كتب : أحمد أباظة
"نحن لن نعرف أبدا العدد الدقيق للرجال الذين شاركوا في الأولمبياد كنساء" – الجريدة الدولية لتاريخ الرياضة.
زهرة كوداي حارسة مرمى منتخب إيران للسيدات، عنوان جدل كبير أثير في الآونة الأخيرة عقب تغلب المنتخب الفارسي على نظيره الأردني بركلات الترجيح، ليس لأنها تصدت لركلات حاسمة في هذه المباراة، بل لاتهامها بأنها "رجل".
باختصار، طالب الاتحاد الأردني لكرة القدم بإجراء فحوصات على الحارسة واللاعبات بصورة عامة للتأكد من الجنس، مستندا في هذا الادعاء على تاريخ الفرق الإيرانية مع تعاطي المنشطات.
من جانبه رد الطرف الإيراني بأن جميع اللاعبات تم فحصهن طبيا قبل البطولة، ولكن لم يحدد نوع الفحوصات، وفي الحقيقة.. مطالب الطرف الأردني ليست جديدة على عالم الرياضة..
من 1968 وحتى 1998، كان من المعتاد إجراء كشفا طبيا عُرف باسم "تحقيق الجنس" قبل خوض منافسات السيدات الأولمبية، وذلك للتأكد من أن جميع اللاعبات "نساء"، وهو إجراء تعرض لانتقادات عديدة حتى توقف.
زهرة كوداي هي امرأة تعرضت لهذا الاتهام بسبب تفوقها الرياضي، أو بسبب ملامحها الذكورية، أو للسبب الأول وتم التذرع بالثاني، أو للسببين معا. السبب لا يهم، ولكن إن كانت زهرة بريئة، فإن البعض الآخر ليس بنفس البراءة.
إلى بلد المنشأ
الواقعة تعود إلى إيران أيضا ولكن هذه المرة ليست لرجل متنكر في زي امرأة للتنافس الرياضي، بل لنساء متنكرات في زي و"لحى" رجال لحضور مباراة كرة قدم.
تعود القصة إلى السابع والعشرين من أبريل عام 2018، حين تنكر بعض النسوة الإيرانيات كرجال لتشجيع فريقهن بيرسيبوليس ضد غريمه سيبيدرود في ملعب "أزادي" بالعاصمة طهران باستعمال شعر مستعار على الرأس والوجه.
ولسبب ما، لم ينتبه أفراد أمن الملعب لهذا الأمر، ولكن الملعب بأكمله انتبه مع ظهورهن في المدرجات، قبل أن ينتبه العالم أجمع حين انتشرت الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
صحيح أنه لا يوجد ما يمنع حضور النساء للمباريات رسميا في إيران، ولكن من النادر مشاهدتهن في المدرجات بسبب تعرضهن أحيانا للمنع من الدخول على البوابات، وهو ما لم يكن معتادا قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
على الناحية الأخرى، تعرضت بعض النساء للعقاب على حضور المباريات في الماضي، حيث تم اعتقال الناشطة الإيرانية-البريطانية جونشيه جافامي لأنها حاولت حضور مباراة لكرة الطائرة للرجال في 2014، وفي مارس 2015 تم احتجاز 35 امرأة بسبب محاولة حضور مباراة كرة قدم، ولكن في فبراير 2018 تم السماح للنساء بحضور مباراة هامة لكرة السلة في طهران، ولكن كان يتوجب عليهن الجلوس في مكان منفصل عن الرجال.
ولأن الخدعة عادة لا تنكشف في المرة الأولى، كشفت واحدة من النساء المتنكرات عن أن ذلك كان دخولها الثالث للمدرجات بنفس الخدعة، ولكن للأمانة كانت تغير التنكر و"المكياج" بفضل محرك البحث "جوجل"، وطوال ذلك الوقت لم يوقفها الأمن سوى مرة واحدة، وبالتالي شجعت المزيد من النساء ودربتهم على طرف التنكر.
"لماذا يجب أن أخاف (من الاحتجاز)؟ نحن النساء لم نرتكب أي جريمة بالذهاب إلى الملاعب، فالقانون لم يصنف وجود النساء في الملاعب كجريمة، لقد احتجزوا بعض النساء بالطبع وأجبروهم على تقديم تعهد كتابي بعدم الذهاب إلى هناك مجددا".
تروي واحدة أخرى لصحيفة "خبر فارزيشي" الإيرانية كيف نجحن في مراوغة حراس الملعب:
"مررنا من البوابتين الأولى والثانية كمجموعة ولم يكتشف الأمر أي أحد، ولكن بمجرد وصولنا إلى المدرجات لاحظ الجميع. أتوا إلينا والتقطوا معنا الصور ومدحوا قدومنا. الشيء المثير للاهتمام أن هؤلاء الذين عرفوا أننا نساء لم يصرخوا بأي شيء وقح طوال المباراة".
هل كان الأمر يستحق المخاطرة؟ "بالتأكيد. هدفنا هو مواصلة الذهاب حتى يسمحوا لكل النساء بالذهاب. نحن نفعل ذلك كي نقول للسلطات: إن لم تسمحوا لنا بالدخول، سنواصل الدخول على كل حال، باللحى أو بدونها".
مفاجأة
نوفمبر 2015، يدخل اللاعب داني بيريز لخوض مباراة ضد أقرانه الرجال في دوري الهواة، أو على الأقل هذا ما يعتقده الجميع، باستثناء الحكم والمدرب، فقد كانا على علم بأن داني ما هو إلا "بريندا بيريز" لاعبة أتلتيكو مدريد آنذاك.
7 ساعات من الإعداد عبر برنامج "إل هورميجيرو" تتضمن شعر مستعار ولحية وقفازات لإخفاء الأظافر وقناع للوجه، فقط لإثبات أن الأحكام المسبقة عن نساء الرياضة قد تكون خادعة.
تلاعبت بهم بريندا تحت مسمى "داني" طوال المباراة، ولكن في النهاية، لم يكن إحباطهم من الهزيمة النكراء يساوي الصاعقة التي حلت عليهم حين أسقطت اللاعبة قناعها قبل تنفيذ ركلة حرة.
صرخ أحدهم لزميله "أخبرتك أنها تبدو كفتاة"، قبل أن تسجل الركلة الحرة بهويتها الحقيقية، وتضيف هدفا وتمريرة حاسمة قبل النهاية، في رسالة واضحة مفادها أن النساء قادرات على لعب كرة القدم مثل الرجال..
فاعل حقيقي
حتى الآن تبقى حارسة مرمى إيران بريئة من تهمة ادعاء كونها أنثى، إلا أن هناك من ارتكب هذه الفعلة وليس من زمن بعيد، حيث ترجع القصة الأخيرة إلى يونيو 2019.
في كينيا، تحديدا في الرابع عشر من يونيو، تم ضبط امرأة رياضية تنافس في بطولات عالمية لألعاب القوى بسبب تزييفها لهوية ممرضة باسم "باميلا مولوبي"، حيث ادعت أنها تعمل في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات، وبفحص أوراق المستشفى اتضح أن الاسم لا وجود له.
نقلت "باميلا" تحت هذا الاسم المزعوم إلى سجن النساء بتهمة انتحال شخصية، ولكن خلال تفتيش روتيني، اكتشف أحد حراس السجن أنها تملك "عضوا ذكريا" ليتم نقلها إلى مستشفى السجن، وبخضوعها للكشف الطبي اتضح أنها "ذكر".
ادعى المشتبه به أمام المحكمة أن اسمه الحقيقي "هيلاري كيبروتيتش" وأنه عانى من تصنيفه كذكر في المدرسة الابتدائية، ولكن حين بدأ بممارسة الرياضة سجل نفسه كأنثى، وأقر بأنه خاض العديد من المسابقات الرياضية للجنسين.
الرجل الكيني خاض العديد من المنافسات في بلاد أجنبية من ضمنها ماليزيا والمغرب وزامبيا وتنزانيا، وفاز بثلاث ميداليات تحت اسم "شييس شيبكوسجي"، وتعرض للإيقاف لمدة 4 سنوات اعتبارا من أكتوبر 2016 وحتى ديسمبر 2020 بسبب تعاطي المنشطات.
وفي إطار تمسكه برواية "العبور الجنسي"، أكدت شقيقته الأكبر روزابيلا تشيبتشومبا التي تولت رعايته منذ وفاة الوالدة في التسعينات، أنه ذكر من الناحية التشريحية، ولم يواجه أي اضطرابات في نموه الجنسي، باستثناء أنه بات يفضل ارتداء ملابس شقيقته مع الوقت..
اضطرابات الهوية الجنسية مسألة معقدة للغاية، ولكن الفعل ذاته بغرض الغش الرياضي يظل كما هو، حيث أن إشراك -أو اشتراك- رجل في منافسات النساء يمنحه أفضلية هرمونية أجرى عليها العلماء عديد الأبحاث.. ربما لهذا اعتقد المنتخب الأردني أن تصديات زهرة كوادي خارقة بالنسبة لمنافسات النساء، أو ربما كان يبحث عن ذريعة كما قال الطرف الإيراني، الأكيد هو ما قالته الجريدة الدولية لتاريخ الرياضية.. "نحن لن نعرف أبدا العدد الدقيق للرجال الذين شاركوا في الأولمبياد كنساء".