أولمبياد ميونيخ سنة 1972 كانت رمزية للغاية.
حاولت ألمانيا في تلك النسخة أن تمسح جزءا من تاريخها الدموي في الحرب العالمية الثانية، والبروباجندا النازية التي لطخت أولمبياد برلين عام 1936.
منظمو الدورة أسموها "الأولمبياد المبتسمة" و"دورة السلام والفرح"، ولكن 24 ساعة و9 دقائق من توقف الألعاب، قتلت تلك الفكرة تماما.
لم تنضم فلسطين للحركة الأولمبية إلا في عام 1996، ولكن قبل ذلك التاريخ بـ24 عاما، شارك وفد فلسطيني غير رياضي في أولمبياد ميونيخ.
مجموعة من 8 أفراد من منظمة أيلول الأسود الفلسطينية، دخلت القرية الأولمبية في فجر يوم 4 سبتمبر 1972 واستطاعت أن تصل للبناية 31 في شارع كونوليشتراسه، التي سكن فيها الوفد الإسرائيلي المشارك في الأولمبياد، والذي تقسم على 5 شقق في البناية.
مجموعة أيلول الأسود نجحت في احتجاز 10 رياضيين إسرائيليين، كان من ضمنهم الرباع يوسيف رومانو اللي تعرض لطلق ناري ومات مع بداية المواجهات.
دقائق قليلة بعد الخامسة من فجر نفس اليوم، قدمت المجموعة طلباتها، وهي الإفراج عن 234 أسيرا فلسطينيا في السجون الإسرائيلية مقابل ترك الرياضيين، ومنحوا مهلة حتى التاسعة صباحا لتحقيق مطالبهم.
رفضت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية فكرة التفاوض، مبررة ذلك بأن أي إسرائيلي سيكون مُعرض لأفعال مشابهة في أي وقت.
بعد ساعة واحدة من إعلان مجموعة أيلول الأسود لمطالبها، تم إبلاغ رئيس اللجنة الأولمبية، الأمريكي أفري برونديج بالوضع.
قرار برونديج كان غريب في وقتها، لأنه قرر استمرار منافسات اليوم دون توقف، وقال: "الألعاب يجب أن تستمر تحت أي ظرف".
مجموعة من الرياضيين تركوا القرية الأولمبية وعادوا لبلادهم بعدما عرفوا بالأحداث، وفي المقابل، رفضت المجموعة الفلسطينية كل عروض التفاوض بعيدا عن تحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، ولكنهم وافقوا على مد المهلة إلى الخامسة ظهرا.
بحسب عبد العزيز الشافعي رئيس بعثة مصر في أولمبياد ميونيخ في حواره مع جريدة الشروق، فقد كان له دور في مد المهلة.
وسرد الشافعي أنه تدخل مع مع رؤساء البعثات العربية، الذين تم استدعاؤهم للجنة المنظمة، وكان في انتظارهم وزير الداخلية الألماني الذي أبلغهم بالموقف الحالي.
الشافعي قال "ذهبت أنا و5 من رؤساء البعثات العربية إلى مقر البعثة الإسرائيلية، وتحدثنا مع الفلسطينيين، قالوا إن الغرض من العمل الذى قاموا به هو توجيه رسالة إلى الرأي العام العالمي، بأن هناك قضية فلسطينية وشعب فلسطيني مشرد، وإنهم لم يريدوا قتل أحد، ويعتذرون عن مقتل الاثنين الإسرائيليين في العملية".
رئيس البعثة المصرية بحسب وصفه قدر الموقف، وقرر عودة البعثة إلى مصر، لكن كانت هناك مشكلة كبيرة.
الشافعي لم يقدر على الاتصال بالمسؤولين في مصر، خاصة وأنه لم يكن هناك علاقات دبلوماسية مع ألمانيا في ذلك التوقيت.
الشافعي بحسب روايته تواصل مع مكتب جامعة الدول العربية في مدينة بون، واستطاع أن يدبر رحلة لرجوع البعثة المصرية، وعندما سؤل عن قراره قال:"أنا رئيس البعثة يعني أنا المسئول عن أمنها وسلامتها".
بعيدا عن بعثة مصر وفي الساعة 3:51 من ظهر يوم 5 سبتمبر، قررت اللجنة الأولمبية أخيرا إيقاف الألعاب، في وقت بحثت فيه الشرطة الألمانية كل الحلول لتحرير الرياضيين الإسرائيليين.
آخر حل لجأوا له، كان اقتحام العمارة وتحرير الرياضيين الإسرائيليين، لكن نقل كل تحركاتهم على الهواء مباشرة على التلفزيون جعل المجموعة الفلسطينية تعرف تحركهم، وفشلت الخطة.
قبل أن تدق الساعة معلنة نهاية المهلة، طلبت مجموعة أيلول الأسود أن يتم نقلهم مع الرياضيين الإسرائيليين لمصر، وفعلا تم نقلهم لقاعدة فورستن فيلد بروك الجوية ووضعهم في طائرتين هليكوبتر، ولكن خطة الشرطة الألمانية كانت تحرير الرياضيين في القاعدة الجوية.
التحرك للقاعدة الجوية بدأ في العاشرة مساء، لكن الخطة الألمانية فشلت تماما، لتبدأ معركة فوضوية بمعنى الكلمة بالأسلحة النارية، أصيب فيها اتنين من مجموعة أيلول الأسود، ومات فيها رجل شرطة ألماني.
الجزء الثاني من خطة الشرطة الألمانية كانت تحرير الرياضيين الإسرائيليين باستخدام العربيات المصفحة، لكن الزحام المروري الذي حدث بعد أن عرف الناس بالمعركة المندلعة في القاعدة الجوية، منعهم من الوصول في الميعاد المحدد.
لمدة ساعة، توقف ضرب النار، ولكن بعد 4 دقائق من بداية اليوم الجديد، رمى أحد أعضاء أيلول الأسود قنبلة على طائرة هليكوبتر من التي جلس فيها الرياضيين الإسرائيليين ليقتل تلاتة منهم.
في نفس الوقت فتح عضو آخر من المجموعة النار على الهليكوبتر الأخرى ليقتل خمسة رياضيين إسرائيليين آخرين، والسادس مات من الاختناق بالدخان.
معركة نارية أخرى بدأت، نجا فيها 3 من أعضاء أيلول الأسود واستطاعوا أن يهربوا.
متحدث رسمي من الحكومة الألمانية أعلن بعدها إن العملية نجحت والرهائن تم تحريرهم، ولكن بعد ساعات قليلة عرف العالم حقيقة ما حدث، واعترف رئيس شرطة ميونيخ مانفريد شرايبر بفشل المهمة.
في صباح 6 سبتمبر، عقدت اللجنة الأولمبية الدولية فعالية في الاستاد الأولمبي قالت فيها إن الحركة الأولمبية أقوى من العنف، وأعلنت استمرار الألعاب بعد 24 ساعة و9 دقائق من التوقف.