كتب : فادي أشرف
"لعبنا أمام فريق جيد جدا وهم استحوذوا على الكرة، كان علينا أن نستخدم الخيارات الأفضل للاستحواذ عليها وأن نخرج للهجوم".
دفاعيا، قدم الأهلي مردودا جيدا ضد بايرن ميونيخ، سمح لـ 7 تسديدات فقط أن تهدد مرمى محمد الشناوي مباشرة. مع التذكرة أن هذا بايرن ميونيخ، بطل دوري أبطال أوروبا، وليس بطل عادي، بل أصبح بطلا بإهانة منافسيه واحدا تلو الآخر.
ولكن هجوميا، كما قال بيتسو موسيماني المدير الفني للأهلي في التصريحات الموجودة أعلاه، افتقد الأهلي القدرة على تهديد دفاعات بايرن أو حارسه مانويل نوير. كرتان فقط على مرمى نوير طوال 90 دقيقة.
ولكن، هل كان في الإمكان أفضل مما كان؟
الأمل والعزيمة وكل تلك الأمور المعنوية محببة ومطلوبة، ولكن نسبة فوزها على المنطق في كل 100 مواجهة بينهما هي مرة وحيدة، ولم يكن موعدها يوم الإثنين على استاد أحمد بن علي بالعاصمة القطرية الدوحة.
الفوارق بين الكرة الألمانية، والكرة المصرية، والإفريقية عموما، واضحة للعيان، ناهيك عن الفوارق بين كل التفاصيل حولهما.
الأمر يتضح منذ بداية العملية، وهو كيفية تطوير الناشئين لكي يلعبوا كرة القدم.
في 13 يوليو 2014، توج الألمان سيطرتهم على كرة القدم بالفوز بكأس العالم. لا يوجد فريق في العالم يفوز بكأس العالم بمحض الصدفة، فمثلما لعبت مدرسة كلايرفونتاين الفرنسية دورا كبيرا في تدشين السيطرة الفرنسية على كرة القدم العالمية في نهايات القرن الماضي، وقبل 3 أعوام في روسيا، لعبت العديد من الأكاديميات دورا في حقبة السيطرة الألمانية في القرن الحالي.
بدايات القرن نفسه كانت مهينة للألمان، خرجوا من يورو 2000 من دور المجموعات مما نبههم أن كرتهم في مرحلة كارثية.
بحسب تقرير نشرته رابطة الدوري الألماني في مارس 2011 بعنوان 10 سنوات من الأكاديميات: تجمعات المواهب في المستوى العالي لكرة القدم الألمانية، يقول راينهارد راوبال رئيس الرابطة آنذاك: "أداء منتخبنا أوضح أن القرارات التي اتخذتها الرابطة وأنديتها الـ 36 في ألمانيا قبل 10 سنوات كانت صحيحة. إجبار الأندية على إنشاء أكاديميات عام 2001 كان البناء الذي مكننا من صنع مستقبل ناجح للكرة الألمانية".
بين 2002 و2010، وبحسب نفس التقرير، استثمرت ألمانيا حوالي 520 مليون يورو، الرقم الذي تضاعف مرتين ليصل إلى 1.5 مليار يورو بنهاية العام الماضي، فقط لتطوير أكاديميات كرة القدم في أندية الدرجتين الأولى والثانية.
أكاديميات الأندية في ألمانيا بالطبع تركيزها الأساسي على كرة القدم، ولكنها أيضا تضم جانبا تعليميا، ففي تقرير الرابطة عام 2011، فإن خريجي تلك الأكاديميات لديهم معدل إنهاء لدراستهم الثانوية أكثر من المعدل العام في ألمانيا. في أكاديميات ألمانيا، تسير كرة القدم والتعليم جانبا إلى جنب. الأمر يؤثر على شخصية اللاعب وعقليته، وكذلك تزيد من فرصه بعد الاعتزال أو في حال عدم النجاح في المسيرة الاحترافية.
في 2011، 19 لاعبا من أصل 22 في قائمة منتخب ألمانيا آنذاك كانوا من نتاج أكاديميات أندية ألمانيا.
وقت إصدار تقرير رابطة الدوري الألماني، كان أكثر من 50% من لاعبي بوندسليجا من خريجين تلك الأكاديميات، وحوالي 38% منهم كانوا يلعبون لنفس النادي الذين تخرجوا من أكاديميته.
وبالتالي، ظهر النجاح. 5 لاعبين من الذين توجوا ببطولة أمم أوروبا تحت 21 عاما عام 2009، فازوا بكأس العالم في البرازيل بعد 5 أعوام.
اثنين من هذا الخماسي واجه الأهلي في الدوحة، وهما مانويل نوير خريج أكاديمية شالكه، وجيروم بواتنج خريج أكاديمية هيرتا برلين.
التحدي الذي نجح فيه الألمان ليس فقط تحقيق النجاح قصير المدى، بل خلق نموذج للنجاح المستمر على مدار سنوات طوال.
والأمر لا يتقصر فقط على اللاعبين الألمان، فنسبة اللاعبين الأجانب الذين يتخرجون من أكاديميات الأندية الألمانية، سواء كانوا من أبناء المهاجرين أو من المستقدمين من الخارج لمواهبهم الكروية الكبيرة، نسبة لا يستهان بها.
أين أكاديمية بايرن ميونيخ من هذا الأمر؟
في ألمانيا، يهاجمون بايرن ميونيخ لأن أكاديميته لا تفرز نجوما بالقدر الكافي، أو بمعنى أصح، لا تفرز نجوما بقدر إمكانيات العملاق البافاري.
سيباستيان هونيس، أحد المدربين في أكاديمية بايرن التي اتخذت مقرا جديدا بإمكانيات أفضل وأقوى قبل عامين يرى أن بايرن ليس متأخرا في هذا الصدد، وأن الأكاديمية يمكنها إخراج نجوم لخلافة الجيل الحالي.
وحتى يحدث ذلك، يتبع بايرن نموذجا مختلفا. قد يبدو براجماتيا أكثر من اللازم ولكنه ناجح بدليل النتائج، وهو الحصول على أفضل منتجات أكاديميات ألمانيا كلها.
بعد عام من تصعيد أحد أفضل منتجات أكاديميته للفريق الأول، ديفيد ألابا، قام بايرن ميونيخ باستقدام فخر منتجات أكاديمية شالكه مانويل نوير، وفي 2015 ضم جوشوا كيميتش الشاب اليافع آنذاك من شتوتجارت، وفي 2017 ضم نيكلاس زوله من هوفنهايم، وقبل 3 أعوام ضم ألفونسو ديفيز من فانكوفر وايتكابس الكندي، وفي الموسم الماضي ضم فييتي أرب المتوقع له أن يكون مستقبل هجوم بايرن، من هامبورج.
يستفيد بايرن، بفضل قوته الاقتصادية المهولة، من أفضل منتجات كل أكاديميات ألمانيا. والنتيجة، فريق لم تستطع عمالقة أوروبا مجاراته.
الفوارق بين الكرة المصرية والألمانية تبدأ منذ الصفر، ففي مصر في الوقت الحالي لا يوجد أكاديميات على النموذج الألماني. الأهلي والزمالك ينتجان الكثير من الناشئين الواعدين لكنهم لا يستمرون لأسباب كثيرة، وقلة فقط من يشقون طريقهم إلى تشكيل فريقهم الأساسي. يتجه بعضهم لبقية فرق الدوري وينجح البعض ويفشل البعض الآخر.
ذلك الفارق الجذري، وكل الفوارق على الطريق من ملاعب وتنظيم مسابقات وجودة مدربين ونسب الفساد في قطاع الناشئين، تؤكد أن بالنسبة للأهلي، لم يكن في الإمكان أفضل مما كان.
وعلى أرض الواقع، من غير المطلوب من الأهلي أن يكون منافسا لبايرن ميونيخ. المطلوب من الأهلي واقعيا هو الفوز بالبطولات المحلية والإقليمية وبعد ذلك يأتي الظهور بمظهر مشرف في المحافل العالمية، والتي لا يتحقق الظهور بها من الأساس دون الفوز بالبطولات المحلية والقارية.
وفي الموسم الماضي، حقق الأهلي أهدافه المطلوبة بنسبة 100%، فحقق الثنائية المحلية وفاز بدوري أبطال إفريقيا. فكرة مجاراة بايرن ميونيخ، أو تهديد مرماه، أو إقلاقه على مكانه شبه المضمون في المباراة النهائية لكأس العالم للأندية، أمر يتطلب تغيير جذري في الكرة المصرية وكيفية تطوير ناشئيها وإدارة مسابقاتها وخلافه.
وإلى أن يحدث ذلك، ستصبح فكرة مجاراة الفرق المصرية لأمثال بايرن ميونيخ لا تتخطى نسبة الـ 1% التي تتغلب فيها معنويات الأمل والعزيمة على ماديات المنطق.