كتب : عمر مختار
لطالما كان عالم كرة القدم ساحة للعديد من إكسسوارات الموضة، كان هناك الياقة المرتفعة، كما كان يرتديها إريك كانتونا؛ التقليد الأنيق المفضل لدى تييري هنري، وهو سحب الجوارب فوق كل ركبة، الحذاء الأبيض الذي كان يرتديه ديفيد بيكام وفي الآونة الأخيرة والأكثر انتشارا، الأوشام.
هذه الاتجاهات المتنوعة جذبت ملايين اللاعبين حول العالم، سواء كانوا من النخبة المحترفين أو الهواة المتواضعين، لكن إكسسوار الموضة الذي أذهلني أكثر هو تلك القدم الذهبية التي يتخللها سائل زئبقي مع تسريحة شعر أنيقة؛ ولهذا أود أن أشكر جاك.
جريليش، جريليش، جريليش
حتى اسمه، عند تكراره، له تأثير التنويم المغناطيسي، المراوغة الهادئة التي أدت إلى سقوط العديد من المنافسين، إنه لأمر غريب بعض الشئ أن أتذكر ذلك، لكن كان هناك وقت لم أكن أعرف فيه حقا ما فعله جريليش على أرض الملعب، حسنا، لقد نجح في تنويم خصمه ومر مثل الزئبق، تلك المهارة الإستثنائية في كرة القدم والتي لا يجرؤ لاعبو الوسط العصريون على استخدامها دون التفكير فيه.
نعم؛ تماما كما غنت فيروز "رجعت الشتوية"، فإن جريليش يُعيد الزمان، لقد استغرقت كرة القدم الإنجليزية بعض الوقت لتواكب العصر، نظرا لأن اللعبة كانت مهووسة تقليديا برمي الكرات الطويلة للأمام. في الثمانينيات، كان الجميع يسخر من راي ويلكنز بإعتباره سلطعونا يريد الاحتفاظ بالكرة، لكن فقط عندما وصل كلود ماكيليلي إلى شواطئ المملكة بدأوا حقا في تقدير فضيلة شخص كانت مهارته الأساسية هي الاحتفاظ بالكرة.
بعد كل شيء، كنت دائما أكن احتراما كبيرا للاعبين في هذا الدور، سيسك فابريجاس في آرسنال، لوكا مودريتش في توتنام، لكن في كلتا الحالتين لم أتمكن من مشاهدتهما أسبوعا بعد أسبوع ؛ وجاءت مسيرتهم المهنية قبل انتشار إحصائيات كرة القدم التي من شأنها أن تلقي الضوء على مدى هيمنتهم.
لقد تغير ذلك منذ فترة طويلة، بدا أن جريليش كان يلعب الغميضة بالكرة، يسير بالكرة من اليسار إلى اليمين ويعود بها لسحب المدافعين لجعل زملائه في وضع افضل، يمتلك جريليش موهبة فطرية تتعلق بإتصال قدمه بالكرة في المواقف الصعبة، بينما يعطي المدافعين محفزا سريعا لإغرائهم بالتدخل.
من بين اللاعبين الذين شاركوا في أكثر من 20 مباراة في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبري، فإن جريليش هو اللاعب الأكثر تعرضا للخطأ بواقع 4.5 خطأ لكل 90 دقيقة، ومن بين جميع لاعبي المنتخب الإنجليزي في يورو 2020، فقط هاري كين تعرض للخطأ مرات أكثر من جريليش بواقع 11 خطأ بينما كان نصيب جريليش 9.
لكن ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للإعجاب في جريليش هو تمريراته المفتاحية، فعلى الرغم من غيابه عن الملاعب بسبب الإصابة حيث شارك في 26 مباراة فقط، إلا أنه قام بـ 81 تمريرة مفتاحية خلال موسم 2020-2021 ليحتل المركز الثامن في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبري خلف زميله ماسون ماونت حيث جلس خلفه ب7 تمريرات بعد أن لعب 10 مباريات أقل.
من ناحية أخرى احتل المرتبة الـ 17 في ترتيب اللاعبين الأكثر قياما بالتمريرات الحاسمة في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبري بـ 10 تمريرات، فقط هاري كين وجادون سانشو في قائمة المنتخب الإنجليزي استطاعا القيام بتمريرات أكثر.
وخلال يورو 2020، شارك جريليش في 4 مباريات (154 دقيقة) حتي الآن، وقدم تمريرتين حاسمتين، دخل كبديل أمام ألمانيا في الدقيقة 69 وبدأ كلا هدفي الإنجليز. وكذلك مرة أخرى أمام الدنمارك في الدقيقة 69 حيث اجبر الدنماركيين على التفكير مليا قبل القيام بالهجوم من خلال ظهوره اللافت للنظر، كما أثبت أيضا أن مزاجيته التي يتم التشكيك فيها بإستمرار تناسب منتخب بلاده بشكل جيد للغاية.
في كل مرة يخطو فيها جريليش إلى أرض الملعب فإنه يجذب خصمه نحو ارتكاب الخطأ، إنها سمة من سماته الأساسية، أحد تلك الأشياء التي يدركها المدافعون ورغم ذلك لا يمكنهم التوقف عن عرقلته. فكر في حركة دينيس بيركامب عند لمسه للكرة أو أليساندرو ديلبييرو عندما يفتح جسده لأعلى ثم يضع الكرة في أقصى اليمين، الأخطاء المرتكبة أمام جريليش مضمونة.
إنه سلاح ساوثجيت السري لتخفيف الضغط، جريليش بارع في استلام الكرة، سواء عند الدوران أو مواجهة المرمى، قبل قيادة الفريق نحو الثلث الأخير، لديه قدرة غير عادية على إسقاط كتفه ثم اسقاط خصمه وفتح العديد من زاويا التمرير أمامه.
كان جريليش تلميذا في مدرسة القديس بطرس الكاثوليكية في سوليهول وكان واضحا منذ أن بدأ في عام 2007 أنه سيكون نجما.
يقول توم سيكل، مدرس التربية البدنية السابق والذي شاهد جريليش ينمو كلاعب شاب: "عندما كان في المدرسة، كان هناك قدر محدود من التدريب الذي يمكننا القيام به مع جاك. في فيلا ومنذ أن كان في السادسة من عمره، كان يُظهر بالفعل الكثير من المواهب".
إنه روح متحررة ويفعل دائما ما يريد أن يفعله، إذا حاولت جعله يلعب بطريقة معينة، فلا أعتقد أنك ستحصل على أفضل النتائج منه".
ويكمل سيكل البالغ من العمر 55 عاما: "لقد جاء جاك كطالب في الصف السابع في عام 2007، وقد سمعنا بالفعل حينها أننا حصلنا على لاعب كرة قدم موهوب للغاية. كنا نعلم أننا أمام شخص مميز وأصبح ذلك واضحا في وقت مبكر".
حتى في ذلك الوقت كان يتعرض للكثير من الأخطاء لأنه كان أسرع بكثير بقدميه من الآخرين. كان يجذب خصومه حوله ثم يمر منهم بسهولة. اعتاد على التعرض للكثير من التدخلات".
تقدم جريليش بالكرة 5805 ياردة أثناء استحواذه على الكرة سواء مع ناديه أستون فيلا أو منتخب بلاده إنجلترا، بينما حصل على سادس أعلى مسافة حمل للكرة بـ 12.59 ياردة لكل 90 دقيقة.
يلعب جريليش الكرة بسرعة إلى الأمام فقط عندما يكون ذلك ضروريا تماما، ولديه اقتصاد في الحركة ظل بعيدا عن عيني لسنوات عديدة، يوجد مقطع فيديو على YouTubeحصد أكثر من 450,000 مشاهدة ؛ يسمي " Jack Grealish Just Plays Beautiful Football" إنه عرض مسرحي لأداء جريليش، يتلقى الكرة في وضع جانبي، مما يمنحه رؤية كاملة ليس فقط للملعب الذي أمامه ولكن أفضل رؤية محيطية ممكنة لأولئك الذين يحاولون أخذها منه، يستدير مرارا وتكرارا بعيدا بحدة عن مطارده لدرجة أنك تخشى أن يكسر كاحليه قبل أن يمر بهدوء في المساحة التي تركها للتو.
بالطبع، بعد العروض التي قدمها رفقة أستون فيلا الموسم الماضي والمنتخب الإنجليزي في اليورو، أصبح جريليش الآن رائجا تماما، آخر علامة على أنه أصبح سائدا حقا هي رفع قيمته التسويقية إلى 100 مليون جنيه استيرليني.
إن تقديري لما يفعله جريليش تطلب منهجا مختلفا في مشاهدتي للعبة، مع مراعاة اجيال تم تربيتها على الركل والاندفاع، في ثقافة كرة القدم حيث كان وضع القدم على الكرة خيانة لقانون الإيقاع العالي للعبة الإنجليزية، استغرق الأمر وقتا طويلا بالنسبة لي لمنح جريليش حقه في لعبة تتأرجح فيها الأزياء بشكل متكرر، لذلك أود أن أشكره على طعم كرة القدم الذي وعلى الرغم من طول فترة اكتسابه، لن يضيع بسبب نزوة.
المصادر :