كتب : رامي جمال
يبدو أن ماوريسيو بوكيتينو أصبح قاب قوسين أو أدنى من العودة للتدريب مجددا بعد عام وعدة أشهر من إقالته من توتنام ولكنه لن يعود من بوابة الكرة الإنجليزية بل عن طريق الفرنسية وبالتحديد باريس سان جيرمان.
وأقال باريس سان جيرمان مدربه الألماني توماس توخيل اليوم الخميس بعد الفوز على ستراسبورج برباعية دون رد في الدوري الفرنسي أمس الأربعاء.
ماذا حدث في الكواليس أدى لإقالة توخيل؟ ولماذا بوكيتينو هو المرشح الأبرز للتعاقد مع سان جيرمان؟ موقع "ذا أثليتك" الأمريكي كشف كل ذلك في تقرير مطول.
فاز توخيل بكل البطولات المحلية إذ أنه توج بالدوري لعامين متتاليين بالإضافة للسوبر الفرنسي، ولقب وحيد لكأس فرنسا وكأس الرابطة، مع قيادته الفريق للتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي.
لكنه عانى من بداية سيئة للموسم الحالي من الدوري الفرنسي وتلقى أربع هزائم من أول 17 مباراة ويحل ثالثا في جدول الترتيب بفارق نقطة عن ليون المتصدر.
فلماذا تمت إقالته؟ هل لم تتسم فترته بالنجاح؟
نعم ولا.
يستطيع توخيل أن يشير لخزينة بطولات سان جريمان وما حققه في عامين ونصف مع النادي الفرنسي خاصة أن تعاقده تم مده في شهر مايو الماضي وكان من المفترض أن يظل على رأس الإدارة الفنية للفريق حتى نهاية الموسم الجاري.
يتوقع مسؤولو سان جيرمان أن الفوز بالبطولات المحلية أمر بديهي وأقل ما يمكن تحقيقه، إذ أن النادي فاز بسبع بطولات دوري في آخر ثمانية أعوام.
آخر مدرب لم يفز بأي بطولة مع الفريق كان لورين فورنايير في عام 2005.
ورث توخيل تشكيلا قويا من اللاعبين على رأسهم أغلى لاعب في التاريخ، البرازيلي نيمار، لذا كان التوقع دائما أن يكون النجاح أعلى من أي فترة سابقة، والهدف الرئيسي هو لقب دوري أبطال أوروبا.
اقترب توخيل من تحقيق الهدف الأسمى لناصر الخليفي مالك النادي، لكن هزيمة في النهائي من بايرن ميونيخ بهدف دون رد كلفته الحلم.
هزيمة وصفها توخيل بـ"أسوأ شعور في العالم".
كل ذلك بالإضافة لمعاناة المدرب الألماني في السيطرة على غرفة خلع الملابس وهو يشبه سلفه إيمري في ذلك الأمر.
وعلى الرغم من إقامة مشروعه حول نيمار، لكنه دخل في خلافات مع نجم آخر هو كيليان مبابي، ما دفع المدرب الألماني للقول: "التعامل مع غرفة خلع الملابس والغرور أمر صعب".
حديث توخيل جاء بعد خلاف على خط الملعب مع مبابي في شهر فبراير الماضي.
ثم جاء دور السياسة.
أي سياسة؟
قبل ساعات قليلة من مواجهة ستراسبورج يوم الأربعاء أجرى توخيل حوارا مع قناة "سبورت 1" الألمانية والتي حدث خلالها عن متطلبات إدارة فريق كبير.
ما قاله توخيل كان مثيرا إذ أنه تحدث قائلا: "شعرت إنني سياسي رياضي أو وزير رياضة أكثر من كوني مدربا" وذلك تعليقا على عامه الأول مع سان جيرمان.
هذا بالإضافة لاعترافه بصعوبة إبقاء لاعبين مثل نيمار ومبابي سعداء.
وبعد الفوز على ستراسبورج أكد توخيل أن التصريحات تُرجمت بشكل خاطئ وقال: "لم أقل ذلك حول السياسة أو الرياضة أو إنني فقدت الاستمتاع بالتدريب، هذا ليس حقيقيا".
وشدد في حديثه لـ"كنال بلس" الفرنسية "من المحتمل أن يكون ترجموا التصريحات بشكل غير صحيح".
ذلك الحوار لم يكن استقباله جيدا من قبل إدارة سان جيرمان بالإضافة للمدير الرياضي للنادي ليوناردو.
وعلى الرغم من أن حوار توخيل لم يكلفه منصبه في تلك المرحلة، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل والقرار اتُخذ بإقالته وهذا يظهر البيئة المشحونة سياسيا التي كان يعمل فيها.
لم يكن ليوناردو الرجل الوحيد الذي عانى في علاقته معه توخيل، بل المدير الرياضي السابق لسان جيرمان أنتيرو هنريكي كذلك لم تكن علاقته جيدة بالمدرب الألماني.
هذا بالإضافة لفتح ناصر الخليفي لخط ساخن مع اللاعبين الكبار في الفريق ما زاد من صعوبة إدارة توخيل لهم وجعل مهمته صعبة.
يُعرف عن توخيل بشخصيته المثيرة للجدل فقد كافح للعمل جنبا إلى جنب مع مايكل زورك المدير الرياضي لفريقه الأسبق بروسيا دورتموند، وكذلك الرئيس التنفيذي للنادي هانز يواكيم فاتسكه.
وقال فاتسكه في رسالة لجماهير دورتموند عقب إقالة توخيل من منصبه: "ليست النتيجة وحدها ما يهم، بل هناك قيم أساسية مثل الثقة والاحترام".
وواصل "لقد استمتع توخيل بعامين ناجحين تحققت فيهما أهدافنا الرياضية ومع ذلك أنا والمدير الرياضي لم نتفق دائما مع الجهاز الفني خلال تلك الفترة".
الاختلاف هنا أن توخيل مع ماينز ودورتموند اعتاد السيطرة كليا على الأمور، لكن الحال لم يكن كذلك في العاصمة الفرنسية باريس.
إلى هنا انتهينا من توخيل ليظهر لنا سؤلاء جديدا.
لماذا بوكيتينو؟
أبدى أكثر من فريق كبير إعجابه ببوكيتينو بعد رحيله عن توتنام بعد خمسة أعوام قضاها مع الفريق وبعد أدائه المميز رفقة إسبانيول وساوثامبتون.
وليس ببعيد قاد بوكيتينو فريقه توتنام لتحقيق إحدى المفاجآت الكبرى بالتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا في 2019 قبل الهزيمة من ليفربول بهدفين دون رد.
وتحدث المدرب الأرجنتيني لصحيفة "الباييس" الإسبانية في شهر أغسطس الماضي قال إنه ينتظر: "إيجاد الأشخاص المناسبين لوضع يده في أيديهم مع الأفكار التي يؤمن بهاا".
لطالما كان بوكيتينو معجب بسان جيرمان خاصة بعدما لعب لهم من 2001 لـ2003، وهو كذلك مدرب من الطراز الرفيع الذي يبحث عنه سان جيرمان.
لقد نجح ناصر الخليفي في جلب أفضل اللاعبين لسان جيرمان وأهمهم نيمار في 2017 من برشلونة ما ساهم في زيادة قيمة النادي بين ليلة وضحاها من مليار يورو إلى مليار و500 ألف يورو.
بوكيتينو الآن واحد من المدربين النجوم القلائل المتاحين على الساحة ويناسب رؤية سان جيرمان.
علاقة بوكيتينو كذلك بدولة قطر لا ينبغي إغفالها، ففي شهر أكتوبر قبل الماضي بعد الهزيمة من برايتون 3-0 سافر إلى العاصمة الدوحة مع مساعدة خيسوس بيريز لإلقاء محاضرة في أكاديمية أسباير حول كرة القدم.
وتحدث المدرب الأرجنتيني بشكل متوهج حول رؤية قطر وتخطيطها وشغفها لتطوير الرياضة.
والآن ظهر سؤالا جديدا، ألا يريد سان جيرمان مدربا له سجل في الفوز بالبطولات؟
لم يفز بوكيتينو بأي لقب في مسيرته حتى الآن، أفضل إنجاز له كان وصيف الدوري الإنجليزي ووصيف دوري أبطال أوروبا وكليهما كان في توتنام.
وحال تعاقده مع سان جيرمان فستكون ثالث مباراة له هي الدربي في كأس السوبر الفرنسي أمام مارسيليا وأمام مدرب سبق له تدريب توتنام، أندريه فيلاش بواش.
ويتوقع سان جيرمان من بوكيتينو تحقيق أفضل مما حققه سلفه توخيل، واختباره الحقيقي الأول سيكون ضد برشلونة في شهر فبراير المقبل في دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا.
إن الحُكم على فترة بوكيتينو مع توتنام من خلال الفوز بالألقاب يعني تفويت نقطة.
عندما كان بوكيتينو في توتنام سُئل حول البطولات وأكد إنها ليست المقياس الوحيد للنجاح.
وأوضح "نحاول الفوز بكل مباراة وحال حدوث ذلك بشكل صحيح ففي نهاية الموسم من المحتمل أن تفوز ببعض البطولات".
البطولات لدى بوكيتينو هي شيء ثانوي وليست هدفا في حد ذاته.
لكن ذلك يتغير في سان جيرمان.
كيف سيتحكم بوكيتينو في غرور اللاعبين؟
هذا بالتحديد سؤال رائع، لم يعمل المدرب الأرجنتيني مطلقا مع نجوم الصف الأول، حتى في توتنام كان هاري كين وديلي آلي وكريستيان إريكسن مجرد لاعبين شباب ساهم هو في تألقهم وتحولهم لنجوم.
العمل مع نجوم من الطراز العالمي أمر مختلف وصعب، ومثال على ذلك إيمري نفسه الذي قام بعمل رائع مع إشبيلية لكنه وجد الأمر مستحيلا في باريس مع نيمار.
نيكو كوفاتش في بايرن ميونيخ، ماوريسيو ساري في تشيلسي ويوفنتوس لم يمكث سوى سنة وحيدة مع كل منهما رغم روعته مع نابولي.
المشكلة بالنسبة لهؤلاء المدربين أن أي ناد ضخم من أندية الصف الأول يضم لاعبين برواتب ضخمة يحصلون على قوة هائلة أكثر من أي مدرب.
اكتشف العديد من المدربين ذلك مع ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو والأمر ذاته ينطبق في باريس بوجود نيمار ومبابي، لذا سيحتاج بوكيتينو للتواصل مع النجوم وجعلهم في صفه مبكرا جدا وأن يسير على خطى توخيل في تلك الجزئية وليس خطى إيمري والتأكد من أن اللاعب البرازيلي هو نجم الفريق.
ومع ذلك فقد أظهر بوكيتينو من قبل أنه لا يخاف من مواجهة اللاعبين الكبار ففي عام 2014 لم يستغرق الأمر وقتا طويلا في توتنام ليدرك أن لاعبين مثل إيمانويل أديبايور وإتيان كابوي ويونس كابول وبنوا أسو إيكوتو وآرون لينون ليسوا لائقين للفريق فأبعدهم وجلب الشباب الذين أرادوا اللعب طريقته.
حسنا.. كيف سيلعب بوكيتينو مع سان جيرمان؟
يفضل المدرب الأرجنتيني من فريقه الضغط بقوة على الخصم ويؤمن كذلك أنه أحدث تغييرا هاما في الكرة الإنجليزية بسبب طريقة تدريبه لساوثامبتون.
إذ أنه كان يعتمد على طريقة 4-2-3-1 ويطلب من مدافعيه البناء من الخلف مع الضغط بقوة على الخصم لاستخلاص الكرة وإرسالها لمنطقة جزاء كلما أتيحت الفرصة.
وقال سابقا: "كرة القدم تغيرت في إنجلترا مع ما فعلناه في موسم 2013-2014 في ساوثاومبتون، لا يوجد فريق آخر كبير كان لديه التأثير ذاته في إحداث التغيير".
وأردف "وجدنا مجموعة من اللاعبين أرادوا التعلم من خبرتنا في الكرة الإسبانية ومع جودة مختلفة عن تلك التي اعتاد الجميع عليها في الكرة الإنجليزية".
في المقابل فلم يلعب سان جيرمان بأسلوب مختلف كثيرا تحت قيادة توخيل فكان يعتمد على 4-2-2-2 أو 4-3-3، وكان ذلك لإتاحة الفرصة لاستغلال قوة نيمار ومبابي.
نظام توخيل كان يؤكد على تسلم نيمار الكرة بين الخطوط ومبابي خلف المدافعين مع تواجده في زاوية مناسبة ليتسلم تمريرات قادمة من يسارية آنخيل دي ماريا.
وليس من المتوقع أن يجري بوكيتينو تغييرا جذريا في ذلك النظام في المستقبل القريب.
هل سيجتمع بوكيتينو بأي من لاعبيه السابقين في باريس؟
ديلي آلي وهاري ونكس وكريستيان إريكسن كلهم يريدون الرحيل في شهر يناير المقبل.
والبداية مع ديلي آلي الذي يعاني من خلافات مع مدربه جوزيه مورينيو.
ارتبط اسم اللاعب الإنجليزي صاحب الـ24 عاما بسان جيرمان قبل ارتباط بوكيتينو بتدريب الفريق.
وبعد فوز توتنام على ستوك سيتي في ربع نهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة انتقده مورينيو بسبب تسببه في هدف الخصم وقال: "لاعب في مركزه مهمته هو خلق حلقة الوصل بين الخطوط وصناعة الفرص وليس خلق المشاكل لزملائه".
ورفض مورينيو سابقا التأكيد إن كان آلي سيبقى في توتنام بعد شهر يناير من عدمه.
أما إريكسن فأعلن المدير الرياضي لإنتر ميلان جوسيبي ماروتا رحيله في شهر يناير المقبل.
وعانى اللاعب الدنماركي صاحب الـ29 عاما من إيجاد فريق آخر له بسبب راتبه المرتفع وطلب دورتموند وهيرتا برلين استعارته في الانتقالات الماضية لكن المفاوضات لم تكتمل.
الانضمام لسان جيرمان والاجتماع مع مدربه السابق سيصبح أمرا مناسبا لجميع الأطراف.
أما بالنسبة لهاري وينكس فهو يريد الرحيل بحثا عن فرصة المشاركة بشكل مستمر ليحجز مكانه مع منتخب إنجلترا في يورو 2020 الصيف المقبل.
بيب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي معجب باللاعب، وهناك عدة أندية إسبانية تريده، إذ أن طريقة لعبه وجذوره الإسبانية ستسهل من انتقاله.
الإعارة تبدو حلا منطقيا لكن لن يكون هناك أي حافز لتوتنام لإضعاف الفريق قبل بدء النصف الثاني من هذا الموسم الصعب.
ومن بين الثلاثة لاعبين المذكورين سيجد بوكيتينو صعوبة أكبر في ضم هاري وينكس لو أراد.
السؤال الأخير.. هل كان بوكيتينو ينتظر كل تلك الفترة من أجل سان جيرمان؟
ليس بالضبط.
لطالما تحدث بوكيتينو عن حبه لباريس بعد لعبه مع الفريق لذا فهو يحب المدينة.
وفي حديثه للإعلام البريطاني في شهر مايو الماضي قال المدرب الأرجنتيني إنه ينتظر: "النادي المثالي ذو المشروع المثالي".
ومنذ ذلك الوقت ارتبط اسمه بمانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وتشيلسي وريال مدريد وسان جيرمان.
وبينما كان هو يتحلى بالانتظار في قراره حاول موناكو التعاقد معه ولكنه رفض، وارتبط اسمه بأرسنال بعد إقالة إيمري قبل التعاقد مع ميكيل أرتيتا.
لكن أكثر الروابط ثباتا كانت مع مانشستر يونايتد وبدأت الشائعات في عام 2016 بعد تناوله العشاء مع مدرب النادي التاريخي السير أليكس فيرجسون على بعد دقائق من مكاتب النادي في العاصمة الإنجليزية لندن.
كذلك تم ترشيحه ليخلف جوزيه مورينيو في يونايتد ولكن طرح رقم 42 مليون جنيه إسترليني كتعويض لتوتنام ويتخلله عقد للمدرب نفسه بـ8 مليون و500 ألف جنيه إسترليني والذي كان مستمرا لـ2023 كان كافيا لردع يونايتد عن إتمام الخطوة.
وخلال الـ12 شهرا الأخيرة تواصل يونايتد بالفعل مع بوكيتينو ولكن إدارة النادي قررت إبقاء أولي جونار سولشاير في منصبه.
والوقت وحده كفيل بالإجابة إن كان يونايتد سيندم على عدم التعاقد مع بوكيتينو مجانا بينما كانت الفرصة سانحة لهم؟