كتب : نادر عيد
كش ملك!
ثم خاطبه بنبرة ساخرة:"قلت لك لن تهزمني، وسأنال حريتي، وهنا أنا أذيقك المر في معركة الأحجار".
استشاط بييترو الثاني غضبا وصرخ بأعلى صوته في باحة القصر "خذوه، أعيدوه إلى أرضه القذرة. في المرة المقبلة لن تفلت مني يا ستيفن، موعدنا قريب".
ومنذ ذلك الحين، تزين رقعة الشطرنج شعار النبالة الكرواتي.
----
هي أسطورة، ربما حقيقة، لكن الثابت أن ذلك المنتخب ذو الرداء الجميل باللونين الأحمر والأبيض ولد كبيرا، نافس عمالقة العالم، لكن على مستوى القارة العجوز، هناك خصومة بينه وبين بطولة اليورو.
كرواتيا، وصيفة العالم، التي يرجع سر قميصها الجميل إلى رقعة الشطرنج، التي كانت سببا في نجاة ملكها ستيفن درزيسلاف في القرن العاشر بعدما أسره بييترو الثاني دوق البندقية.
كان درزيسلاف مولعا بالشطرنج، فاستفز ذلك بييترو الثاني، ليقرر مواجهته في لعبة عساه يفوز مثلما انتصر في أرض المعركة، وقال له:"لو غلبتني ثلاثا سأُطلقك".
فهزمه درزيسلاف ثلاثا، ولم تفارقه رقعة الشطرنج بعد ذلك.
----
كش ملك.
نال بها ملك كرواتيا حريته قبل ألف سنة تقريبا، لكن سمعها أحفاده كثيرا في اليورو. من ماتياس سامر في 1996، واين روني في 2004، سميح شنترك في 2008، خيسوس نافاس في 2012، وريكاردو كواريزما في 2016.
5 مشاركات كرواتية سابقة في اليورو، والحصيلة، ربع النهائي مرتين فقط.
لكن في 5 مشاركات مونديالية، نالت كرواتيا ميداليتين، فضية 2018 وبرونزية 1998.
المنتخب الذي لم يتم بعد 30 عاما منذ ظهوره للنور، حقق في المونديال ما عجزت عنه فرق تعود أصولها لأكثر من 100 عام.
لكنه في اليورو طالما خيب آمال شعبه.
عبور سهل
رغم المنافسة القوية في التصفيات مع منتخبات ويلز وسلوفاكيا والتشيك، التي ستشارك جميعا في يورو 2020، إلا أنها تصدر المجموعة التي تذيلها فريق أذربيجان.
جمعت كرواتيا 17 نقطة من إجمالي 24، فازت 5 مرات وخسرت مرة، تأهلها كان مهددا حتى آخر نصف ساعة تقريبا من مشوارها في التصفيات، إلى أن قلبت تأخرها إلى فوز 3-1 على مضيفتها سلوفاكيا.
2020 هي اليورو السادسة لكرواتيا، ودعت مرتين من الدور الأول، وفي 2016 صعقها هدف برتغالي في الوقت الإضافي من الدور ثمن النهائي.
ظهورها القاري الأول في 1996 كان جريئا، قاتلت بضراوة قبل أن تسقط أمام الألمان، الأبطال لاحقا، في ربع النهائي.
ووداعها الأقسى كان في 2008 في مباراة مجنونة ضد تركيا، أدركت فيه الأخيرة التعادل في الدقيقة 122 قبل أن تفوز على كرواتيا بركلات الترجيح وتقصيها من ربع النهائي.
فازت كرواتيا بنصف مبارياتها في اليورو تقريبا، 8 من 18، خسرت 5 مرات فقط، لكن ذلك لم يكن كافيا لإنجاز قاري مشابه لما حققته في كأس العالم.
مهمة صعبة
رغم الظهور المخيب لكرواتيا في دوري أمم أوروبا الأخير، الذي خسرت فيه 5 مباريات وانتصرت مرة، ورغم بدايتها غير الطيبة في تصفيات مونديال 2022 بالخسارة ضد سلوفينيا، إلا أن الاتحاد المحلي لكرة القدم، والذي يرأسه دافور سوكر أسطورة الفريق السابق، جدد الثقة في المدرب زلاتكو داليتش (54 عاما).
المدير الفني الذي جاء في مهمة إنقاذ مؤقتة قبل خوض كرواتيا لملحق التأهل لمونديال 2018، ثم أبهر العالم في كأس العالم الأخيرة وخسر النهائي ضد فرنسا.
وبالأرقام، تبدو حقبة داليتش ناجحة مع كرواتيا، ففي 43 مباراة فاز 22 مرة وخسر 14، نسبة انتصارات تبلغ 51%، ربما قليلة، لكنه فاق التوقعات في المونديال، تأهل ليورو 2020، ويعول عليه شعبه الكثير في البطولة القارية التي تنطلق بعد أيام.
داليتش اعترف أن هناك أزمة تهدد فريقه في اليورو، فقال في مؤتمر صحفي استعدادا للبطولة:"مشكلتنا الأبرز هي استقبال أهداف من كرات ثابتة، منذ وقت طويل. قد نتدرب على الأمر طوال المران، لكن على كل لاعب أن يتحمل جزءا من المسؤولية".
والأزمة تبدو مستمرة، ففي آخر لقاء ودي قبل اليورو خسرت كرواتيا بالسيناريو ذاته، بهدف روميلو لوكاكو مهاجم بلجيكا.
لقاء مرتقب
قد يكون الوصول لليورو ليس سهلا، لكن المضي قدما فيه يبقى صعبا للغاية، خاصة حين تنطلق المسيرة بمواجهة رابع العالم، إنجلترا، وأين؟ في ملعب ويمبلي التاريخي، مسرح نهائي يورو 2020.
مباراة ثأرية للإنجليز، بعدما حرمهم الكرواتيون من نهائي آخر مونديال، هدف كيران تريبيير عادله تألق إيفان بيريزيتش، ثم قضى هدف ماريو ماندزوكيتش على أحلام كتيبة المدرب جاريث ساوثجيت في موسكو قبل ثلاثة أعوام.
ولو الأرض والجمهور في صالح الإنجليز، فإن التاريخ يرجح كفة الكرواتيين، الذين لم يخسروا أبدا مباراتهم الافتتاحية في اليورو.
فازوا في آخر 3 مرات.
بينما إنجلترا، التي لم تذق حلاوة التتويج باليورو، لم تفز مطلقا بمباراتها الافتتاحية في البطولة القارية.
عصر الأحد المقبل ستنطلق المواجهة بين كرواتيا وإنجلترا في بداية المجموعة الرابعة، وفي 18 يونيو ستلعب الأولى ضد التشيك في جلاسجو باسكتلندا.
ثم تواجه كرواتيا مستضيفا آخر للبطولة هو فريق اسكتلندا في 22 يونيو.
نظريا، يبدو تأهل كرواتيا لثمن النهائي منطقيا، لكن عليها اجتياز مستضيفين من أجل ذلك.
وفي حال تصدرها لترتيب المجموعة، ستكون على موعد مع مواجهة نارية، ضد وصيف مجموعة الموت، التي تضم البرتغال حاملة اللقب وفرنسا بطلة العالم وألمانيا بطلة مونديال 2014 والمجر.
لكن في حال عبورها كوصيف، ستواجه وصيف المجموعة الخامسة التي تضم إسبانيا والسويد وسلوفاكيا وبولندا.
وقد تتأهل ضمن أفضل ثوالث، وقتها على الأرجح ستلعب ضد متصدر المجموعة الثالثة التي تضم هولندا وأوكرانيا ومقدونيا الشمالية والنمسا.
ملك 2018
ملك كتيبة الشطرنج الكرواتية هو الرقم 10 ساحر الوسط لوكا مودريتش، أفضل لاعبي الفريق، أفضل لاعبي مونديال 2018، والمتوج بالكرة الذهبية في العام ذاته.
وأكثر من دافع عن ألوان كرواتيا عبر التاريخ، 138 مباراة.
نجم ريال مدريد ربما سيلعب آخر يورو في مسيرته، بعدما شارك في الثلاث السابقة، يدخل البطولة في حلة جيدة بعد أداء طيب في موسم مرهق للدوري الإسباني خسره في الجولة الأخيرة لصالح الجار أتليتكو مدريد.
قبل عامين كان مودريتش (35 عاما) قريبا من الرحيل عن ريال مدريد، لكن لأنه لا يزال ضمن أفضل لاعبي الوسط في العالم، مدد تعاقده مع الفريق الملكي إلى 2022.
نجم آخر في الفريق الأحمر والأبيض هو إيفان بيريزيتش (32 عاما)، هداف الجيل الحالي برصيد 28 هدفا، بطل إيطاليا مع إنتر ميلان، والذي ستكون مباراة إنجلترا مواجهة خاصة له، بذكريات المونديال حين سجل بالكاحل في شباك جوردان بيكفورد وأرسل التمريرة الحاسمة في الهدف الثاني.
بيريزيتش أيضا هو من سجل آخر هدف كرواتي في اليورو، قذيفته لم يقدر عليها ديفيد دي خيا في 2016 ليجبر الإسبان على وصافة المجموعة ويتأهل مع فريقه متصدرا.
بطل أوروبا مع تشيلسي، ماتيو كوفاشيتش يجاور مودريتش في وسط كرواتيا، ومعهما ماريو باساليتش نجم وسط أتالانتا ومارسيلو بروزوفيتش حائط صد إنتر ميلان.
وفي الخط الخلفي يوجد المخضرمان دوماجوي فيدا مدافع بشيكتاش وسيمي فرساليكو الظهير الأيمن لأتليتكو مدريد.
عنصر الخبرة متوفر بكثرة في الكتيبة الكرواتية، 9 لاعبين من القائمة الحالية شاركوا في يورو 2016، ونصفها (13 لاعبا) كانت حاضرة في مونديال روسيا.
متوسط عدد المباريات الدولية لكل لاعب يصل إلى 34 مواجهة.
لكن هذا الفريق المرعب في 2018 افتقد أحد أهم وأبرز عناصره، إيفان راكيتيتش نجم إشبيلية ووسط ميدان برشلونة السابق، والذي اعتزل منذ أشهر.
كان ليشارك في يورو 2020 لولا تأجيل البطولة بسبب تفشي فيروس كورونا.
يورو 2020 هي فرصة جيل كرواتيا الذهبي لتحقيق إنجاز قاري، وإلا سيصبح الأمر بعيد المنال على خلفاء مودريتش ورفاقه.
كش ملك.
سمعها زفونيمير بوبان أمام ألمانيا في 1996.
ولا تزال تتردد في أذن مودريتش بعدما سمعها 3 مرات سابقة.
فهل حان وقت قولها يا لوكا؟