كتب : عمر مختار
في 27 سبتمبر، استضاف مانشستر سيتي ليستر سيتي على ملعبه الإتحاد في مباراته الثانية في البريمرليج هذا الموسم، مباراة خسر فيها أصحاب الأرض بنتيجة 2-5، كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يتلقى فيها فريق يديره بيب جوارديولا خمسة أهداف في مباراة واحدة.
على الرغم من إنفاق عشرات الملايين في سوق الإنتقالات، بدا دفاع مانشستر سيتي غير واثق من نفسه، متهور ومفكك، في نفس الوقت صعد حامل اللقب ليفربول إلى قمة الترتيب بعد فوزه على ليدز يونايتد وتشيلسي وأرسنال تواليًا.
منذ ذلك الوقت، تغيرت الصورة بشكل مختلف تمامًا، حاليًا، يجلس السيتيزنس على قمة ترتيب البريميرليج بفارق 10 نقاط عن مانشستر يونايتد صاحب المركز الثاني وليستر سيتي صاحب المركز الثالث، و16 نقطة كاملة عن ليفربول صاحب المركز السادس بعد أن سحقه في أنفيلد برباعية جاءت بأداء مذهل، يبدو بشكل واضح أن مانشستر سيتي في طريقه لتحقيق لقب الدوري الإنجليزي هذا الموسم.
إذن، ما الذي حدث بالضبط بين سبتمبر ووقتنا الحالي؟ كيف تحول مانشستر سيتي من فريق يعاني لإبعاد الأهداف عن مرماه إلى الأفضل في إنجلترا، وربما حتى في أوروبا كلها؟
لشرح كيف وصل مانشستر سيتي إلى هذا الأداء، يجب فهم المشاكل التي كان يعاني منها الفريق، كانت المشكلة الأكبر التي واجهها مانشستر سيتي هي ضغطهم العشوائي الذي يستنفذ الكثير من الجهد، تمركزاتهم الخاطئة، خضوعهم بسهولة لـ Momentum الخصم ودفاعهم، وهي مشكلة ظلت عالقة منذ بداية الموسم الماضي، عندما فازوا بالدوري مواسم 2017-2018، 2018-2019 اشتهر مانشستر سيتي بهجومه الفتاك، والذي جعله يتفوق علي المنافسين بفوارق أهداف تصل إلى ثلاثة أو أربعة أو خمسة ومع ذلك، كان دفاعهم قويًا جدًا أيضًا، منذ يناير إلى مايو 2019، لم يتلقوا سوى ثمانية أهداف في الدوري الإنجليزي.
في الموسم الماضي، ترك فينسينت كومباني النادي لينهي مسيرته في بلجيكا، وعانى إيمريك لابورت بشدة من الإصابات التي أجبرته على الغياب طوال فترات الموسم، لكن قرار بيب وإدارة النادي بعدم إحضار بديل لكومباني، وافتقار الفريق إلي القيادة في خط الدفاع كان بمثابة وصفة لكارثة.
في الدفاع، اضطر بيب إلى الاعتماد بشكل كبير على نيكولاس أوتاميندي، جون ستونز، إريك جارسيا وفرناندينيو (الذي لم يكن مركزه الطبيعي حتى مدافعًا)، هذا لا بأس به إذا كان الهجوم بأفضل حال، لكن الإصابات أو الحالة السيئة لسيرجيو أجويرو، جابرييل جيسوس، ليروي ساني ورحيم ستيرلينج أدت إلى عقم تهديفي وكشفت المعضلات الدفاعية.
في موسم 2018-2019، سجل مانشستر سيتي 169هدف واستقبل 39 فقط في جميع المسابقات، في المقابل سجل الموسم الماضي 149 هدف واستقبل 53.
سرعان ما أصبح الدفاع أكبر نقاط ضعف مانشستر سيتي، كانت المباراة أمام ليستر سيتي في سبتمبر أكثر الأمثلة الصارخة على ذلك، كان هجوم مان سيتي جيدًا ؛ صنعوا العديد من الفرص، لكنهم لم يكونوا حاسمين كالعادة على الرغم من استحواذهم الكبير علي الكرة، في كل مرة تقدم فيها ليستر كان مانشستر سيتي ينهار تمامًا سواء كان ذلك بسبب تأخر اللاعبين في التمركز أو تهورهم الشديد في منطقة الجزاء، استغل ليستر الفوضى وسجل خمسة أهداف.
كانت هذه المباراة بمثابة جرس إنذار لبيب وفريقه، لكنهم عملوا بجد لتصحيح ذلك، بداية من شراء روبن دياز من بنفيكا مقابل 62 مليون جنيه إسترليني والذي يُعد أحد أفضل مدافعين البريميرليج إن لم يكن الأفضل بعد نهاية الموسم وبيع نيكولاس أوتاميندي المُسن.
لكن التحسن لم يتوقف عند هذا الحد، حيث ركز بيب على تعزيز خط الدفاع أثناء التدريبات، ظهر الفريق بشكل عام هادئًا وواثقًا، امتلك السرعة، الصفات القيادية واتخاذ القرارات الجيدة.
قبل أن نتعمق في التفاصيل الدقيقة لمانشستر سيتي الذي حطم الأرقام القياسية، من المهم أولاً تحليل كيف كان أداء فريق جوارديولا مسبقًا.
في المباريات الثمانية الأولي، تفوق الفريق في إحصائية الأهداف المتوقعة المسجلة xG علي خصومه في ستة منهم (الفريقان الوحيدان اللذان تفوقا عليه على هذا الأساس حتى الآن هذا الموسم هما ليستر ولييدز)، لكنهم رغم ذلك صنعوا فرصًا بمعدل أقل مما رأيناه من فريق بيب جوارديولا.
بلغ متوسط السيتي للأهداف المتوقعة في تلك المباريات الثمانية 1.59 هدفًا متوقعًا xG في المباراة الواحدة، في أسوأ موسم هجومي لهم تحت قيادة بيب (2016-2017) بلغ المتوسط 2.14 هدفًا متوقعًا، في الموسم الماضي، ورغم الابتعاد كثيرًا عن ليفربول في نهاية الموسم فقد بلغ متوسطهم 2.67 هدفًا متوقعًا xG ، لذلك كان الانخفاض حادًا بشكل مثير للقلق.
في تلك المباريات الثمانية سمح مانشستر سيتي بمتوسط 1.28 هدفًا من حيث الأهداف المتوقعة المستقبلة xGA، ربما كان سيتي يملك أفضل سجل دفاعي مشترك حيث استقبل بعد ذلك 12 هدفًا في أول 12 مباراة، لكنهم سجلوا 18 هدفًا فقط في ذلك الوقت.
منذ ذلك الحين سمحوا بـ 0.53 هدفًا فقط، لقد انخفض الرقم لأكثر من النصف، في حين تشير الأرقام إلي أن كل نادٍ في البريميرليج يسمح بما لا يقل عن ضعف هذا الرقم لكل مباراة.
أفضل سجل دفاعي على مدار الموسم لمانشستر سيتي بقيادة بيب جوارديولا كانت في موسم 2018-2019 حيث سمح الفريق بـ 0.70 كأهداف متوقعة مستقبلة xGA لكل مباراة، يضع هذا في الاعتبار المستويات التي يقدمها الفريق في الوقت الحالي.
بعد الخسارة أمام توتنام خارج الديار في نوفمبر، فاز مانشستر سيتي علي ملعبه أمام بيرنلي وفولهام تواليًا وتعادل سلبيًا أمام مانشستر يونايتد في الأولد ترافورد وإيجابيًا 1-1 على أرضه أمام ويست بروميتش ألبيون، في مباراته التالية فاز خارج ميدانه 1-0 على ساوثهامتون وهنا بدأ كل شيء.
لعب مانشستر سيتي 17 مباراة بما فيها مباراة ساوثهامتون، فازوا في جميع تلك المباريات، 12 مباراة متتالية في البريميرليج، 3 مواجهات في كأس الاتحاد الإنجليزي ومواجهتين في كأس الكاراباو، سجلوا 46 هدف بمتوسط 2.70 هدف في كل مباراة، واستقبلوا 6 أهداف وحافظوا على نظافة شباكهم في 11 مباراة.
في الـ 12 مباراة الأخيرة في الدوري، سجل السيتي 31 هدفًا واستقبل 3 أهداف فقط، من تشيلسي (هدف في الوقت المحتسب بدل الضائع)، ليفربول (ركلة جزاء) وإيفرتون، استقبل الفريق فرصتين كبيرتين فقط بدون ركلات جزاء، وحصل على العلامة الكاملة 36 نقطة.
شهد منحنى مانشستر سيتي تصاعدًا في إجمالي الأهداف المتوقعة xG، لقد بلغ متوسطهم 2.2 هدف متوقع لكل مباراة في آخر 12 مباراة بالدوري، وهي مستويات نتوقع رؤيتها من جانب جوارديولا، زاد عدد الفرص التي يصنعونها على أساس كل مباراة مع تقدم الموسم، ومن غير المفاجئ زيادة عدد الأهداف التي سجلوها.
بلغ فارق الأهداف المتوقع xGD في كل مباراة من انتصاراتهم في الـ 12 مباراة متتالية في الدوري +1.63، في موسم 2018-2019 بلغ مقدار فارق الأهداف المتوقع +1.70 ، وهو أعلى مستوى رأيناه في موسم كامل من البريميرليج.
استخدم جوارديولا ظهيرين مقلوبين مرة أخرى، حيث يتمركز واحد من كانسيلو أو زينتشينكو في خط الوسط جنبًا إلى جنب مع رودري، بينما يتقدم بيرناردو سيلفا وجوندوجان إلى الأمام أكثر.
في بعض الأحيان، يسقط رودري بين قلبي الدفاع ليشكل خط ثلاثي، عندما يفعل ذلك ينتشر دياز وستونز علي الأطراف أكثر.
عند الاستحواذ يكون شكل السيتي 2-3-5 ومع تقدمهم للأمام، يبدأون في تبادل المراكز مع توسيع الأجنحة للملعب لتفكيك دفاع الخصم أفقيًا، مع تقدم لاعبي خط الوسط إلى الأمام، يسقط المهاجم الوهمي بعمق في محاولة لخلق مساحة خلفه وتسهيل تقدم لاعبي خط الوسط إلى الأمام.
بهذه الطريقة، يصبح عدد لاعبي السيتي في المقدمة خمسة في مواجهة دفاع رباعي، لذلك كان لديهم دائمًا رجل حر في الهجوم، في هذه الحالة كان ستيرلينج.
يُعد هذا الأسلوب مفيدًا عند مواجهة الفرق التي تدافع بشكل 4-4-2 لأن هذا الشكل سيكون له فجوة أكبر في خط الوسط، مما يجعل من السهل على مهاجم السيتي الوهمي السقوط لتلقي تمريرة والدخول بين خطوط الخصم.
عند مواجهة دفاع خماسي فإن الشكل أثناء الإستحواذ يكون 3-1-6، حيث يتحول زيتشينكو كقلب دفاع ثالث بينما يبقي رودري كإرتكاز وحيد، أمامه ستة لاعبين، خمسة منهم يتمركزون في القنوات أفقيًا في حين يتمركز لاعب واحد منهم عموديًا خلف لاعب في إحدي القنوات.
في حالات أخرى، يتولي بيرناردو هذه المهمة، حيث يصبح خيسوس علي يمينه وجندوجان على يساره، يقوم بيرناردو بالتبديل بين خط الوسط وخط الهجوم.
للخروج من ضغط الخصم، يستخدم بيب كانسيلو لتشكيل محور مزدوج مع رودري وقد كان ذلك فعالًا للغاية أمام المنافسين التي تضغط بشدة.
في مباراة ليفربول الأخيرة، كان ماني يضغط بشكل خارجي علي ستونز لمنعه من التمرير للطرف، ولكن عندما تحرك كانسيلو بجانب رودري، أتاح ذلك الفرصة لبيرناردو للتراجع وشغل مركز كانسيلو، وجعل ماني في حيرة عما إذا كان سيغلق مسار التمرير علي بيرناردو أو كانسيلو، كما وجه سؤالا إلي روبيرتسون هل يخاطر بترك مكانه للضغط علي بيرناردو وترك محرز خلفه، أو البقاء في المركز وترك بيرناردو يعبر.
استخدم بيب أيضًا الاتجاهات العكسية لمحاولة تفكيك خصمه، علي سبيل المثال، عندما يركض ستيرلينج وفودن ومحرز للأطراف، يسقط بيرناردو وجندوجان بإتجاه الكرة، نتيجة ذلك يصبح خط وسط الخصم أكثر ضيقًا بسبب عدد اللاعبين في المناطق المركزية، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى سهولة الوصول إلى الأجنحة على نطاق واسع.
يتمتع بيرناردو بحرية تمركز كاملة في خط الوسط، لذلك غالبًا ما كان يسقط بعمق أو يتحرك إلى جانب واحد لخلق مساحة أو الوصول إليها.
في بعض الأحيان يتمركز بيرناردو كجناح أيمن مما يخلق مساحة كبيرة بين الخطوط على يسار الخصم هناك، هدف بيب هو سحب جناح الخصم الأيسر بعيدًا عن كانسيلو وتحريره للوصول إلى المساحة التي خلقها.
يتبادل أجنحة السيتي الجانبين عادة بعد تسجيل هدف الإفتتاح حيث يلعب كل جناح علي قدمه الخارجية لتمديد دفاع الخصم إلى أقصي حد والمحافظة علي العرض.
يتمركز جندوجان كمهاجم ثاني أثناء الاستحواذ، وتفاهمه مع خيسوس أصبح مذهلاً، يستدرج خيسوس دفاع الخصم لخلق مساحة في الخلف لجوندوجان.
إليك متوسط مراكز السيتي من مباراة توتنام، يحافظ ستيرلينج وفودين علي توسيع الملعب دائمًا أثناء الهجوم، ولكن بسبب تبديل أماكنهم فإن متوسط تمركزهما يصبح قريب من الوسط، بيرناردو هو الأكثر ميلا للعمق من بين الخماسي الأمامي، بينما يتقدم جوندوجان قليلاً أكثر على اليسار.
عندما يفقد الفريق الكرة، يتحول إلي كتلة متوسطة، يبدأ بيرناردو بالضغط علي قلب الدفاع الذي يحمل الكرة مع عملcover shadow أو مراقبة لاعب ارتكاز الخصم، يراقب خيسوس لاعب الوسط الاخر، في حين تستعد الأجنحة للضغط على ظهيري الخصم إذا تم لعب الكرة هناك.
عند التحول إلي كتلة عميقة، يدافع مانشستر سيتي بشكل 4-4-2، حيث يتحول ستيرلينج بجانب خيسوس في المقدمة بينما يأخذ بيرناردو مكانه في اليمين.
في 24 مباراة في الدوري سجل السيتي 49 هدفًا بينما استقبل 15 هدفًا فقط، وهو أفضل سجل دفاعي في الدوري وأقل عدد من الأهداف التي تم استقبالها، هذا يعادل ثاني أفضل سجل دفاعي في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى، حيث تعادل مانشستر سيتي مع باريس سان جيرمان مع استقبال 15 هدفًا بينما يحتل أتليتيكو مدريد المركز الأول حيث استقبل فقط 14 هدفًا، صعد مانشستر سيتي إلي الدور الخامس من كأس الاتحاد الإنجليزي بينما وصل أيضًا إلى نهائي كأس الرابطة التي ستقام في أبريل، وفي دوري أبطال أوروبا فازوا بخمس مباريات وتعادلوا في واحدة وتأهلوا كمتصدرين لمجموعتهم.
إنهم يتحسنون في الهجوم، حتى بدون كيفين دي بروين وسيرجيو أجويرو، وفي الواقع خروج دي بروين من أي فريق سيكون له تأثير، لكنه لم يعيق السيتي على الرغم من أن اللاعب البلجيكي بلغ متوسط عدد أهدافه المتوقعة xGI (مجموع أهداف المتوقعة وتمريراته الحاسمة المتوقعة) 1.01 في الدوري لكل مباراة، برونو فيرنانديز (0.95) هو أقرب منافسيه، وبالتالي فإن غياب مثل هذا اللاعب المهم من المرجح أن يشل أي فريق، لكن بيب وجد طريقة.
يبدو أنه قد استقر على حل، اختيار أسلوب المهاجم الوهمي، وهو أسلوب استخدمه بهذا التأثير العظيم في برشلونة، جعل السيتي أكثر صعوبة في التنبؤ به في الهجوم.
حقق مانشستر سيتي إنجازًا مثيرًا حطم الأرقام القياسية، وبناءً على الأرقام التي ذكرتها، يمكن أن يكونوا في طريقهم ليكونوا أفضل فريق لبيب جوارديولا منذ تعيينه في 2016.
بعد تعادله 1-1 مع ويست بروميتش، احتل مانشستر سيتي المركز السادس في ترتيب جدول الدوري برصيد 20 نقطة من أول 12 مباراة، كانوا أقرب إلى نيوكاسل الذي احتل حينها المركز الـ 13 برصيد 17 نقطة ولديه مباراة مؤجلة، في الوقت الذي تصدر فيه توتنام جدول الترتيب برصيد 25 نقطة.