بعد ساعات قليلة من القرار الثوري –أو ربما الانشقاقي- بتفعيل مسابقة دوري السوبر الأوروبي، خرج أليكساندر تشيفرين رئيس الاتحاد الأوروبي في مؤتمر صحفي عنيف.
تشيفرين لم يكتف بالاختباء خلف بيان رسمي تصدره المنصات الإعلامية لمؤسسته، بل خرج بنفسه مخاطبا قادة الرابطة المنشقة بمجموعة من الكلمات غير الدبلوماسية.
الرجل السلوفيني ذو الملامح الأوروبية الشرقية الحادة فتح النار على أندريا أنييلي وإد وودوارد ووصفهما بـ "الأفاعي".
تشيفرين قال من بين تصريحاته: "سنقف ضد هذه الفكرة المشينة والأنانية والقائمة على الجشع، نحن جميعا متحدون ضد هذا الهراء، هذه الفكرة بمثابة بصقة في وجوه عشاق كرة القدم، لن نسمح لهم بأخذ ذلك منا".
وأضاف: "عملت كمحامٍ جنائي لـ24 عاما ولم أر أبدا أشخاصا بهذا السوء".
وكشف: "وودورد هاتفني مساء الخميس وأخبرني أنه راضٍ تمامًا عن الشكل الجديد للمسابقات الأوروبية، والشيء الوحيد الذي أراد مناقشته هو قانون اللعب المالي النظيف، رغم أنه وقتها كان قدّ وقّع على الاتفاق مع الأندية الأخرى".
وتعجّب"أمّا أندريا أنييلي فهو أكبر خذلان، لم أر شخصا يمكنه الكذب كل هذه المرات، هذا لا يُصدَق".
من هو تشيفرين
قبل تشيفرين، كان ميشيل بلاتيني رئيسا مألوفا للاتحاد الأوروبي، وجه يعرفه كل عشاق كرة القدم.
لاعب أسطوري، لم ينجح كمدرب، فتحوّل لرئاسة يويفا، وبغض النظر عن الطريقة التي انتهى إليها حكمه، فحضوره الإعلامي وشعبيته بين الجماهير لا تسمح بـ تشيفرين بدخول مقارنة معه.
في المقابل، ومن رحم الزلزال خرج تشيفرين مكتسحًا انتخابات رئاسة يويفا عام 2016 بـ42 صوتًا مقابل 13 للهولندي مايكل فان براج.
وتشيفرين لم يمارس أبدا كرة القدم الاحترافية، محامٍ مرموق في سلوفينيا على خطى والده، اقتحم الرياضة شيئا فشيئا وبات رئيسا للاتحاد السلوفيني عام 2011.
وقبل أن يكمل عقده الخامس كان على عرش أوروبا بالفعل، فكيف نجح في تحقيق ذلك؟ هذا تحديدا ما يأخذنا مباشرةً نحو دوري السوبر الأوروبي.
تشيفرين كان ذكيا للغاية، لم يضع وقت حملته الانتخابية في التودد لكبار القارة، فصوت من أيسلندا يساوي صوتا من إنجلترا في النهاية.
وبالتالي فقد عمل بجد كبير مع دول الكتلة الشرقية المنشقة عن يوغوسلافيا، وكذلك عقد الكثير من المحادثات مع الدول الاسكندنافية.
وجميعها إما بلدان ليست بالثرية، أو لا تمتلك إرثًا كرويًا راسخًا، وفي الحالتين لا يمكنهم مضاهاة عمالقة القارة الإنجليز والإسبان والطليان.
من أجل ذلك، انهال تشيفرين بوعود التطوير على تلك الدول الكروية الصغيرة، وشدد أنه سيمثّلهم بعدالة.
وفكرة دوري السوبر الأوروبي تهدم كل ذلك، وترسل أندية تلك البلدان إلى الحضيض.
تشيفرين صرح ذات يوم: "في وجودي، دوري السوبر الأوروبي لن تصبح واقعًا".
لكن البيان التاريخي في الدقائق الأولى من 19 أبريل قلب الطاولة على تشيفرين وعدد هائل من الأندية والبلدان الصغيرة التي اتخذته حاميا لها.
تطبيق فكرة الدوري السوبر الأوروبي بنجاح سيعني على الأرجح نهاية عهد تشيفرين في رئاسة يويفا، لأنه فشل في مهمته الأساسية التي جعلها شغله الشاغل.
خيانة أنييلي
بالعودة إلى مؤتمره الصحفي الشرس، فقد بدا أن تشيفرين لا يصرخ من وجهة نظر مؤسسية، بل بنبرة شخصية بحتة.
والسبب في ذلك هو علاقته القوية بـ أندريا أنييلي رئيس يوفنتوس أول نادٍ إيطالي يعلن تواجده في دوري السوبر الأوروبي.
أنييلي الذي كان حتى الليلة الماضية رئيسا لرابطة الأندية الأوروبية، عمل على التقرب من تشيفرين لسنوات.
وتشيفرين الذي يتحدث الإيطالية بطلاقة بدوره اتخذ من قوة أنييلي بين أندية القارة الأوروبية سندا وذراعا في الحرب على دوري السوبر الأوروبي، ولم يتوقع أن تأتيه "الطعنة" من نظيره أنييلي نفسه بحسب ما وصف طارق بانجا صحفي نيويورك تايمز المُطلع على المسألة.
في نوفمبر 2018، ظهر تشيفرين وأنييلي سويا في مؤتمر صحفي بالعاصمة البلجيكية بروكسل، عارضا فيه علانية فكرة إقامة دوري السوبر الأوروبي وما يشبهها من أفكار.
أنييلي الذي ازداد نفوذا مع مرور السنوات، دعّم ذلك بعلاقة قوية بـ تشيفرين، بسمح له بأخذ جولة في سيارة فيراري بعد أن أخبره السلوفيني أنه لم يقد سيارة فيراري في حياتي.
واستغل أنييلي في ذلك ولع تشيفرين بالسيارات والدراجات النارية، وهو الذي شارك في السفاري الصحراوية بشبابه.
بل كان أنييلي يسمح أيضا لـ تشيفرين بالتنقل في طائرته الخاصة الأنيقة.
وفوق ذلك، وعندما أنجب أنييلي أصغر أطفاله، جعل تشيفرين أبا روحيا لها في خطوة عززت العلاقات العائلية بين الطرفين.
ولا بد أن تشيفرين ليس ساذجا لدرجة لا تجعله يتوقع تحرك الأندية المؤسسة لدوري السوبر الأوروبي.
الأمر وما فيه أنه لم يتوقعها من أنييلي الذي كان معارضا للفكرة دائما في تصريحاته، خصوصا أنه شغل منصب رئيس رابطة الأندية الأوروبية، وهي أندية لن يكون غالبيتها العظمى قادرا على المشاركة في دوري السوبر الذي قفز إليه بمركبته السوداء والبيضاء.
وتشيفرين عمليا بات بين شقي الرحى، إمّا أن يواصل على أجندة نصرة الصغار التي جلبته إلى مقعده، أو يلين ويمكّن الكبار ويشاركهم حصص البث التليفزيوني.
في الحالتين، يبدو أن تشيفرين خسر الحرب لحظة أن لدغته الأفعى، وطعنه أقرب أصدقائه.