كتب : عمر مختار
عندما نتحدث عن التكتيكات في كرة القدم، لا يمكننا أن نفترض ببساطة أن فريق كرة القدم يتكون من 11 جنديا، ينفذون الأوامر، لكن علينا أيضا أن ننظر إلى قراراتهم وردود أفعالهم، هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعلنا ننظر إلى الأخطاء على أنها قرارات فردية مفاجئة.
إن امتلاك فريق للكرة يؤدي إلى شعور منافسه بالإحباط، فمثلا لا يمكن للمهاجم في العادة أن يفوز بالكرة وهو يقوم بالضغط علي مدافع الفريق الذي يمتلك الكرة، لذلك عندما تسنح له الفرصة، سيحاول أن يكون أكثر عدوانية تجاه المدافع، في علم النفس اعتبر فرويد العدوان سلوكا إنسانيا فطريا، لا مفر منه وجزءا من الشخصية، لكن هناك الكثير من الانتقادات للفرضية، مثل الخوف من العقاب (قرار من الحكم على سبيل المثال) أو حتى الاحترام تجاه الآخرين، وهي عوامل يمكن أن تمنع اللاعب من تحويل إحباطه إلى عدوان.
يرتكب مشجعو كرة القدم نفس الخطأ في كثير من الأحيان، حيث يعتبرون هذه اللعبة معركة الخير والشر، حيث يلعب المهاجم دور البطل، في حين أن الدفاع هو الشر الذي يجب هزيمته.
خلال الموسم الحالي، سجل روبيرت ليفاندوفسكي العديد من الأهداف، لقد جعل تشوبو موتينج زائدا عن الحاجة إلى حد كبير وترك بايرن ميونيخ أحادي الأبعاد لدرجة أنه عندما غاب أمام باريس سان جيرمان في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، تلاشى موسمهم وضاع حلمهم بالحفاظ علي لقب أغلى المسابقات القارية ؛ ولم يبقي لهم سوي التتويج بمسابقة البوندسليجا الذين باتوا قريبين جدا من تحقيق لقبها للمرة التاسعة علي التوالي والواحدة والثلاثين في تاريخهم، في سن الثانية والثلاثين يعيش ليفاندوفسكي فترة توهُج ملحوظة، 43 هدف في 37 مباراة، وقد فاز بجائزة فيفا لأفضل لاعب في العالم في 2020.
لا يتوقف
بعد نهاية ليست بالجيدة لموسم 2018-2019، عاد ليفاندوفسكي ليفعل ما كان يفعله في المواسم الأربعة الأولى له في أليانز أرينا، بأن يتحول لصانع ألعاب لتوماس مولر، يرتبط بوسط الملعب أكثر، ويعود أحيانا إلى ما وراء خط الوسط. يعترف الكثير من المدافعين بأنهم يصبحون محبطين عند مواجهة ليفاندوفسكي، خاصة عندما يملك المساحة.
من وجهة نظر هجومية بحتة، شارك ليفاندوفسكي بشكل مباشر في العديد من الأهداف مؤخرا، في الموسم الماضي لعب 2761 دقيقة في البوندسليجا، سجل 34 هدفا وقدم أربع تمريرات حاسمة، خلال هذا الموسم، في 2193 دقيقة، سجل 36 وقدم ست تمريرات حاسمة، بعبارة أخرى، فقد ساهم بهدف كل 72 دقيقة و65 ثانية في الموسم الماضي وكل 52 دقيقة و21 ثانية حتى الآن هذا الموسم.
لكن ما يميز ليفاندوفسكي عن غيره هو صفاته الدفاعية، هناك من يسخر منه ويحرمه من موقعه بين أفضل اللاعبين في العالم، على وجه التحديد بسبب هذا الجانب من اللعبة، إنهم يفضلون أن يكون لاعبيهم متلألئين موهوبين للغاية مثل ليونيل ميسي ونيمار، أو ماكينات آلية مثل كريستيانو رونالدو وإيرلينج هالاند، أو فنانين مبدعين مثل زين الدين زيدان وبرونو فيرنانديز، ولا يلائم الوجه العجوز ذو تسريحة الشعر التقليدية تلك القوالب.
شراكة مثالية رباعية الأبعاد
ما يقدمه ليفاندوفسكي، رغم ذلك، شيء غير عادي من نواحٍ عديدة، تعد شراكته مع مولر نوعا من الطراز القديم، كالعلاقة المثالية بين آلان شيرر وكريس ساتون، آندي كول ودوايت يورك، تييري هنري ودينيس بيركامب وأخيرا كريستاينو رونالدو وكريم بنزيمة، حيث يسقط أحدهما لخلق مساحة بينما يتطلع الآخر إلى الركض خلف الخط الخلفي لاستغلال تلك المساحة، من الصعب الدفاع ضد هذه الثنائيات لأنه إذا جلس الدفاع بعمق لحرمان اللاعب الذي يركض في المساحة، فإن ذلك يترك مساحة في الوسط يستطيع الأول استغلالها، وبالمثل، إذا ضغط الدفاع لخنق اللاعب الساقط، فإنه يصبح عرضة للكرات المرسلة خلفه للاعب الآخر.
كان هذا واضحا حتى عندما لعب ليفاندوفسكي مع أركاديوش ميليك في بولندا، لم يستمتعوا بأفضل شراكة، في 42 مباراة معا، قدم أحدهم تمريرة حاسمة للآخر في ست مناسبات فقط، لكن رغم ذلك، فإن تركيبتهما هي التي ألهمت منتخب بلادهم للوصول إلى ربع نهائي يورو 2016، وهي المرة الأخيرة التي بدت فيها بولندا قوية.
منذ أشهر قليلة، أعلن كارل هاينز رومينيجه، الرئيس التنفيذي لبايرن ميونيخ، أن ناديه لا يمانع بيع مولر ولكنه لا يمكنه القيام بذلك نظرا للنقص العددي في قائمة الفريق حين ذاك، لا لإمكاناته الكبيرة، من السهل التقليل من شأن مولر، لأنه بالنسبة لهم وللجمهور ليس أكثر من مجرد عداء على الطريق يمكنه إنهاء السباق، هذا التقليل كما وصفه موقع "البونسدليجا" مشابه للتقليل من شأن مكانة الديناصور ريكس الملكية قبل التاريخ بسبب أذرعه القصيرة، ستيفان أورسفيلد، صحفي الماني، وصف ميليك بـ "شريك مناسب لليفاندوفسكي"، فتى قوي للغاية، علاوة على ذلك، لا يكل ولا يمل في حركته.
بالطبع، امتلك معظم اللاعبين العظماء السرعة، وكان معظمهم يتمتعون بنوع من الفهم الحدسي مع شركائهم، على الرغم من أن مولر لا يمتلك الصفة الأولي لكن يبدو أنه طوّر الصفة الثانية وأخذها لبعد آخر مع ليفاندوفسكي، حتى لو ظلت الشكوك بشأنه موجودة، إنه ليس مهاجما خالصا، ولا مهاجما ثانيا، ولا جناحا ولا لاعب خط وسط مهاجم، ولكنه قليل من الأربعة وأكثر من ذلك بكثير، هو "Raumdeuter" أو الباحث عن المساحة.
الأهداف بعد كل شيء ليست كل شيء
يمكن وصف ليفاندوفسكي بأنه المبدع التقليدي، كما لوحظ أنه قبل ثماني سنوات رفقة ناديه السابق بروسيا دورتموند، كان له دورا مهما في القضاء على دفاع المنافس، يُعيد ليفاندوفسكي الآن إنتاج ذلك في دور أكثر مركزية.
قارن، على سبيل المثال، الخريطة الحرارية لليفاندوفسكي في مباراة الذهاب من دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا هذا الموسم أمام أتليتكو مدريد بخريطة تشيرو إيموبيلي مهاجم لاتسيو أمام بروسيا دورتموند خارج ملعبه في نفس الدور ضمن إطار نفس البطولة، كان إيموبيلي يلعب كمهاجم ثاني في 3-5-2 ، لكن دوره كان أكثر تقدما من ليفاندوفسكي.
الأمر الأكثر لفتا للانتباه هو مقارنة موقف ليفاندوفسكي بمركز ميسوت اوزيل مع أرسنال الموسم الماضي، كان اوزيل يلعب ضمن ثلاثي الوسط كلاعب خط وسط مهاجم في طريقة 4-2-3-1؛ الملاحظ لم يكن عدد المرات التي انجرف فيها إلى اليمين أو اليسار لتغطية بيبي أو أوباميانج تواليا، ولكن أيضا متوسط تمركزه كان أكثر تقدما بكثير من ليفاندوفسكي؛ تُظهر إحصائيات "FBref" أن ليفاندوفسكي حقق نسبة نجاح 59٪ في إفتكاك الكرة هذا الموسم مقابل 63٪ لأوزيل الموسم الماضي، إذا كان ليفاندوفسكي يعود بشكل أعمق من تريكوارتيستا معترف به، فما الذي نستنتجه من ذلك؟
"كرة القدم ليست فقط ما تراه على أرض الملعب، أنت بحاجة إلى التعاون"
من المألوف أن يلعب المهاجم الأكثر تقدما دورا في غلق المساحات علي الخصم، كان إيان راش أستاذا في ذلك بالمعنى التقليدي إلى حد كبير، ولكن هناك أمثلة على المهاجمين الذين تم استخدامهم لإفتكاك الكرة، مما يوفر مساحة فعالة للاعبين الأكثر إبداعا خلفهم ربما يكون دييجو كوستا، مهاجم دييجو سيميوني المفضل منذ سنوات، هو المثال الأكثر إثارة للجدل، أولفييه جيرو أيضا فعل شيئا مشابها لفرنسا في كأس العالم 2018، في حين أن إعادة اختراع أندريا بيرلو كلاعب وسط عميق في ميلان خلف أندريه شيفتشينكو الذي يفتك الكرات كانت شيئا استثنائيا.
ربما لن يسجل ليفاندوفسكي العديد من الأهداف في المواسم القادمة كما يفعل في الموسم الحالي ومن المؤكد أن إصابته قد جاءت في وقت مزعج له ولفريقه، ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الثناء عليه العام الماضي والحالي، وعلى الرغم من جميع الجوائز التي فاز بها، فقد كان هذا الموسم، على الأقل خلال الشهور الماضية، اللاعب الأكثر فاعلية، الأهداف، بعد كل شيء، ليست كل شيء.