إسبانيا.. بين تنفيذ أفكار إنريكي الخططية وكيفية تعويض بوسكيتس
الأربعاء، 09 يونيو 2021 - 18:14
كتب : عمر مختار
لقد مر 13 عاما على بداية حكم المنتخب الاسباني لعالم كرة القدم، فاز بـ يورو 2008 ثم حافظ على اللقب في 2012، وبينهما كان المجد العريق بتحقيق كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا، لقد كان المنتخب الوحيد في التاريخ الذي نجح في الفوز بثلاث بطولات كبرى على التوالي.
تلك السنوات كان على رأسها جيل ذهبي لا مثيل له، إيكر كاسياس في المرمى، كارليس بويول في الدفاع، أندريس إنييستا وتشافي هيرنانديز في خط الوسط وديفيد فيا وفيرناندو توريس في الهجوم، لكن منذ ذلك الحين، تلاشى جيلهم الذهبي، وفشلوا في تكرار هذا النجاح، بعد أن خرجوا مبكرا من مرحلة المجموعات في كأس العالم 2014، ثم بعد ذلك في يورو 2016 وكأس العالم 2018 بعد أن خرجوا من دور الـ 16.
الآن تحت قيادة مدرب برشلونة السابق لويس إنريكي، ترث اسبانيا جيلا جديدا، فالقائمة المُختارة لليورو شهدت غياب 14 لاعبا ممن شاركوا في كأس العالم 2018، فهل تستطيع اسبانيا استعادة اللقب الذي خسرته عام 2016؟
التأهل لكأس الامم الأوروبية 2020 كان سهلا نسبيا، حيث حققت إسبانيا الفوز في 8 مباريات وتعادلت مرتين، ليتصدر مجموعته التي ضمت السويد، النرويج، رومانيا، جزر الفارو ومالطا، وسجل 31 هدفا واستقبل خمسة أهداف، منهم هدف واحد فقط تم تسجيله على ملعبه.
أظهر المنتخب الاسباني مع إنريكي إمكانات كبيرة، خصوصا في تلك المباراة أمام ألمانيا بعد أن سحقوهم بستة أهداف في نوفمبر الماضي ضمن دوري الأمم الأوروبية، لكن رغم ذلك يظل الإنهاء أمام المرمى وتحويل الفرص إلى أهداف مشكلة دائمة في الفريق. في الواقع وصلت نسبة متوسط استحواذ الفريق على الكرة في المباريات السبع الأخيرة إلى 73٪ لكن أربعة منها انتهت بالتعادل.
لأول مرة في تاريخ المنتخب الاسباني، لم يتم استدعاء أي لاعب من ريال مدريد للمشاركة في البطولة، وقد شمل ذلك قائد الفريق سيرجيو راموس والظهير الأيمن داني كارفاخال بالإضافة إلى ناتشو فرنانديز والجناح ماركوس أسينسيو، وكان لدى معظمهم مخاوف تتعلق بالإصابة أو اكتمال اللياقة البدنية.
في حراسة المرمى، اختار إنريكي ديفيد دي خيا، وأوناي سيمون، وروبرت سانشيز بجانب كيبا أريزابالاجا، لكن حاليا يبقي سيمون هو الخيار الأفضل من بين الثلاثة، في الدفاع، يستطيع إنريكي الاختيار بين دييجو لورينتي، باو توريس، إيمريك لابورت والشاب المنتقل حديثا إلى برشلونة إريك جارسيا، وبخصوص لابورت فقدم عرضا رائعا في أول ظهور دولي له مع اسبانيا، ضد البرتغال، حيث أظهر أنه يستطيع بسهولة اللعب كقلب دفاع أيمن –رغم لعبه بالقدم اليسرى- كما أظهر شراكة جيدة بجانب باو توريس.
في مركز الظهير الأيسر، سيكون لدي إنريكي خيارات ممتازة بوجود خوردي ألبا وخوسيه لويس جايا، بينما في مركز الظهير الأيمن، يوجد لاعب واحد فقط، سيزار أزبيليكويتا، لكن إنريكي يميل إلى تفضيل لاعب خط وسط أتليتكو مدريد المتنوع ماركوس يورينتي في هذا المركز.
في خط الوسط، سيتولي رودري مهام لاعب الوسط الدفاعي بعد إصابة القائد سيرجيو بوسكيتس بفيروس كورونا، أمامه يمتلك إنريكي مجموعة متنوعة من لاعبي الوسط، وهم: بيدري، تياجو ألكانتارا، كوكي، فابيان رويز وداني أولمو.
لذلك سيكون على رودري القيام بمهام بوسكيتس.
في الأمام يوفر فيران توريس الإبداع في الجهة اليمنى، بينما سيكون مركز المهاجم من نصيب ألفارو موراتا أو جيرار مورينو هداف فياريال والمُتوَج معهم بالدوري الأوروبي، بالإضافة لأن المنتخب يمتلك أجنحة مختلفة الصفات مثل: أداما تراوري، ميكل أويارزابال، بابلو سارابيا.
ويضغط المنتخب الاسباني بكتلة عالية بأسلوب 3-4-1-2، يستخدم إنريكي اسلوب الضغط الموجه للمساحة، حيث يضغط لاعب اسبانيا على لاعب الخصم الحامل للكرة بينما يغلق زملاؤه جميع المساحات الممكنة والتي يمكن فيها استلام الكرة.
يضع الفريق مصيدة للضغط عند الخطوط الجانبية في الأطراف بالضغط عاليا لغلق زوايا التمرير في كل الإتجاهات، يتم الأمر بتفاهم مذهل بين الخطين الأول والثاني حتي يتم خنق المنافس فإما يحصلون على الكرة في مناطق متقدمة أو يجبرون خصمهم على التمرير الطويل.
فكيف يطبق إنريكي أفكاره مع المنتخب؟
هنا أمام البرتغال، يضغط توريس على بيبي من الخارج للداخل، بينما يقوم كل من ألكانتارا و رويز بمراقبة ثنائي وسط البرتغال، في حين يستعد موراتا للإقتراب أكثر من فونتي إذا تم التمرير نحو حارس المرمي، يغطي بوسكيتس نصف المساحة اليمنى في الوقت الذي ابتعد فيه لورينتي عن جوريرو بعد أن ضمن توجيه البرتغال نحو الجهة الأخرى.
أثناء الضغط بكتلة عالية، يجبر المنتخب الاسباني خصمه على التمرير الطويل نحو الجهة اليسرى (اليمنى للمنافسين) للإستفادة من وجود باو توريس المميز في الكرات الهوائية.
يحدث ذلك دائما عندما يبدأ فيران توريس بالضغط من الخارج للداخل على قلب دفاع المنافس الأيسر، في الوقت الذي يغلق فيه زملاؤه الممرات المركزية، عندما يمرر قلب الدفاع الكرة نحو حارس المرمي، يقترب موراتا من قلب الدفاع الأيمن، حينها يضغط توريس بسرعة على حارس المرمي لإجباره على التمرير في الجهة اليسرى، كما حدث هنا أمام ألمانيا.
عند التحول من كتلة عالية إلى متوسطة يتحول شكل الفريق إلى 4-1-4-1، حيث تتقارب الخطوط الثلاثة لضمان عدم وجود مساحات ممكنة، يعمل النظام بشكل رائع ومنضبط من أجل إبقاء الأمور صعبة على المنافسين أثناء عملية الإستحواذ، هناك تفاهم كبير بين ثنائي قلوب الدفاع باو توريس وإيمريك لابورتي يجعلهم جيدين للغاية في التغطية، كما أن ثنائي الوسط المركزي، ألكانتارا ورويز يعرفان تماما متى وأين يقومان بالضغط وتوجيه المنافس في الأماكن الضيقة.
مع التحول إلى كتلة منخفضة يتحول شكل الفريق إلى 5-4-1 لكن عادة يترك الخط الخلفي مساحة بينه وبين حارس المرمي نتيجة لتحكمهم الجيد في المساحة المتروكة هناك.
التحول من كتلة إلى أخرى في الحالة الدفاعية يتم بشكل منظم، هنا يتحول الفريق من 5-4-1 إلى 4-1-4-1 ثم إلى 3-4-1-2.
هنا لم يقم توريس بالضغط كما هو معتاد على نوير لأنه لم يجد زميله في الوسط فكان مضطرا إلى الإقتراب اكثر من جوندوجان، وانتظر حتى يصعد رودري بجانب رويز، بعد أن اكتمل شكل الفريق، سوف يقوم توريس بالضغط كما يفعل دائماً وبالتالي ينجح الفريق في الحصول على الكرة مرة أخرى.
عندما يفقد المنتخب الاسباني الكرة، فإنهم يبدأون فورا في تطبيق الضغط المضاد، تمركزهم وانتشارهم الجيد يسمح لهم بإستعادة الكرة في وقت سريع جدا.
أثناء الأستحواذ، يكون هيكل الفريق 4-3-3، حيث تصعد الأظهرة عاليا لتعانق الخطوط الجانبية، في حين ينتشر ثلاثي الوسط أفقيا، الأول في الوسط، والثنائي في أنصاف المساحات، هذا الإنتشار يسمح للفريق بالخروج بالكرة بشكل سلس.
بعد الخروج يتحول الشكل إلي 4-1-5، حيث يلتزم كلا الجناحين بالوقوف علي الخطوط الجانبية لتوسيع الملعب.
في المرحلة الأولي لبناء اللعب، يمرر الفريق بعرض الملعب كثيرا للبحث عن ممرات للتمرير والوصول للثلث الثاني، هنا خلق الفريق زيادة عددية في الطرف الأيسر، حيث مال بوسكيتس بجانب باو توريس، وتحرك تياجو بجانبهم، تبادل الثنائي الكرة في الوسط حتي سقط بوسكيتس بين قلبي الدفاع، نتيجة لذلك قرر جواو فيليكس الضغط على بوسكيتس وترك باو توريس في اليسار، ذهب ريناتو سانشيز لغلق مسار التمرير في اليسار لكنه تأخر، فمرر توريس نحو جايا على الخط، ووصلوا للثلث الأخير.
هنا سقط تياجو بجانب قلبي الدفاع في الجهة اليمنى، لذلك سوف يقوم جوتا بالذهاب والضغط على تياجو تاركا خلفه مساحة كبيرة لـ لورينتي، نتيجة ذلك سيضطر جوريرو للصعود والضغط على لورينتي ويترك توريس في نصف المساحة اليمنى، فور ذلك، سيقوم تياجو بإرسال الكرة الطويلة نحو توريس ليخلق موقف 2 ضد 2.
بنفس الكيفية في الأخرى، يقوم سارابيا بمعانقة الخط الجانبي لتوسيع الملعب، يتمركز فابيان رويز في نصف المساحة اليسرى، يمرر توريس نحو جايا، سيستغل رويز انشغال سيميدو بالتحرك نحو سارابيا وسيركض في المساحة الخالية.
يستخدم إنريكي فيران توريس وألفارو موراتا بطريقة جيدة حقا، هنا يمرر لورينتي الكرة نحو توريس، فور ذلك، سيبدأ موراتا بالإقتراب منه وخلق اتصال، سيمرر توريس الكرة من لمسة واحدة تجاه موراتا ويتحرك في المساحة خلفه، سوف يلمس موراتا الكرة لمسة ذكية خلفه لتوريس الذي سيجد نفسه في موقف واعد.
هنا يغلق سانشيز زاوية التمرير نحو جايا على الخط الجانبي، لكن توريس لن يجد أي مشكلة وسيقوم بالتمرير العمودي نحو موراتا.
ميزة أساسية يمتكلها الفريق حاليا هي وجود قلبي دفاع مميزين في الخروج بالكرة وإرسال الكرات الطويلة بدقة كبيرة جدا، هنا قام الفريق بخلق زيادة عددية في الجهة اليمنى مع التزام ساربيا بالخط الجانبي في الجهة العكسية، يقوم لابورتي بإرسال الكرة القطرية الطويلة هناك ووضع سارابيا في موقف 1 ضد 1، توفر هذه التمريرات الوقت وكذلك تعطي للفريق قدرة هائلة على التحكم بمنافسه والخروج من الأماكن الضيقة.
رغم تقدم سيرجيو بوسكيتس بالعُمر إلا أن أهميته لا تزال كبيرة بالنسبة لإنريكي، حيث يعتمد عليه الفريق كثيرا في التمرير نحو العمق، هنا يمرر لابورتي نحو ألكانتارا لأن بوسكيتس تم تغطيته وغلق مسار التمرير نحوه من قِبل فيلكيس، مباشرة ومن لمسة واحدة سوف يمرر ألكانتارا نحو بوسكيتس الذي سيصبح لديه مساحة للتمرير نحو العمق.
هنا فابيان رويز من نصف المساحة اليسرى إلى العمق لإستلام تمريرة بوسكيتس هناك ثم سيبدأ بوضع سارابيا وجايا في موقف 2 ضد 1 مع سيميدو.
لا يواجه المنتخب الاسباني مشاكل واضحة حاليا في أسلوب لعبه لكن مشكلة واحدة كانت تواجههم بإستمرار منذ فترة، وهي المساحة بين قلب الدفاع والظهير الأيسر، حيث افتقر سيرجيو راموس للتمركز والتغطية الصحيحة أثناء مواجهة الكرات الطويلة المرسلة من المنافسين، لكن مع وجود لابورتي فقد أصبح الوضع أفضل بكثير.
هنا يتمركز تيمو فيرنر في المساحة بين راموس وروبيرتو، وسيحصل على تمريرة زميله بكل أريحية لكن لم يساعده فقط إنه كان في وضعية تسلل.
هنا مرة أخرى، يتمركز فيرنر خلف راموس، هذا الوضع يسمح لمدافع ألمانيا بالتمرير القطري نحو فيرنر أو التمرير نحو الظهير الأيسر عند الطرف في المساحة التي خلقها فيرنر بتحركه.
هنا يحدث تداخل بين الظهير الأيسر وتيمو فيرنر، حيث يتحرك الظهير نحو العمق بين راموس وربيرتو، بينما يببقى فيرنر على الخط الجانبي.
سيمرر فيرنر من لمسة واحدة تجاه الظهير ويخلق موقف 1 ضد 1.
تستعد اسبانيا بجيل جديد مليء بالإثارة والتنوع، لكن ذلك يأتي بالتأكيد مع بعض المخاوف من قلة الخبرة الدولية، دائماً ما كان لويس إنريكي قائدا وملهما، وإذا استمر به الحال، فسيحصل بالتأكيد على أفضل النتائج، يمكن للمنتخب الأسباني أن يكون العملاق النائم الذي لا يريد أحد حقا إيقاظه، ولكن من الوارد أيضا حدوث انهيار مبكر.