كان عام 2017 عصيبا على المنتخب الإيطالي، بداية من الفشل في التأهل إلي كأس العالم، ومرورا بإعلان كلا من أندريا بارزالي، دانييلي دي روسي، جانلويجي بوفون و جورجيو كيليني اعتزالهم، قبل أن يعود الأخير عن قراره، ووصولا لطرد المدير الفني جيان بييرو فينتورا، واستقالة رئيس الاتحاد الإيطالي لكرة القدم كارلو تافيكيو.
في 14 مايو 2018، تم تعيين روبرتو مانشيني مديرا فنيا للفريق، تحت قيادته تأهل الأتزوري إلي اليورو بواقع 10 انتصارات من أصل 10 مباريات ليحقق بذلك رقما قياسيا، في الواقع، شهد عام 2018 آخر خسارة لإيطاليا والتي جاءت أمام البرتغال حامل لقب البطولة.
لا أحد كان بإمكانه اختيار تدريب المنتخب الإيطالي عندما وصل إلى أدنى تصنيف دولي له على الإطلاق في عام 2018، لكن مانشيني تحمل المسوؤلية ونجح بالفعل في الدمج بين جمال شخصية كرة القدم البرازيلية والتنظيم الإيطالي التقليدي، أصبح المنتخب الإيطالي الآن ذو عقلية هجومية.
أدت التغييرات التي أجراها مانشيني على الفريق وأسلوب اللعب والتشكيل إلى تحسين الأداء بشكل كبير، حقيقة أن إيطاليا لم تخسر في 21 مباراة تحت قيادة مانشيني هي دليل كاف على النقلة النوعية داخل الأتزوري.
للتأهل إلى كأس الأمم الأوروبية 2020، كان لدى إيطاليا مجموعة مريحة إلى حد ما بجانب فنلندا، اليونان، البوسنة والهرسك، أرمينيا، ليختنشتاين، سجلت إيطاليا 37 هدف وبلغ متوسط أهدافها 3.7 هدفا في المباراة الواحدة بينما لم تتلق شباكهم سوى 4 مرات في 10 مباريات، من المؤكد أن هذه كانت مجموعة أسهل نسبيا حيث بلغ متوسط تصنيفات الفيفا للفرق التي واجهتها إيطاليا 87.2، في الوقت الذي واجهت فيه فرنسا متوسط تصنيف 96.4 ومع ذلك كان متوسطها 1.2 هدفا في المباراة الواحدة أقل من إيطاليا وجمعوا خمس نقاط أقل.
في التصفيات، فقط بلجيكا تمكنت من تسجيل أهداف أكثر من إيطاليا بواقع 40 هدف، بينما سجلت إنجلترا نفس عدد أهداف إيطاليا لكن بالنسبة لإنجلترا، كان عدد المباريات 8 مقابل 10 مباريات لبلجيكا وإيطاليا، لم تكن كل هذه الإنجازات الجديرة بالثناء ممكنة بدون الاختيار المناسب للاعبين ووضع نظام مثالي لإخراج أفضل ما لديهم، كما سنرى في هذا التحليل.
أحد الأسباب التي تجعل إيطاليا قوة كبيرة هو عمق تشكيلتهم، تمثل قائمة إيطاليا حقا مقولة "الكل أكبر من مجموع الأجزاء"، على الرغم من تسجيلهم لعدد كبير من الأهداف في التصفيات، لكن أندريا بيلوتي، بأربعة أهداف، هو هداف الفريق.
في إيطاليا، العديد من اللاعبين عبر خط الوسط والهجوم ينضمون إلى الأمام وينتهي بهم الأمر بالتسجيل، إن اللاعبين الذين تم اختيارهم يتمتعون بتوازن رائع بين الجودة التكتيكية والتأقلم السريع.
يستخدم مانشيني طريقة 4-3-3، بوجود محور ارتكاز أمامه لاعبي وسط مركزيين، مع تواجد أجنحة عكسية.
في التشكيل الأساسي، يظل جيانلويجي دوناروما هو الخيار الأول، في مركز الظهير الأيمن، يبقي أليساندرو فلورينزي اللاعب الأكثر احتمالية للمشاركة أساسيا، مع ليوناردو سبيناتزولا في مركز الظهير الأيسر، خلال التصفيات وفي المواجهات الحاسمة، رأينا فرانشيسكو أتشيربي كقلب دفاع أيسر مع ليوناردو بونوتشي، تميل إيطاليا عند الاستحواذ إلى استخدام هيكل غير متماثل، حيث يتحول الظهير الأيمن إلي قلب دفاع أيمن بينما ينطلق سبينازولا في اليسار أكثر للهجوم.
يمثل جورجينيو محور الارتكاز حيث يوفر الاستقرار في القاعدة، ويتمركز أمامه الثنائي ماركو فيراتي في اليسار (يسقط للمساعدة في الخروج بالكرة) ونيكولو باريلا في اليمين وهو الأكثر ديناميكية من بين الثلاثة.
سيختار مانشيني تشكيلته اعتمادا على الفريق الذي سيواجهونه، تتمتع إيطاليا بعمق في القائمة ومجموعة متنوعة من لاعبي الوسط، لكن في الوقت الحالي لا أحد في القائمة قادر على استبدال فيراتي أو جورجينو، لكن إذا احتاج إلى الدعم من البدلاء بوجود لورنزو بيليجريني، ستيفانو سينسي، مانويل لوكاتيللي وبريان كريستانتي سيضمن خط وسط متنوع الخصائص.
يستطيع بيليجريني لاعب روما الحفاظ على الكرة في مناطق الهجوم وإزعاج الدفاعات بسبب تسديداته القوية، أما ستيفانو سينسي لاعب إنتر ميلان الذي انضم للقائمة رغم ابتعاده فترات طويلة عن الملاعب بسبب الإصابات فبإمكانه تهدئة الرتم والسيطرة على مجريات اللعب، سيساعدهم لوكاتيللي الذي يتمتع بقدرة مذهلة على التمرير مع الذكاء في توقع اللعب، مع وجود كريستانتي صاحب المزايا المختلفة بدون الكرة.
في الأمام يوفر لورينزو إنسيني الإبداع في الجهة اليسرى، بينما سيكون مركز المهاجم من نصيب تشيرو إيموبيلي، لكن دوره ليس مجرد مهاجم يتمركز في الصندوق، إنه يعود دائما لإشراك الآخرين في اللعب وفتح مساحات في دفاع المنافسين، من المتوقع أن يأخذ فيديريكو كييزا مركز الجناح الأيمن، كان تناغمه مع باريلا دائما في مصلحة الفريق، عند الحاجة، يمكنه تقديم الإبداع أو حتى العمل كمهاجم ثانٍ.
في الخط الأمامي، هناك لاعب مثير للاهتمام حقا هو جياكومو راسبادوري، يقدم مهاجم ساسولو شيئا مختلفا، مهاجم متحرك رشيق، يتخطى واجب المهاجم التقليدي ويساهم في اللعب الجماعي والتحرك المستمر.
تضغط إيطاليا بكتلة عالية بـ 4-1-4-1، يستخدم مانشيني أسلوب الضغط الموجه للمساحة، حيث يضغط لاعب إيطاليا على لاعب الخصم الحامل للكرة بينما يغلق زملاؤه جميع المساحات الممكنة والتي يمكن فيها استلام الكرة.
تضع إيطاليا مصايد للضغط في مكانين، الأول تبقي عمدا ممر مركزي عمودي بين المهاجم والجناح الإيطالي الضاغط، إذا اختار الخصم أن يمرر بشكل عمودي فستسمح له بالتقدم بالكرة إلي بداية الثللث الثاني ثم بعد ذلك سيتم الضغط على اللاعب، والثاني عند الخطوط الجانبية في الأطراف بالضغط عاليا لغلق زوايا التمرير في كل الاتجاهات، يتم الأمر ببطء وتفاهم حتي يتم خنق المنافس فإما يتم الحصول على الكرة في مناطق متقدمة أو إجبار الخصم على العودة لحارس المرمي ليحدث المشهد الآتي.
هنا يبدأ إيموبيلي في الضغط على سيليسين بينما يغلق مسار التمرير على فان دايك، يستعد كييزا وبيليجرني للضغط على قلبي دفاع هولندا في اليمين واليسار، يراقب باريلا وجورجينو كلا من دي يونج وفاينالدوم بينما يغطي فيراتي المساحات المركزية، نتيجة لذلك سيضطر سيليسين للعب الكرة الطويلة وستسترجع إيطاليا الكرة مرة أخري.
يجبر المنتخب الإيطالي خصومه على التوجه نحو الأطراف ثم يبدأون في تكثيف الضغط هناك، بمجرد أن يقوم قلب دفاع المنافس بالتمرير نحو الخط الجانبي، يبدأ ظهير إيطاليا بالصعود للأمام والضغط عليه، حينها يغلق الجناح مسار التمرير نحو قلب الدفاع مرة أخري، ويقترب واحد أو إثنين (على حسب عدد لاعبي الخصم القريبين من الكرة) من لاعبي الوسط أفقيا من حامل الكرة لغلق خيارات التمرير حوله بينما يغطي ثالث الوسط الملعب طوليا، ينكمش الفريق نحو المساحة التي بها الكرة مما يسهل عليهم استرجاع الكرة هناك.
عند التحول من الكتلة العالية إلي الكتلة المتوسطة يتحول الفريق من 4-1-4-1 إلي 4-4-2 مع الحفاظ على نفس أسلوب الضغط الموجه لحماية المساحات.
عند الاستحواذ، يكون هيكل الفريق في المرحلة الأولي من بناء اللعب هو 3-4-3، حيث يستخدم مانشيني كما ذكر أعلاه هيكل غير متماثل بجعل ظهير من الظهيرين يتحول لقلب دفاع ثالث بينما ينطلق الآخر للامام.
تستخدم إيطاليا عدة أنماط اثناء الاستحواذ، يبدأ الأمر بتناقل الثلاثي الدفاعي للكرات أفقيا حيث يبحثون في البداية عن المساحات المركزية في وجود جورجينو وفيراتي، لكن إغلاق الخصوم للمركز يجعل إيطاليا تستخدم أكثر الأطراف ثم تعود مرة أخري للعب مركزيا.
تبدأ المرحلة الثانية لبناء اللعب عندما يجد واحد من الثلاثي الدفاعي ممرا لتمرير الكرة، حيث يتحول الشكل بعدها إلي 3-2-5، يعانق كييزا و سبيناتزولا الخطوط الجانبية لتوسيع المسافات أفقيا بين دفاع الخصوم، يتمركز باريلا في نصف المساحة اليمنى، بيليجريني في نصف المساحة اليسرى، وإيموبيلي في المنتصف.
هنا يضغط فاينالدوم على دي أمبروزيو، يقوم باريلا بعمل مسح للمساحة حوله، لدي أمبروزيو الآن عدة خيارات، يمكنه التمرير نحو كييزا على الخط الجانبي ويمكنه أيضاً التمرير نحو باريلا لكن وجود فاينالدوم قد يمنع حدوث ذلك، فيختار التمرير الأمامي في العمق نحو إيموبيلي الذي يسقط لسحب مدافع الخصم وخلق مساحة ممكنة في الأطراف.
هنا لم يجد أي من الثلاثي ممرا في المركز أو الطرف، فقرر بونوتشي التمرير الطويل نحو بيليجريني الذي استغل انشغال مدافعي بوجود سبيناتسولا على الخط وإيموبيلي في المركز وركض في المساحة الخالية.
هنا رأي بونوتشي ممر مركزي في نصف المساحة اليسرى نحو بيليجريني.
وهنا مرة أخري أمام بولندا يمرر لوكاتيلي نحو إنسيني في نصف المساحة اليسرى.
هنا سيكون لدي مدافع إيطاليا عدة خيارات للتمرير، الأول وهو الأسهل التمرير نحو قلب الدفاع الأيسر، والثاني التمرير نحو لاعب المحور الذي لديه الفرصة للتمرير الخلفي مرة أخري وسيكون غرض التمريرة فقط تحفيز الضغط عند لاعب بولندا وإخراجه من مركزه، والثالث التمرير نحو إنسيني في نصف المساحة اليسرى.
النمط الثالث وهو المفضل لدي مانشيني، عن طريق استخدام ثنائي وسطه المركزي، باريلا وفيراتي.
هنا يتمركز فيراتي بجانب الخط الجانبي، يستلم تمريرة كيليني، يقف إيموبيلي بين قلبي دفاع هولندا، يذهب بيليجريني لنصف المساحة اليسرى.
يخرج قلب دفاع هولندا الأيمن للضغط على فيراتي ومعه فان دي بييك، يتحرك إيموبيلي للخارج لسحب فان دايك مما يترك مساحة لـ بيليجريني.
مرة أخري، يخرج قلب دفاع هولندا الأيمن للصغط على فيراتي مما يخلق مساحة لـ بيليجريني داخل منطقة الجزاء.
هنا في الجانب الأيمن، يركض باريلا في نصف المساحة اليمنى في المساحة خلف ظهير بولندا الأيسر.
هنا يتمركز باريلا في المركز وينتظر تمريرة فلورينزي ثم يخلق اتصالاً مباشراً مع جناح إيطاليا الأيمن
في مشهد الهدف الأول أمام هولندا، حدث اتصال رائع بين باريلا وكييزا وبيليجريني
أحد العبوب الكبيرة في نظام مانشيني هي المساحات المركزية بين الخط الثاني والثالث، عند الضغط بـ4-1-4-1 فإن جميع الخطوط يجب أن تكون مترابطة لكن يحدث خلل في كثير من الأحيان عند استخدام مزيج بين دفاع المنطقة الموجه نحو المساحة والرجل وبالتالي يسهل اختراق إيطاليا من العمق.
هنا ناثان أكي يمرر نحو ديباي الذي يتبعه بونوتشي، لحسن الحظ أن جورجينو هنا كان قريب فقام باعتراض مسار الكرة.
لكن هنا كان من السهل على دي يونج التمرير العمودي نحو العمق، حيث يقف مهاجم هولندا بشكل حر بين بونوتشي وكيليني.
هنا مرة أخري، يحتفظ دي يونج بالكرة وينتظر تحرك زملائه، سيتحرك فان دي بييك نحو العمق وسيتبعه جورجينو مما يترك مساحة مركزية لفاينالدوم وديباي.
هنا قامت إيطاليا بالضغط العالي أمام بولندا لكن تحرك واحد من احد ثنائي محور بولندا أخرج لاعبي إيطاليا خارج اللعبة ونجحت بولندا في اختراق خط الضغط الثاني لإيطاليا.
ومرة أخري أمام هولندا، حيث نجح دي يونج في استخدام جسده جيداً للمراوغة
من المؤكد أن إيطاليا التي ستلعب مباريات دور المجموعات في روما هي المرشح الأبرز لتصدر مجموعة تضم ويلز وتركيا وسويسرا، قد يكون افتقارهم إلى الخبرة مشكلة، نظرا لأن معظم اللاعبين لم يتم اختبارهم أبدا في المستويات الأعلى، يحتاج مانشيني إلى بناء أدائه على الحماس والأمل، عندها يمكن له التخطيط لرحلة العودة مرة أخري إلى ملعب ويمبلي، حيث خسر هناك نهائي كأس أوروبا عام 1992 رفقة سامبدوريا أمام برشلونة.