كتب : أحمد أباظة
صاعقة وقعت على رأس العالم الكروي قبل قليل، بيان مقتضب من برشلونة يحمل أسوأ كلمات يمكنها الوقوع على أسماع مشجعيه: "ليونيل ميسي لن يستمر".
وقع هذا النبأ هذه المرة أسوأ كثيراً من زلزال أغسطس 2020 حين أرسل "البوروفاكس" الشهير لإدارة النادي مطالباً بفسخ العقد، ففي نهاية المطاف كان هناك الكثير من الخطوات المتبقية قبل الخروج، وبرشلونة كان بالفعل في أسوأ وضع ممكن بعد ثمانية بايرن ميونيخ في دوري أبطال أوروبا.
الوضع الاقتصادي هو كارثة متكاملة الأركان، لم تعُد هذه الحقيقة مختبئة بعد صعود الجائحة بها إلى العلن.
برشلونة يدفع ثمن كل كوارث إدارة جوسيب ماريا بارتوميو دفعة واحدة، وصولاً إلى استقالته مرغماً في أكتوبر الماضي.
كل ذلك وموقف ميسي ليس واضحاً، لقد قرر البقاء حتى لا يخوض صراعاً قانونياً ضد النادي على أن يرحل في العام التالي، هو بحاجة لمشروع بعد أن أنهكه اعتباره كبش فداء كل خطايا تلك الإدارة السابقة، وهنا برز خوان لابورتا، الرجل الذي كان هنا حين تم تصعيده للفريق الأول عام 2004.
تمت الانتخابات في مارس وأسفرت عن فوز لابورتا، الرجل الذي راهن الجميع عليه وعلى علاقته الجيدة بالنجم الأرجنتيني، ومع اقتراب الموسم من نهايته، بات هناك شعوراً أقرب لليقين بأن ميسي سيجدد عقده في النهاية، سيعتزل في كامب نو كما يجب لتلك القصة الأسطورية أن ترى نهايتها.
كل الأنباء تسير في اتجاه واحد مع اقتراب الثلاثين من يونيو، ميسي مستعد للبقاء ولكن المشكلة في أزمة النادي مع فاتورة رواتبه الكارثية.
برشلونة بحاجة لبيع فلان وفلان وإعارة فلان وفسخ عقد فلان حتى يتمكن من تسجيل عقد ميسي الجديد، كل شيء سيتم بنهاية كوبا أمريكا.
بالفعل تنتهي الكوبا ويحقق ميسي حلمه المتبقي لتبدأ المفاوضات في صورة جادة، وبالفعل، أغلب المصادر المعنية أجمعت بالأمس على أن هناك اتفاق تام بأصغر تفاصيله، هناك عقد جاهز لوضع القلم عليه ويستمر ميسي في كتالونيا حتى يقارب سن الأربعين، فاللاعب تنازل بالفعل عن قرابة نصف راتبه السابق، ما الذي ينقص الآن؟
الصندوق المُخلِّص
ما كان ينقص حقاً هو متابعة سير الأخبار في الإعلام الأوروبي وطريقة توجيهها أحياناً، فبالتزامن مع أنباء التوصل لاتفاق، خرجت أنباء أخرى تؤكد أن هناك ما يمكنه حل عقبة التسجيل أيضاً، وهو مشروع صندوق استثمار CVC الذي ظهر في هذه الليلة أخيراً، ظهور شاهد النفي قبل نطق حكم الإعدام على البطل.
رابطة الليجا التي عرفت جيداً أن تسويق هذا المشروع بحد ذاته لدى الأندية وخصوصاً القطبين المتحدين مؤقتاً برشلونة وريال مدريد لن تنجح، ولهذا ألبسته رداء "المشروع الذي سيسمح لبرشلونة بتسجيل عقد ميسي" لبيعه في كتالونيا، ثم "المشروع الذي سيوفر لريال مدريد السيولة الكافية للتعاقد مع مبابي" ليلقى رواجاً في العاصمة.
كل ما عرفناه هو أن المشروع سيضخ 2.7 مليار يورو في الليجا، وأن برشلونة سيتلقى 270 مليون يورو تحقق كل أحلامه في هذا الوقت العصيب، ولكن ما المقابل؟ بالضبط.. هذا ليس نشاطاً خيرياً، بل اتفاق يصادر قرابة 11% من حقوق الأندية السمعية والبصرية لمدة 50 عاماً بحسب وصف بيان ريال مدريد الرافض لهذه المهزلة.
من يبيع شيئاً لمدة 50 عاماً أصلاً؟ من يضمن ثبات أي شيء على حاله لنصف قرن من الزمان؟ من يضمن أن القيمة لن ترتفع أو تنخفض أو حتى تندثر؟ وكل ذلك مقابل حزمة إنقاذ؟
ما فعلته رابطة الليجا لمحاولة إثناء الناديين عن مشروع دوري السوبر الأوروبي وإثبات أنها تحاول العمل لإنقاذ هذه الأندية من الإفلاس، كان محاولة إجبارها على بيع المستقبل لأجل الحاضر، فميسي لن يعيش هذه الأعوام الخمسين، ولا مبابي.
هذا تحديداً هو سر التضامن المفاجئ بين أكبر غريمين في إسبانيا، ليس الروح الرياضية، وليس صداقة خوان لابورتا وفلورنتينو بيريز مثلاً، بل حقيقة أن السفينة توشك على الغرق، وكلاهما يدرك جيداً هذه الحقيقة.
المناورة الأخيرة
ما يحدث الآن هو صراع تحديد المصائر، وليونيل ميسي نفسه بكل حجمه وقيمته بات ورقة من أوراق هذا الصراع، صحيح أنه الورقة الأكبر، وعلى الأرجح، سيكون الورقة الحاسمة.
كل التقارير تؤكد الأمر ذاته، ميسي كان في طريقه اليوم إلى برشلونة للتوقيع، كل شيء كان قد حُسم بالفعل قبل أن تضرب الصاعقة، والآن كل شيء يؤكد أن كل شيء قد انتهى، كل شيء عدا بيان برشلونة الذي أطلق هذه الصاعقة من الأساس.
"على الرغم من وصول برشلونة وليونيل ميسي لاتفاق، ورغم نواياهما الواضحة بشأن توقيع عقد جديد اليوم، هذا لا يمكنه الحدوث بسبب قواعد الليجا في تسجيل اللاعبين".
تبقى مجرد نظرية في نهاية المطاف، ولكن هذا لم يُكتب عبثاً، ولم يكُن مجرد إخلاء طرف. لم يكُن مجرد محاولة من الإدارة للتملص من مسؤولية الفشل في ضمان بقاء ميسي مع برشلونة، بل اتهام واضح وصريح للطرف المسؤول، بالتزامن مع رفض برشلونة لصفقة الصندوق.
بكلمات أخرى، رابطة الليجا وضعت إدارة برشلونة في الزاوية، إما قبول المشروع وإما لن يتم تسجيل ميسي، وبما أن الإدارة رفضت الخيار الأول، فهي حاليا تتظاهر بالرضوخ للخيار الثاني، ملقية بالضغط على رابطة الليجا، ومحملة إياها مسؤولية خسارة قيمة تسويقية بحجم ميسي.
خافيير تيباس رئيس الرابطة لا يزال في برجه العاجي طوال العام، يتحدث عن خسارة الليجا لنيمار ثم رونالدو وقدرتها على تحمل خسارة ميسي أيضاً، واثق الخطى يمشي ملكاً كون حقوق البث مباعة مسبقاً، ولكن ماذا بعد؟
هل ستسوق هذا الدوري لاحقاً بفينيسيوس جونيور؟ هل تراهن على معجزة مستقبلية؟ ماذا ستفعل لو كانت خطوة ميسي القادمة هي البريميرليج وليس باريس سان جيرمان؟ كلها أسئلة يجب على تيباس أن يجيبها قبل أن يمضي قدماً في تعنته.
لويس كاراسكو مدير حملة لابورتا الانتخابية قال كلمات مقتضبة للغاية ولكن ربما تعبر أكثر من كل ما سبق: "لقد انتهى الأمر جدياً، ولكن الموعد النهائي لتسجيل اللاعبين هو 2 سبتمبر وليس 5 أغسطس".. وحتى يأتي الثاني من سبتمبر أو حتى نرى ميسي في قميصه الجديد أيهما أقرب، هذه اللعبة لم تبلغ نهايتها بعد.