كتب : عمر مختار
يُطلق ماكس كروس لاعب يونيون برلين على نفسه اسم "Maxelinho18" على منصة "Twitch"، وهي عبارة عن بوابة بث مباشر حيث يمكنك مشاهدة لاعبي ألعاب الفيديو وهم يلعبون.
منذ أشهر مضت، أطلق كروس بث مباشر له وهو يلعب لعبة Call of Duty، استمر هذا البث لأكثر من سبع ساعات وقد حصل علي 60 ألف مشاهدة، ويملك كروس الان أكثر من 27 ألف متابع.
أرقام مذهلة لصانع ألعاب يونيون برلين عبر منصة "Twitch" لكن الأمر يختلف في كرة القدم قليلا.
بعد الخسارة أمام إينتراخت فرانكفورت السبت الماضي، يحتل يونيون برلين حاليًا المركز السابع في الدوري الألماني.
لعب كروس 14 مباراة فقط مع فريقه هذا الموسم حيث غاب عن الملاعب بسبب الإصابة منذ شهر ديسمبر الماضي وحتي منتصف فبراير أي شهرين ونصف، وعلي الرغم من ذلك، فقد سجل عشرة أهداف وقدم خمس تمريرات حاسمة.
لا يمتلك سرعة كبيرة، لا يمتلك قوة كبيرة للفوز بالإلتحامات، نادرًا ما تأتيه الكرة وفي العديد من الإحصائيات، تكون أرقامه في المتوسط على الأكثر ومع ذلك، فهو أحد أبرز اللاعبين.
ماكس كروس الرجل الذي حيَّر الإحصائيين، كيف يمكن تفسير هذا اللغز؟
حتى لو سجل خمسة من أهدافه العشرة من ركلات جزاء، ماكس كروس ظاهرة بالفعل، إذا حاولت تفسير ما يفعله، فسأواجه مشكلة لأن الأرقام أصبحت أكثر أهمية في تحليل كرة القدم في السنوات الأخيرة، لا تقتصر الإحصائيات فقط علي عدد مرات امتلاك الكرة، أو عدد مرات الركض أو العرضيات الكثيرة، بل هناك معايير جديدة تحاول فك رموز كرة القدم باستخدام أساليب علمية، هناك أهداف متوقعة وتمريرات حاسمة متوقعة وخرائط حرارية وغير ذلك الكثير، تحليل البيانات يتطور أكثر فأكثر، ولكن ماذا لو لم يكن هناك تفسير؟ ماذا لو لم يتم التعبير عن سر كرة القدم بالأرقام؟
يبدو أن ماكس كروس هو أفضل مثال علي ذلك، عندما تراه تشعر أن أدائه تقليدي للغاية، لكنه يجمع بين النهجين النوعي والكمي، وهو هجين لا تستطيع الأرقام التعبير عنه بالمعايير الكلاسيكية التي يمكن للمرء أن يصف بها جودة لاعب خط وسط مهاجم.
في البوندسليجا سدد كروس 15 تسديدة (8 على المرمى) هذا الموسم (المركز 39 من أصل 257 في الدوري).
وصلت سرعة تسديداته القصوى إلى 30.95 كيلومترًا في الساعة (المرتبة 290 من أصل 414). فاز بـ26 التحاما (المركز 219 من أصل 375) ونسبة تمريراته الصحيحة 75.4% (المركز 46 من أصل 129).
لا يسدد كروس على المرمى كثيرًا، سرعة تسديداته ليست كبيرة، لا يفوز بالكثير من الالتحامات ونسبة تمريراته جيدة لا أكثر، ومع ذلك فهو أحد أبرز اللاعبين في الدوري.
إذا كانت البيانات الحالية غير كافية لوصف أدائه، فقد يعني ذلك شيئين، الأول أنه لا يمكن فهم كروس بالأرقام، والثاني أنه هناك حاجة إلى المزيد من التدقيق في تحليل بياناته.
قد يكون جزء من حل لغز كروس، إنه يشبه صانع الألعاب الكلاسيكي، الرقم عشرة الحقيقي، صاحب الأقدام السحرية والشجاعة لأخذ المخاطرة، وهي صفات تعتبر إلى حد كبير منقرضة في العالم الحديث لأنها تعتبر بطيئة للغاية بالنسبة لكرة القدم عالية السرعة في عصرنا، هذا الأخير هو شعار كرة القدم الألمانية اليوم، مجهود أقل تقوم به عندما تملك الكرة وأكثر تفعله عندما لا تملكها.
مسعود أوزيل، بطل العالم مع ألمانيا عام 2014 ولاعب كان من بين الأفضل في أوروبا لوقت طويل، لم يجد مكانًا له في أرسنال فاضطر إلي الانتقال لفناربخشة.
لن يكون من الخطأ الافتراض بأن سحر دييجو مارادونا سيكون من الصعب وصفه من قِبَل بيانات كرة القدم، من الصعب قياس شعور لمس الكرة، بالتأكيد لم يحقق مارادونا معدل نجاح تمريرات أكسيل فيتسل (93.2%) ونيكولاس شولي (92.1 %)، ولكن ما إذا كان أحد الثلاثة على الأقل سيتم اعتباره أيقونة لكرة القدم خلال مسيرته مثل مارادونا؟ هذا أمر مشكوك فيه.
كروس ليس الرياضي الوحيد الذي استعصي أدائه على القياس الكمي، كان ليبرون جيمس، ثاني أفضل لاعب كرة سلة على الإطلاق، في بعض الأحيان أحد أبطأ عشرة لاعبين في الدوري الأمريكي للمحترفين عندما يتعلق الأمر بالسرعة، ليونيل ميسي هو أيضًا يقع في الطرف الأدنى للإحصائيات من حيث الأميال التي يقطعها.
قبل أسابيع، انتشر مشهد لميسي حيث سمح ببساطة للاعب الخصم بالمرور من أمامه، على الرغم من أنه كان سيتخذ خطوتين فقط لوضعه تحت الضغط على الأقل، قال مدربه السابق بيب جوارديولا ذات مرة "عندما يلعب ميسي كرة القدم فإنه يذهب في نزهة، لكنه يفحص كل مشهد على حدة، يحلل اللعبة بشكل افتراضي ليكون موجودًا عندما يكون ذلك مهمًا".
كروس يقرأ اللعبة بشكل ممتاز، يتعرف بشكل حدسي على السلسلة الصحيحة، ويستدعي فجأة جميع مهاراته وبالتالي يُقرر مسار اللعبة بشكل حاسم، في النهاية يؤدي هذا إلى تسجيل يونيون برلين للأهداف.
لمعرفة ذلك، يُلخص محللو البيانات عدة أمور هامة، البداية هي البيانات الدلالية، يقول كارستن جورسدورف، رئيس محللي البيانات: "يتم تجميع البيانات في سياق يتيح استخلاص الاستنتاجات ويقدم رؤى تقيس بشكل كبير الخصائص الحقيقية لكرة القدم وديناميكتها وتفاعلها، بدلا من تشويهها"، بناء علي ذلك يمكن أن يساعد ما يسميه هو وخبراؤه تحليل السلسلة.
هذا يعني أنه، على عكس المعتاد، لا يتم حساب فقط عدد لمسات اللاعب للكرة أو أفعاله بها، لكن السلاسل أيضًا، يقول هانيس كولوك، خبير تحليل البيانات: "بالنسبة لنا، تعتبر السلسلة مرحلة ذات مغزى، السلسلة تشبه مرحلة التحكم في الكرة، طالما أن الفريق لديه الكرة، تستمر السلسلة، إذا فقدها، تبدأ واحدة جديدة.
شارك ماكس كروس في 387 سلسلة حتى الآن هذا الموسم، بمعدل 29.7 حلقة لكل مباراة، هذا أيضا قليل جدًا، هذا يضع كروس في المركز قبل الأخير لجميع لاعبي خط الوسط المهاجمين في الدوري ونادرًا ما يملك الكرة، بإجمالي 17 دقيقة و 37 ثانية فقط، أي دقيقة واحدة و 24 ثانية فقط لكل مباراة.
حتى حارس مرمى فريقه أندرياس لوث امتلك الكرة لفترة أطول (20 دقيقة)، ومع ذلك، تمكن كروس من المشاركة في ثُلث جميع التسديدات على المرمى وسجل رُبع أهداف يونيون برلين، يبدو أن كروس هو وحش فعَّال، فقط كيف يمكن قياس ذلك؟
لهذا الغرض، طور كولوك مؤشر التحكم في اللعبة (GCI)، من المفترض أن يُعبر هذا عن درجة تحكم اللاعب في المباراة، يُمثل GCI النسبة بين أفعال اللاعبين القابلة للتحكم والغير قابلة للتحكم، وكلما ارتفعت القيمة، زادت نسبة الأفعال الخاضعة للرقابة، يُظهر المؤشر أي لاعب من اللاعبين قادر على التحكم في المباراة أو إحداث فوضى عند الخصم.
بالنسبة لمركز كروس كلاعب خط وسط مهاجم، فإن متوسط GCI للبوندسليجا هو 3.7، يقف كروس عند 5.3 وهو فارق كبير، لديه أكثر من خمسة أفعال خاضعة للرقابة.
هذا يعني أنه عندما تكون الكرة مع كروس، هناك احتمال كبير جدًا أن يحدث شيء مفيد للفريق، وذلك في المنطقة الأكثر صعوبة والأكثر خطورة للخصم، أمام منطقة الجزاء، حيث يكون ضغط الخصم أعلى، إجمالا، فإن كروس هو أفضل لاعب خط وسط هجومي في الدوري، متقدماً على دانيبل ديدافي لاعب شتوتجارت (5.2).
بالطبع، هذه الأرقام ليست سوى تقريب لظاهرة ماكس كروس، لا يمكن شرح ذلك بشكل كامل، في الواقع، من المطمئن تمامًا في هوس القياس الكمي في عصرنا أنه لا يجب حصر لكل شيء في الأرقام، ولكن يمكنك ببساطة الاستماع إلى حدسك بأن كروس يفعل شيئًا استثنائيًا.