كتب : زكي السعيد
"لا تمرر إليه يا أخي، إنه يلعب ضدنا".
-كريم بنزيمة، 27 أكتوبر 2020
"إنه ظاهرة، أحب اللعب والتحدث معه كثيرا".
-كريم بنزيمة، 12 سبتمبر 2021
أقل من عام يفصل بين التصريحين، وصحيح أن أحدهما تم تسريبه والآخر قيل في العلن، لكن هل تُصدِق أنهما يصفان نفس الشخص؟
مساء الأحد، أثبت فينيسيوس جونيور أمام سيلتا فيجو أن ما قدّمه في أول 3 جولات من الدوري الإسباني لم يكن صدفة، بل تغيُر كامل في قراراته على أرض الملعب.
فرغم أن بنزيمة سجل ثلاثية، لكن الأقلام والألسن تحركت للإشادة بـ فينيسيوس، إما لأن تألق الأول صار اعتياديا، أو لأن تألق الثاني ليس مألوفا، أو للسببين معا.
اعتذار
بعد المباراة، صرّح خورخي فالدانو عبر محطة موفيستار: "الكثيرون يدينون لـ فينيسيوس بالاعتذار عما قالوه في حقه، إنه شاب ولا يزال يتعلم اللمسة الأخيرة. الآن يتمتع بثقة عظيمة أمام المرمى واليوم أظهر قدراته بالكامل".
لكن هل حقا نحتاج إلى التراجع عن الانتقادات التي وجّهناها لـ فينيسيوس كما يرى لاعب ومدرب ومدير رياضي ريال مدريد السابق؟
حتى نجيب على هذا التساؤل، علينا أن نطرح تساؤلا آخر: هل كانت مشكلة فينيسيوس حقًا أمام المرمى فقط؟
وهنا الإجابة واضحة: لا.
أكثر من مجرد هدّاف
في موسمه الأول مع ريال مدريد، وبينما عاش الفريق أصعب أيامه عقب رحيل زين الدين زيدان وكريستيانو رونالدو وتغيير المدرب بعد هزيمة ساحقة أمام برشلونة، هب مراهق في الثامنة عشر من عمره لينقذ موسم الميرنجي.
في 2018\2019 وتحت قيادة سانتياجو سولاري، خطة ريال مدريد الهجومية اعتمدت على فكرة بسيطة للغاية: تمرير الكرة إلى فينيسيوس.
الجناح البرازيلي الذي بدأ ذلك الموسم مع ريال مدريد كاستيا وأنهاه كالعنصر الأهم في الفريق الأول، صنع وقتها 12 هدفا.
هذا الرقم هو الأفضل له حتى اللحظة، ففي موسمه الثاني انخفض إلى 4 تمريرات حاسمة، ثم ارتفع نسبيا إلى 7 تمريرات حاسمة في الموسم الماضي مع العلم أنه خاض 1000 دقيقة أكثر تقريبا عن الموسم الذي سبقه.
أمام أياكس أمستردام في فبراير 2019، وبينما كان الفريق الهولندي متزعما للملعب، انطلق فينيسيوس من الجهة اليسرى متجاوزا منافسيه، قبل أن ينتظر اللحظة المناسبة ليمرر إلى بنزيمة الذي أحرز هدف التقدُم.
صحيح أن الأمور ساءت بشكل مهول في مباراة الإياب، ليس على مستوى النتيجة الرباعية فحسب وإنما لإصابة فينيسيوس في الركبة ببداية اللقاء، لكن هدف بنزيمة في الذهاب جسّد بشكل كبير الهدوء الذي امتلكه فينيسيوس في تلك الفترة بقراراته عموما على أرض الملعب.
نفس ذلك الهدوء الذي مكّنه قبلها بأيام قليلة من تدارك هفوته في هدف التعادل الذي سجله أتليتكو مدريد في الدربي، ليحصل على ركلة جزاء لـ ريال مدريد في نهاية الشوط الأول ترجمها سيرخيو راموس إلى هدف التقدُم.
وهذا الهدوء فقده فينيسيوس بالكامل خلال الموسمين الماضيين، ليس أمام المرمى فحسب، بل في كل أرجاء الملعب.
فالموضة الرائجة بالسنوات الأخيرة أن يكون الجناح هدافا، يسجل 20 هدفا في الموسم ويهدد المرمى باستمرار، لكن جناح مراوغ قادر على خلف الخطورة باستمرار وإمداد زملائه بالتمريرات ليس أمرا سيئا أيضا بالمناسبة.
أمام سيلتا فيجو، قام فينيسيوس بخمس مراوغات ناجحة، وأمام ريال بيتيس في الجولة السابقة، أقدم على 7 مراوغات ناجحة، وفوق كل ذلك سجل 4 أهداف حتى اللحظة في الدوري الإسباني.
لكن الأكثر إبهارا كان إحصائية أخرى من مباراة سيلتا: فينيسيوس لم يفقد الكرة ولا مرة.
هذا الرقم يعد تطورا مذهلا في أداء اللاعب الذي اشتهر باتخاذه سيلا من القرارات الخاطئة في كل مباراة.
في الواقع، انخفض معدل فقدان فينيسيوس للكرة في المباراة الواحدة بالدوري الإسباني من 1,9 الموسم الماضي إلى 1,2 هذا الموسم.
وفي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي وصل معدل فقدان فينيسيوس للكرة إلى 2,5 في المباراة الواحدة.
وبالتالي، فـ فينيسيوس احتاج إلى التحسن على كثير من الأصعدة بينما الكرة في قدمه، وليس إنهاء الهجمة أمام المرمى فحسب.
فربما لو كان لاعبا مستقرا في قراراته عموما ويخفق فقط أمام المرمى، لما طالب بنزيمة زميله فيرلان ميندي بعدم التمرير إليه في تلك الليلة العصيبة على ملعب بوروسيا مونشنجلادباخ قبل عام.
الأصعب لم يكن الأجمل
أمام ليفانتي في الجولة الثانية سجّل فينيسيوس هدفا رائعا كان الثالث لفريقه في اللقاء وجنّبه الهزيمة على ملعب سيوتات دي فالنسيا.
النجم البرازيلي هز الشباك وقتها من زاوية ضيفة للغاية بتسديدة غير مفهومة فتحت بابا هائلا من الجدال حول تعمّده التسجيل بهذه الطريقة أم إنها مصادفة.
ولأنه هدف رائع، فقد شغل الغالبية العظمى عن التطرق إلى هدفه الآخر في ذلك اللقاء، والذي سُجل بعد انطلاقة سريعة من وسط الملعب ثم إنهاء مميز للهجمة أمام المرمى.
فينيسيوس ركض في ذلك الهدف مسافة طويلة بسرعة عالية دون أن يفقد الكرة أو يسمح للمدافع بمضايقته، ثم وصل إلى لحظة الحقيقة وكان تعامله مثاليا بلمسة بسيطة في شباك ليفانتي.
وهذا الهدف ربما يكون أهم لـ فينيسيوس من هدفه الآخر الأعجوبة، لأنه سُجِل بعد عدد كبير من اللمسات، خلافا لما يريده مدربه كارلو أنشيلوتي.
فبعد المباراة الأولى أمام ديبورتيفو ألافيس وهدفه الرأسي بالدقائق الأخيرة، صرّح أنشيلوتي: "أخبرت فينيسيوس أن يتمركز أقرب للمرمى، لأن تسجيل الأهداف يزداد صعوبة كلما زاد عدد اللمسات".
وهذه نظرية حقيقية بالطبع، لكنها ليست السر في ثورة فينيسيوس الذي عاد وكررها وسجل هدفا مشابها في شباك سيلتا بعد انطلاقة من وسط الملعب.
والسر على الأرجح أن فينيسيوس في السابق وأثناء ركضه صوب المرمى كان كالهارب الذي يستعد لمواجهة مصيره المحتوم، لغة جسده أوحت دائما أنه يتمنى لو لا تأتي تلك اللحظة أبدا التي سيضطر فيها إلى التسديد، يأمل لو ابتعد المرمى أكثر قليلا حتى يحظى بمزيد من الوقت قبل لحظة الحقيقة، قبل الاختبار الذي سيقيّم انطلاقته تلك بالفشل أو النجاح، فلا يهم كم من مدافعين تخطيت، العِبرة باللمسة الأخيرة.
وفينيسيوس 2021\2021 لم يعد كارها لمواجهة المرمى، بل يصبو إليه بكثير من الرغبة والشوق، يقتحمه تماما كما اقتحم مدرجات ملعب سانتياجو برنابيو وصنع احتفالا للتاريخ مع الجماهير العائدة أخيرا بعد عام ونصف.
زيدان المُذنِب؟
المدرب الفرنسي السابق لـ ريال مدريد كان شاهدا بالفعل على روائع فينيسيوس خلال الانتصار على سيلتا، لأنه شاهد المباراة رفقة زوجته من مدرجات سانتياجو برنابيو.
ومع حقيقة تألق فينيسيوس رفقة سولاري، وعودته للتألق لاحقا تحت إمرة أنشيلوتي، فهذا بالطبع يوجّه بأصابع الاتهام نحو زيدان.
لكن لعل زيدان ليس أفضل مدرب ممكن في تطوير اللاعبين الشبان، وهذا لا يجعل منه مدربا سيئا بالضرورة، فهو يمتلك بدوره مزايا لا يمتلكها أستاذه أنشيلوتي.
ونقطة أخرى لا يمكن إغفالها، أن زيدان قضى 70% تقريبا من فترته الثانية مع ريال مدريد في ظروف غير عادية.
فالوباء وإيقاف كرة القدم 3 أشهر وعدم القيام بفترة إعداد مطلع الموسم الماضي، سلبه الكثير من الوقت للعمل بشكل فردي مع اللاعبين.
واللعب كل 3 أيام بشكل مستمر، وتعرض الفريق لستين إصابة تقريبا، جعلت مهمته أصعب في المران اليومي، فتحوّلت الكثير من الحصص التدريبية إلى دورات استشفائية من أجل الاستعداد بدنيا للمواجهة التالية دون العمل بشكل كافٍ على تحسين القدرات الفردية للاعبين.
وزيدان لم يهمّش فينيسيوس أبدا أو يخرجه من حساباته، فأشركه في 49 مباراة بالموسم الماضي ودفع به أساسيا في كل المباريات المهمة والكبرى تقريبا، فجاءت المكافأة أحيانا بشكل غير مستقر كما حدث في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ليفربول.
هواية أنشيلوتي المفضلة
يشتهر أنشيلوتي كمدرب بقدرته على تغيير مسيرة اللاعبين، إما بتوظيفهم في مركز جديد أو بتحريرهم ذهنيا، أو بالوسيلتين معا.
فخلال ولايته في ميلان، وظّف أندريا بيرلو أمام خط الدفاع، فتحوّل المايسترو الإيطالي ليصير أحد أفضل من شغلوا هذا المركز على الإطلاق.
وعندما تولى ريال مدريد في الولاية الأولى، حوّل آنخل دي ماريا من جناح أيمن عشوائي، إلى لاعب وسط أيسر مرن تكتيكيا، سلاحٌ كان فتّاكا وحاسما في حصد العاشرة، وبالتالي كان فقدانه سببا مباشرا في خسارة كل الألقاب الكبرى بالموسم التالي.
وصحيح أن ألاعيب أنشيلوتي تلك لا تفلح أحيانا مثلما حدث في توظيفه لـ توني كروس بموسم 2014\2015 وعدم اعتماده على لاعب وسط بميول دفاعية، لكنها تبدو ناجحة للغاية في حالة فينيسيوس.
وصحيح أن إدين هازارد صار شبحًا لنسخته رفقة تشيلسي، وأن كيليان مبابي لم يستطع تحقيق حلمه بالقدوم إلى ريال مدريد في الميركاتو الماضي، لكن المؤكد أن جماهير ريال مدريد صار لها بطل جديد: فينيسيوس جونيور.