كتب : أحمد أباظة
الفوز بالدوري الإسباني لمرة واحدة مع أتلتيكو مدريد هو إنجاز، ولكن الفوز به مرتين على التوالي، هذا أمر مختلف تماما.. هكذا بدأ موقع "إنتو ذا كالديرون" تقريره عن 3 أسئلة تواجه الأتلتي في مستهل دفاعه عن اللقب.
السؤال الأول عن استمرار طريقة 3-5-2، والإجابة واضحة، المدرب دييجو سيميوني مقتنع بالتحول إلى هذا الشكل وكل ما يتوسطه من أشكال اللعب بثلاثة مدافعين، سواء كانت 3-4-3 أو 3-4-1-2 أو 3-4-2-1 أو 5-2-3 وما إلى ذلك تبعا للمباراة واللاعبين المتاحين.
السؤال الثاني كان عن جواو فيليكس، هل سيبقى في حالة جيدة؟ والإجابة كالعادة أصيب البرتغالي مرة أخرى، ويا له من لاعب هام بالنظر لسعره وجودته الفنية.
أما السؤال الثالث فكان يتعلق بإمكانية ظهور عنصر جديد يحقق الإضافة، في صيف ضم به الفريق رودريجو دي بول نجم وسط الأرجنتين، واستعاد في نهايته نجمه أنطوان جريزمان من برشلونة.
الحقيقة، حتى وإن أتت إجابة الأسئلة الثلاثة بمؤشرات إيجابية -وهذا لم يحدث- فإن كل ذلك لا يكفي وحده لتحقيق هذا الإنجاز، القائمة التاريخية لأبطال الدوري الإسباني وحدها يمكنها إفشاء الكثير..
الليجا لمرتين على التوالي شيء لم يحققه سوى برشلونة في العقد الأخير، وشيء لا يحققه أحد سوى برشلونة وريال مدريد في المعتاد، وآخر من حققه بعيدا عنهما كان أتلتيك بلباو في 1983 و1984.
أتلتيكو مدريد ثالث أكثر الأندية تتويجا بلقب الليجا (11 مرة)، بين لقبه الأخير وسابقه 7 سنوات، وبين تاسعه وعاشره 18 عاما، وبين ثامنه وتاسعه 19 عاما.. في حقيقة الأمر أتلتيكو لم يتوج باللقب لمرتين على التوالي سوى مرتين في تاريخه، آخرها حدثت قبل 60 عاما.
بالنظر لانتقالات الروخيبلانكوس فإن الفريق لم يفقد أي عنصر مؤثر سوى ساؤول الذي تخلى عنه سيميوني طواعية بعد أن تراجع في سلم الخيارات بالموسم الماضي، في المقابل أضاف العديد من العناصر الجيدة مثل جريزمان ودي بول وماتيوس كونها.. ما يفترض رؤيته هو تحسن أو على الأقل ثبات، ولكن العكس كان الصحيح.
فارق الانطلاقة بحد ذاته يفسر نفسه بنفسه، فبعد 12 مباراة من الموسم الماضي كان أتلتيكو في الصدارة بـ30 نقطة من 9 انتصارات و3 تعادلات بلا هزيمة، حيث سجل 24 هدفا وتلقى 3.
في الموسم الحالي هناك خطب واضح بصلابة أتلتيكو مدريد، فبعد 12 مباراة من الموسم الحالي يحتل المركز الرابع بـ23 نقطة من 6 انتصارات و5 تعادلات وهزيمة، مسجلا 21 هدفا ومتلقيا 13.
تسجيله لـ3 أهداف أقل من الموسم الماضي ليست أزمة يمكن تسليط الضوء عليها، ولكن تلقيه 10 أهداف أكثر هو الأزمة بعينها..
أتلتيكو مدريد فريق يمكنه أن يعاني أمام الصغار لأنه ليس أكثر الكبار شراسة من الناحية الهجومية، ويفضل المباريات المغلقة التي يقتنص بها هدفا مبكرا ليحميه طوال ما تبقى من دقائق وهو ما يكلفه بعض التعادلات وأحيانا الهزائم غير المتوقعة، ولكن في كافة الأحوال، أتلتيكو مدريد سيميوني لم يكن أبدا هذا الفريق الذي تنقصه الصلابة الدفاعية.
في 12 جولة من عمر الموسم الماضي تلقى أتلتيكو مدريد نفس عدد الأهداف الذي تلقاه في مباراة فالنسيا وحدها، ونحن لا نتحدث عن فالنسيا العصور الذهبية، بل فالنسيا كوستا وسولير وجيديش. للتوضيح، آخر مرة تلقى أتلتيكو 3 أهداف في مباراة واحدة بالليجا كانت في الرابع من مايو 2019 على يد إسبانيول، أي قبل عامين ونصف.
ولكن للبحث عما يزيد المهمة صعوبة، سنعود للوراء إلى الدوري العاشر (2013-2014)، حين عدد تقرير "بليتشر" الصادر في السابع والعشرين من ديسمبر 2013 خمسة أسباب ترفع أسهم الفريق في التتويج الذي تم بالفعل في مايو من العام التالي..
من ضمن هذه الأسباب قوة القائمة وعمقها، والعاملان قائمان حتى الآن.. السبب الثالث هو مشاكل برشلونة وريال مدريد، وبينما لا يبدو ريال مدريد في مشكلة كبيرة هذا الموسم، فإن برشلونة يعيش كارثة بالمعنى الحرفي للكلمة، وهو عامل استغله أتلتيكو في 2014 تماما كما استغله في الموسم الماضي.
السبب الرابع لم يعد له أدنى وجود، وهو "قلة الضغط".. كان هذا العامل يرتبط بضعف حظوظ أي شيء لا يدعى برشلونة أو ريال مدريد في التتويج باللقب، ما يعني أن الضغط على القطبين دائما، الأمر الذي يسمح لأي ثالث صلب بالانسلال نحو اللقب دون أن يضطر للتعامل مع ضغط كونه مطالب بتحقيقه.. يرجع هذا الوصف لأيام التعامل مع أتلتيكو مدريد باعتباره الحلقة الأضعف، وليس أحد المرشحين الأبرز كما هو الحال عليه الآن.
أخير السبب الخامس هو مربط الفرس.. دييجو سيميوني. رحلة الرجل مع أتلتيكو تحكي نفسها بنفسها، فهو صاحب الفضل في لقبي الدوري الوحيدين في الألفية الثالثة، وهو صاحب الفضل في تأهل أتلتيكو إلى نهائي دوري أبطال أوروبا مرتين من أصل 3 في تاريخه، هو باختصار صانع أتلتيكو مدريد الحديث، والسبب في تحوله من مجرد حلقة أضعف في صراع الكبيرين إلى قطب ثالث مرشح دائما للألقاب..
هذا الجانب الأخير تحديدا من مجد سيميوني مع الروخيبلانكوس هو موضع اللعنة وحد السلاح الثاني، فأتلتيكو الآن يعيش ضغط المطالبة بتحقيق الألقاب، لا لشيء سوى لهذه القفزة التاريخية التي قادها التشولو، وهو ما يجعل هذا السؤال يتكرر باستمرار، هل بلغ المدرب الأرجنتيني حدوده؟
كم مرة طرح هذا السؤال من قبل؟ العشرات، بل ربما المئات.. وفي كل مرة يحاول سيميوني أن يتفاداه، وينجح بالفعل.. فبعد الليجا ونهائي دوري الأبطال في 13-14 بلغ نهائي 15-16، وفي هذه الفترة حين توقف الجميع عن معاملة أتلتيكو باعتباره طرف أضعف وتم إعلانه منافسا حقيقيا، وجد الرجل نفسه يتعادل مع الفرق الصاعدة حديثا، فاضطر لتطوير هجومه بعض الشيء متخليا عن جزء بسيط من صلابته الدفاعية..
استمر السؤال رغم تلك التعديلات النوعية، ولكنه أنقذ الموقف بالدوري الأوروبي 17-18 ثم السوبر الأوروبي على حساب ريال مدريد لتهدأ الوتيرة، ولكن سرعان ما ارتفعت مجددا، وبلغت ذروتها في موسم 19-20، قبل أن يخمدها مرة أخرى بالتحول إلى الثلاثي الدفاعي ثم لقب الليجا 20-21، ولكن ماذا بعد؟
كم مرة سيتم طرح السؤال؟ وكم مرة سينجح سيميوني في تفاديه؟ هل حان وقت تجربة أخرى للمدرب الأرجنتيني، وتجربة أخرى لأتلتيكو مع مدرب آخر يتسلم إرثه ويحاول البناء عليه؟ ربما، وربما يسفر هذا التعديل عن كارثة تعود بأتلتيكو إلى وضعه السابق، ويتعاقب عليه المدربين دون تحقيق شيء لافت اللهم إلا لقب ما كل عقدين من الزمان..
المخاوف الأخيرة على وجه التحديد هي السؤال والجواب.. لماذا لم -وعلى الأرجح لن- يفكر أتلتيكو مدريد بإقالة سيميوني طالما أنه يتأهل إلى دوري أبطال أوروبا؟ السر يكمن في 10 سنوات قضاها الرجل مع الفريق، وهي مدة نادرة لولاية متصلة في عالم كرة القدم الحالي، نموذج كان يفترض انقراضه برحيل سير أليكس فيرجسون عن مانشستر يونايتد وأرسين فينجر عن أرسنال..
للتوضيح.. ماذا حل بمان يونايتد عقب اعتزال فيرجسون؟ وأين ذهب أرسنال حين اعتقد جماهيره أنهم تخلصوا من جحيم نهايات فينجر؟ هذا تحديدا ما يخشاه أتلتيكو مدريد، مع فارق واضح، أنه حتى لا يملك نفس طموح مانشستر يونايتد.
لا يوجد من يرفض النمو والمنافسة على الألقاب وحصدها، ولكن طموح أتلتيكو مدريد هو الاستمرارية قبل الألقاب. البقاء في مصاف الكبار والحفاظ على المقعد الدائم بين الأربعة الأوائل وبالتالي الحفاظ على العوائد المستمرة هو ضمان استمرار التطور، وهو كل ما يتطلبه الأتلتي من مدربه، وما دام هذا المدرب يجيد إخراج أرنب ما من قبعته بين الحين والآخر وفي الوقت ذاته يحافظ على هذا الوضع للفريق، لمَ قد يفكر أصلا في إزاحته والمخاطرة بالمجهول.
مع مرور الوقت اتضح أن المشكلة لم تكن إجابة السؤال، بل أننا نسأل السؤال الخاطئ أصلا..
بكلمات أخرى، طالما أن سيميوني لم يقرر الرحيل أو الاعتزال، وطالما أنه لم يقدم موسما كارثيا، فإن إعادة إنتاج فيرجسون في العاصمة الإسبانية هي ما يحدث منذ البداية، ولكن لمزيد من الدقة، نحن نتحدث عن فيرجسون بمتطلبات فينجر وميزانية تعاقدات لم يحلم بها أي منهما.