كتب : عمر مختار
عانى مانشستر يونايتد من آلام أوروبية بعد الهزيمة أمام فياريال بركلات الترجيح الماراثونية 11-10 في نهائي الدوري الأوروبي والذي أقيم في جدانسك، بولندا.
بعد أن سدد جميع لاعبي الفريقين الـ21 ركلات الترجيح في الشباك بما فيهم حارس مرمي فياريال جيرونيمو رولي، اخطأ ديفيد دي خيا في التسجيل وتصدي لها رولي في مشهد هوليودي تحت الأمطار وضعه بطلا لتلك الليلة.
لم يكن هناك تكرار لما حدث في موسكو قبل 13 عاما عندما كان إدوين فان دير سار هو حارس عرين الشياطين الحُمر في نهائي دوري أبطال أوروبا.
من الصعب دائما أن تخسر الفرق بهذه الطريقة، ويبدو أن إضاعة ركلة الجزاء الحاسمة كانت تأثيرها قاسٍ على الحارس الإسباني الذي لم ينجح في التصدي لآخر 31 ضربة جزاء سُددت عليه، يعود الزمن بنا إلي عام 2016 والذي شهد آخر ضربة جزاء تصدها لها دي خيا.
تشير الإحصائية أيضًا إلي أن "دين هندرسون" بديل "دي خيا" في نهائي الدوري الاوروبي تصدي لـ 8 ضربات جزاء من أصل آخر 17 تم تسديدها عليه بنسبة نجاح تصل إلي 47٪ في التصدي لضربات الجزاء.
ركلة الجزاء هي التجسيد الأكثر وصفا لعلم النفس والممارسة المتكررة في كرة القدم، إنها اللعبة في أبسط صورها وأساسياتها، يجب أن تعبر الكرة خط المرمى، وراء حارس المرمى، دون وجود مدافعين في الطريق، إذا لم يتم حسم نتيجة المباراة، فإن ركلة الجزاء تقدم مساعدة كبيرة لوضع مزيد من الضغط على الخصم وبأقل جهد يذكر، لا تحتاج أي تكتيكات حقيقية، على الأقل مقارنة بالتعقيدات الأخري للعبة.
عندما تكون ركلة الجزاء جزءا من سلسلة ركلات ترجيحية، فإن الضغوطات تكون كبيرة بشكل لا يصدق، حيث يصبح المرمي بالنسبة لللاعب المنفذ وحشا ينتظر التهامه، لم تعد ركلة واحدة فقط، بل سلسلة منها، في العالم هناك لاعبين رائعين، لكن بعضهم لا يمكنهم التقدم للتسديد، إذن ما الذي يجعل اللاعب سواء المسدد أو حارس المرمي جيدا في ركلات الجزاء؟ كيف نستخدم نماذج مختلفة لتحسينها؟ ما تأثيرها؟ والأهم من ذلك، هل لا تزال ركلات الجزاء مهمة؟
بالوقوف أمام المرمى، ثم وضع الكرة في مكان تم تحديده بدقة على بًعد 12 ياردة من خط المرمى، حيث يجب على حارس المرمى أن يبقى منتظرا حتى يلمس اللاعب الكرة، يبدو أن الميزة في صالح اللاعب أكثر، ومع ذلك، فإن عديد اللاعبين يضيعون ركلات الجزاء، ويرجع ذلك جزئيا إلى عبء تحمل الضغط أكثر.
النظر مباشرة في عين الحارس، القتال على وشك أن يبدأ، بالنسبة للاعب يمكن للجمهور أن يصبح سرابا بسهولة كما يمكن أن يصبح كتلة عقلية ملقاه علي عاتقه، يمكن للاعب أن يري الحارس ضئيلا في المرمى، أو بدلا من ذلك عملاق يستعد للقضاء عليه قبل الركلة، الإدراك والثبات مهمان للغاية.
نادرا ما يضيع اللاعبون في الوقت الحاضر، في الدوري الإنجليزي خلال موسم 2019-2020، من بين 92 ركلة جزاء تم احتسابها، ركلتان فقط لم يتم تسديدها علي المرمي، في موسم 2018-2019 تم احتساب 103 ركلة جزاء، ثلاثة منهم لم يتم تسديدهم علي المرمي، وفي موسم 2017-2018 تم احتساب 80 ركلة جزاء، أيضا ثلاثة منهم لم يتم تسديدهم علي المرمي، في هذه المواسم الثلاثة، تصدي حراس المرمي لـ 13 و 16 و 21 ركلة جزاء علي الترتيب.
إذا أردنا العودة إلى الخلف، فيمكننا البدء في قياس اتجاهات التحول منذ أن تغير المسمي إلي البريميرليج، في الموسم الافتتاحي 1992-1993، لم يتم إحتساب سوى 61 ركلة جزاء، واحدة لم يتم تسديدها علي المرمي و2 تصدي لهما حراس المرمي، في 1993-1994، تم احتساب 82 ركلة تم تسديد جميعها علي المرمي بينما تم التصدي لإثنتين وكلاهما من سويندون، وأخيرا للإيجاز، في 1994-1995، تم احتساب 67 ركلة، واحدة منها فقط لم يتم تسديدها علي المرمي ولم يستطع حراس المرمي إنقاذ أي ركلة منها.
ما أصبح واضحا الآن هو، أولا: هناك زيادة في متوسط احتساب ركلات الجزاء، قد يرجع ذلك إلى العديد من العوامل، بما في ذلك أسلوب اللعب المتطور، والحكام الأكثر صرامة أو الأكثر دقة، والإلتزام المحدد بشكل أفضل للقواعد (تقنية الـ VAR) أو كما سيسارع الكثيرون إلى القول، الغوص أو التمثيل للحصول على ركلة جزاء قبل بالتأكيد وجود تقنية مساعد الفيديو.
في حين أن الكرات الغير مسددة على المرمي يمكن أن تتجاهل دور حارس المرمى، سأكون واضحا أكثر، ساستبعد تلك العوامل وسأخذ عاملا واحدا فقط وهي الأوقات التي يكون فيها حارس المرمى مسؤولا بشكل مباشر عن عدم دخول الكرة الشباك أي إنقاذه، في الموسم الماضي 2019-2020، تم التصدي لـ 14.1% ، في موسم 2018-2019 تم التصدي لـ 15.5% وفي موسم 2017-2018 تم التصدي لـ 26.3%.
وبالعودة إلى مواسم التسعينات، كانت نسب التصديات 3.3% في 1992-1993 و 2.4% في 1993-1994 و صفر% في 1994-1995، يمكن استخلاص استنتاجين من هذا، يزداد اللاعبون سوءا في تسديد الركلات أو يتحسن حراس المرمى في إنقاذها، يبدو الخيار الثاني أكثر ترجيحا دون التأكد.
يتزايد المستوى العام للاعبين في جميع المراكز، وكذلك الموارد المتاحة لاستكشاف المستقبل (خاصة في ركلات الجزاء) كلا اللاعبين، المُسدد وحارس المرمى، يعرفون ذلك أكثر من أي وقت مضى ومع ذلك، أصبح حارس المرمى بمجموعة مهارات أكثر تركيزا من الناحية التقنية، مُجهزا بشكل أفضل للتعامل مع الركلات.
بلغ عدد الأهداف الإضافية 4.6 هدف (متوسط ركلات الجزاء لكل فريق خلال المواسم الثلاثة الماضية) والذي يساوي 9 أو 12 نقطة إضافية لكل فريق، هذا هو الفارق بين المجد والفشل، بين موسم بقاء في دوري الدرجة الأولى وفوز محتمل لنفس البطولة، الأندية تعرف ذلك، هذا هو السبب في أن حراس المرمى أفضل من أي وقت مضى في التصدي لركلات الجزاء.
كرة قدم حديثة تعني تحسن الأدوار
لقد تغيرت كرة القدم بشكل كبير خلال العقد الماضي، تم تطوير جميع المراكز تقريبا في التحول من كرة القدم الجسدية والمباشرة في التسعينيات إلى البناء القائم على الاستحواذ والضغط العالي الذي أصبح واضحا إلى حد ما الآن، من الناحية النظرية، قد لا يكون من المنطقي اعتبار حارس المرمى جزءا من هذا التحول، وظيفته هي فقط إيقاف تسجيل الأهداف، أليس كذلك؟
حسنا، لا، تطور حارس المرمى من مجرد شخص يوقف تسديدة اللاعب مدينا إلى حد كبير برد فعله، وجسده وحدسه، إلى شخص تحليلي، دارس وقادر على قيادة اللعب من منطقة الستة ياردات، يتجول في طريقه عبر مشهد كرة القدم ما بعد الحداثة مثل الملاكم البطل، مع التركيز على التكرار، وحل المشكلات العقلية، البدنية والرياضية المحفورة جيدا، يجسد كل شيء تملكه كرة القدم والذي ستصبح عليه.
في كرة القدم التحليلية والعلمية الحديثة، أصبح تركيز حارس المرمى أكثر في استخدام أدواته، ما هو التحول التدريجي الذي جعل مسار حارس المرمى قادرا على إيقاف ركلات الجزاء؟ بيتر شمايكل، أحد حراس المرمى المشهورين في بداية مُسمي بريميرليج، يمكن أن يعطينا فكرة.
في البداية، يجب أن يؤمن حارس المرمي أنه بإمكانه فعل ذلك حقا، إذا قام بالتدرب علي ذلك، فسوف يتحسن، إذا لم يفعل، فمن المحتمل أنه لن يقوم بذلك، صحيح أن التحليل كان موجودا في طفولته، لكن تجنبه العديد من كبار المدربين، ربما قام اللاعب بتحسين صفاته، لكن شيئًا مثل ركلات الجزاء كان لا يزال علما زائفا.
قام شمايكل بتفصيل نهجه، والاعتقاد بأنه حتى اللاعب لا يستطيع التحكم في كل شيء:
"للإعتقاد بأنني اتحكم ولو قليلا، فإنني أفضل ألا أعرف أي شيء في تلك اللحظة، عندما يتعلق الأمر بركلات الجزاء، بما في ذلك الركلات الترجيحية، بالنسبة لي الأمر بسيط، لقد قررت بالفعل، هذا ما سأفعله، لا يهمني من يركل الكرة، في ركلات الترجيح، ما زلت سأذهب يسارا، يمينا، يمينا، يسارا، يمينا، هذا ما سأفعله، وهذا يعطيني فكرة، أو انطباع، بأنني مُسيطر بالفعل".
كلام شمايكل لا يعكس تماما بأنه كلاعب لم يؤمن بالأمور الفنية، لكن الفكرة السائدة في ذلك الوقت كانت أن ركلات الجزاء كانت نوعا من السحر الأسود ولإنجاح ذلك السحر، كان على الحارس الدنماركي ألا يغير رأيه أبدا، بغض النظر عن أي شيء.
عوامل هامة لإنجاح النظرية
يبدو أن الأمر أكثر من ركلة جزاء، فشمايكل يعتبرها معركة نفسية، ويُكمل:
"إنه وضع لا يمكنك التحكم به، لست أنت من يضع الكرة في منطقة التسديد، لا يجعلك هذا تستعد جيدا، أنت لا تقرر كم من الوقت تحتاج أن تستعد، أنت لا تقرر أي قدم سوف يركل بها اللاعب الكرة، لا تعرف زاوية معينة سيوجه الكرة خلالها، لا تقرر متى يعلن الحكم صافرته".
من الصعب الاختلاف مع أي من ذلك، يقول شمايكل إنه يؤمن بالحظ، الحظ هو عدم اليقين، وعدم اليقين هو الفوضى، هذا يسلط الضوء على أحد التغييرات الرئيسية، فقد بدأت كرة القدم من خلال التحليل والبيانات والإحصائيات في القيام بما بدأ العلم القيام به مع الطبيعة منذ قرون بإعطاء أهمية للأشياء المظلمة.
لم تعد الفوضى مقبولة في كرة القدم، والتداول معها مجرد فلسفة، يعرف اللاعب ما الذي من المحتمل أن يفعله حارس المرمى، وقد شاهده مرات عديدة في الفيديو، يعرف حارس المرمى أيضا مَن مِن المرجح أن يذهب للتسديد وماذا سيفعل، من نواح كثيرة، يتم توقع السيناريو قبل التسديد.
في العصر الحديث، هناك إجماع عام حول أكثر حارس مرمى يمكنه التصدي لركلة جزاء، دييجو ألفيش حارس المرمي الحالي لنادي فلامنجو البرازيلي، عندما غادر فالنسيا في عام 2017 ، كان البرازيلي صاحب الرقم القياسي للتصدي لركلات الجزاء في الدوري، حيث تصدي لـ 24 ركلة جزاء في وقته هناك، وقع ألفيش مع فالنسيا قادما من الفريق الأندلسي ألميريا حيث كان سجله غريبا أيضا، فقد واجه 18 ركلة جزاء، تصدي لـ 12 منها.
من مجموع تصدياته الـ 24، واجه 50 ركلة جزاء، 24 منها دخلت مرماه مع إثنتين تم تسديدهما خارج المرمي، ألفيش وصل إلي قمة مستواه في التصدي لركلات الجزاء، وهو دراسة حالة مثالية، المثير في ألفيش هو أنه لا يفعل أي شيء مختلف عن الآخرين، فهو فقط يقوم بالأمور بشكل أفضل.
وصف ألفيش ركلات الجزاء بإنها معركة نفسية بين حارس المرمى واللاعب المسدد، كما هو الحال مع المعارك النفسية الأخرى في الرياضة، كونور مكجريجور، أكبر دليل علي وجود الحرب النفسية في الرياضة المعاصرة، فاز الأيرلندي بمباريات الفنون القتالية بسبب قدرته على توقع نتيجة المعركة قبل حدوثها، لا يرجع تميزه فقط إلى مهاراته الفذة، ولكن عقليته الفريدة.
تتخلل رغبته الجائعة في الوصول إلى القمة، بأي ثمن، مكجريجور ذكي في الكلام، يمكنه إنهاء القتال في دقيقة، قال الأيرلندي وهو يقاتل البرازيلي خوسيه ألدو، "سينتهي الأمر قبل حتي أن تعرف، يرجى فقط الحضور يوم 12 ديسمبر".
بعد 13 ثانية فقط من القتال، هزم ماكجريجور ألدو، وهي أول خسارة للبرازيلي بعد عقد من الزمان، كان من الممكن أن يستمر القتال حتي وقت متأخر جدا ولكن التبادلات اللفظية من جانب ماكجريجور اخترقت الحاجز النفسي لألدو.
يشبه ألفيش ماكجريجور كثيرا، قوة كبيرة في علم النفس والثبات، قلب البرازيلي الموازين حيث حول معدل التصديات المعتاد الذي يتراوح بين 15 إلى 20% إلى أقل بقليل من 50 %، واجه ألفيش كريستيانو رونالدو في أربع مناسبات، واحدة مع ألميريا وثلاثة مع فالنسيا، تصدي ألفيس لثلاث ركلات جزاء من تلك، كان يعلم أن إيقاف ضربة قوية ودقيقة من المهاجم البرتغالي سيكون أمرا صعبا جدا لذلك لجأ إلي مبدأ التلاعب النفسي، قال ألفيش لرونالدو: "لا تسدد على يميني"، حيث كان ريال مدريد متأخرا في النتيجة 2-0.
لا أحد يستسلم للضغوط، على الرغم مما يقال عنه غالبا لكن هذا يجعل رونالدو مهما عندما يكون فريقه في أمس الحاجة إليه، اختار أن يفعل الأشياء بطريقته ولماذا لا؟ لقد قام بذلك في مرات لا تحصى من قبل، تمسك رونالدو بسلاحه، وسدد على اليمين وتصدي لها ألفيس، تعادل ريال مدريد ليحصل على نقطة واحدة، لكن هذا تركهم خلف برشلونة بأربعة نقاط مع تبقي مباراتين فقط، كان ألفيش من حسم اللقب.
جزء آخر من تكتيكات ألفيش للخداع هي حركته، يقوم البرازيلي بجذب مسددي ركلات الجزاء مثل شخص يضع الجبنة لفأر ومن ثم يقوم باصطياده، يقنع اللاعب بالتسديد في جانب واحد، يغريه بالإتجاه من خلال التحرك في لحظة استعداده للتسديد، عندها يسدد اللاعب بمسار ووتيرة معينة، وشبه مؤكد أن أي تغيير في عقله سيؤدي إلى كارثة، نقطة اللاعودة؛ هذا هو الوقت المثالي لإثارة الشك في ذهن اللاعب الذي يقوم بالتسديد.
يتحرك بشكل متعرج وغير منتظم لإلهاء المنافس، لكنه محسوب بما يكفي ليظهر براعته، في الجزء الثاني الذي يستغرقه للانتقال إلى أي من الجانبين، يقوم بتخيمن اتجاه اللاعب المسدد بالفعل، إنها لحظة الشك الأخيرة في جزء من الثانية، والتي غالبا ما تمحو صورة المرمي من ذهن اللاعب المسدد.
هذه الحركة تفسح المجال لوضع قدميه، دائما ما يكون في وضع يسمح له بالإرتماء في أي من الجانبين، ينظر ألفيش إلى اللاعب وهو يفعل ذلك، كما لو كان يختبر نظاراته الجديدة التي سيرتديها، إذا افترض الاتجاه بشكل صحيح، نتيجة استجابة استنتجها من المسدد، فسوف يلتزم بهذا الإتجاه، هذا هو الشئ الذي يختلف فيه ألفيس عن شمايكل، كلاهما فهم الفوضى، سعى الدنماركي لاحتضانها، بينما تلاعب البرازيلي بها.
خوسيه مانويل أوشوتورينا، مدرب حراس المرمى في فالنسيا، يرجع نجاح ألفيش في التصدي لركلات الترجيح إلى عدة عوامل: "دييجو حارس مرمى يتحرك بشكل جيد للغاية، لديه الحدس وردود الفعل للسيطرة على الوضع، ردود الأفعال هي أفعال لا إرادية تحدث بدون تشغيل العقل".
على الرغم من ذلك، يمكن التدرب على رد الفعل عن طريق الممارسة المتكررة وتكرار الأفعال، فيصبح الأمر تلقائيا ومعتادا، وتبدأ المسارات العصبية الجديدة في التشكل لتسهيل هذه التغييرات.
يبدو أن كأس العالم قد جلب لنا شيئا سحريا بخصوص ركلات الترجيح، تذكر اللقطة المشهورة لحارس مرمي ألمانيا يانز ليمان أثناء قراءته لقصاصة ورق ذُكرت فيها نصائح ركلات الترجيح خلال مباراة ربع النهائي من بطولة 2006 كمثال ساطع، تم تأصيل قصاصة الورق كفولكلور لكأس العالم، وبعد بيعها لرجل أعمال مقابل مليون يورو في مزاد، أصبحت الآن في متحف.
لم يكن ليمان يتذكر شيئا عن التحليل قبل المباراة، تجسيد هذه المعرفة على أنها سحر أو تعويذة صعق لاعبي المنتخب الأرجنتيني، فتسلل إليهم الذعر وقلل ثقتهم في أنفسهم، من الواضح أن محتوي القصاصة كانت المعرفة الدقيقة بكل مسدد لركلات الترجيح، من الذي سيركلها بعد ذلك وإلى أين ستذهب، إنها الحالات الأكثر تطرفا التي يصل إليها عقلنا في ضباب المجهول، كان شيئا حير الخصوم.
كان لدى خوان ريكيلمي نظرية حول الأمر: "كان الأمر كله يتعلق بتأخير الركلات لفترة أطول قليلا وجعل لاعبينا يعتقدون أنه يعرف أين سيسددون، لقد كان حادا للغاية في الطريقة التي حاول بها تشتيت لاعبينا" وبالنظر إلى أن الألمان قد فازوا 4-2، كانت الوسيلة بالتأكيد هي الرسالة بالنسبة له.
في الواقع، كان ليمان قد سجل ملاحظات في ذلك الصباح، وكتب أسماء سبعة لاعبين، والاتجاه الذي يعتقد أنهم سيذهبون إليه، اثنان منهم فقط قد تقدموا بالفعل للتسديد، لقد نجح الأمر، لقد تصدي لركلة روبيرتو أيالا وخمن الاتجاه الصحيح لتسديدة ماكسي رودريجيز أيضا، ولكن ما هو الأكثر فائدة هنا؟ ما التحليل الذي أدى إلى قراراته أو تأثير الملاحظة على خصومه؟ ربما يكون ريكيلمي قد اقترب بالفعل من حقيقة الملاحظة أكثر من الحقيقة نفسها.
لويس فان جال، واحد من العلامات الرئيسية في وضع التكتيكات على خريطة الطريق لكرة القدم الهولندية، كان يعرف كيفية القيام بما هو مطلوب منه في لحظات حرجة، مثل فكرته الرائعة قبل ركلات الترجيح التي خاضها منتخب هولندا ضد كوستاريكا في كأس العالم 2014.
مع حلم الوصول إلي قبل النهائي، بدا أن نتيجة التعادل السلبي سوف تنهي مشوار الطواحين، فقد حصلت كوستاريكا على المركز الأول بمجموعتها الصعبة التي ضمت إنجلترا، أوروجواي وإيطاليا قبل أن تفوز على المكسيك، بينما حاولت هولندا لكنها لم تكن قادرة على التسجيل في مرمي كيلور نافاس المتألق.
اختار فان جال في الدقيقة الأخيرة، في الدقيقة 120، تبديل حارس المرمى ياسبر سيليسن بتيم كرول، كرول الذي قد واجه سلفا مع نيوكاسل 20 ركلة جزاء في الدوري الإنجليزي، أنقذ اثنتين منها فقط، تفكير غريب أليس كذلك؟
قال جاري لينيكر حينها إن الهولندي اليوم سيعيش أو يموت بقراره، ابتعد كرول عن زملائه، واقترب من لاعبي كوستاريكا بطريقة دعت مشجعيهم يقومون بصافرات استهجان، عاد العملاق الهولندي إلي المرمي، وأنقذ بالفعل ركلة الجزاء الثانية والرابعة، شعر أنه أكثر رجل مكروه ومحبوب في ذلك الملعب، ركلات الجزاء دائما ما تكون قاسية على جانب واحد، الخاسر بطبيعة الحال.
من الواضح أن فان جال قد وضع حساب جيد لهذا القرار، خمّن كرول الجانب الصحيح لكل ركلة تم تسديدها على مرماه، بالإضافة إلى محاولته التصدي لجميعها، بذل كرول كل ما في وسعه لتشتيت كل لاعب كوستاريكي على وشك تسديد الركلة، اختار كلمات لللاعبين مشيرا إليهم أنه يعرف تماما مكان وضعهم للكرة، وبالفعل كان التأثير النفسي للإضطراب أكثر وضوحا.
أنا أتعلم إذن أنا اتطور
إذا وقع الاختيار على لاعب واحد لتنفيذ ركلة جزاء، فمن الأفضل اليوم، فمن المحتمل أن يختار العديد من مشجعي كرة القدم روبرت ليفاندوفسكي، لم ينجح أي لاعب حتى الآن في الحفاظ على سجل تسجيل 90٪ فأكثر في أكثر من 25 ركلة جزاء، تذكر أن كل هذا أمام حراس مرمى لديهم إمكانية الوصول إلى البيانات التي لم يواجهها ليتيسييه أبدًا.
ما يُميز سجل ليفاندوفسكي هو أن 59 من أصل 64 (92%) من ركلات الجزاء، كريستيانو رونالدو 126 من 147 (85.7%)، هو الاستمرارية المطلقة، العديد من هؤلاء اللاعبين المذكورين بعيدين عن الأضواء والضغط، شخص يمكنك الاعتماد عليه حقا للإستفادة من هذه الفرصة، ولكن على مدى فترة طويلة من الزمن، عندما تصبح ركلة الجزاء الضائعة بسهولة اثنين وثلاثة على التوالي، فلا يبقي الجميع ثابت بنفس المستوي.
لم يكن من المفاجئ سماع اسم ليفاندوفسكي في الأعلى، لقد كان حاضرا مع بايرن ميونيخ لسبع سنوات، مهاجم حقيقي بكل السمات الجسدية، التقنية والفنية مع ركلات الجزاء بالطبع.
يقول ليفاندوفسكي: "كل شيء يتعلق بالعقلية"، مرة أخرى، هذا يتلخص في الثقة، غالبا ما يختار الهداف البولندي جانب للتسديد اثناء استعداده للتنفيذ، ويرجع ذلك أولا إلى ما يراه من حركة حارس المرمى، وثانيا إلي حدسه، في أحيان أخرى، سيختار جانبا قبل المباراة ولن يغير ذلك بسبب ما يشعر به.
في مقابلة مع "دويتشه فيله"، يتبنى ليفاندوفسكي فوائد الثبات العقلي، ليظل مركزا وهادئا في مواجهة الضغط المُلقي عليه، حتى مع احتدام المعركة، وسماع الأصوات الصاخبة وتدفق إدرينالين المنافس، يجب أن يتم النظر إليك على أنك متحكم من خلال سلوكك الخارجي ولغة جسدك، لا تعطي ظهرك لحارس المرمى ولا تركض بالكرة بمجرد أن تنطلق صافرة الحكم.
بعض مسددي ركلات الجزاء يستمتعون بالفرصة، والبعض الآخر ليس كثيرا، مثلهم مثل حراس المرمى، هناك تقنيات لفعل ذلك، الكلمات المستخدمة لتهدئة اللاعبين، والمعتقدات التي يجب اتباعها، من المهم جدًا العلم أن الإحتمالات تميل بقوة لصالح اللاعب المسدد، لا أحد يرفض فرصة 75% للنجاح، غالبا ما يتم حسم مباريات بهدف وحيد في كرة القدم، وهو الفارق بين الفوز والخسارة، لكن كونك المرشح الأوفر حظا يجعلك مضغوطا بشكل أكبر.