كتب : فادي أشرف
لحظات ترقب والكل على أعصابه. الأدرينالين يخفق في أجساد 22 لاعبا في الملعب وملايين المشجعين خلف شاشات التلفاز.
ها هي اللحظة الحاسمة..
اللاعب الذي يتهمه الجمهور دائما بالتقصير وعدم بذل الجهد الكافي في الملعب، وأحيانا تذهب إلى عدم ملائمته لممارسة اللعبة من الأساس، أمامه فرصة ذهبية ليعوضهم عن كل شيء بهدف تاريخي أمام الغريم التقليدي في مباراة كبرى، ولكن كالعادة ها هو يخيب ظن المشجعين مرة أخرى بإهدار سهل أمام المرمى، ليؤكد – من وجهة نظرهم – انتقاداتهم.
هل من المنطقي أن يهدر حسين الشحات الذي تنبأ له الجميع بمستقبل رائع مع الأهلي كصفقته القياسية بعد أداء رائع سواء في مصر للمقاصة أو العين الإماراتي على مستويات تنافس مختلفة بدأت من الدوري المصري إلى كأس العالم للأندية، كرة أمام مرمى خال في نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام الزمالك؟
أو أن يهدر محمود علاء أفضل مسدد لركلات الجزاء في الزمالك، والذي وصل لأن يكون هدافه التاريخي من بين المدافعين ركلة جزاء أمام حارس الأهلي البديل علي لطفي، بعد شهور من الانتقادات بسبب دوره في هدف محمد مجدي "أفشة" بنهائي دوري أبطال إفريقيا؟
فرصتان كان إهدارهما غير منطقي، ولكن العلم لديه تفسير..
في فبراير قبل الماضي، أعلنت رابطة اللاعبين المحترفين في إنجلترا أن عدد اللاعبين الذين لجأوا للاستشارات النفسية زاد بنسبة 50% في 2019، مقارنة بعام 2018، حيث لجأ 643 لاعبا عن طريق الرابطة لاستشاريين نفسيين، والسبب كان واضحا، الضغوطات التي تشكلها وسائل التواصل الاجتماعي عليهم.
مايكل بينيت، مدير قسم رفاهية اللاعبين قال لـ BBC آنذاك أن بعض اللاعبين قاموا بمسح حساباتهم على مواقع التواصل لأنهم "لا يجدون مفرا من كرة القدم، ويقابلون بوابل من الانتقادات"
وأضاف بينيت "بعض هؤلاء اللاعبين لديهم 50 أو 100 ألف متابع على وسائل التواصل، وعندما يجدون ردود أفعال سلبية منهم، سيؤثر الأمر عليهم بكل تأكيد".
بينيت يتحدث عن لاعبين يلعبون في الدرجات الدنيا في إنجلترا، أو ربما حتى في الدوري الممتاز، ولا يمكن مقارنة شعبيتهم بشعبية لاعبي الأهلي والزمالك على سبيل المثال، الذين تصل نسبة متابعات حساباتهم على مختلف وسائل التواصل إلى ملايين من المتابعين.
هذه القضية، كانت دافعا لـ 3 باحثين من جامعة تفينتي في هولندا، لإجراء تجربة عملية حول الضغوط التي يتعرض لها لاعب كرة القدم في الملعب، ونُشرت الدراسة عبر دورية “Frontiers in Computer Science”، وكان أول من لفت نظر FilGoal.com لها هو الصحفي العلمي محمد منصور، الذي نشر مراجعة للدراسة عبر جريدة الرؤية في وقت سابق هذا الأسبوع.
الدراسة توضح بشكل علمي، أن بعض اللاعبين يهدرون ركلات الجزاء بسبب "اختناق تحت الضغط".
الدراسة تمت على عدد من لاعبي كرة القدم، حيث سددوا 15 ركلة جزاء تحت ظروف مختلفة، مثل وجود حارس مرمى تنافسي، أو مرمى خال، لتظهر النتائج أن منطقة المخ ذات الصلة الوثيقة بنشاط تسديد ركلة الجزاء كانت أكثر نشاطا عندما لا يعاني اللاعب من القلق، بينما تزايد نشاط قشرة الفص الجبهي وزاد عدم التناسق الجانبي لها عند اللاعبين القلقين من إهدار الركلة. نفس الأمر حدث للاعبين الخبراء، الذين زاد تنشيط القشرة الصدغية اليسرى لديهم بسبب القلق، ما أدى لإهمال مهارة تعتبر آلية بالنسبة لهم، وهي تسديد ركلة الجزاء.
بعيدا عن التعقيدات العلمية والمسميات، تشير الدراسة ببساطة أن القلق من ردود الفعل من إهدار فرصة أمام المرمى، يتسبب في زيادة أنشطة دماغية قد تعطل المهارات الطبيعية للاعب كرة القدم، متسببة في إهدار فرصة سهلة أمام المرمى.
نيل لينون، المدرب السابق لسيلتك قال في تصريحات سابقة: "مهنة كرة القدم صارت عامل ضغط أكثر من ذي قبل. الإعلام ووسائل التواصل يشكلان ضغطا كبيرا والتوقعات من اللاعبين أحيانا تصبح غير واقعية".
وأضاف "أحيانا الانتقادات تصبح شخصية، وهنا يصبح الأمر صعبا حقا على اللاعب".
حسين الشحات نفسه تحدث عن فرصة مباراة الزمالك في ظهور عبر أون تايم سبورتس قائلا: "لا يوجد أسهل من تلك الفرصة، ظننت أن معلول سيسدد من المرة الأولى ولكنه مرر لي، فكرت أن أضمنها وأضعها في أبعد مكان عن المرمى لكي لا يلحق بها محمود علاء أو أبو جبل، ولكنها ضربت القائم".
كل هذه الأفكار جالت في ذهن حسين الشحات في أجزاء من لحظات، وقد تكون نابعة من قلق من ردود أفعال الجمهور سواء إيجابية أو سلبية عقب تسجيل، أو إهدار، الفرصة، وقد تكون تجربة عملية تثبت دراسة جامعة تفينتي.
تلك الدراسة، قد تكون المؤشر الأوضح لما تتسبب فيه انتقادات مواقع التواصل – المبالغ فيها أحيانا كثيرة – للاعبين على أرضية الملعب، وربما يتحول المشجع المتحمس المنتقد مع الوقت إلى دبة تقتل فرص فريقها في الفوز على أرض الملعب بالضغط المتزايد على اللاعبين.
ولكن على الناحية الأخرى، قد تكون تلك الدراسة بداية لكي تفكر الأندية المصرية في استعمال طب النفس الرياضي لإخراج اللاعبين من الضغوط التي تشكلها وسائل التواصل، والتي أصبحت مؤكدة علميا.