كتب : زكي السعيد
في إحدى الحانات الفاخرة بمقاطعة بافاريا الألمانية، لم يدر بيب جوارديولا أنه يكشف عن كل أسراره لخصمه الذي سيلقنه هزيمة هي الأقسى في مسيرته بعد سنوات.
فاز تشيلسي الإنجليزي بدوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في تاريخه، بانتصاره على مواطنه مانشستر سيتي بهدفٍ دون رد في ملعب الدراجاو بمدينة بورتو البرتغالية.
وسجّل الألماني كاي هافيرتز هدف الانتصار التاريخي في الدقائق الأخيرة من الشوط الأول.
ليضيف تشيلسي لقبا جديدا إلى خزانته من دوري الأبطال بعد لقب 2012، في ثالث نهائي يخوضه، إذ خسر نسخة 2008 أمام مانشستر يونايتد.
وحقق توماس توخيل لقبه الأول في مسيرته بدوري الأبطال، بعد أن خسر نسخة الموسم الماضي كمدرب لـ باريس سان جيرمان.
وأكد توخيل التاريخ الغريب لـ تشيلسي، فالمرات الثلاثة التي لعبوا فيها نهائي دوري الأبطال، كان ذلك بعد تغيير المدرب بوسط الموسم، حدث ذلك سابقًا مع أفرام جرانت وروبيرتو دي ماتيو، ويتكرر مع الألماني.
كما حصد البرازيلي تياجو سيلفا اللقب بعد أن خسره قبل عام من الآن كقائد لـ باريس سان جيرمان.
وبات حكيم زياش ثاني مغربي يفوز باللقب بعد أشرف حكيمي الذي حصده مع ريال مدريد.
كما صار إدوارد ميندي ثاني سنغالي يحصده بعد ساديو ماني الذي فعلها مع ليفربول، وثاني حارس إفريقي بعد الموزمبيقي بروس جروبيلار رفقة ليفربول في الثمانينيات.
وأعاد ماركوس ألونسو إحياء إرث عائلته بعد 60 عامًا، إذ فاز جده ماركينيوس باللقب في أول 5 نسخ بقميص ريال مدريد، بينما عجز والده عن الفوز باللقب وخسره مع برشلونة في 1986 أمام شيتوا بوخارست.
وداعًا أجويرو
المباراة كانت وداعية حزينة لـ سيرخيو أجويرو الهداف التاريخي لـ مانشستر سيتي الذي خاض لقائه الأخير مع الأزرق السماوي.
المهاجم الأرجنتيني ينتهي عقده مع سيتي بنهاية الموسم الجاري، وتشير التقارير إلى تحوّله لصفوف برشلونة.
نهائي إنجليزي خالص
مانشستر سيتي بات النادي رقم 42 الذي يظهر في نهائي دوري أبطال أوروبا على مر التاريخ، والإنجليزي التاسع بعد ليفربول ومانشستر يونايتد وتشيلسي ونوتنجام فورست وليدز يونايتد وأستون فيلا وأرسنال وتوتنام هوتسبير.
لكن بسقوطه أمام تشيلسي، احتفظت مدينة ميلانو الإيطالية بلقب اعتباري، إذ تعد المدينة الوحيدة التي تضم فريقين توجا بدوري أبطال أوروبا: ميلان وإنتر. مكانة لم يستطع أتليتكو مدريد أو مانشستر سيتي زحزتها.
الخسارة هي الأولى لـ مانشستر سيتي في النسخة الحالية بعد أن انتصر في 11 لقاءً وتعادل مرة واحدة.
واستمرت عقدة الفرق التي تظهر في نهائي دوري الأبطال لأول مرة، إذ لم يفز باللقب فريق في ظهوره الأول بالنهائي منذ بوروسيا دورتموند عام 1997.
وأدار المباراة أنطونيو ماتيو لاهوز الذي بات رابع إسباني يحكّم نهائي دوري الأبطال، والأول منذ ميخوتو جونزاليس في 2005.
وشهدت المباراة حضورًا جماهيريًا بلغ 14 ألفًا و110 مشجعًا في ملعب الدراجاو.
توخيل سرق السر
يُروى أن جوارديولا وخلال فترته في ألمانيا كمدير فني لـ بايرن ميونيخ، كان معجبا للغاية بالشاب توماس توخيل مدرب ماينتس وقتها.
بايرن هزم ماينتس ذهابا وإيابا في أول موسم لـ بيب في ألمانيا، لكن ما فاجأ جوارديولا أن توخيل كان شجاعًا وأراد حقا الانتصار رغم أسلحته الضعيفة التي تحصل عليها في ماينتس.
لاحقا باتت علاقة الطرفين أقوى، وحدث أن جلسا معا يتبادلان الأفكار التكتيكية في إحدى الحانات البافارية لساعات طويلة.
من حضروا هذه الجلسات وصفوها بأنها بين عقلين من عالم آخر، توخيل ظل يسأل جوارديولا عن قرارات اتخذها قبل سنوات عندما كان مدربا لـ برشلونة، لماذا أخرجت ذلك ولماذا فعلت هذا، وجوارديولا ولأنه شخص يعشق كرة القدم، فإنه لم يتوان في إعطاء تفسيرات مفصلة.
على ما يبدو، ففي تلك الليلة، عرف توخيل سر جوارديولا، واحتفظ به في رأسه حتى 2021 ليهزمه في 3 مباريات متتالية، آخرها بالطبع الأكثر أهمية وقيمة على أرض الدراجاو.
ليتجمّد رصيد جوارديولا في دوري أبطال أوروبا عند لقبين فقط عندما كان مدربا لـ برشلونة عامي 2009 و2011.
أسطورة أن ميسي هو من مكّن بيب من ملامسة ذات الأذنين ستتواصل، لسنا متأكدين من صحتها، لكن بيب فوّت فرصة تكذيبها بسقوطه أمام تشيلسي.
كما عجز جوارديولا عن معادلة الرقم القياسي للمدربين المتوجين وهو 3 ويحمله كارلو أنشيلوتي وبوب بيزلي وزين الدين زيدان.
النهائي هو الثاني فقط في مسيرة جوارديولا الذي يخسره، بعد كأس ملك إسبانيا 2011 أمام ريال مدريد.
فلسفة بيب
بشكلٍ مفاجئ، دخل بيب جوارديولا أهم مباراة في تاريخ ناديه، دون ارتكاز دفاعي، فأبقى الثنائي فيرناندينيو ورودري على مقاعد البدلاء.
ودفع جوارديولا بالإنجليزي رحيم سترلينج في الهجوم الذي ظل خاليا من رقم 9 صريح مع وجود سيرخيو أجويرو وجابرييل جيسوس في الدكة.
كما بدأ الجزائري رياض محرز على الجهة اليمنى، والأوكراني أوليكساندر زينتشنكو في مركز الظهير الأيسر.
لكن النبأ السعيد كان ظهور الألماني إلكاي جوندوجان بشكل طبيعي رغم الشكوك التي حامت حول جاهزيته.
في المقابل، التزم توماس توخيل بطريقة اللعب التي أوصلته إلى بورتو، ودفع بثلاثي في عمق الدفاع.
لكنه فضّل الثنائي كاي هافيرتز وميسون ماونت على كريستيان بوليسيتش وحكيم زياش، وواصل الثقة في مواطنه تيمو فيرنر.
لولا فيرنر لصارت أسوأ
ربما دخل مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي مرشحا للانتصار بترسانته الهجومية العنيفة، لكن الفريق الذي سبق له حصد اللقب كان الأكثر ارتياحًا في أرض الملعب.
رغم ذلك، فالتهديد الأول في الدقيقة الثامنة كان من نصيب كتيبة بيب بلعبة اعتمد عليها الفريق طوال الموسم، إيديرسون يمرر من مناطقه نحو سترلينج السريع الذي تغلب على ريز جيمس، وسدد في الزاوية الضيقة لكن إدوارد ميندي حافظ على شباكه.
الرجل الأسوأ في الشوط الأول كان فيرنر دون نقاش، خصوصا عندما بدأ سلسلة إهدارات غريبة في الدقيقة العاشرة بتسديدة اصطدمت بقدمه بعد عرضية هافيرتز.
الفرصة الأسهل جاءت لـ فيرنر في الدقيقة 14 عندما تسلم الكرة في عمق منطقة الجزاء بأريحية كبيرة، لكن النتيجة كانت تسديدة أرضية ضعيفة وهزيلة في أحضان إيديرسون.
حدة هجمات تشيلسي ارتفعت فأهدر فيرنر فرصة جديدة من زاوية صعبة بعد ثوانٍ بتسديدة يسارية استقرت في الشباك الخارجية.
لكن تشيلسي لم يكتف بإرسال الكرات نحو فيرنر، بل رفع بن تشيلويل عرضية متقنة نحو نجولو كانتي في عمق منطقة الجزاء بالدقيقة 17، ورأسية الفرنسي القصير مرت أعلى المرمى.
التغيير الأول تم في الدقيقة 39 عندما أصيب المخضرم تياجو سيلفا، وعوّضه الدنماركي أندرياس كريستنسن.
ألماني أيضا ولكنه لا يهدر
لحظة الشوط الأول حلت في الدقيقة 42 بهدف هافيرتز بعد تمريرة رائعة من ماونت.
الإنجليزي مرر نحو عمق دفاع سيتي، ليراوغ هافيرتز نظيره إيديرسون بهدوء ألماني شديد، ويسجل في الشباك الفارغة أول هدف له في مسيرته بدوري أبطال أوروبا.
هذا الهدف هو الرقم 21 الذي يُوقَع بواسطة لاعب ألماني في نهائي دوري أبطال أوروبا، وليس هناك جنسية سجلت أكثر من ذلك إلا إسبانيا بـ22 هدفا.
هدف بواسطة هافيرتز (21 عاما) وبصناعة ماونت (22 عاما) هو الأصغر الذي يُسجل في نهائي دوري الأبطال منذ عام 1964 عندما سجل ساندرو ماتزولا (21 عاما) بتمريرة رفيقه الأسطوري جياتشينتو فاكيتي (21 عاما).
شوط الحسم
مع بداية الشوط الثاني لم يُظهِر مانشستر سيتي رغبة حقيقية في العودة للمباراة الأهم في تاريخه.
الوضع تأزم لكتيبة جوارديولا أكثر في الدقيقة 59 عندما أصيب النجم دي بروين بشدة في وجهه بعد التحام مع أنطونيو روديجر، واضطر لمغادرة المباراة، وعوضه البرازيلي جابرييل جيسوس.
لاعبو سيتي طالبوا بعدها مباشرةً بركلة جزاء بحجة لمس الكرة ليد جيمس، لكن ماتيو لاهوز أمر باستمرار اللعب، قرار أكدته تقنية الفيديو.
جوارديولا عاد إلى صوابه بحلول الدقيقة 64 وأدخل المخضرم فيرناندينيو بدلا من بيرناردو سيلفا لأجل مزيد من التوازن في وسط الملعب.
في المقابل أجرى توخيل تغييره الاختياري الأول في الدقيقة 66، والثاني في العموم، بإدخال الأمريكي كريستيان بوليسيتش بدلا من فيرنر.
أخطر فرص سيتي –القليلة- في الشوط الثاني جاءت في الدقيقة 68 بعرضية أرضية من محرز، انشقت الأرض عن سيزار أزبيليكويتا ليبعدها من أمام المرمى مباشرةً إلى الركنية.
وإذا اعتقد جمهور تشيلسي أن مسلسل الإهدارات الساذجة قد انتهى في الدقيقة 66 بخروج فيرنر، فإنهم كانوا مخطئين.
يبدو أن فيرنر قد نقل العدوى إلى بوليسيتش أثناء مصافحته، لأن الجناح الأمريكي أهدر انفرادا كاملا بالمرمى في الدقيقة 73 بعد تمريرة هافيرتس، فرصة كانت كفيلة بتأمين اللقب الثمين.
واحدة من اللحظات التاريخية حدثت في الدقيقة 77 عندما دخل أجويرو بدلا من سترلينج.
المهاجم الأرجنتيني خاض مباراته الأخيرة على الإطلاق بقميص مانشستر سيتي بعد سنوات من الإنجازات الأسطورية، لكنه شارك في لحظة عصيبة يمر بها ناديه.
ولحظة أخرى مهمة شهدتها الدقيقة 80 بدخول ماتيو كوفاسيتش بدلا من ماونت.
لاعب الوسط الكرواتي يحمل في رصيده 3 ألقاب لدوري أبطال أوروبا –مع ريال مدريد-، لكن تلك الدقائق الأخيرة من اللقاء كانت الأولى له على الإطلاق في نهائي المسابقة.
مباراة جديدة
ماتيو لاهوز الذي يعشق اجتذاب الأنظار، حصل على مراده في الدقيقة 90 عندما احتسب 7 دقائق وقتا محتسبا بدلا من الضائع.
القلوب توقفت في الدقيقة السابعة عندما أطلق محرز تسديدة خطيرة ركع أمامها ميندي وشاهدها وهو تتجه نحو مرماه، لكنها بشكلٍ غير مفهوم انحرفت ومرت من أعلى العارضة.
بعدها بثوانٍ، امتلأ الملعب بالقمصان الزرقاء، لاعبو تشيلسي اقتحموا العشب الأخضر بشكل هيستيري بعد صافرة النهاية، وحتى تكتمل دراما المشهد، كانت دموع أجويرو في لحظاته الأخيرة كلاعب لـ مانشستر سيتي معبرة عن حقيقة واحدة: مانشستر سيتي لم يفز أبدا بدوري أبطال أوروبا.