لم يعد دور محمد صلاح يقتصر على تسجيل الأهداف فقط بل صناعتها وتقديم تمريرات مفتاحية وصناعة الأهداف لزملائه.
بالنظر لأدوار صلاح مع ليفربول في الموسم الحالي نجد أنه أصبح يساعد الفريق في الوصول لمرمى المنافسين بشكل أكبر عما كان عليه في المواسم الماضية حيث كان يتمركز أكثر بالقرب من المرمى.
صحيح أن صلاح لا يزال الهداف الأول لليفربول برصيد 8 أهداف في الدوري الإنجليزي لكن قدمه اليسرى باتت تقدم لزملائه فرصا تجعلهم في مواقف يُحسدون عليها.
وهو ما أكده بيب ليندرز مساعد يورجن كلوب.
حيث قال ليندرز عن صلاح لشبكة "ذا أثليتك": "في أكثر المباريات تأثيرا كان موجودا في كل مكان. إنه أكثر بكثير من مجرد مهاجم بالنسبة لنا. أصبح أكثر فأكثر صانعا للألعاب".
فبعد 16 مباراة مع ليفربول بكل المسابقات في الموسم الحالي بواقع 1291 دقيقة، صنع صلاح هدفين فقط لزملائه، لكن بالنظر لصناعة الأهداف المتوقعة والتي يُرمز لها بـ xA نجد أن وصلت لـ3 أهداف كاملة.
مما يعني أن لاعبو ليفربول أهدروا العديد من الفرص التي قدمها لهم صلاح للتسجيل.
كما أن صلاح قد 38 تمريرة أتاحت لزميله فرصة محققة للتسديد، مقابل 92 فرصة في الموسم الماضي بأكمله.
الأمر لم يتوقف على صناعة الفرص فقط، بل أن جودة التمريرات اختلتف وأصبحت تكسر خطوط المنافس حتى لو تؤدي لفرصة للتسجيل.
جودة تلك التمريرات لا تقاس بالأرقام إلا أنها قد توضح التطور الذي مر به صلاح. مثلا أصبح يُكمل 8.39 تمريرة متوسطة المدى في المباراة من 9.93 محاولة بعد 7.42 تمريرة من 9.53 محاولة في الموسم الماضي.
كما أن صلاح تطور في لعب التمريرات التقدمية. وهي نوع من التمريرات يتم إحصائها، كلما مرر اللاعب تمريرة صحيحة قطعت 10 ياردات نحو منطقة جزاء الخصم، بشرط أن تكون التمريرة لُعبت في منتصف ملعب المنافس.
في الموسم الماضي لعب صلاح 136 تمريرة تقدمية في كل البطولات، أما في الموسم الحالي فمرر 58 تمريرة تقدمية.*
لكن جودة هذه التمريرات تُقاس بما يُسمى Visual exploratory behaviour أو الاستكشاف البصري.
يدور الاستشكاف البصري ببساطة حول رؤية اللاعب للمساحات الموجودة من حوله ودراستها وتحليلها باستمرار ومع معرفة تمركز لاعبي الخصم، في عملية تتم قبل حصوله على الكرة بـ10 ثوانِ لكي يتخذ قراراته بشكل سريع ودقيق.
أي أن التطور في الاستكشاف البصري ومسح الملعب؛ يعطي فرصة أفضل للاعب في التصرف بالكرة عند استلامها؛ لأنه وببساطة يكون قد أدرك كل أبعاد الملعب مما يؤهله لاتخاذ القرار الصحيح عند استلام الكرة.
التطور في الاستكشاف البصري ليس موهبة يُولد بها اللاعب. فعلى سبيل المثال كان فرانك لامبارد الأب يجلس في المدرجات ويصيح باستمرار في لامبارد الابن حين كان ناشئا ويقول له "صور، صور صور" ليطلب منه التقاط صورا للملعب بعينه ليحللها مما يتيح له التصرف بدقة عند حصوله على الكرة واشتراكه في اللعب.
تلك المقدمة الطويلة كان لابد منها لتوضيح جودة صلاح في التمرير، وليكون السؤال: كيف تطورت جودة صلاح بهذا الشكل؟
لذلك خاض FilGoal.com رحلة في عقل محمد صلاح بالتعاون مع كارل ماريوس أكسيوم الباحث في علم الاستكشاف البصري والحاصل على ماجستر في التدريب وعلم النفس الرياضي من المدرسة النرويجية لعلوم الرياضة.
كارل ماريوس أكسيوم حصل على الماجستر بتقدير إمتياز بعدما قدم رسالته حول الإدراك البصري للاعبي أياكس الهولندي الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و20 عاما.
وحَلل FilGoal.com بالتعاون مع أكسيوم قدرات الاستشكاف البصري لمحمد صلاح.
المباراة التي قام أكسيوم بتحليلها لـFilGoal.com كانت لصلاح ضد أرسنال في الجولة الثالثة للدوري الإنجليزي وهو اللقاء الذي قدم فيه لمسات رائعة وفرصة ذهبية من تمريرة بين الخطوط لديوجو جوتا.
فيقول أكسيوم عن الاستكشاف البصري لصلاح لـFilGoal.com "حين يتحرك للعمق يكون توقيت المسح الخاص به لما حوله والتقاطه (للصور) جيد جدا. لديه إمكانية كبيرة للتطور".
واستشهد أكسيوم بلقطات من المباراة ليوضح كيف أصبح صلاح يقوم بعمل مسح للملعب قبل استلام الكرة.
هُنا صلاح يتمركز في عمق الملعب بين خطوط أرسنال وليس على الجناح، ظهره للمرمى وينظر للكرة.
فابينيو يمرر لفيرجيل فان دايك؛ لينظر صلاح للخلف ليراقب مدافعي أنصار ويحدد تمركز فيرمينو.
تذهب الكرة لجو جوميز ليواصل صلاح النظر حوله ويراقب لاعبي أرسنال.
بعد دراسة الموقف جيدا؛ يعود صلاح للخلف ويطلب الكرة من جوميز.
لكن جوميز يمرر لجيني فينالدوم في الجانب الأيمن لينظر صلاح لليسار ليستعد للتمركز في مكان يتيح له الحصول على الكرة.
نظرات صلاح المتتالية كانت للاستكشاف ودراسة الموقف جيدا للتمرير وهو ما كان يفعله أغلب أوقات المباراة.
لهذا قدم صلاح –من عمق الملعب وسط لاعبي أرسنال- هذه الفرصة لجوتا قبل أن يهدرها الجناح البرتغالي.
ما فعله صلاح يعكس قدراته الاستكشافية خارج منطقة الجزاء كما وضح أكسيوم إلا أن داخل منطقة الجزاء لا يمتلك صلاح نفس الدقة.
حيث قال أكسيوم لـFilGoal.com: "داخل الصندوق لا يقوم بالاستكشاف بشكل جيد، وتردده يكون ضعيفا".
فهل يحتاج للتطور في الاستكشاف البصري داخل منطقة الجزاء؟ سؤال أجاب عنه أكسيوم الذي يقوم بتحضير الدكتوراه حاليا، قائلا "كل اللاعبين يقومون بعملية استكشاف أقل عند القرب بالمرمى".
ويوضح "هذا لأن البحث عن زملائهم أو عن الخصوم لا يكون هاما بقدر التركيز للحصول على مساحة لاستلام الكرة ثم تسديدها في الشبكة. لذلك لا يحتاج للتطور في الاستكشاف داخل منطقة الجزاء".
وعن "هل تطور صناعة اللعب عند صلاح سببه تطوره في الاستكشاف البصري؟" قال: "أود أن أقول على الأرجح وذلك وفقا للفيديو** الذي لدينا. لكن من المستحيل أن أؤكد دون القيام بدراسة شاملة".
ورغم إن قدرة صلاح في الاستكشاف البصري خارج منطقة الجزاء جيدة، إلا أنه يحتاج للتطور بشكل أكبر.
حيث وضح أكسيوم ما على صلاح فعله للتطور "العديد من الأمور مثله مثل أغلب اللاعبين. مبدئيا عليه أن يتطور في عملية الاستكشاف حين يلعب على الطرف واقتراب الكرة من الوصول إليه".
وأتم "إذا لعب صلاح في العمق أكثر، كلاعب رقم 10 سيكون عليه الاستكشاف بشكل أكثر. الأمر سيأخذ الكثير من الوقت للتألق وربما يخسر العديد من الكرات في البداية؛ لكن مع الوقت سيتطور ويصبح أفضل".
مع ليفربول، يبحث صلاح عن تطور أسلوبه في اللعب دائما. لم يعد يستغل سرعته فقط في تسجيل الأهداف لأنه عُنصر سيفقده لعامل السن مستقبلا لذلك أضاف المكر والذكاء في التحرك خلف المدافعين للتسجيل حيث لا يحتاج للركض لمسافات طويلة قد لا تكون متاحة بالأساس.
بعدها تطور في التسجيل بالرأس والقدم اليمنى. والآن أصبح أفضل في صناعة اللعب.
التطور في عملية الاستكشاف البصري قد يُطيل عمر صلاح في الملعب؛ فقد يتحول لصانع ألعاب مع تقدم العمر ويضيف سلاحا جديدا له يضرب به المنافسين.
*الأرقام من statsbomb
*FilGoal.com* كان قد أرسل لأكسيوم مقطع خاص لصلاح من مباراة أرسنال بالمواصفات التي طلبها البروفيسور النرويجي لتحليل الاستكشاف البصري لنجمنا المصري خلال اللقاء.