة أسامواه جيان الضائعة.. لتمر أوروجواي بركلات الترجيح.
المشاركة الثالثة أتت مباشرة في 2014، بعد زلزال كوماسي الشهير على حساب المنتخب المصري، ولكن المشاركة ذاتها لم ترقَ إلى مستوى التطلعات.. بالطبع لصعوبة مجموعة تضم ألمانيا والبرتغال دور في ذلك، إلا أن نقطة غانا الوحيدة أتت من فم الألمان. حتى الفوز المعتاد على الولايات المتحدة لم يتكرر هذه المرة.
ماذا حدث؟
انحدر منتخب غانا منذ ذلك الوقت، تحديدا بعد خسارة نهائي كأس الأمم عام 2015 بركلات الترجيح أمام أفيال كوت ديفوار، إذ كان أفضل ما حققه هو المركز الرابع في 2017، ليفشل في التأهل إلى مونديال 2018، ويغادر أمم 2019 من دور الـ16 على يد تونس.
هذه المرة يخبرنا عن الأمر رجلان يعرفان جيدا ما يتحدثان عنه، الأول هو ميلوفان راييفاتش، مدرب غانا الحالي، ومدربها السابق بين عامي 2008 و2010، بكلمات أخرى.. بطل ملحمة مونديال جنوب إفريقيا ووصيف كأس الأمم في أنجولا.
"بعد رحيلي عن منتخب غانا تغيرت أشياء كثيرة في المنتخب. سبب تراجع مردود غانا خلال السنوات الماضية في رأيي هي المرحلة الإنتقالية التي مر بها المنتخب بعد نهاية الجيل التاريخي وبداية جيل شاب جديد".
"الجيل الحالي كان يحتاج للاستقرار لأنه جيل شاب وجيد ولديه قدرات عالية، لكن لم يحصل المنتخب الغاني خلال الفترة الماضية على الاستقرار من حيث الطاقم الفني وأيضا على مستوى اتحاد الكرة الذي شهد تغيرات عديدة."
"هدفي هو إعادة الاستقرار للمنتخب ومنح هؤلاء الصغار الثقة التي تجعلهم مثل الأجيال الماضية، هدفنا المنافسة على كأس أمم إفريقيا والتأهل لكأس العالم لذلك علينا ترتيب الأوراق والنظر إلى المستقبل فقط".
"حينما كنت أدرب غانا كانت الأجواء رائعة بين اللاعبين. كنا عائلة واحدة وهذا سبب نجاحنا. حاليا نعمل أيضا ككتلة واحدة لتحقيق أهدافنا التي نسعى لها".
أما الرجل الثاني، فهو جيمس أبياه نفسه، الذي قاد المنتخب لولايتين، بين 2012 و2014 في الأولى، وبين 2017 و2020 في الثانية، وهو يوافق راييفاتش بعض الشيء..
"ما حدث كان أمرا طبيعيا. غانا تمر بمرحلة انتقالية بعد نهاية جيل تاريخي قدم الكثير وكان منافسا قويا قاريا وعالميا. المنتخب يعيش مرحلة بناء جيل جديد في الفترة الحالية، وأتوقع له أن يكون منافسا قويا على كأس أمم إفريقيا وكأس العالم مع ميلوفان راييفاتش الذي يعرف الكثير عن المنتخب وحقق نجاحات كبيرة من قبل، وأتمنى لهم التوفيق في البطولة".
هذا الجيل الجديد سيخوض تحدياته الأبرز في الفترة بين يناير ومارس، بداية من دور مجموعات كأس الأمم الإفريقية، حيث يواجه المغرب والجابون وجزر القمر في المجموعة الثالثة، وصولا إلى المواجهة الحاسمة في تصفيات كأس العالم 2022، والتي ستقام في ثالث الأشهر الميلادية.. فهل تستفيق الكرة الغانية؟