كما هو الحال مع أي قصة ملحمية، تُشكل بدايتها مدي إثارتها، بدأ الأمر في بافاريا، وتحديدا في بلدة صغيرة تُدعي إرلانجن، حيث ولد لوثار هربرت ماتيوس في مارس 1961، بدأ رحلته الكروية على بعد حوالي 15 كم شرقا في هرتسوغن آوراخ، حيث عمل والده في مصنع شركة "بوما"، تلك البلدة التي كان يقيم فيها المنتخب الأرجنتيني خلال كأس العالم 2006، حيث وصفه دييجو مارادونا ذات مرة بأنه أعظم منافس واجهه على الإطلاق.
22 سبتمبر 1979، يمثل هذا التاريخ ظهور ماتيوس الأول في بوندسليجا، بدأ مسيرته في وقت كان فيه بوبي مور، جورج بيست ويوهان كرويف يلمعون بشدة في ملاعب كرة القدم، واستمر لربع قرن تقريبا مع لويس فيجو وتييري هنري وزين الدين زيدان، مسيرته الطويلة تمثل الجزء الأصغر من قصته، السلوك، الأهداف النادرة، القيادة، البطولات، إعادة اختراع المراكز، عند مقارنة مسيرته بمسيرة لاعبي كرة القدم، لا يستطيع سوى عدد قليل منافسة اللاعب الألماني.
في عام 1979 أشرك يوب هاينكس في موسمه الأول كمدير فني لبروسيا مونشنجلادباخ ماتيوس البالغ من العمر حينها 18 عاما، بدءا من الخسارة 4-2 أمام كايزرسلاوترن، حيث شارك لاعب الوسط في الـ27 مباراة المتبقية من الموسم، أنهى جلادباخ الدوري في المركز السابع وخسر في نهائي كأس الاتحاد الأوروبي أمام فرانكفورت.
شهدت المواسم الأربعة التالية إثبات ماتيوس نفسه كواحد من أفضل لاعبي خط الوسط في ألمانيا، وتلقي اتصاله الأول للعب مع منتخب بلاده بعد نهاية أول موسم كامل له، وسافر إلى إيطاليا حيث كان أصغر لاعب في المنتخب الفائز بـ يورو 1980، كان ماتيوس لاعب وسط قادر على تسجيل أهداف استثنائية، مثل القذيفة التي سجلها أمام فيردر بريمن في اليوم الافتتاحي لموسم 1981-1982.
كان موسمه الأخير مع جلادباخ هو الأكثر نجاحا، حيث أنهى الفريق الدوري في المركز الثالث بجانب الوصول إلى نهائي كأس ألمانيا، قبل هذه المباراة، تم الإعلان عن انضمام ماتيوس إلى بايرن ميونيخ، منافس جلادباخ في المباراة النهائية، ذهبت المباراة إلي ركلات الترجيح، أضاع ماتيوس ركلة جزاء لمنح ناديه الجديد الكأس بشكل مثير للجدل، كانت نظريات المؤامرة كثيرة وكلها كانت سخيفة.
في سن الثالثة والعشرين، ارتفع مستوي ماتيوس بشكل كبير، وأنهى موسمه هدافا للدوري برصيد 16 هدفا في موسمه الأول في ميونيخ، فاز بايرن بالدوري والكأس، بينما وصل إلى نصف نهائي كأس الكؤوس الأوروبية قبل أن يخسر أمام إيفرتون، مثل هذه البطولات أصبحت أمرا طبيعيا بالنسبة لماتيوس، الذي رفع الكأس مرات عديدة في الملعب الأوليمبي.
حتى الآن، يُمثل ماتيوس لاعب خط الوسط المُتكامل، تركيبة مخيفة من القوة والسرعة والقدرة الفنية المذهلة والخبرة الكبيرة، كان بإمكانه اللعب كرقم 10 كما لعب طوال معظم حياته، وأيضا اللعب في مركز لاعب الوسط العميق، كان قادرا على الركض بسرعة من الصندوق إلى الصندوق.
في عام 1986، لعب دورا كبيرا عندما وصلت ألمانيا الغربية إلى نهائي كأس العالم في المكسيك، لسوء الحظ، قام فرانز بيكنباور بتغيير تكتيكي حيث كلف ماتيوس بمراقبة مارادونا، بدلا من إعطائه الحرية التي اعتاد الحصول عليها، هذا التغيير قيد الألمان، وعلى الرغم من منح ماتيوس الحرية مرة أخرى بعد ذلك لاستعادة زمام الأمور، إلا أن هدف خورخي بوروشاجا المتأخر قضى على الألمان حيث خسروا بثلاثة أهداف لهدفين.
لم يحبط ذلك عزيمة ماتيوس، فقد قدم أداء رائعا مرة أخرى موسم 1986-1987، حيث سجل 12 هدف في الدوري و21 هدف في جميع المسابقات، من بينهم هدفه الجميل أمام هامبورج في المباراة التي انتهت بسداسية نظيفة، حيث رفع الكرة بطريقة رائعة من فوق ملادين براليجا.
أعلن ماتيوس قبل أن يقود منتخب بلاده في يورو 1988، أنه سينضم إلى إنتر ميلان في إيطاليا، في ذلك الوقت كان جيوفاني تراباتوني قد حصل مع الفريق الإيطالي على بطولة واحدة في سبعة مواسم، لذا كان المدرب الإيطالي يعرف الرجل الذي سيقوده لإحياء مسيرته مرة أخرى.
تماما كما فعل مارادونا قبل أربع سنوات، أدى وصول ماتيوس إلى تحفيز إنتر، سمح تنوعه وبراعته الفنية بتسجيل أهداف كثيرة، سجل 12هدفا، بما في ذلك ركلة حرة ذكية أمام نابولي في مايو 1989، ولعبت رؤيته دورا كبيرا أيضُا مع الفريق، وكانت النتيجة أنه بحلول نهاية الموسم، فاز إنتر بأول سكوديتو منذ عام 1980.
لم تشهد المواسم الثلاثة المتبقية نفس الأداء الذي قدمه في موسمه الأول، لكنها لم تخل من أهدافه الاستثنائية، وأبرزها هدفه من على بُعد 35 ياردة في ربع نهائي كأس الاتحاد الأوروبي عام 1991 أمام أتالانتا، وهدفه في الجولة الأولى أمام رابيد فيينا من نفس المسابقة والتي فاز فيها فريقه على روما بهدفين لهدف في مجموع المباراتين في المباراة النهائية، و سجل ماتيوس هدفا آخر رائعا حيث راوغ الدفاع بأكمله قبل أن يمر من الحارس النمساوي مايكل كونسل.
كان مطلع العقد مميزا بالنسبة لماتيوس، حيث كان في طريقة لقيادة ألمانيا الغربية إلى مجد كأس العالم 90 في بيته المؤقت إيطاليا، سجل هدفين في المباراة الافتتاحية للمجموعة أمام يوغوسلافيا، تبع ذلك هدف في شباك الإمارات في نفس الدور، وهدف في مرمي تشيكوسلوفاكيا في الدور ربع النهائي، إلى جانب هدفه في ركلات الترجيح أمام إنجلترا بعد التعادل 1-1 في نصف النهائي والوصول لنهائي البطولة.
ثم، في المباراة النهائية والتي أقيمت في روما، جاء الإنتقام من الأرجنتين، حيث قرر ماتيوس عدم إرتكاب نفس الخطأ الذي حدث قبل أربع سنوات، أثبت قدارته الدفاعية العالية، قام بمفرده بإيقاف مارادونا، كان ينبغي أيضا أن يكون هو المسجل لركلة الجزاء التي تُوجت ألمانيا باللقب، لكن ماتيوس لم يشعر بالراحة بعد أن تم قطع جزء من حذاءه في الشوط الأول ولم يكن الحذاء البديل مريح بالنسبة له، فطلب من زميله في إنتر أندرياس بريمه تنفيذ الركلة.
فوز ألمانيا الغربية بكأس العالم جاء بفضل قيادة ماتيوس، قبل أشهر فقط من إعادة توحيد ألمانيا، أثناء ذلك تم تكريمه كأفضل لاعب كرة قدم ألماني، وحصل على جائزة البالون دور لعام 1990 وجائزة فيفا لأفضل لاعب في العالم لعام 1991.
كان كأس العالم بالنسبة لماتيوس بمثابة النهاية القريبة، تم تعيين المدرب الإيطالي ذو النزعة الدفاعية كواردو أوريكو بديلا لترباتوني، حيث سجل أربعة أهداف فقط، وأنهى إنتر الدوري في المركز الثامن، كان ماتيوس على وشك الانتقال إلى يوفنتوس، لكن توقفت الصفقة بعد أن تعرض لإصابة في الرباط الصليبي أثناء التعادل السلبي أمام بارما في أوائل أبريل 1992، في سن الـ 32 ظهرت بداية النهاية.