منذ ما يزيد قليلا عن 30 عاما وقبل تسعة أيام فقط من الربيع الباريسي، وُلد صبي لأبوين ماليين في الضواحي الغربية لمدينة النور، سينمو هذا الصبي عمريا وسيظل طوله صغيرا إلى حد ما، حيث يصل ارتفاعه إلى 1.68 مترا فقط مما يجعل المنافسين يحلقون فوقه بعدة رؤوس، لكن سيكون له تأثيرا كبيرا جدا على عالم كرة القدم الحديث.
نجولو كانتي
النادي : الاتحاد
سينطلق نجولو كانتي ليسد الثقوب، يسرق الكرات ويأكلها ليس هي فقط ولكن أيضا دافع خصومه للمحاولة مرة أخرى، ثم بعد ذلك سيسمح للآخرين بالتألق، لقد شوهدت روحه القتالية، مثابرته وطاقته بوضوح قبل أربعة أيام على أرضية ميدان الدراجاو حيث لعب بشغف لتحقيق الانتصار لكن على الرغم من ذلك، فهو، بكل المقاييس، متواضع للغاية.
حتى بعد الأداء المذهل والفوز الذي لعب فيه دورا محوريا، ظلت ابتسامته واحتفالاته بعد ذلك متواضعة كما هو الحال دائما، وعندما حان الوقت لتقبيل الكأس، كما فعل باقي زملائه، بدا أنه خجولا ولم يقم بتقبيله بنفس الطريقة كما فعل الآخرون.
يري البعض أن قصص تواضعه وخجله مبالغ فيها إلى حد ما، لكن حتى أولئك الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلي ما وراء الكواليس يمكنهم أن يروا من خلال الصور ومقاطع الفيديو والقصص الصريحة من زملائه في الفريق أن هذه حقا طبيعته الأساسية.
بداياته متواضعة للغاية، حيث نشأ في شقة صغيرة في باريس لأبوين مهاجرين وسط ثمانية أشقاء، لكن العديد من اللاعبين المحترفين لديهم بدايات متواضعة، إذن ما الذي يجعله مختلفا عنهم؟ هل كانت خسارته المأساوية لوالده في سن الحادية عشرة؟ حتى أنه عانى من مأساة مروعة أخرى عندما توفي شقيقه الأكبر قبل كأس العالم 2018 مباشرةً، هل هذه المآسي هي التي ساعدت في تكوينه؟ لا شك أنه كان لهم تأثير قوي للغاية، لكن القصص المبكرة عنه قبل 11 عاما أشارت إليه دائما على أنه غير أناني وخجول ومتواضع.
لعب أولا في الدرجة السادسة، ثم في الدرجة الخامسة، لذا لم يكن محترفا، لقد قام بالتدرب كمحاسب لأنه لم يكن متأكدا مما إذا كان بإمكانه كسب عيشه كلاعب كرة قدم لكن سرعان ما تغير ذلك، فهو الآن بحاجة إلى مهارات محاسب لحساب عدد الجوائز التي حصل عليها.
أنا مندهش من مشاهدة هذا الشخص اللطيف يفعل ما يفعله على أرض الملعب، لقد تطوعت في العديد من الأحداث الرياضية، لذلك لدي تجربة من وراء الكواليس مع نخبة الرياضيين، وكان انطباعي الغامر عن كل هؤلاء الرياضيين ذوي الأداء العالي هو الغطرسة.
ولكن بعد ذلك يأتي نجولو كانتي الإنساني والموهوب لتفجير الأبواب على مصراعيها بشأن هذه النظرية الخاصة بي وإظهار للعالم أنك يمكن أن تكون متواضعًا وناجحًا للغاية.
أنت، على سبيل المثال، مخرج فيلم، وعليك اختيار شخصية للمطاردة، من ستختار؟ جيمس بوند، ماد ماكس أو نجولو كانتي؟ حسنا، تحتاج إلي مساعدة في اتخاذ القرار؟ يحتاج جيمس بوند إلى مسدسه النصف الآلي من طراز "والثر بي بي" وساعة رولكس الموجهة بنظام أستون مارتن، بينما ماد ماكس أو ماكس المجنون هو شخص قليل الكلام لكن يميل إلي أن يكون خارج عن السيطرة، نجولو كانتي، من ناحية أخرى، هو مطارِد ودود ونادرا ما يفتعل مشكلة، لكن لا يمكنك التخلص منه حتى يحصل على ما يريد.
بالطبع، هذه مجرد محاولة أخرى للتعبير عن الكمال المتأصل في أداء كانتي، هناك بالفعل بعض مثل هذه المقارنات المتداولة حول لاعب خط الوسط الفرنسي، الجملة الأكثر شهرة تأتي من إنجلترا، "ثلثا الأرض مغطاة بالمياه، والباقي يُغطيه نجولو كانتي"، جوناثان ويلسون، صاحب كتاب الهرم المقلوب والكاتب في صحيفة الجارديان وصف كانتي ذات مرة بـ "Pac-man" وهي شخصية في لعبة فيديو واسعة الانتشار، وفيها يتحكم اللاعب بـ Pac-Man، الذي يجب أن يأكل كل النقاط داخل متاهة مغلقة مع تجنب أربعة أشباح ملونة ويؤدي تناول نقاط وامضة كبيرة تسمى "كرات الطاقة" إلى تحول الأشباح إلى اللون الأزرق، مما يسمح لـ Pac-Man بأكلها للحصول على نقاط إضافية.
عندما أراد تشيلسي تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في تاريخهم بعد مرور ما يقرب عقدا من الزمان، فإنهم تمنوا بطبيعة الحال أهداف من كاي هافيرتز، تحولات أنيقة من تيمو فيرنر، لمسة إبداعية من ماسون ماونت ووجبة إفطار صحية لأنتوني روديجير، لكن من المرجح أن توماس توخيل قد أضاء شمعة في الليلة السابقة، حتى يتمكن كانتي من اللحاق بالمباراة.
الاتجاه السائد في كرة القدم حاليا يسير نحو الهالة، يُهيمن المهاجمون ولاعبي الوسط علي اللقطات، ويتبادل المشجعون الميمات خاصةً في كثير من الأحيان عندما يتصدر ليفاندوفسكي أو هالاند أو نيمار المشاهد، تصاعدت حدة المباريات، واندفعت الفرق من منطقة جزائها إلى منطقة جزاء منافسيها، حيث تم تسجيل ما يقرب من ثلاثة أهداف في كل مباراة في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، و3.24 هدف في الموسم السابق، الرقم الذي تم التوصل إليه فقط في الخمسينيات والستينيات.
هناك دفاع، لكن عددا قليلا فقط من الفرق يُجيد العمل الدفاعي المنسق، أتقن خصم تشيلسي في المباراة النهائية، مانشستر سيتي تحت قيادة بيب جوارديولا فنون الدفاع هذا الموسم، أصبحوا أفضل قليلا مما كانوا عليه في السنوات السابقة، لكن لا يوجد فريق لديه في اللحظات الحاسمة، في خط الوسط الدفاعي بين منطقتي الجزاء، لاعب له نفس التأثير على الإحصائيات مثل تشيلسي.
كانتي هو التوازن المثالي بين الهجوم والدفاع الذي تفتقر إليه العديد من الفرق الكبرى، لأنه يركض كثيرًا، يظهر دائمًا في الأمام والخلف أيضًا.
أي شخص لديه عيب جسدي مفترض مثل حجم الجسم، قد يُعوض السنتيمترات المفقودة بفضائل أخرى، علي سبيل المثال، الرئة التي يُحسد عليها عدائي الماراثون ستجدها عند كانتي الذي يترك الخصم فقط عندما يتخلص من الكرة أو عندما ينجح في استعادتها.
لديه أيضا طريقة لعب تمركزية مثالية، وتوقيته مناسب دائمًا للتدخلات والإعتراضات، بشكل عام، يكون كانتي هناك عندما تصبح الأمور صعبة، والأفضل من ذلك، إنه يرى الخطر قبل أن يظهر، هذا يعني أن قلوب الدفاع يتحسنون أيضًا عندما يلعب كانتي أمامهم، إذا، على سبيل المثال، سقط مهاجم الخصم أوهرب من الرقابة، فعليه وضع كانتي في الإعتبار.
إذا كان صحيحا أن مدرسة التدريب الألمانية بضغطها المضاد هي المهيمنة حاليا في كرة القدم الحديثة، فإن كانتي هو الطالب المثالي، يحصل علي الكرات التي يعتقد الخصم أنه فاز بها للتو، ثم يبدأ التحول والهجوم، غالبا ما يتحول الدفاع إلى هجوم بحركة واحدة، لكن كانتي يفعل ذلك بسهولة، قال جوزيه مورينيو عنه ذات مرة: "إذا كان للمدرب أربعة أو خمسة لاعبين من كانتي، فسيخلي أربعة أو خمسة أماكن".
يضمن كانتي أن كل شخص معه يمكنه تقديم أفضل ما لديه، يضم المنتخب الفرنسي كيليان مبابي وأنطوان جريزمان وبول بوجبا، الذين أصبح معهم بطل العالم في 2018، في ليستر، كان جيمي فاردي ورياض محرز، في أول موسم له في البريميرليج عام 2016، فاز على الفور باللقب وكان لاعب العام في أقوى دوري في العالم، ثم ذهب إلى تشيلسي، وحصل على اللقب مرة أخرى في عام 2017 وحصل على جائزة أفضل لاعب في الدوري بتصويت اللاعبين والصحفيين الرياضيين، وقد صوَّت الفرنسيون له كأفضل لاعب كرة قدم في فرنسا.
يعمل أيضا مع تشيلسي حتى يتمكن الآخرون من التألق، بفضله، أصبح إيدن هازارد أفضل لاعب في تشيلسي في العقد الماضي، والآن يستفيد منه تيمو فيرنر وكاي هافيرتز، في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا هذا الموسم أمام ريال مدريد، عرض كانتي نفسه بشكل جيد في خط الوسط الهجومي في المكان المزدحم، حيث لا يمكن إلا للأفضل أن يحصل علي الكرة، في منطقة ميسي، وقف وظهره إلى المرمى، استخدم وضعية جسده بشكل مثالي، خلق اتصالاً جيداً مع زميله، الأمر الذي وضع ثلاثة لاعبين لدي المنافس خارج اللعبة، ثم ركض نحو المرمي ليضع كاي هافيرتز منفرداً، وفي النهاية سجل تيمو فيرنر بعد المتابعة.
قبل هدف تشيلسي الثاني في نفس المباراة، أراد ريال مدريد اللعب نحو الأمام، قام راموس بإخراج كرة عشوائية، بالنسبة لأي شخص آخر فهي كرة ميتة، لكنها مع وجود كانتي تحولت إلى فرصة، لأنه كان هناك بالفعل، هو يظهر عادةً في هذه المواقف، استحوذ على الكرة جيدا في منتصف ملعب مدريد، وفجأة لم يكن هناك سوى مدافعين إثنين بينه وبين المرمى، اندفع بسرعة نحو المرمي وبالتالي خرج المدافعين للضغط عليه، ولكن بعد ذلك وضع الكرة على الجهة اليمنى لكريستيان بوليسيتش، الذي مرر لماسون ماونت، ومرة أخرى سُمح للآخرين بالتألق، وذهب تشيلسي إلي النهائي.
فقط تحت قيادة ماوريتسيو ساري في تشيلسي ونظامه 4-3-3، مر كانتي بمرحلة أضعف قبل عامين، جعله الإيطالي يلعب بشكل أكثر هجوما، حقبة وجدت طريقها نحو التاريخ هنا وهناك باسم "أعمال شغب كانتي"، اختلف أنصار تشيلسي مع كرة قدم ساري وغنوا "تبًا لكرة ساري" في نهاية فترة ولايته التي استمرت عاما واحدا، كان عليه أن يذهب، ووجد كانتي مستواه مرة أخرى تحت قيادة فرانك لامبارد، ثم توماس توخيل، ولكن قبل كل شيء تحت قيادة كلاوديو رانيري، الذي قاد ليستر إلى تحقيق البطولة المثيرة في عام 2016.
كان مشهد احتفال تشيلسي بلقب أغلي البطولات القارية مشابها لما حدث بعد الفوز بكأس العالم في موسكو، كان على زملائه دفعه إلى الأمام وتسليمه الكأس حتى يمكن تصويره به، لقد أراد فعلا أن يذهب الآخرين للاحتفال أولا.
سينطلق نجولو كانتي دائما ليسد الثقوب، يسرق الكرات ويأكلها ليس هي فقط ولكن أيضا دافع خصومه للمحاولة مرة أخرى، ثم بعد ذلك سيسمح للآخرين بالتألق، سيبتسم بخجل، ثم سيقول لكم شكراً لكن انتم من يستحقه.
المصادر: