بيبي الذي لا تعرفه.. الوحش الهادئ مازال قادرا على القتال
الخميس، 03 يونيو 2021 - 18:17
كتب : عبد الرحمن فوزي
قارب على الأربعين، ومازال يقاتل مرتديا قميص بلاده. بيبي بعمر الـ38 يتواجد بقائمة البرتغال ليورو 2020.
دائما ما عرفه جمهور كرة القدم باللاعب العنيف والمقاتل داخل الملعب، والذي قد يصل أحيانا عنفه لإيذاء لاعبي الفرق الأخرى، ولكن لا يعرف معظم المشجعين الوجه الحقيقي لـ بيبي، نجم فريق بورتو والمنتخب البرتغالي، ولاعب ريال مدريد السابق، بيبي الذي لا تعرفه.
ولد كيبلر لافارين دي ليما فيريرا الشهير بـ بيبي في 26 فبراير من عام 1983 في مدينة ماسيو وهي مدينة فقيرة في شمال شرق البرازيل.
والد بيبي، أنايل فيريرا، كان يطمح في أن يكون لإبنه مستقبل أفضل، لذلك أسماه تيمنا بـ جوهانيس كيبلر رائد الفضاء الألماني، وتشارلز لويز ألفونس لافارين عالم الفيزياء الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل في عام 1907، وكان دائما ما يقول لأصدقائه: "بتلك الأسماء، سيصبح ابني عالما".
الوحش النائم
ترعرع بيبي في منزله وسط أخواته الفتيات الثلاث، وكان الفتي المدلل لأمه حتى وصل لسن المراهقة. كان يقضي ساعات طويلة بجانبها يمشط شعرها، وصدق أو لا تصدق، الوحش الذي نراه على الشاشة حاليا، كان ينام بجانب أمه في السرير حتى وصل لسن 17 عاما، لقد كان ابن والدته بحق، كما يطلق على الفتيان المدللين.
"شيء ما أخبرني أنني سأقضي الكثير من الوقت بعيدا عنها". هذا ما قاله بيبي عن والدته في حواره مع جريدة إكسبريسو البرتغالية مؤخرا، وهو ما تحقق بالفعل فيما بعد.
جاء كشافو نادي ماريتيمو البرتغالي إلى مدينة ماسيو لمشاهدة مباراة تجريبية لفريق كورنثيانث ألوجانو للبحث عن مهاجم محلي للانضمام للفريق البرتغالي، لذلك طلب رئيس النادي من بيبي أن يتساهل مع المهاجمين ليظهروا بشكل لائق، أملا في ذهابهم لأوروبا، وهو ما لم يفعله بيبي، الذي بذل أقصى جهده في الدفاع كما اعتاد، لذلك تغيرت أنظار كشافي ماريتيمو من البحث عن مهاجم، للإعجاب بالمدافع الصلب بيبي، ليقرروا ضمه للنادي البرتغالي.
ظل بيبي لفترة يلعب مع فريقه المحلي، قبل الانضمام لماريتيمو. وبعد أسابيع قليلة، وأثناء مشاركته في المباراة الأخيرة مع فريقه، تدخل منافس بيبي على قدمه متعمدا، وهو ما تسبب في كسر رجل المدافع، ولكن لم يمنع ذلك الحادث ماريتيمو من ضم اللاعب الموهوب الذي خطى خطواته الأولى في أوروبا، مرتديا قالب من الجبس في قدمه.
لعب بيبي لمدة موسم واحد فقط مع فريق الناشئين في ماريتيمو، قبل أن يقرر المدرب الروسي أناتولي بيشوفيتس تصعيده للفريق الأول، وأصبح بيبي، جزء أساسي من تشكيل الفريق، وقدم أداء مذهل بالنسبة للاعب يلعب موسمه الأول في أوروبا.
في الموسم التالي وأثناء الاستعداد لبداية الموسم، وافق ماريتيمو على أن يتدرب بيبي مع سبورتنج لشبونة لمدة أسبوعين، تمهيدا للتعاقد معه، ولكن المفاوضات لم تسر إلى نحو جيد بسبب الاختلاف حول القيمة المالية.
أكمل بيبي الموسم رفقة ماريتيمو، وقدم أداء رائعا، تخطى موسمه الأول، وساعد فريقه في الحصول على المركز السادس والتأهل لبطولة كأس الاتحاد الأوروبي.
بعد قضائه لثلاثة مواسم رفقة ماريتيمو وفي الموسم التالي، جاءت الفرصة مرة أخرى لـ بيبي، ليأخذ خطوة أكبر في مسيرته الكروية، وتلك المرة اكتملت الصفقة حين انتقل لـ بورتو في يوليو من عام 2004، الفريق الحاصل على الثلاثية في ذلك الوقت في إنجاز تاريخي مع جوزيه مورينيو، والذي رحل إلى تشيلسي وترك مكانه للمدرب الإسباني فيكتور فيرنانديز.
مع بورتو ظهرت إمكانيات بيبي أكثر، وتمكن من البروز أكثر، خصوصا مع اعتماد الفريق لخطة 3-4-3، والتي شارك بيبي بها كلاعب المدافع الأوسط، ما جعل زميله في الفريق حينها باولو أسينساو لاعب الوسط، الذي تحدث مؤخرا مع ذا أثليتيك، يقول: "أتذكر مباريات كان بيبي بها هو المدافع الحقيقي الوحيد، لقد كان صغيرا، ولكنه كان قادرا على قيادة الدفاع وحيدا، من تلك النقطة كنت أقول إن ذلك الفتى سيذهب بعيدا في كرة القدم".
المحطة الأبرز
وبعد ثلاثة مواسم، حقق فيها بيبي مع بورتو بطولتي الدوري البرتغالي وكأس البرتغال، وبطولة إنتركونتينينتال، جاء الدور على المحطة الأبرز في مشوار الفتى البرتغالي، وهي ريال مدريد الذي انتقل إليه في يوليو 2007 في صفقة كلفت النادي 30 مليون يورو.
في ريال مدريد، الوضع الدفاعي لم يكن على ما يرام وبدون قائد منذ رحيل فيرناندو هييرو عن الفريق، باكو بافون وراؤول برافو وألفارو ميخيا ووالتر صامويل وميتزلدر، لم يقدم أي منهم ما يليق باسم ريال مدريد، حتى مع انضمام بطل العالم فابيو كانافارو، الذي عانى ليثبت نفسه، وسيرخيو راموس الذي كان يلعب كظهير أيمن حينها.
بيبي يقول إن البعض وصف ريال مدريد بـ "مقبرة المدافعين". وهذا ما اكتشفه بنفسه في مباراته الأولي في الموسم أمام أتلتيكو مدريد والتي انتهت بالتعادل بهدف لكل فريق، سجله بيبي بنفسه، وفي حواره مع إكسبريسو قال بيبي "لقد أتيت من فريق كان ينظم الدفاع بشكل تكتيكي، ما وجدته في مدريد كان فوضى. في أول 30 دقيقة، الدفاع كان ممزقا، لقد كنا نلعب بواحد ضد واحد فقط.
التفت لـ كانافارو وقلت له "فابيو، قم بالتغطية". وأجابني "لا، هنا كل رجل يلعب من أجل نفسه فقط".
لم يكن بيبي هو اللاعب المفضل للجماهير على الرغم من تكلفة الصفقة المرتفعة، ولكنه تمكن من إثبات نفسه شيئا فشيء كمدافع قوي، وتحدث عنه ميجيل توريس لاعب الفريق السابق قائلا: "لقد كان من الصعب أن يأتي أي لاعب لمستوى فيرناندو هييرو، ولكنني أعتقد أن بيبي واحد من أفضل الصفقات في تلك الفترة، لم يأخذ وقتا طويلا لإثبات أن اختيار النادي له كان صحيحا".
في الكلاسيكو الأول له، تمكن بيبي من إيقاف رونالدينيو تماما وقدم أداء مذهلا ساهم في فوز الفريق بهدف نظيف، وأثناء خروجه من الملعب، جاء المسؤول الإعلامي للنادي وقال له: "أحسنت، لقد غيرت حياتك اليوم".
توج بيبي بلقبه الأول مع ريال مدريد، وهو الدوري الإسباني ودارت الأيام واستمر بيبي في تثبيت أقدامه مع ريال مدريد.
وفي 2009 جاءت اللقطة التي جعلت جماهير كرة القدم ترى الوجه الآخر لبيبي، اللاعب المقاتل العنيف، الذي يستعد لأذية الخصم، بعيدا عند تدخلاته العنيفة على ميسي وألفيش في بعض المناسبات، وتعرضه للطرد في أكثر من مناسبة، وقيامه بصفع زميله ألفارو أربيلوا، ولكن تبقي مباراة خيتافي هي اللقطة الأكثر تعلقا في الأذهان، حين تدخل بيبي علي خافيير كاسكويرو لاعب خيتافي الذي وقع داخل منطقة الجزاء، وهذا ما اعتبره بيبي تحايلا علي الحكم، لذلك ركل بيبي ظهر كاسكويرو أكثر من مرة وهو ملقى علي الأرض، ولم يتوقف عند ذلك بل ظل يشتبك مع لاعبي خيتافي.
عاقب الاتحاد الإسباني بيبي بالإيقاف لمدة عشر مباريات وعين ريال مدريد مستشارا نفسيا لعلاجه من نوبات الغضب تلك.
بعد المباراة خرج بيبي للإعلام وقال: "لقد دٌمرت، فقدت السيطرة لبعض دقائق، لقد رأيت الإعادة ولا أتعرف على نفسي، ليس لدي كلمات لوصف ما أشعر به، أكبر عقوبة يمكن أن أتلقاها هو ما أشعر به الآن".
سامحت جماهير ريال مدريد اللاعب، لكن على الجانب الآخر أصبح بيبي هو العدو الأول لجماهير الخصوم، والتي لقبته بالقاتل، وأصبحت تلك اللحظة في حياته هي اللقطة التي تأتي في أذهان الجماهير حين يذكر اسمه، ليذكر دائما باللاعب المؤذي.
ويقول لاعب وسط فياريال السابق كاني: "بين مدى قبحه والركلات التي كان يقوم بها، لم أرغب أبدا في الاقتراب منه".
ولكن على العكس، بيبي كان محبوبا بين زملائه، إذ قال إيدير مهاجم المنتخب البرتغالي وزميل بيبي لـ ذا أثليتيك: "حينما يدخل إلى أرضية الميدان، فإنه يشغل وضعية المحارب، هو يحارب للفوز وسيفعل أي شيء من أجل ذلك، وذلك قد يعني أنه قد يكون عنيفا بعض الشيء أحيانا، لكن ذلك هو عمله".
ويضيف "لكن بيبي الذي تراه على الملعب مختلف تماما عن بيبي خارج الملعب، هو لا يتحدث كثيرا ويحب الهدوء، إنه ليس الشخص الذي يحب جلب الاهتمام، هو هاديء لدرجة أنك قد لا تلحظ وجوده بالغرفة في بعض الأحيان".
ويقول بيبي نفسه لـ ذا إكسبريسو: "حينما أدخل تحدي، أنا لا أنتظر خصمي، مهمتي هي الحصول على الكرة، إذا أراد خصمي الاحتكاك معي فهي ليست مشكلتي، كرة القدم هي لعبة احتكاك وأنا لست خفيا".
مع مرور السنوات، ثبت بيبي اسمه كواحد من أساطير النادي بسبب قتاليته وروحه في الملعب، وبسبب الإنجازات التي حققها مع النادي، سواء في عهد مورينيو أو كارلو أنشيلوتي، أو زين الدين زيدان، بتتويجه بالعديد من البطولات، أهمها الدوري الإسباني في ثلاث مناسبات ودوري أبطال أوروبا في ثلاث مناسبات مع ريال مدريد.
وظل بيبي يقاتل حتى نهاية رحلته مع النادي، ومشهده الأخير مع النادي كان من المشاهد الأيقونية لنهاية لاعب مثله مع فريقه، في شهر أبريل من عام 2017.
في مباراة أتلتيكو مدريد في بطولة الدوري الإسباني كما كانت البداية، سجل بيبي هدفه الأخير مع النادي، ما تسبب في إصابته بكسر في الضلوع بسبب تدخله لتسجيل الهدف، ليكون المشهد الأخير لـ بيبي مع ريال مدريد هو خروجه مصابا أثناء تسجيله لهدف في الدربي، وسط عاصفة من التصفيق من جماهير سانتياجو برنابيو.
انتقل بيبي لـ بشكتاش في صفقة انتقال حر بعد انتهاء عقده مع ريال مدريد، وقضى موسم واحد فقط مع النادي التركي، شارك خلاله في معظم مباريات الفريق، ولكن في الموسم التالي عام 2019، رحل بيبي مرة أخرى في صفقة انتقال حر، ليعود مرة أخري لفريق بورتو، الذي قدمه في السابق لريال مدريد، لتكون هي المحطة التي قد تكون الأخيرة في مسيرة اللاعب البرتغالي.
رحلة بيبي مازالت مستمرة في العطاء والإنجازات مع بورتو والبرتغال، ونجح في التتويج مع النادي بمسابقة الدوري البرتغالي وكأس البرتغال والسوبر البرتغالي، وقاد الفريق للوصول إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، بعد أدائه الرائع أمام يوفنتوس في دور الـ 16 من البطولة.
الآن وقد وصلنا إلى 2021، مازال بيبي ضمن قائمة بلاده ليورو 2020، وسيقاتل جنبا إلى جنب مع كريستيانو رونالدو لتحقيق مجد جديد لبلدهما.
بيبي لم يحقق أمنية والده ولم يصبح العالم الذي تمناه، لكنه بالطبع جعل جميع أفراد عائلته فخورين بما قدمه ويقدمه حتى الآن في مسيرته الكروية، فعلى الرغم من أنه لم يصبح هذا العالم، ولكنه فيما قدمه في كرة القدم، وفي الحفاظ على أدائه ولياقته بعد وصوله لسن الـ 38، أصبح أشهر ممن أسماه والده تيمنا بهم لدى الكثيرين.