تحقيق في الجول - حافلة السرعة التي أودت بأحلام الأبطال
الخميس، 26 أغسطس 2021 - 00:04
كتب : رضا السنباطي أحمد العريان
كثيرة هي حوادث الطرق في مصر، وقليلا ما نقف عند بعضها للتحقيق في إهمال وتردي بإمكانيات أدى لوقوعها.
مسافة 194 كيلو متر قطعها أبطالنا في 3 ساعات ونصف من دسوق إلى القاهرة وراء حلمهم الصغير، مشاركة محلية في بطولة من تنظيم مصري لكرة السرعة كخطوة في حلمهم الأكبر بأن يصبحوا نجوما عالميين، لكن انتظار تعامل طبي تأخر 6 ساعات كان كفيلا بفقدان الحلم للأبد.
قبل أيام قليلة وفي خضم اهتمام واسع بمنافسة ضارية بين الأهلي والزمالك على لقب الدوري، كانت منافسة أخرى على نطاق أقل بين شباب وشابات على بطولة صغيرة في لعبة لا تملك من الاهتمام الإعلامي نصيبا مما تملكه كرة القدم.
لعبة كرة السرعة. ولمن لا يعلم بها فهي لعبة من اختراع مصري لعام 1960. كرة تنس مربوطة بحبل نايلون في جهاز خاص بها، وتعتمد على سرعة ضربات الكرة.
24 لاعبا ولاعبة سافروا من دسوق إلى القاهرة، وتحديدا إلى مركز شباب حي الأسمرات، للمشاركة في بطولة محلية للعبة كرة السرعة.
سافروا وشاركوا في البطولة، وفي طريق العودة، تعرضت الحافلة لحادث سير بالاصطدام في حائط خرساني.
حادث خلف 11 إصابة قوية، ومنها البالغة. كسور وسحجات، والأصعب كان ما تعرض له ثلاث فتيات من بتر في أطرافهن.
قضية لم تجد اهتماما كافيا على موائد الإعلام، فقرر FilGoal.com التحقيق في تفاصيلها، أملا في تسليط الضوء على جانب أفقدنا مشاريع أبطال رياضيين مصريين.
الصورة من صحيفة الوطن المصرية.
حصلنا على شهادات الخبراء، ووثائق لما حدث، وقررنا سرد رواياتها لكم كما وردتنا.
وقع الحادث في تمام الساعة الثالثة فجر الأحد 22 أغسطس أمام مسجد قرية مسطاي بـ مركز قويسنا على طريق القاهرة-اسكندرية الزراعي.
وهنا كان السؤال الأول، لماذا يعود فريق رياضي في هذا التوقيت المتأخر من اليوم في طريق سفر؟
ردد البعض بأن مواعيد البطولة كانت متأخرة وبدأت في الواحدة فجرا، لكن الحقيقة ليست كذلك.
تواجد المستشار عمرو حسين رئيس اتحاد كرة السرعة في مكتب وزير الشباب والرياضة صباح اليوم الأربعاء لتقديم تقريره عن الحادث، وتبين فيه بأن آخر مباريات البطولة بدأت في التاسعة مساء السبت، أي أنها تنتهي في العاشرة مساء على الأكثر.
معلومة أكدها سامي أبو سعدة رئيس مجلس إدارة مركز شباب دسوق لـFilGoal.com: "نشارك في البطولة للعام الرابع على التوالي. الفريق خرج من مدينة الأسمرات الساعة 10:40 مساء، وكان يتبقي لهم مباراة تحديد المراكز ولكنهم قرروا الرحيل حتى لا يتأخروا في العودة".
وأضاف "الفريق تناول وجبة العشاء في الطريق، قبل التحرك في طريقهم إلى مدينة دسوق. وقع الحادث قرب مركز قويسنا في الساعة 3 صباحا، واتصلوا بي على الفور. سافرت إليهم ووصلنا في تمام الساعة السادسة صباحا".
_ _ _
المصابون وصلوا مستشفى بركة السبع في حوالي الساعة الرابعة فجرا حسب إبراهيم الأحمدي مدير مركز شباب دسوق، لكن الاهتمام بالمصابين لم يحدث سوى في التاسعة صباحا.
يقول الأحمدي لـFilGoal.com: "توجهنا لمستشفى بركة السبع في حوالي الرابعة صباحا، ولكن لم يكن في المستشفى إلا طبيبا واحدا".
وأضاف "تواصلنا مع الجميع حتى اهتم الكل بالحادث في التاسعة صباحا، والكل جاء وتواجد في المستشفي بداية من وزير الشباب والرياضة والمحافظ ووكيل الوزارة".
إبراهيم الأحمدي يشرح سبب الحادث قائلا "في منطقة آخر قويسنا وأول بركة السبع توجد منطقة إصلاحات، منها منطقة مرصوفة، ومنطقة منخفضة بحوالي ١٥ سم انزلقت منها الحافلة فانقلبت".
إسراء يحيى -أحد سكان مدينة بركة السبع- تواصلت معنا. أوضحت لنا بأن المسافة بين موقع الحادث ومستشفى بركة السبع حوالي ربع ساعة. تم التأكد أيضا من المسافة تقريبيا حسب Google Maps.
مستشفى بركة السبع تعاملت مع حالات الإصابة بشكل عاجل، لكن الحالات الحرجة كانت فوق استطاعة المستشفى للتعامل معها، وبالتالي تم تحويلها إلى مستشفى جامعة المنوفية.
FilGoal.com حصل على نسخة من التقرير الطبي للمصابين من مستشفى بركة السبع، والذي يقول التالي:
مستشفى بركة السبع استقبلت 11 شخصا مصابين بإصابات خطيرة في حادث على الطريق الزراعي.
-حسناء فريد الخولي -13 سنة- تعرضت لبتر بالذراع الأيمن.
-لميس ياسر البصطاوي -14 سنة- تعرضت لبتر بالذارع الأيمن.
-أسيل محمد أبو شلوع -16 سنة- تعرضت لبتر لأصابع باليد اليمنى.
-محمد سامح حمدي علام -14 سنة- تعرض لأثار ما بعد الارتجاج.
-روميساء محمد سويلم -14 سنة- وتعرضت لكسر مفتت بالذراع الأيمن، وجرح قطعي بالرأس 20 سم.
-محمد وائل عتماني -19 سنة- وتعرض لجرح قطعي بالوجه طوله 3 سم، واشتباه بكسر في الذراع الأيمن.
-إبراهيم محمد طيبة -30 سنة- تعرض لجرح قطعي في الوجه.
-يحيى أشرف سعودي -17 سنة- تعرض لجرح قطعي بالوجه، وسحجات بالذراعين.
-محمد صادق البصطاوي -22 سنة- تعرض لخلع بالكتف الأيسر.
ياسين صابر أبو طالب -11 سنة- تعرض لسحجات وكدمات.
-حنان خالد الخطيب -20 سنة- تعرضت لسحجات وكدمات.
أما مستشفى جامعة المنوفية، فأصدرت بيانا رسميا اليوم الأربعاء عن الحادث، وكيفية تعاملها مع المصابين، وجاء كالتالي:
في فجر يوم الأحد الموافق 22 أغسطس الجاري، وقع حادث تصادم على طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي بنطاق قرية مصطاي بمركز قويسنا محافظة المنوفية.
تم نقل المصابين إلى مستشفى بركة السبع المركزي وعمل الإسعافات الأولية لهم وتم تحويل الحالات التي تحتاج إلى جراحات متقدمة و تدخل طبي ذات مهارة إلى مستشفيات جامعة المنوفية وعددهم خمسة حالات مرضية (4 فتيات من أبطال لعبة كرة السرعة بالإضافة إلى أحد المشرفين عليهم).
تم دخول أول حالة إلي طوارئ مستشفيات جامعة المنوفية في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً، وتوالى دخول الحالات تباعاً حتى السابعة صباحاً.
وتم عمل الفحوصات الطبية الكاملة لهم من (تحاليل - سونار على البطن والحوض – أشعة عادية على الصدر و البطن و الحوض – أشعة مقطعية على المخ وعظام الجمجمة – أشعة عادية على الفقرات – دوبلكس على شرايين الطرفيين السفليين و الطرف العلوي الأيسر – أشعة عادية على العظام بمختلف أنحاء الجسم حسب إصابة كل حالة).
وبمناظرة الحالات وتشخيصها للوصول للإجراء الطبي الذى تم إتخاذه مع كل حالة بواسطة فريق متكامل من أساتذة وإستشاريين بكلية الطب ومستشفيات جامعة المنوفية في تخصصات (الجراحة العامة – جراحة الأوعية الدموية – جراحة التجميل – جراحة المخ والأعصاب – جراحة العظام – جراحة القلب والصدر – جراحة الأنف والأذن والحنجرة – التخدير- وحدة الطوارئ والحالات الحرجة)، تبين وجود إصابات مختلفة عبارة عن جرح هرسي متهتك بالطرف العلوي لجميع الحالات، وتبين أن الأطراف حالتها سيئة ومنها ما كان شبه مبتور فعليا.
وتنوعت باقي الإصابات ما بين كسر منخسف بعظام الجمجمة وجرح هرسي وتهتك وفقد بفروة الرأس، وتجمع دموي ضئيل بالبطن، وأيضاً جرح متهتك بالأذن اليسرى وكسر بعظام الفخذ الأيسر.
بعد قرار اللجنة الطبية من الأساتذة والإستشاريين بعد مناظرة الحالات إكلينيكياً والإطلاع على كافة الفحصوات الطبية التى تم إجراءاها في تمام الساعة الثامنة صباحاً تم شرح الحالة الطبية لأهل كل مريضة على حدة والإجراء الطبي الذي سيتم إتخاذه حيال الإصابات المتعددة لكل حالة، ووفقاً لقانون المهن الطبية يستوجب توقيع أقارب المريض من الدرجة الأولي على موافقة طبية بعد شرح حالة المريض و خطورة ومضاعفات العملية الجراحية كما هو متبع في كافة المنشآت الطبية.
بناء على التقريرين، توصلنا إلى أن الحادث وقع في الثالثة فجرا. وصل المصابون إلى مستشفى بركة السبع التي تبعد ربع ساعة فقط عن موقع الحادث في الرابعة فجرا. أي بعد ساعة من وقوع الحادث.
بعد التعامل قدر المستطاع من قبل مستشفى بركة السبع، تم تحويل الحالات الخطرة إلى مستشفى الجامعة، والتي دخلت فيها الحالات إلى الطوارئ في تمام الساعة السادسة والنصف صباحا حسب البيان الرسمي من المستشفى، وتوالى دخول الحالات تباعا حتى السابعة صباحا.
مع دخول الحالات إلى مستشفى جامعة المنوفية، كانت الأطراف حالتها سيئة ومنها ما كان شبه مبتور فعليا حسب بيان المستشفى الرسمي.
السؤال الثاني الذي بدر إلى ذهننا كان كالتالي: هل كان التأخير في التعامل الطبي سببا في عمليات البتر؟
FilGoal.com توجه لسؤال أحد الخبراء الطبيين، وهو محمد أبو العلا طبيب منتخب مصر لكرة القدم.
وهنا صرح محمد أبو العلا لـFilGoal.com: "أولا، علينا التنبيه بأن هذه النوعية من الحوادث هي الأصعب على أي طاقم طبي. طواريء المستشفيات تكون جاهزة لاستقبال حوادث الطرق، لكن حين يكون الحادث من نوعية انقلاب حافلة، أو حوادث القطارات مثلا التي يكون ضحاياها بأعداد كبيرة، فيجب أن يتوافر في المستشفى أدوات أخرى للتعامل مع المصابين".
وأضاف "لماذا تم نقل المصابين إلى مستشفى غير مجهز لاستقبال هذا الكم من المصابين في وقت واحد؟ كان يفترض أن يتم نقلهم إلى مستشفى جاهز فورا، لكن بالتأكيد ربما لم تتواجد مستشفيات أخرى في هذا النطاق".
بالرجوع إلى Google Maps سيتضح بأن أقرب مستشفى إلى موقع الحادث هو مستشفى بركة السبع على بعد ربع ساعة، في حين أن مستشفى الجامعة بـ شبين الكوم تبعد نصف ساعة عن مستشفى بركة السبع.
مع الوضع في الاعتبار بأن الحادث وقع على الطريق في اتجاه مستشفى بركة السبع، الاقرب لموقع الحادث، ومستشفى الجامعة المجهزة بشكل أكبر هي الأبعد، بالتالي كانت مستشفى بركة السبع أقرب في اتجاه سير الطريق.
طبيب منتخب مصر أوضح "مكان مجهز يعني تواجد فريق كامل من أطباء الطواريء للتخدير، والممرضين، والجراحين، وغيرهم".
أبو العلا أكمل "بخصوص حالات البتر، فبشكل عام ومن المتعارف عليه طبيا فإن التأخير مع إصابات الأوعية الدموية يقلل من فرص النجاح فيها".
وأوضح مجددا "تأخير 6 ساعات في التعامل مع إصابات الأوعية الدموية يعني تقليل فرص نجاة الطرف المصاب طبعا، وزيادة احتمالية البتر".
أبو العلا استمر "في مصر، نلجأ بشكل عام كثيرا إلى عمليات البتر بسبب قلة التجهيزات، رغم أن العالم في الخارج يستبعد البتر ولا يلجأ له إلا إذا فشلت كل المحاولات".
طبيب المنتخب تابع "قلة التجهيزات هنا لا تعني قلة الكفاءات الطبية أو عدم توافر الأدوات الطبية، لكن في حوادث كتلك بسبب قلة العناصر البشرية بين الأطباء، أحيانا يلجأون لبتر أطراف سريعا حتى لا يضطروا إلى بتر أجزاء أكبر إذا تأخروا في العلاج".
وأتم "إن كان طبيبا واحدا في المستشفى كان المتواجد في هذا التوقيت وتعامل مع تلك الحالات، فحقيقة هو بطل لما فعله".
إسراء يحيى –أحد سكان مدينة بركة السبع- روت شهادتها لنا، فقالت لـFilGoal.com: "مثل تلك الحوادث تتكرر كثيرا هنا، وكان أحيانا تتسبب في وفيات. تصل الحالات إلى المستشفى ويتم التعامل وفقا للمتاح، وأحيانا ترفض المستشفى استقبالها لسوء الحالات وتحولهم إلى مستشفى الجامعة بـ شبين الكوم".
وأضافت "تلك المنطقة تشهد إصلاحات لتوسعة الطريق، وتشهد العديد من الحوادث، بعضها أدى إلى وفيات".
ما بعد البتر
الآن وقع البتر، وسيضطر بعض أبطالنا الصغار لاستكمال حياتهم بتلك الحالة.
لكن فرصة تعويضهم مازالت قائمة بما لن يعوضهم أبدا عن فقدان أطرافهم، ولكن قد يساعدهم قليلا.
نعود لـ سامي أبو سعدة رئيس مجلس إدارة مركز شباب دسوق، والذي يقول لـFilGoal.com: "حالات البتر ستحتاج لأطراف صناعية، والوزير يهتم بأبناءه. نتمنى مساندتنا نفسيا ومعنويا ومساندة الدولة لـ هؤلاء اللاعبين".
حسب صحيفة "الأهرام"،فإن أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة صرح بأن " مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وجه بقيام الوزارة بصرف معاش شهري دائم لأعضاء فريق كرة السرعة بمركز شباب دسوق ممن تعرضوا لإعاقات مستديمة نجمت عن الحادث الأليم واعتبارهم بذلك أبطالاً رياضيين أسوة بالأبطال الأولمبيين، بالإضافة إلى متابعة جميع الاحتياجات الخاصة بأعضاء الفريق ممن تعرضوا لإصابات مختلفة إلى حين استقرار حالتهم الصحية وتماثلهم للشفاء بشكل كامل". (طالع التصريحات من مصدرها في صحيفة الأهرام).
السؤال الأخير للبحث عن أطراف الإهمال كان بخصوص السائق، والذي علمنا بأنه رهن التحقيقات حاليا.
أبو سعدة قال لـFilGoal.com: "الحادث قيد تحقيق النيابة حتى نعرف أسباب التقصير، والأسباب غير معلومة، ربما إصلاحات في الطريق تسببت في الحادث".
أما إبراهيم الأحمدي مدير المركز فقال لنا: "السائق حاليا قيد تحقيق النيابة. هو يعمل معنا منذ فترة طويلة ونثق في قيادته".
صحيفة اليوم السابع المصرية نشرت تقريرا بتاريخ 30 أكتوبر 2020 يفيد بـ انخفاض أعداد الوفيات المرتبطة بحوادث الطرق والكباري، لتصبح 7 آلاف حالة وفاة في 2020 مقارنة بـ 12 ألفًا في 2019 كثمرة لجهود الدولة في المشروع القومي لتطوير الطرق بـ مصر.
رقم مبشر مازلنا نأمل تحسينه أكثر وأكثر وصولا إلى مرحلة نأمل بلوغها قريبا، تكون فيها تلك الحوادث هي الاستثناء القدري، وليست بسبب ظروف من قلة الموارد والبنية التحتية التي إذا تواجدت في أي مكان، فنتيجتها الطبيعية هي حوادث من نفس النوع.
شكر خاص لـ إسراء يحيى من سكان مدينة بركة السبع على إسهامها في التحقيق.