كتب : فادي أشرف
بعد الوصول لنهائي كأس العالم 2010 والخسارة أمام جيل ذهبي إسباني بهدف في الوقت الإضافي لأندريس إنيستا، تعالت الآمال الهولندية في التعويض في يورو 2012.
ولكن تلك الآمال ارتطمت على صخرة 3 هزائم متتالية أمام الدنمارك وألمانيا والبرتغال، ووداع للبطولة دون الحصول على نقطة واحدة. في 2014 استفاقت الطواحين مرة أخرى، وأطاحوا بإسبانيا في مستهل المشوار بخماسية ثأرية لا تُنسى، ولكن ركلات الترجيح لم تكن رحيمة بهم ضد الأرجنتين في نصف النهائي.
بعد ذلك اختفت هولندا تماما عن الساحة الكروية. لم تتأهل ليورو 2016، ولا لكأس العالم 2018.
يمكن إرجاع اختفاء هولندا لأسباب واضحة، أولها أفول جيلها الذهبي، وبالتحديد الثلاثي روبن فان بيرسي، وآريين روبن، وويسلي شنايدر. بعد 2014 كان للسن أحكامه وانحدر مستوى الثلاثي، ومع اختفاء بحكم السن والاعتزال الدولي لأمثال جيوفاني فان برونكهورست وديرك كاوت وجوني هيتينجا ورافاييل فان دير فارت ومارك فان بومل ونايجل دي يونج، فقط بقى شنايدر وفان بيرسي يمثلان المنتخب حتى 2017 ولكن بالطبع ليس بنفس الأداء الذي عهده البرتقالي بين 2010 و2014.
بعد 2014، كان على المنتخب الهولندي إعادة البناء، لكن الأمة الكروية العريقة لم تكن تملك المواهب اللازمة لذلك.
إثارة غضب يوهان كرويف
كأس العالم في 2010 و2014، تحت قيادة بيرت فان مارفيك ولويس فان خال، شكلا ابتعادا عن الكرة الشاملة التي ابتدعها رينوس ميتشيلز المتوج بكأس الأمم الأوروبية الوحيدة في تاريخ هولندا عام 1988، والوريث الشرعي لها يوهان كرويف.
ولكن أن يصل الأمر لإثارة غضب رمز لا يُمس في الكرة الهولندية مثل كرويف، بدا أن هناك مشكلة حقيقية.
بعد نهائي 2010 صرح كرويف: "يؤلمني أن هولندا اختارت تلك الكرة القبيحة للفوز باللقب، ولكنها خسرت أيضا".
بشخصية كروية مفقودة، ونقص رهيب في المواهب، لم تفز هولندا في كأس الأمم الأوروبية منذ الانتصار على رومانيا 2-0 في الجولة الثالثة لدور المجموعات في 2008.
"أرى مستقبلا باهرا"
بين مباراة المركز الثالث في كأس العالم 2014، وفبراير 2018 حينما تولى رونالد كومان مسؤولية المنتخب الهولندي بعد إقالته من تدريب إيفرتون، خسرت هولندا 14 مرة في 37 مباراة.
ولكن كومان في مؤتمر تقديمه مدربا لهولندا قال: "أرى مستقبلا باهرا للكرة الهولندية. هولندا يجب أن تكون في النهائيات الكبرى".
مهمة إعادة البناء التي وُكل بها كومان أسطورة برشلونة، مثله مثل كرويف، كانت كبيرة. ديك أدفوكات فشل ورحل، والآن الدور على كومان الذي وجد روبن وفان بيرسي وشنايدر يعلنون الاعتزال، تاركين له الفرصة للبناء من جديد.
أعاد كومان الأمور لنصابها، استرجع الـ 4-3-3 الهولندية الأصيلة، لم يخسر سوى 4 مرات في 18 مباراة أمام إنجلترا، وفرنسا بطلة العالم، والبرتغال بطلة أوروبا، وألمانيا التي فاز عليها بنفسه مرتين.
استعادت هولندا الشخصية، لم تخسر أمام أمثال أيسلندا والتشيك مثلما حدث في 2015، أو اليونان مثل 2016، أو بلغاريا في 2017.
يبدو أن المستقبل الذي تحدث عنه كومان قد وصل. ممفيس ديباي يتألق في مركز المهاجم الوهمي، ماتيس دي ليخت وفرينكي دي يونج اللذان قادا أياكس لنصف نهائي دوري أبطال أوروبا قبل عامين حصلا على دورين أساسيين في المنتخب، مع مواهب مثل ستيفن بيرجوين وكوينسي بروميس وتألق متأخر لريان بابل، وخلف كل هؤلاء، يقف أفضل مدافع في العالم، فيرجيل فان دايك.
عودة الاحتلال رغم النصر في حرب الـ 80 عاما
من الناحية السياسية، نالت هولندا استقلالها بعد حرب ضروس استمرت 80 عاما ضد إسبانيا، بين 1568 و1648. حرب انتهت بنيل الأراضي المنخفضة التي تضم ما أصبحت هولندا ولوكسبمورج وبلجيكا، استقلالها من المحتل الإسباني.
من الناحية الكروية، دائما ما ترتبط الكرة الهولندية ببرشلونة. صانع نهضة الكتلان هو كرويف، ولكن البلاوجرانا لم يرد الجميل لهولندا.
بعد رحيل كيكي سيتيين وقبل انطلاق الموسم الماضي وقع اختيار برشلونة على كومان، وكأن حرب الـ 80 عاما حررت كل هولندا من الاحتلال الإسباني، إلا قلب كومان من حبه الجم لكتالونيا وبرشلونة.
والبديل كان أسطورة أخرى من أساطير هولندا وكتالونيا، فرانك دي بور.
"أسوأ مدرب في تاريخ الدوري الإنجليزي"
هكذا وصف جوزيه مورينيو دي بور بعد فترته الكارثية في قيادة كريستال بالاس.
دي بور بدأ مسيرته التدريبية بشكل رائع، فاز بـ 4 ألقاب دوري هولندي مع أياكس بين 2010 و2014، ولكن في إنتر ميلان فشل فشلا ذريعا وأقيل بعد 85 يوما فقط من تولي المهمة. وفي كريستال بالاس كان فشله أكبر ورحل بعد 4 خسائر متتالية في مبارياته الـ 4 الأولى.
رحل بعدها أحد أعظم من ارتدوا القميص البرتقالي إلى الدوري الأمريكي ليخلف تاتا مارتينو في تدريب أتلانتا يونايتد. بدأ مسيرته هناك بشكل جيد وحصل على بطولتين، ولكن الأداء انحدر ورحل عن الفريق في يونيو 2020، قبل أن يصيبه الاختيار لخلافة كومان.
سمعة دي بور في هولندا، بحكم كونه أسطورة ولنجاحاته مع أياكس، مختلفة عن سمعته في إيطاليا وإنجلترا وأوروبا عموما.
حاول دي بور مبدئيا الحفاظ على ما صنعه كومان، ولكن النتائج كانت مغايرة. فجأة فقد فان دايك بسبب إصابة الركبة، ويمكن ليورجن كلوب أن يشرح ما قد يسببه غياب فان دايك لأي فريق.
النقطة المحورية في مشوار هولندا مع دي بور هي الخسارة أمام تركيا في تصفيات كأس العالم 4-2، والتي أثارت الشكوك حول قدرته على قيادة هولندا في يورو 2020، التي كانت قرعتها رحيمة به حيث وقع في المجموعة مع أوكرانيا والنمسا ومقدونيا الشمالية، ويخوض كل مبارياته في المكان الذي نجح فيه تدريبيا، وكلاعب بكل تأكيد، يوهان كرويف أرينا، أو الذي كان أمستردام أرينا إبان فترة لعب دي بور وتوأمه رونالد.
دي بور لعب مع هولندا كمدرب 9 مباريات فقط قبل يورو 2020، فاز في 4 وتعادل في 3 وخسر 2. سجل 18 هدفا ولكن 7 منهم كانوا ضد جبل طارق، واستقبل 9 أهداف. المستقبل لا يبدو باهرا مع دي بور عكس ما كان مع كومان.
ولكن صاحب الـ 112 مباراة دولية لديها خبرة لا يُستهان بها. صاحب التمريرة السحرية التي استلمها دينيس بيركامب وراوغ فيها دفاع الأرجنتين في دور الثمانية لكأس العالم 1998 وألهم المتابعين الصغار بتشجيع الطواحين، لعب كأس الأمم الأوروبية في 3 مناسبات، في 1992 و2000 و2004.
أنجح مشاركات دي بور اللاعب كانت في يورو 2000، ولكنها تمثل ذكرى سيئة بالنسبة له شخصيا حيث أهدر ركلة جزاء ضد إيطاليا المنقوصة من جيانلوكا زامبروتا في نصف النهائي، قبل أن يهدر ركلة ترجيح في مباراة غريبة أهدرت هولندا فيها 5 ركلات جزاء، اثنين خلال المباراة وثلاثة في ركلات الترجيح.
تكتيكيا، يمكن اعتبار دي بور تلميذا وفيا لفان جال الذي لعب تحت قيادته سواء في أياكس أو في برشلونة.
ولكن بعكس فان جال الذي ابتعد عن الـ 4-3-3 الكلاسيكية ولعب بخماسي دفاعي في كأس العالم 2014، يلعب دي بور بطريقة أقرب لـ 4-2-3-1، بوجود فرينكي دي يونج كصانع ألعاب متأخر، ومارتن دي رون كمحطم لهجمات الخصوم، واللذان يمنحانه تنوعا مطلوبا في وسط الملعب.
جيني فاينالدوم يشغل مركز رقم 10، مع دونييل مالين هداف إيندهوفن وكوينسي بروميس جناح سبارتاك موسكو على الجناحين. دي بور يبدو مؤمنا للغاية ببروميس الذي ضمه للقائمة النهائية على حساب ستيفن بيرجوين جناح توتنام أو أنور الغازي جناح أستون فيلا، رغم موسمه الذي بدأ بفشل في أياكس قبل العودة إلى روسيا وتسجيل 3 أهداف في 11 مباراة.
مركز المهاجم قد يكون أقرب لممفيس ديباي الذي سجل 22 مرة لليون هذا الموسم، إلا لو قرر دي بور التضحية بأحد جناحيه وإشراك ديباي في مكانه، مع اللعب بالباحث عن مستواه بعد موسم مخيب مع إشبيلية لوك دي يونج كمهاجم صريح.
كيفية التأهل
لا يبدو الحديث عن تأهل هولندا لليورو أمر صاحب أهمية كبيرة، لأن مشوار التأهل كله كان تحت قيادة رونالد كومان.
لم تخسر هولندا في التصفيات سوى أمام ألمانيا في أمستردام 3-2، لكنها ردت الهزيمة بفوز في هامبورج 4-2.
ولكن تعادل ضد أيرلندا الشمالية 0-0 في بلفاست، جعل هولندا تتأهل كوصيفة لألمانيا بعد حصد 19 نقطة من 8 مباريات في المجموعة التي ضمت كذلك بيلاروسيا وإستونيا. لم تستقبل هولندا سوى 7 أهداف وسجلت 19 هدفا.
فاينالدوم سجل 8 من أصل الأهداف الـ 19، وسجل ديباي 6 أهداف.
أبرز اللاعبين
تلقت هولندا ضربة قوية جدا بتأكد غياب حارسها ياسبر سيليسن عن البطولة بسبب إصابته بفيروس كورونا، تاركا عرين الفريق أمانة في يد عجوزة لتيم كرول أو مارتن ستيكيلنبرج.
ولكن تعتمد هولندا على جيل صاعد بجانب نجم تعول عليه آمال كبرى.
في غياب فيرجيل فان دايك، سيكون ماتيس دي ليخت نجم دفاع يوفنتوس هو قائد الدفاع.
صاحب الـ 21 عاما سيخوض أول بطولة كبرى مع الطواحين، وسيكون العنصر الرئيس في دفاع الفريق.
ولكن يأتي دي ليخت للبطولة بعد موسم مخيب ليوفنتوس، ولكنه سيظل مشكلة لأي مهاجم في الفريق.
أمام دي ليخت، سيعتمد دي بور على مارتن دي رون كمحطم لهجمات الخصوم في وسط الملعب، ومعه اللاعب الأهم في التشكيل الهولندي، فرينكي دي يونج.
انطلاق أحد الومضات القليلة في موسم برشلونة من وسط ملعب الفريق، ستكون مفتاحية بالنسبة لدي بور في بطولته الأولى مع الفريق كذلك.
الآمال الهجومية معلقة بشكل واضح على ممفيس ديباي صاحب الـ 27 عاما. سواء على مركز الجناح أو المهاجم، سيكون ديباي هو المجهود الهجومي الرئيسي لفريقه، مدعوما بـ 22 هدفا سجلهم لليون هذا الموسم، مع انتقال وشيك إلى برشلونة.
رغم صغر سن القائمة نسبيا، إلا أن الكثير من اللاعبين لعبوا أكثر من 30 مباراة دولية على رأسهم بالطبع دالي بليند وجيني فاينالدوم وديباي وستيكيلنبرج وبروميس وستيفن دي فراي ولووك دي يونج.
على الجانب الآخر، قد يخوض يوريين تيمبر لاعب وسط أياكس وكودي جاكبو جناح إيندهوفن أول مباراة دولية لهما في البطولة.
المجموعة
مجموعة هولندا الثالثة ليست معقدة على الإطلاق، وفي الظروف الطبيعية لن تكون الصدارة صعبة على الطواحين.
هولندا تفتتح مواجهاتها يوم 13 يونيو على يوهان كرويف أرينا ضد أوكرانيا في الساعة التاسعة.
وبعد 4 أيام تقابل النمسا على نفس الملعب في الساعة التاسعة، قبل أن تختتم الدور الأول بمواجهة مقدونيا الشمالية في السادسة من يوم 21 يونيو.
في حال صدارة المجموعة، ستواجه هولندا ثالث المجموعة الرابعة أو الخامسة أو مجموعة الموت السادسة.
التشكيل المتوقع
بشكل طبيعي، لن يخرج تشكيل هولندا المتوقع عن..
حراسة المرمى: تيم كرول
الدفاع: دينزيل دامفريز – ستيفن دي فراي – ماتيس دي ليخت – أوين ويندال
الوسط: مارتن دي رون – فرينكي دي يونج – جيني فاينالدوم
الهجوم: ممفيس ديباي – كوينسي بروميس – لووك دي يونج
في حراسة المرمى، سيكون الصراع بين كرول وستيكيلنبرج على ملئ عرين سيليسن الغائب، فيما سيحاول باتريك فان أنهولت الحصول على مركز ويندال.
ولكن التغيير الكبير قد يكون في الهجوم، سواء بالاعتماد على لووك دي يونج كلاعب رقم 9 صريح، أو بوجود ممفيس ديباي كمهاجم وهمي مع الاعتماد على دونييل مالين في الجناح.
تاريخ مشرف
بعكس كأس العالم، فازت هولندا بيورو 1988 على أرضها.
ولكن هولندا لم تفز بمباراة في كأس الأمم الأوروبية منذ الفوز على رومانيا في 17 يونيو 2008، ثم خسرت من روسيا في دور الثمانية.
في 2012 خسرت هولندا كل مبارياتها، ثم لم تتأهل إلى 2016 من الأساس.
عبر التاريخ لعبت هولندا 35 مباراة، فازت في 17 وخسرت 10 وتعادلت 8 مرات.
سجلت هولندا 57 هدفا، واستقبلت 37، وتسعى لعصر جديد بعد سنوات من الإخفاقات في اليورو.