رشيد طه يحدثكم عن الدائرة المغلقة بين 11 سبتمبر و"حطها في الجول يا رياض"

الإثنين، 27 ديسمبر 2021 - 14:30

كتب : فادي أشرف

تقرير محرز

بعد حوالي 18 عاما من هجوم تنظيم القاعدة على عدة مدن أمريكية تاركا خلفه حوالي 3000 قتيلا وتغييرا عالميا لا يوازيه أي حدث في التاريخ الحديث، كان رياض محرز في القاهرة يستعد لتسديد ركلة حرة لا تُنسى.

دموع حفيظ دراجي، وصرخاته "حطها في الجول يا رياض" واحتفال الجزائريين على طرفي ساحل البحر الأبيض المتوسط، جنوبا في وهران وبجاية وشمالا في مارسيليا ومونبيلييه، مهدت الطريق لظفر محاربي الصحراء بكأس أمم إفريقيا 2019 للمرة الثانية بعد 1990.

الكثيرون قد لا يفضلوا استعمال لحظة كروية إلى ساحة لعرض أمور أكبر من اللعبة، مثل صعود اليمين المتطرف في أوروبا، واختيار الكثير من أبناء الشتات الشمال الإفريقي في أوروبا اللعب للوطن الأم عوضا عن اللعب لدولة المولد، سواء كانت فرنسا أو هولندا أو إسبانيا، ولكن ركلة رياض محرز الحرة التي انفجرت داخل شباك المنتخب النيجيري لحظة دون شك تستحق تدوين التاريخ الذي أدى إليها.

في كأس أمم إفريقيا 2019 كان منتخب المغرب أحد أبرز المرشحين للفوز بالبطولة ولكن خروجه المفاجئ أمام بنين عطل حلم أسود الأطلس، مفسحا الطريق أمام الجزائر للفوز باللقب. الأمر المشترك بين المنتخبين وأحد الأسباب الرئيسية حول نهضتهما الكروية على مستوى المنتخبات في الأعوام الأخيرة هو قدرتهم على جذب تلك المواهب ذات الدماء المغاربية والتي تكونت خاصة في فرنسا وهولندا وإسبانيا بدرجة أقل.

في النسخة الماضية المقامة في مصر، من أصل 552 لاعبا مقيدين في قوائم منتخابات البطولة، 129 لاعبا ولدوا خارج البلاد التي لعبوا بقميصها. 86 من أصل هؤلاء اللاعبين ولدوا في فرنسا.

قائمة المغرب ضمت 19 لاعبا مولودين خارج البلاد، منهم 10 ولدوا في فرنسا، بينما ضمت قائمة الجزائر 14 لاعبا ولدوا في فرنسا.

أنت الآن سفيان أمرابط، تبلغ من العمر 21 عاما، وُلدت في قرية قريبة من أمستردام وعشت حياتك كلها في هولندا، وتعلمت كرة القدم فيها. هولندا اكتشفت أنك تملك موهبة كروية فطرية، ولا يربطك بالمغرب سوى جنسية والديك مهاجري الجيل الثاني. أنت تجلس الآن على طاولة واحدة مع أسطورة كروية بحجم رود خوليت، ويحاول إقناعك بارتداء قميص هولندا بدلا من قميص المغرب.

من المفترض أن تكون مهمة خوليت سهلة للغاية، ولكن الأسطورة الهولندية قال لنيويورك تايمز: "العائلة تدفع أمرابط للعب لهولندا، أظن أن في هذه الحالة، لا نملك خيارا. اللاعب نفسه لا يملك خيارا".

ربما كان خوليت لاعبا عظيما، ولكن نظرته في ذلك الموقف قد تعد قاصرة.

"من أنا؟هل أنا عربي؟ هل أنا أوروبي؟ هل أنا هندي؟ هل أنا أسود؟"

يشدو ملك الروك آند راي، الجزائري رشيد طه تلك الكلمات ضمن أغنية "وش نعمل" في ألبومه قبل الأخير "زووم". ربما لخص طه سنوات من غنائه عن أزمة الهوية الخاصة بالشتات العربي في أوروبا في جملة واحدة.

بالنسبة لبعض اللاعبين، فكرة اختيار الوطن الأم الأقل تصنيفا في عالم كرة القدم عن بلد المولد كانت مبنية على الهوية.

منذ 11 سبتمبر 2001، وفي العقد الأخير تحديدا، تزايدت اللهجة القومية في أوروبا، وصعدت الأحزاب الرافضة لسياسات الهجرة المفتوحة. في هولندا على سبيل المثال لم يتوانى السياسي اليميني جيرت فيلدرز عن وصف المغاربة في بلاده بـ "الحثالة".

يقول موريس كرول الباحث في جامعة فراي في أمستردام، لنيويورك تايمز، أن أبناء الشتات العربي من أجيال ما بعد 11 سبتمبر بدأوا في التيقن أن دينهم وخلفيتهم وهويتهم الأصلية، غير مرغوب بها في أوروبا، وبالتالي أدى ذلك الأمر إلى تهميشهم عن المجتمع، وإن كانوا هم مهمشون بالضرورة بفعل الفقر.

في كرة القدم لا يختلف الأمر كثيرا. لوران بلان في 2011 عندما كان مدربا لمنتخب فرنسا قال في تسجيل مسرب إنه يريد تقليل عدد اللاعبين أصحاب الجنسيات المزدوجة في الأكاديميات الفرنسية.

بالتأكيد عندما يخرج تصريح مثل ذلك من قائد منتخب فرنسا 1998 الذي توج بالبطولة بفضل أصحاب الجنسيات المزدوجة مثل زين الدين زيدان وليليان تورام، يظهر ذلك التهميش في قالب أكثر وضوحا.

ذلك التهميش وتلك اللهجة العدائية ظهرت بشكل أكثر وضوحا قبل يوم واحد من صاروخ رياض محرز في مرمى نيجيريا، حيث غرد جوليان أودول، وهو متحدث باسم مجموعة يمينية فرنسية: "لنضمن عدم استمرار النهب والعنف، ومد الأعلام الجزائرية، علينا تشجيع 11 لاعبا نيجيريا".

بعد هدف رياض محرز الرائع، غرد الجزائري مشاركا تغريدة أودول: "تلك الركلة الحرة كانت لك. كلنا معا"، مع علمي فرنسا والجزائر. في وقتها، كانت الاحتفالات الجزائرية في فرنسا بنفس قوة الاحتفالات في الوطن الأم.

ولكن، الأمور ليست دائما بملحمية رفض التفرقة الأوروبية والنغمة المعادية للعرب بعد 11 سبتمبر والانضمام لمنتخب البلد الأم كتعبير عن الرفض. فقصة مثل قصة حكيم زياش الذي سيغيب عن كأس أمم إفريقيا 2021 توضح أن الهوية ليست دائما الحاكم لقرار اللعب للوطن الأم.

في 2015، كان زياش قد قرر اللعب لمنتخب مولده، هولندا، ولكن عدم تأهله ليورو 2016 جعله يختار اللعب للمغرب.

وهناك أيضا من يختار اللعب للمنتخب الأوروبي لتفادي الغياب لمدة شهر كل عامين للعب بطولة كأس أمم إفريقيا، أو تفادي السفر لمسافات بعيدة بين أوروبا وإفريقيا بين كل توقف دولي، الأمر ليس دائما حول الهوية، بل هناك حسابات احترافية لا يمكن أن يتم إغفالها في مجتمع كرة القدم المعاصر.

لا شك، أن موهوبي الشتات الشمال الإفريقي في أوروبا لهم دور كبير في نهضة بلاد المغرب العربي الكروية على مستوى المنتخبات، ولكن الأمر لا يحدث بشكل أوتوماتيكي.

الاتحاد المغربي على سبيل المثال، عين عددا من الكشافين في أوروبا ليشكلوا جسرا بين الوطن الأم ولاعبي الشتات، مثل ربيع تكسة ابن تطوان في إسبانيا والذي كان خلف استقطاب موهبة بحجم أشرف حكيمي للعب باسم المغرب، ومبرد يبقى حارس مرمى أسود الأطلس السابق في هولندا، وعادل بوجعيدة في ألمانيا الذي كان خلف ضم نسيم بوجلاب لاعب شالكه الذي يلعب حاليا معارا لإنجلوشتات، كما كان ليونس شاهين في إيطاليا دور في ضم لاعب بولونيا السابق وواتفورد الحالي آدم ماسينا للمنتخب، وهكذا.

عمل جاد ومنظم وضعه الاتحاد المغربي، والجزائري كذلك، مكنهما من استغلال المواهب المولودة في أوروبا ولكنها تحمل الدماء المغاربية أفضل استغلال.

بعدها، يأتي دور المدرب.

يروي هيرفي رينار المدير الفني السابق لمنتخب المغرب لنيويورك تايمز أنه إبان تدريبه لأسود الأطلس، كان من مهامه الرئيسية خلق روح الفريق للاعبين انضموا من خلفيات بعيدة.

يصل الأمر لضرورة منح محاضرة ما قبل المباراة وما بين الشوطين بالفرنسية والإنجليزية، ثم منح المجال لمصطفى حجي لإعادتها بالعربية.

ولكن رينار أتم بأنه لم يعاني في تلك النقطة، مثله مثل جمال بلماضي الذي صنع منتخبا قويا للغاية يبدو عليه الوحدة رغم الاختلافات الكبيرة بين الخلفيات التي أتى منها محرز، وبغداد بونجاح الذي سجل هدف التتويج بكأس الأمم 2019.

أخر الأخبار
التعليقات