كتب : زكي السعيد
يُقدّر عدد الفلسطينيين المهاجرين حول العالم بحوالي 6 ملايين شخص، أغلبهم يتمركزون في الأردن بحكم الجغرافيا والثقافة.
وكثيرون منهم شدوا الرحال إلى سوريا ولبنان ومصر والمملكة العربية السعودية.
وقرابة النصف مليون فلسطيني يقيمون في تشيلي التي تعد الدولة ذات المجتمع الفلسطيني الأكبر خارج إطار الشرق الأوسط.
لكن قلة قليلة للغاية اختارت إسبانيا كوجهة لها، من ضمنهم شاب في السابعة عشر من عمره يُدعى أحمد حمد.
هذا المغامر ترك قطاع غزة واتجه شمالًا نحو أوروبا في سن مبكر حتى يدرس الطب، رغم أن وجهته الأولى كانت مصر.
لكن حرب الاستنزاف المشتعلة وقتها تسببت في إغلاق المعبر، ودفعته دفعًا نحو إسبانيا، هناك حيث سيعيش ما تبقى من حياته، وسيكوّن أُسرة مزجت الطب بالرياضة.
وبطلنا اليوم ليس أحمد حمد، وإنما نجله الثاني: ياسر حمد، مدافع منتخب فلسطين ونادي البسيتين البحريني.
اللاعب المولود في إقليم الباسك، أطل علينا عبر منصة ZOOM، ونحن دفعناه للحديث عن كل شيء، منذ أن غادر الوالد فلسطين بحثًا عن مستقبل أفضل، حتى عاد الابن بعد عقود طويلة ليكمل العمل غير المنتهي.
يقول ياسر: "أبي سافر إلى إسبانيا ليطارد مستقبله، أتى أولا إلى مدريد ولعب كرة القدم وخضع لاختبارات في نادي رايو فايكانو، لكن جدي قال له: إما أن تدرس الطب، وإلا لن أرسل إليك أموالا".
"ليقرر والدي الذهاب إلى بلباو والالتحاق بكلية الطب، هناك التقى والدتي، وقضيا بقية حياتهما معا".
في كلية الطب، التقى أحمد حمد بـ أنا مايور، فتاة إسبانية سيتزوجها لاحقا، وستصير شريكته في تربية أولادهما الخمسة: أحمد، ياسر، وائل، جمال، جون. نعم، لقد انتظرت الأسرة حتى الطفل الخامس حتى تطلق عليه اسمًا باسكيًا.
يستكمل ياسر حديثه: "عندما أتى والدي إلى إسبانيا، لم يكن يتحدث إلا العربية، واضطر إلى دراسة الطب بالإسبانية، وهو تخصص صعب للغاية، وفوق ذلك اضطر إلى دراسته بلغة أخرى، أنا ممتن لوالدي، إنه أيقونتي".
وياسر –الذي يدرس الهندسة بالمناسبة- ليس حالة كروية متفردة في تلك الأُسرة، بل مارس أو يمارس الأشقاء الخمسة كرة القدم، ويبرز فيهم جمال الذي مثّل منتخب فلسطين تحت 19 عامًا بالفعل.
"سيبدأ اسمه في الانتشار قريبا".. يشدد ياسر، ويضيف: "آمل أن يوقّع لفريق مهم الموسم المقبل، أنا جاهز لمساعدته ونأمل أن يواصل على خطاي".
هل هو مدافع مثلك؟
"لا، لا، يلعب كجناح أيسر".
لكن لحظة، الوالد والوالدة هما طبيبان، كيف يخرج من رحمهما خمسة أشقاء يلعبون كرة القدم؟ ليست قصة تقليدية للغاية.
ياسر يشرح: "السبب أن أبي يعشق كرة القدم، من صغرنا كان يهدينا كرات دائما، وفي وقت فراغه ينزل لتدريبنا في الحديقة أمام الجميع".
"حلمه كان ممارسة كرة القدم ولم يستطع تحقيقه لأن جدي أجبره على الدراسة، لكنه نقل شغفه باللعبة إلينا وغرزه في رؤوسنا".
بالعودة إلى ياسر، فقد وُلد في 9 ديسمبر 1997 في بلدة صغيرة بإقليم الباسك تُدعى ليخونا، تنتمي إداريًا إلى مدينة بلباو الشهيرة.
فكيف كانت الحياة لطفل من أصول عربية، يحمل اسمًا عربيًا، ووجها يطل بالملامح العربية، بين مجتمع باسكي إسباني؟
يقول ياسر: "لقد وُلدت وعشت عمري كله في إسبانيا، لم أولد في فلسطين وأهاجر بعدها مثلا، ولهذا لم يكن هناك تغيير كبير في المجتمع من حولي".
"أتلقى معاملة طبيعية في الباسك، الشيء الوحيد الذي يتوقفون عنده هو اسمي، يطلبون مني دائما أن أتهجى حروفه لأنهم يتفاجأون به بعض الشيء".
لكن بعيدا عن المدرسة والشارع والنادي، كيف هي الحياة في بيت فلسطيني إسباني باسكي؟ هل هو صراع ثقافي ودي؟
يجيب ياسر: "إنه مزيج، والدي علّم أمي اللغة العربية، إنها تتكلمها قليلا، لكننا نتحدث جميعا في المنزل بالإسبانية".
"رغم ذلك، بعض الجمل والمصطلحات تخرج من فم والدي بالعربية لأنه اعتاد على ترديدها منذ صغره".
ويمزح: "عندما لا نريد أنا وأشقائي أن يفهمنا والدنا، فإننا نتحدث اللغة الباسكية".
ومنطقي أن ياسر يتحدث الباسكية، فقد وُلد في الباسك وعاش طفولته كلها هناك، وهذا ما جعله مؤهلا للانضمام إلى أكاديمية أتليتك بلباو.
في العاشرة من عمره، خضع ياسر للاختبارات بـ "ليثاما"، مقر تدريبات أتليتك بلباو الشهير، وقد تم قبوله بالفعل.
"أتذكر حتى الآن اليوم الذي قُبِلت فيه باختبارات أتليتك من بين العديد من اللاعبين الباسكيين".
"قضيت بعدها 5 سنوات في الأكاديمية التي تعد واحدة من أفضل مدارس كرة القدم في أوروبا، هناك تطورت كثيرا، واللاعب والشخص الذي أنا عليه اليوم هو بفضل ما تعلمته في أكاديمية أتليتك بلباو".
داخل الأكاديمية، تزامل ياسر مع لاعبين تسلقوا الجبل وصولًا إلى الفريق الأول لـ أتليتك بلباو، ربما أبرزهم أوناي سيمون الحارس الأساسي لمنتخب إسبانيا الآن.
كما تزامل ياسر مع المدافع أوناي نونييز الذي خاض مباراة دولية مع منتخب إسبانيا في 2019.
لكن عندما أخبرنا ياسر أنه تزامل أيضا مع أسيير فياليبري –مهاجم أتليتك بلباو الحالي-، اضطررنا إلى مقاطعته لنسأله السؤال الأهم: "تزاملت معه ولكنه لم يكن قد أطلق لحيته بعد، أليس كذلك؟".
فأجابنا ياسر في جدية شديدة: "دون لحية، ولكن جسده كان نفسه، لقد نضج جسديا مبكرا، وأنا في المقابل كنت قصيرا ونحيفا، كان في حجمي 3 مرات، وهذا ساعدني على النضوج بدنيا مبكرا".
لو اعتقدت أن ياسر يبالغ، فعليك أن تتأمل صورة عائلية تجمع ياسر بالوالد والوالدة والأشقاء، ومن خلفهم على الحائط تظهر صورة أخرى لشخصين يرتديان زي أتليتك بلباو.
القصير النحيف هو ياسر، والطويل الضخم العملاق... هو فياليبري! نعم، لم يكن ياسر يبالغ في حديثه إذًا.
حاليا، ياسر (187 سم) بات أطول من فياليبري (184 سم)، ويمكنه أن يقهره في صراع على الكرة لو التقيا مجددا.
المهاجم الذي سجّل هدفًا قاتلًا لـ أتليتك بلباو في شباك برشلونة بنهائي كأس السوبر الإسباني ليمد المباراة إلى الوقت الإضافي قبل عدة أسابيع، يُلقَب بـ "El Búfalo" أو "الجاموس".
يقول ياسر: "هذا اللقب أطلقه عليه أحد مدربينا في مرحلة الناشئين".
بالطبع لم نكن في حاجة إلى السؤال عن سبب التسمية، عليك فقط بمشاهدة فياليبري في الملعب لاستبيان المغزى من هذا اللقب.
وصحيح أن أتليتك بلباو يتميز بقوانينه الصارمة التي لا تسمح بالتعاقد مع أي لاعب إلا لو كان باسكيًا، لكن ذلك لم يمنعه من أن يصير أحد أنجح الفرق في تاريخ إسبانيا.
فـ أتليتك بلباو هو واحد من 3 فرق لم تهبط مطلقا إلى القسم الثاني، كما أنه حصد لقب كأس ملك إسبانيا أكثر من ريال مدريد نفسه، وأسطورته تيلمو زارّا كان الهداف التاريخي لليجا لـ6 عقود قبل أن يحطم ليو ميسي رقمه، وهدافه الراحل بيتشيتشي هو الذي تحمل اسم جائزة هداف الدوري اسمه.
يمكننا أن نسرد مجلدات لا نهاية لها عن عظمة أتليتك بلباو وأصالته في الكرة الإسبانية، لكن هناك وجه آخر لتلك الرواية الناجحة، وهم اللاعبون الأوفياء الذين كثيرا ما يرفضون عروضا مغرية للاستمرار في صفوف النادي الباسكي.
وجولين جيريرو الفتى الذهبي لـ أتليتك بلباو في التسعينيات هو المثال النقي على ذلك، فقد رفض بشراسة عروضا من ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر يونايتد طوال مسيرته، بل جدد عقده في أوج عطائه لمدة 10 سنوات كاملة.
وفوق ذلك، يجدد الكثيرون من لاعبي أتليتك بلباو عقودهم دون وضع شرط جزائي فيه يسمح برحيلهم، ليظل مصيرهم مرتبطا بيد النادي وحده. وهنا يبرز التساؤل: ماذا يطعمونهم في أكاديمية ليثاما ليخرجوا أوفياءً بهذا القدر؟
يجيب ياسر في فخر: "نحن باسكيون".
ويواصل: "المدربون صارمون للغاية في الأكاديمية، ليس فقط فيما يخص كرة القدم، بل دراسيًا حتى، يجبروننا على تسليم كشف بالدرجات التي نحصّلها في المدرسة، ويساعدوننا لو عانينا دراسيًا".
"لديهم أخصائي تغذية أيضا، يهتمون بالناشئ على كافة المستويات، وهم متطلبون للغاية في المراحل العمرية الصغرى مثل الفريق الأول مما يجعلك لاعبا محترفا منذ الطفولة".
كلمات ياسر المليئة بالامتنان عن 5 سنوات قضاها من طفولته بين جدران أتليتك بلباو، دفعتنا إلى سؤاله: هل يقبل بتمثيل منتخب الباسك يومًا ما؟
ومنتخب الباسك ليس مُعترفًا به من الاتحادين الدولي والأوروبي، ويكتفي بخوض مباريات ودية من وقت لآخر، مثّله أغلب اللاعبين الباسكيين المعروفين.
وياسر لم يتردد في الإجابة على السؤال: "مثّلت بالفعل منتخب الباسك في الفئات العمرية الصغرى، وسأشعر بفخر شديد لو مثّلت المنتخب الأول".
"اللاعبون في الباسك مميزون للغاية، انظر إلى فريق مثل أتليتك بلباو الذي لا يعتمد إلا على الباسكيين ورغم ذلك لم يهبط مطلقا".
"تمثيل الباسك سيكون فخرًا بالنسبة لي، والمساعدة على الترويج له حتى ينال اعترافا رسميا وخوض بطولة دولية يوما ما سيكون شيئا رائعا".
في هذه المرحلة من الحوار، لم يكن سرًا القدر الكبير من الحب الذي يكنه ياسر تجاه أتليتك بلباو الذي يعتبره بمثابة عائلته.
وللمصادفة، فقد أجرينا الحوار مع ياسر بعد أسبوع تقريبا من الهزيمة أمام ريال سوسيداد في نهائي كأس ملك إسبانيا.
ياسر لم يخف إحباطه بعد تلك الهزيمة: "إنها خسارة مؤلمة، وفوق ذلك أمام الغريم الأزلي ريال سوسيداد في مباراة دربي".
"أتليتك بلباو لم يفز بالكأس منذ فترة طويلة (منذ 1984 تحديدا)، ولهذا كنا متحمسين جدا للتتويج باللقب، خصوصا أمام ريال سوسيداد".
"لكن لدينا فرصة أخرى أمام برشلونة وسنحاول الفوز يومها".
لم يكن يدري ياسر أن الصدام أمام برشلونة سيكون كابوسا نتيجته 4 أهداف في شباك زميله السابق أوناي سيمون، ليعيش جمهور أتليتك بلباو أسبوعين من الدموع والآلام ربما هو الأصعب في تاريخهم الحديث.
----
بالعودة إلى 2019 وبينما كان ياسر منكبا على دراسته في المنزل بفترة لعبه في نادي بورتوجاليتي، تلقى مكالمة مفاجئة.
يقول ياسر: "كنت أدرس في المنزل استعدادا لامتحانات الجامعة، وفجأة وصلتني مكالمة من شخص يقول إنه مدرب منتخب فلسطين ويريد ضمي للمعسكر قبل منافسات كأس غرب آسيا، لم أصدق!".
ويعترف: "كانت صدمة، لكني شعرت بحماس شديد وأخبرت والديّ على الفور، تمثيل منتخب بلد والدك وعائلتك كان حافزا كبيرا بالنسبة لي".
هذا لا يعني أن القرار كان خاليا من الشك، فصحيح أن الدماء العربية تجري في عروقه، لكنه قضى عمره كله في إسبانيا، وتمثيل منتخب فلسطين تحديدا مغامرة محفوفة بالمخاطر.
يقول ياسر: "صحيح أنني كنت متحمسا، لكني فكرت في الأمر مليا وكنت خائفا بعض الشيء، ستكون تلك أول مرة أسافر إلى بلد عربي، وفوق ذلك إلى فلسطين، والكل يعرف وضعها السياسي، لم يكن لدي أي فكرة عن طبيعة الحياة هناك بالنسبة لشخص أجنبي مثلي".
"عندما انضممت إلى المعسكر أول مرة كنت متوترا بشأن التواصل مع زملائي، لأني لا أتحدث العربية، حاليا أتعلمها، لكن وقتها لم أكن أتحدثها، فقط أعرف بعض الكلمات البسيطة".
"رغم ذلك، استقبلوني بشكلٍ رائع والتواصل معهم كان سهلا، أتحدث معهم الإنجليزية، لكن ما فاجأني أن بعض اللاعبين الفلسطينيين يتحدثون الإسبانية ويتواصلون بها، ولا أقصد هنا اللاعبين ذوي الأصول التشيلية، بل العرب أنفسهم".
"شعرت بسعادة كبيرة للانتماء لمنتخب فلسطين".
تلك البطولة –كأس غرب آسيا- كانت تجربة مختلفة تماما عن أي شيء عاشه ياسر من قبل، ليس فقط على المستوى الكروي، بل أجواء الحراسة المشددة التي عاشتها بعثة فلسطين في العراق كانت وضعا غير مألوف لشخص قادم من شمال إسبانيا.
يقول ياسر: "لم أخض بطولة بحضور أمني عالٍ مماثل قبلها، شعرت بالرعب عندما وصلت العراق بسبب الكم الهائل من رجال الأمن، كنا نذهب إلى التدريب محاطين بسيارات الشرطة، وأفراد الشرطة يحملون الأسلحة في أيديهم، طريقنا من المطار إلى الفندق كان مليئا بالحراسة المشددة والكلاب البوليسية، ذلك كان غريبا بالنسبة لي وقتها".
وفي المباراة الأولى أمام اليمن، وجد ياسر نفسه موجودا بالتشكيل الأساسي للمدرب الجزائري نور الدين ولد علي.
وحتى تكون الأقدار رحيمة بـ ياسر الذي كان يعيش رهبة مباراته الدولية الأولى مع بلد لم يزره من قبل؛ فقد سمحت له بأن يكون بطلا للمباراة، عندما سجل هدف اللقاء الوحيد.
هذا الفوز على اليمن كان ثمينا للغاية لمنتخب فلسطين لأنه كان الأول بعد 8 مباريات متتالية دون أي انتصار.
"إنه يوم لن أنساه أبدا، في ظهوري الأول مع المنتخب فزنا، وفوق ذلك سجلت الهدف الوحيد، هذا سيناريو لم أكن لأحلم به، لم أصدق ما حدث ولم أستطع النوم تلك الليلة".
وتمثيل فلسطين يعني الكثير لـ ياسر بالتأكيد: "عندما ترفع علم فلسطين في مباراة كرة قدم، فإنك تمثّل بلدا بأكمله، بل تمثل الملايين من الفلسطينيين في كل أنحاء العالم، وإنه لشيء يدعو إلى السعادة أن تكون صوت كل هؤلاء الفلسطينيين عبر كرة القدم".
وصحيح أن تمثيل فلسطين هو مدعاة كبرى للفخر، لكنه أمر لا يخلو من المصاعب والعقبات التي لن تواجهها لو كنت تلعب لأي منتخب آخر على مستوى العالم.
تجمعات منتخب فلسطين تتم في رام الله بالضفة الغربية، وحتى يصل ياسر إلى هناك، عليه العبور من خلال مطار بن غوريون في تل أبيب!
هناك، كان ياسر على موعد مع اختبار حقيقي، هل يقبل تقديم الكثير من التضحيات حتى يضع قميص فلسطين على جسده؟
يتذكر ياسر ما حدث: "في أول زيارة لي، استجوبتني فتاة، كانت لطيفة ولم يستغرق الأمر أكثر من 15 دقيقة".
"لكن في الثانية، احتجزوني في المطار لعدة ساعات، وصادروا هاتفي وفتشوا فيه ليعرفوا مع من أتواصل، انهالوا علي بالأسئلة، عن سبب قدومي، عن أبي وجدي وجدتي، الكثير من الأسئلة الصارمة وغير اللائقة".
"لم أستطع التواصل مع أي شخص لأنهم صادروا هاتفي، وضعوني في صالة انتظار وقاموا بتصويري ليراقبوا تحركاتي وتصرفاتي، هددوني بالزج بي في السجن، أنا؟ قلت لنفسي: لم أفعل شيئا! أنا قادم للعب كرة القدم، كيف أذهب إلى السجن ولماذا؟ لقد خشيت على حياتي كثيرا".
"لم أتوقع ذلك أبدا، وعندما وصلت الفندق أخيرا هاتفت والديّ وأخبرتهما أنني لن أعود هنا مجددا، كنت مرعوبا. لكنها في النهاية كانت لحظة انفعالية".
"عندما التقيت زملاءي في المعسكر وأخبرتهم بما حدث، انفجروا بالضحك وأخبروني أن ذلك طبيعي وأنهم حاولوا الضغط عليّ وإخافتي فقط لاستخراج معلومات مني، وأنهم في النهاية يريدون فقط معرفة سبب مجيئي ولن يحدث شيء".
"الموقف مخيف بالطبع، لكن في النهاية نحن لاعبون دوليون ممثلون من فيفا، ولا أعتقد أنهم سيرغبون في الدخول بأزمة مع الاتحاد الدولي".
"أنا شخص لا يحب التعبير عن آرائه السياسية، أتجنب ذلك دائما، لأني لاعب كرة قدم ولست سياسيا، وبالتالي لا أملك في يدي تغيير أي شيء".
-----
ياسر الذي بدأ مسيرته في ناشئي أتليتك بلباو، تنقّل بعدها بين عدة أندية باسكية صغيرة مثل سانتورتزي، وليخونا، وبورتوجاليتي، قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة في الشتاء الماضي، وينضم إلى البسيتين البحريني.
الآن لم تعد زيارات ياسر للوطن العربي مقتصرة فقط على أيام التوقف الدولي، بل صارت إقامته دائمة هنا.
يتذكر ياسر أسابيعه الأولى بعيدا عن إسبانيا: "الانتقال إلى دولة عربية قد يبدو صعبا، لكن الحياة في البحرين سهلة في الواقع، لأن نصف سكانها من الأجانب المقيمين، وهذا يساعدك، فهي ليست دولة منغلقة على سكانها، وبالتالي لم أشعر بتغيير كبير".
ربما التغيير الواضح الجلي أن ياسر الآن سيضطر إلى تشغيل مكيف الهواء أينما حل وارتحل، وهو كان مهذبا جدا معنا في بداية اللقاء عندما سألنا إن كان صوت المكيف ظاهرا في المحادثة، لحسن الحظ لم يكن الصوت ملحوظا وإلا لاضطررنا آسفين إلى إقناع مواطن أوروبي قادم من أقصى الشمال الإسباني البارد، بالتضحية والقيام بمقابلة صحفية في درجة حرارة تصل إلى 35.
----
مع اقتراب المقابلة من نهايتها، وجّهنا الدفة إلى الكرة المصرية، وسألنا ياسر عن زميله في المنتخب، محمود وادي، لاعب بيراميدز، والمهاجم السابق في المصري.
ياسر أوضح: "وادي شخص لطيف للغاية وبسيط وجاهز دائما للمساعدة، في الواقع، هو من غزة أيضا مثل والدي".
"يعمل دائما على تطوير نفسه، رأينا كيف نجح في الكرة المصرية وهو الآن في نادٍ مهم ومعروف مثل بيراميدز".
"أتابع عدة أندية ولاعبين مصريين، تحديدا وادي ومحمد صالح مدافع المصري، وأرى كيف هو وضعهم في جدول الدوري".
بعض التقارير الصحفية ذكرت في وقتٍ سابق عن وصول 3 عروض مصرية لـ ياسر حمد قبل انضمامه إلى الدوري البحريني، فهذا هذا صحيح؟
ياسر أوضح: "نعم، تحدث معي بعض الوكلاء عن اهتمام أندية مصرية باستقدامي، لكن بعد استشارة زملائي ومدربيني، رأيت أن الدوري البحريني مكان مناسب لبدء مسيرتي خارج إسبانيا، لأنه يحظى بمتابعة الأندية السعودية والقطرية والإماراتية والكويتية، وبالتالي لدي فرصة للعب في مستوى أعلى".
رغم ذلك، لم يخف رغبته: "سأحب اللعب في الدوري المصري بالطبع، سنرى ما سيحدث، لكن بالنسبة لي الدوري المصري جذاب ومستواه مميز ويضم فرقا قوية".
في النهاية، حصلنا على وعد من ياسر بعمل مقابلة صحفية أخرى لو انضم يوما ما إلى نادٍ مصري.
سواء حدث ذلك أم لا، فسنظل دوما مشجعين متعصبين لمنتخب فلسطين.