كتب : عمر مختار
في عام 1992، تم تصعيد محمد بركات لاعب السكة الحديد وقتها للفريق الأول وهو في سن السادسة عشر بعد التوهج بشكل مميز وانضمامه لمنتخب الشباب نظرًا لإمكانياته الكبيرة.
خطف بركات الأنظار بعد تصعيده للفريق الأول وأصبح هدفًا لأكثر من نادٍ من كبار أندية الدوري المصري وعلى رأسهم الأهلي والزمالك.
خلال تلك الفترة تعرض بركات لكسر مضاعف خلال مباراة فريقه أمام نادي الشمس، الأمر الذي منعه من الانتقال إلى أحد ناديي القمة.
ابتعد بركات عن الملاعب ما يقرب من العام بسبب هذا الكسر ليعود في نهاية شهر مارس تزامنًا مع نهاية الموسم والذي بات آخر مواسمه ضمن صفوف الناشئين بالنادي.
كان النادي الإسماعيلي متابعًا لبركات منذ فترة طويلة لكنه لم يكن أبدًا ضمن الصورة، وفي تلك الفترة أبدى اهتمامًا كبيرًا باللاعب في ظل ابتعاد الأندية الأخرى عنه وبالفعل أتم التعاقد معه.
يتذكر بركات ما حدث قائلاً: "لم أنس أبدا فضل النادي الإسماعيلي عليَّ. لقد ذهبت هناك في وقت صعب حيث لم أمارس كرة القدم لمدة عام كامل، لكن رغم ذلك فقد حظيت بدعم كامل من جمهور الفريق".
عندما انتقل بركات من نادي السكة الحديد إلى النادي الإسماعيلي وجد نفسه احتياطيًا لأحمد حسن الذي كان يحظى بشعبية كبيرة في الإسماعيلية خلال ذلك الوقت.
جلس بركات احتياطيًا في انتظار فرصته الحقيقية إلى أن جاءت تلك اللحظة حينما تحصل أحمد حسن على بطاقة حمراء تم إيقافه على إثرها ست مباريات، شعر بركات أن وقته قد حان لإظهار إمكاناته وبالفعل نجح في إثبات قدراته منذ المباراة الأولى حيث أصبح تسجيل الأهداف شيئًا اعتياديًا بالنسبة له.
في كرة القدم هناك قول مأثور مفاده أن اللاعبين إذا كانوا جيدين بما فيه الكفاية، فإن العمر ليس عائقًا إذا كان لديهم بالفعل موهبة. وبالمثل، يقال إنهم إذا كانوا جيدين بما فيه الكفاية، فستتاح لهم الفرصة. ومع ذلك من الواضح أن كلاهما غير صحيح أو على الأقل، ليس دائمًا. وإلا لما احتاج بركات إلى غياب أحمد حسن ليحصل على فرصته.
إن الفكرة التي تتحدث عن أن جميع اللاعبين الذين لديهم الموهبة يمكنهم اللعب في أعلى المستويات هي فكرة خاطئة بطبيعة الحال.
يعتبر هاري كين واحدا من أفضل مهاجمي العالم في الوقت الحالي، فمن النادر أن يختلف اثنان على مدى جودته، ومع ذلك فقد احتاج إلى ضربة حظ ليحصل على فرصته مع توتنام.
جاء إشراك كين رفقة الفريق الأول بعد تعيين تيم شيروود، الشخص الذي آمن بشدة بتلك المواهب الموجودة في قطاع الشباب، حيث وقف دائمًا إلى جانبهم. في النهاية لم يبق شيروود طويلاً كمدرب لتوتنام، لكن كان ذلك كافياً لكين لإظهار مدى جودته.
هاري كين، اللاعب الذي تم اعتباره جيدا بما يكفي فقط للعب مع الفريق الثاني في الدوريات الأدنى، أصبح واحدًا من أكثر اللاعبين كمالاً في كرة القدم الإنجليزية. لقد لعب الحظ دورًا كبيرًا في وصوله إلى الذروة تمامًا مثل الموهبة.
في عام 2018، حاول ثلاثة باحثين من جامعة كاتانيا، أندريا رابيساردا، أليساندرو بلوتشينو وإليسيو بيوندو تأكيد العلاقة بين الحظ والموهبة، وكانت نتائج أبحاثهم جيدة للغاية.
في عملهم، قاموا ببناء نموذج للعلاقة بين الحظ والموهبة لوصف تطور المهن لمجموعة من الأشخاص وإلى أي مدى يتأثرون بالأحداث العشوائية في مسيرتهم.
لقد أثبتت نتائجهم بوضوح أن الأشخاص الأكثر نجاحًا ليسوا أبدًا الموهوبين، يُبيِّن نموذجهم أهمية الحظ، والذي كثيرًا ما يتم التقليل من شأنه، في تحديد المستوى النهائي للنجاح الفردي.
أشارت نتائج النموذج إلى أن وجود الموهبة هو شيء ضروري للنجاح في الحياة، لكن رغم ذلك لن يصل أبدًا الأشخاص الأكثر موهبة إلى أعلى مستويات النجاح، حيث يتفوق عليهم الأفراد المتوسطون والأكثر حظًا.
لا يستطيع معظم البشر فهم دور الحظ ويعتقدون بسذاجة بالغة بأن الموهبة ستنتصر دائمًا. الحقيقة هي أن الناس لديهم ميل دائم لبناء السيناريو وجعله يتناسب مع نموذجهم العقلي.
في هذا الصدد، تحدث المغالطات الفكرية نتيجة الإدراك المتأخر، حيث يبدأ معظمهم في ملاحظة النتائج الناجحة ويعتبرونها نتاجًا ضروريًا للعمل الجاد والموهبة، في حين أنها تحدث نتيجة سلسلة معقدة ومتشابكة من الخطوات، كل منها يعتمد على الخطوات السابقة.
من المغالطة الفكرية، على سبيل المثال، الادعاء بأن تطور هاري كين إلى أحد أفضل المهاجمين في اللعبة كان حتميًا نظرًا لموهبته. صحيح أن لديه قدرة غريزية على أن يكون في المكان المناسب وقوة إدراك للمواضع المختلفة، لكن كان عليه أيضًا أن يعمل أكثر لتحسين مهاراته التي كانت بحاجة إلى العمل من أجل أن يكون جيدًا بما يكفي للعب في مستوى أعلى. وبالتالي كان محظوظًا لأن تيم شيروود كان مديره الفني في توتنام.
قد لا ينظر معظم مشجعي توتنام إلى تلك الفترة بإعجاب شديد، لكنها كانت فترة حاسمة بالنسبة لكين. فجأة، ظهر مدير فني لم يكن فقط على استعداد لمنحه الفرص التي يحتاجها، بل كان صبورًا بما يكفي أيضًا لتركه في الميدان عندما كان يعاني في البداية.
في النهاية، تألق كين وتمت مكافأة شيروود على إيمانه الشديد به. هل كان سيحدث الشيء نفسه إذا لم يكن هناك تغيير في الجهاز الفني؟ كل شيء وارد ولكنه غير مرجح.
هناك حالات لا حصر لها وقد لعب الحظ دورًا كبيرًا فيها، خذ على سبيل المثال قصة رايس وهاب مبولحي واللحظات التي سبقت دعوته للمنتخب الجزائري.
فبعد أن سمع رئيس الاتحاد الجزائري عن تألق مبولحي رفقة سلافيا صوفيا البلغاري، اتصل بالسّفارة الجزائرية في بلغاريا وسأل عن حارس المرمي هناك، فما كان من مساعد السّفير عثمان حزاتي إلا أن اتصل برئيس النادي البلغاري، هذا الأخير وفّر 17 قرصًا مدمجًا وأرسلها على الفور إلى الجزائر، كلها مباريات يظهر فيها مبولحي بشكل رائع وثابت تحت خشبات المرمى.
وكي يتم الأمر بشكل أكثر احترافية، طلب الاتحاد الجزائري من مدرب حراس المنتخب السفر إلى صوفيا، للتحقّق من صحة ما رأوه، أخبروه أن يرى بعينيه بدلاً من مشاهدة مبولحي من خلال الفيديو.
كان يفترض أن يصل حسان بلحاجي لمشاهدة مبولحي في مباراة محلية تعد الاختبار الأخير لقدراته، في ذلك اللقاء كان مبولحي سيئًا جدًا، وقد استقبل في شباكه ثلاثة أهداف، لم يوفق في تدخلاته وكان قريبًا من استقبال أهداف أكثر، لكن من حسن حظّه أن مانعًا جعل مبعوث الاتحاد الجزائري لا يصل إلى بلغاريا، فلم يرَ ذلك الأداء، ومرّ كل شيء بسلام، وكَتب له أن يستعد للقدوم إلى معسكر المنتخب الجزائري.
هناك أيضًا قصة أخرى مشهورة، ليفربول ويورجن كلوب. كان موسمه الأخير في دورتموند كارثيًا وكان هناك الكثير من الادعاءات بأن هذا يرجع إلى السرعة التي أراد أن يلعب بها كرة القدم، الأمر الذي انتهى به إلى إرهاق اللاعبين.
كان الجميع يشاهد فقط من الخارج، لقد قيل أيضًا أن طريقته في اللعب تم اكتشافها وأن الفرق الأخرى عرفت كيف تواجه تكتيكاته.
لقد أراد ليفربول التحقق من الأمر قبل التعاقد معه لتولي تدريب الفريق لكنهم فعلوا ذلك من خلال النظر إلى الأرقام.
قبل عدة أشهر من مجيء كلوب إلى إنجلترا، كان ليفربول يقرر من الذي يجب أن يأتي خلفًا لمدربهم السابق، قدم أيان جراهام، مدير الأبحاث في النادي عرضًا رقميًا لكل محاولة تمريرة وتسديدة وتدخل من قبل لاعبي دورتموند خلال فترة تولي كلوب في نموذج رياضي كان قد أنشأه في وقت سابق.
في ذلك اليوم قام جراهام بتقييم كل مباراة من مباريات دورتموند بناءً على أداء اللاعبين. وقد كان الفارق مذهلاً. كان دورتموند قد احتل المركز السابع خلال موسم كلوب الأخير في النادي، لكن النموذج قرر أنه كان يجب أن يحتل المركز الثاني.
كان استنتاج جراهام أن ذلك الموسم المخيب للآمال لا علاقة له بكلوب، على الرغم من أن سمعته قد تضررت بسبب ذلك.
أظهرت الأرقام أن تلك الادعاءات التي ظهرت خلال موسمه الأخير كانت مجرد مغالطة فكرية. لم يكن هذا هو السبب الوحيد الذي دفع ليفربول للتعاقد مع كلوب، لكنه على الأقل أعطى درجة من الطمأنينة بشأن تعيينه.
يمكن أن تسمح الأرقام والبيانات الصحيحة للأندية بالاعتراف بدور الحظ وتحديده عند اتخاذ قرارات حاسمة.
لتوضيح الأمر أكثر علينا العودة إلى نادي نيوكاسل، قبل عدة سنوات عندما أصيب جونجو شيلفي ومومو ديام، بدا الأمر كما لو أن القدر يستهدف رافايل بينيتيز. أشار المدرب الإسباني قبل ذلك إلى ضرورة وجود مزيد من اللاعبين في الفريق لكن ذهب ذلك أدراج الرياح.
في النهاية، اضطر إلى الاعتماد على شون لونجستاف، البالغ من العمر 21 عامًا حينها وعديم الخبرة لملء الفراغ. والمثير للدهشة أن لونجستاف قدم أداءً كبيرًا، لديه رؤية ومهارات استثنائية في التمرير لم تساعد فقط ناديه لتعويض الغيابات، بل أدت إلى تحسن كبير في أداء الفريق.
بعد مشاهدة لونجستاف، من الواضح أنه كان مقدرًا له أن ينجح في المستويات العليا. ومع ذلك، فقد تطلب الأمر مرة أخرى ضربة حظ.
لقد حصل على الفرصة فقط بعد إصابة اثنين من زملائه. لم يتم استعداء لونجستاف من قِبَل المنتخب الإنجليزي أبدًا على مستوى الشباب، ربما كان سيخرج على سبيل الإعارة لو جلب نيوكاسل عددًا أكبر من اللاعبين كما أراد بينيتيز.
يمكن للأندية الكبيرة العمل ضد تأثير الحظ. أحد الأمثلة البسيطة يكمن في إعطائهم الفرصة للاعبين الشباب في الأكاديميات، هذا يقودنا إلى دائرة كاملة مع فكرة أن الأشخاص الجيدين بما فيه الكفاية سوف ينجحون في تحقيق ذلك.
في الواقع، وبدلاً من محاولة فهم دور الحظ وتقليله بقدر الإمكان، تقوم معظم أندية كرة القدم بتعزيزه عن طريق تفعيل خاصية المغالطة الفكرية.
قد لا يرغب الكثيرون في الاعتراف بذلك، لكن الحظ يلعب دورًا أساسيًا في كرة القدم.
في بعض الأحيان لا يوجد شيء يمكن فعله حيال ذلك، عارضة تمنع الكرة من دخول المرمى، إصابة لاعب مهم عشية مباراة حاسمة أو كرة تطير في الهواء بطريقة هزلية ثم تسكن الشباك. ولكن هناك العديد من الحالات الأخرى التي يمكن للأندية أن تفعل الكثير حيالها لتحاول التحكم في حظوظها. كل ما يحتاجون إليه فقط هو الإدراك المبكر.
إذا لم يكن هناك أحد ينظر، فقد تكون موهوبًا ولكن لن يعرف أحد كم أنت جيد.