كتب : FilGoal
بين الدول والمنتخبات قصص كثيرة للكراهية، قد تكون الكراهية على الصعيد الكروي ولكن السلام يعم علاقة الدولتين، وقد يكون العكس، أما في حالة فرنسا وألمانيا فالكراهية هنا وهنا.
تتجدد المواجهة بين فرنسا وألمانيا في يورو 2020 يوم الثلاثاء المقبل في افتتاح مباريات الفريقين بمرحلة المجموعات.
حكاية العداوة التاريخية بين الدولتين بدأت منذ قديم الأزل وتحديدا في القرن الـ16 وأصبحت شائعة في الحرب الفرنسية البروسية أو (الحرب الفرنسية الألمانية) 1870-1871.
بعد عدة خلافات أذلت فرنسا ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ثم أخضعت ألمانيا فرنسا في الحرب العالمية الثانية ولم تدمرها، وبعدما ولى زمان أدولف هتلر وغرقت ألمانيا أراد العالم مد يد العون للألمان، خاصة من خلال فرنسا.
حلم البلدان بوحدة أوروبا حتى لا يذل أحدهما الآخر بعد ذلك، زرعت فرنسا وألمانيا بذور الاتحاد الأوروبي، وأسسا معا الاتحاد النقدي والسوق المشتركة ثم أطلقا معا اليورو، لتطوى إلى الأبد صفحة الحروب في أوروبا.
على الصعيد الكروي
معظم المواجهات بين ألمانيا وفرنسا شهدت أحداثا ساخنة لكن الأسخن بلا شك كانت المواجهة التاريخية في نصف نهائي مونديال 1982.
قبل خوض هذه المواجهة الملتهبة بعامين حل منتخب فرنسا ضيفا على ألمانيا في مباراة ودية وعندما سأل أحد الصحفيين ميشيل بلاتيني "كيف تستعدون للمباراة" أجاب بقوله "أنا جنرال ومعي قوات وسنحرق كل من يواجهنا"، لكن الديك سقط صريعا أمام الألمان بنتيجة 1-4.
في مباراة مونديال 1982 ارتكب هيرالد شوماخر حارس المنتخب الألماني جريمة كروية في الملعب وفلت من العقاب، فقد كان باتريك باتسيتون لاعب المنتخب الفرنسي يركض نحو المرمى الألماني ويحاول اللحاق بتمريرة ميشيل بلاتيني المبهرة والتي خرج شوماخر لإنقاذها.
الحارس الألماني انقض على جسد باتيستون بدلا من الكرة، ليُسقط المدافع الفرنسي ويتسبب في فقدانه لـ3 أسنان، وأكثر من ضلع مكسور وضرر لم يختفي في عموده الفقري بعدما غاب عن الوعي.
"لم يكن هناك أي نبض. بدا شاحبا لدرجة لم أرها من قبل. طننت أنه توفي"، يروي بلاتيني ما حدث في 7 دقائق لم تصل فيها نقالة لإخراج المدافع الفرنسي.
لا يتذكر باتيستون أي شيء بعد ذلك، وإن كانت كاميرات التلفزيون سجلت رد فعل شوماخر الذي انتظر تنفيذ ركلة المرمى بتململ شديد وكأن شيئا لم يحدث. بعد المباراة سألوه عن الحادثة ورأيه فيها مع إخباره إن باتيستون فقد بعض الأسنان.
"سأدفع تكاليف علاج أسنانه" التصريح بدا ساخرا، لدرجة دفعت المستشار الألماني هيلموت شميدت والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران لإصدار بيان مشترك في محاولة للسيطرة على النغمة المعادية لألمانيا في الإعلام والشارع الفرنسي بعد المباراة.
إلى أي درجة وصلت هذه النغمة؟ استفتاء في أحد الجرائد أظهر أن الألماني الأكثر حصولا على مشاعر الكراهية في فرنسا هو شوماخر، متفوقا على أدولف هتلر الزعيم النازي الذي احتل فرنسا ودمر مدنها وشرد شعبها!
ما حدث حدث في الدقيقة 57، النتيجة 1-1 وباتيستون كان التغيير الأول، خرج مصابا وأجرى الديوك التغيير الثاني، في زمن كان لا يسمح سوى بتغييرين فقط في مباريات كرة القدم.
ما حدث في بقية المباراة هو أن فرنسا أحرزت هدفين، لكن ألمانيا أظهرت شخصيتها وأحرزت هدفين قبل أن تفوز بركلات الترجيح بقيادة شوماخر نفسه. إلى نهائي كأس العالم.
يحب عامة الجمهور رواية الضحية، وتذهب رواية الجاني إلى غياهب النسيان لأن عادة، الجاني لا يهتم برواية تفاصيل جريمته.
شوماخر لم يفعل ذلك، بل تحدث لجريدة "لو فيجارو" حول ما حدث مؤكدا أنه لم يرد إيذاء باتيستون، ولكنه سيفعلها مرة أخرى تكرر نفس الموقف.. "لقد كانت الطريقة الوحيدة للحصول على الكرة".
يدرك شوماخر – حسب حواره مع لو فيجارو – أنه كان عليه الاطمئنان على باتيستون بدلا من انتظار تنفيذ ركلة المرمى، أو أنه لم يكن عليه الاحتفال بالتصدي لركلات الترجيح بعد دقائق من ارتكابه ما كان أقرب لكونه جريمة قتل وليس تدخل شرعي في كرة القدم.
أبدى شوماخر ندمه على جملته الساخرة للصحفي الذي سأله عن باتيستون.
"لم أفهم مغبة ما فعلته، فجأة أصبحت مسؤولا عن كراهية الألمان في فرنسا"، لدرجة أن صديق لباتيستون حاول ترتيب مقابلة بين الثنائي ليقدم شوماخر اعتذارا شخصيا لباتيستون قبل حفل زواج الفرنسي.
لم ينجح شوماخر في الوصول إلى باتيستون بسبب هجوم الجمهور الفرنسي عليه في الشوارع، الذي وصل لدرجة تشبيهه بجنود القوات النازية الخاصة التي عذبت الفرنسيين كثيرا.
بعد عامين، أقيمت مباراة ودية بين المنتخبين في فرنسا، ليجد شوماخر دمية كبيرة على شكله في المدرجات معلقة على حبل مشنقة، بعيدا عن كل الحوائط التي حملت اسمه بجانب شعار السواستيكا النازي.
بعد هذه المباراة، تبادل شوماخر قميصه مع باتيستون في غرفة خلع الملابس، ليسدلا ستارا على خلاف كاد يتحول لأزمة دبلوماسية وربما ما هو أكثر من ذلك.