كتب : محمد يسري
يعرف أغلب متابعي كرة القدم بمصر كيف كانت سنوات تألقه مع الأهلي وكيف كانت النهاية؛ لكن على الأغلب لا يعرفون بداية قصة محمد أبو تريكة بالأساس.
من نادي الترسانة بدأ أبو تريكة رحلته وهناك تدرب حتى أتقن وتعلم حتى نضج وبرز حتى لمع.
كيف أبهر في اختبارات القبول وكيف أتقن اللعب بوجه القدم الخارجي، ولماذا كاد ألا يستمر مع الترسانة وما السبب في عدم اللعب للمنتخب وأكثر..
FilGoal.com يصطحبكم في رحلة استشكافية لسنوات تكوين محمد أبو تريكة بين جدران وملاعب نادي الترسانة.
-5 دقائق تكفي
بعمر 12 عاما ذهب أبو تريكة للاختبار في نادي الترسانة. قرار جاء بعد أيام من الرفض في اختبارات الأهلي بحجة صغر حجمه.
في ذلك الوقت كان عبودة الحملاوي هو مدير قطاع الناشئين في الترسانة، الذي قرر قبول أبو تريكة بعد 5 دقائق فقط من المشاركة في مباراة مُصغرة.
يقول الحملاوي لـFilGoal.com: " يوم الاختبارات يكون لدينا مجموعة كبيرة من اللاعبين، قمنا بمشاهدة الجميع ولم يتبق سوى 12 لاعبا".
"قمت بتقسيمهم لمجموعتين. 6 ضد 6 في ثلث الملعب لا أكثر، وأبو تريكة كان ضمنهم".
"أبو تريكة استلم الكرة ووجهه للأمام ينظر للملعب لا للكرة عكس اللاعبين، مررها لزميله.. ثم تحرك لكي يحصل عليها مجددا، وظل هكذا يُسلم الكرة ثم يتسلمها".
"بعد 4-5 دقائق قلت له: انت معنا. ستأتي غدا لكي تشارك في المران. بعدها قلت للإداري (قُم بعمل اللازم لتسجيله. أصبح لاعبا معنا) وقد كان".
"فعلت هذا لأن نادي الزمالك كان أمامنا مباشرة وإذا شاهده أي شخص وأبلغ الزمالك بموهبته فمن الممكن أن يضموه لهم دون معرفتنا".
وجغرافيا، لا يفصل بين الترسانة والزمالك سوى شارع رئيسي؛ لذلك هناك تنافسية تاريخية بين الناديين اندثرت مع هبوط الشواكيش للقسم الثاني.
وعن طلب الحملاوي من أبو تريكة "تنطيط" الكرة 150 مرة خلال الاختبارات، قال: "ليس صحيحا. فما هي الاستفادة إذا فعل ذلك ولم يفعل شيئا في الملعب؟".
بعد شهرين من الذهاب للتدريبات انقطع الطفل أبو تريكة عن الحضور للنادي، وهنا يتذكر الحملاوي "ذهبت للفئة السنية التي كان يلعب بها وقلت لهم: هل لأحد علاقة بأبو تريكة؟ ليرد علي مجدي عابد حارس مرمى الفريق (زميل أبو تريكة) بالإيجاب، فقلت له احضره لمقر النادي".
"علمت أن الظروف المالية كانت السبب، وأعطيته 150 جنيها لتكون مصروفا له للحضور للمران واستخرجنا له كارنيه لكي يحصل على راتب شهري من النادي".
بعد عودة أبو تريكة للفريق أصبح أحد العناصر الأساسية في فريقه دون 13 عاما.
ويتذكر الحملاوي "أبو تريكة قاد الترسانة للحصول على لقب بطولة الجمهورية دون 13 عاما على حساب الزمالك".
-ما وراء التكنيك
ما ميز أبو تريكة هو اتخاذه لأنسب قرار في أسرع وقت وبأدق لمسة للكرة. صفات لا يتمتع بها إلا فئة قليلة من اللاعبين.
تكنيك أبو تريكة في لعب كرة القدم هو السبب في هذه الميزة. صحيح أن سنوات تألقه كانت مع حسن شحاتة الذي كان ينمي هذا الجانب عند اللاعبين، لكن فترته في الترسانة هي من وضعت هذا الأساس القوي.
عبد المحسن التونسي مدرب أبو تريكة في فريق دون 17 عاما كان له دورا رئيسيا في هذا.
يقول التونسي لـFilGoal.com: "الناشئ لا يمتلك كل شيء، لديه بعض المهارات لكنها تحتاج للتطوير فقط".
ويوضح "كان موهوبا من الصغر في التسليم والتسلم ولديه أساسيات كرة القدم وقائدا في الملعب، لذلك فقط قمنا بتنمية أمور قليلة فأبو تريكة لم يُتبعنا مثل باقي اللاعبين".
"كان سريع الاستجابة وساعدنا كثيرا لأن تكوينه الجسماني كان أفضل من أقرانه وأطول أسرع".
"إمكانياته كانت كبيرة، لذلك توقعنا أنه سيستمر مع الترسانة لفترة طويلة".
"لم يفتعل أي مشاكل مع اللاعبين، بل كان قائدا ويوجههم بهدوء وهذه ميزة كبرى لأن الناشئين يتأثرون سريعا إذا تحدث أحدا لهم بطريقة غير لائقة".
وجه قدم أبو تريكة يعد من علامته المميزة، وهدفه بقدمه اليسرى في الصفاقسي في نهائي دوري أبطال إفريقيا 2006 جعله بطلا شعبيا لجمهور الأهلي، ومن الترسانة أتقن هذه الجوانب بفضل تعليمات التونسي.
وشرح التونسي كيف أضاف لأبو تريكة بعض الأمور التي جعلته قادرا على تنفيذ ما يُفكر به.
فيقول: "كان يفضل اللعب بوجه القدم ( وش رجل) من وسط الملعب لكنها كانت بطيئة، فتحدثنا لكي تكون الكرة أسرع".
ويكشف "قلت له: مبدئيا عليك أن تكون أكثر تركيزا، ثم تقوم برفع وجهك لأعلى لتكشف الملعب حتى لا تصطدم بالخصم مع إنحناء جسدك للأمام بشكل بسيط للغاية. ولا تركض بالكرة بسرعة لأنك لن تتمكن من لعب الكرة بإتقان لأنها ستكون بعيدة عن قدمك ولن تتحكم بها فلن تلعب الكرة بدقة وربما تفقدها من الأساس".
أيضا كنت أطلب منه ألا يركض بالكرة كثيرا مثل زملائه، وأن ينظر لليمين واليسار لمعرفة أماكن اللاعبين فأنت تلعب خلف ثنائي الهجوم"..
"إذا طبق الخصم عليك الرقابة الفردية رجل لرجل فعليك ألا تستحوذ كثيرا على الكرة على أن تمرر لأحد جانبي الملعب وليس العمق لكي لا نخسر الكرة وترتد علينا بهدمة مرتدة".
هذا عن وجه القدم، فماذا عن القدم اليسرى؟ يُجيب التونسي: "لم يكن يلعب بالقدم اليسرى مثل اليمنى لكنه كان يستخدمها في التمرير القصير".
"أحيانا كان يراوغ لاعبا على الجانب الأيسر ثم يُحاصر؛ فيقوم بتغيير الملعب بقدمه اليسرى بسهولة. صحيح لم تكن مثل اليمنى لكنها كانت تصل لزميله".
أما الدقة فكانت عنوان استخدامه لرأسه "كان يلعب برأسه جيدا. أحيانا كنا نطلب منه التقدم في الكرات العالية لأنه طويل القامة، لا يلعب برأسه مثل علي أبو جريشة أو جمال عبد الحميد لكنه كان يلعب الكرة بدقة وليس بقوة كما أنه كان يتوقع بشكل رائع".
ويحكي التونسي أنه كان يطلب من أبو تريكة التقدم للعب كمهاجم أحيانا لأن قلبي الهجوم غير قادرين على تسجيل الأهداف؛ فكان يتمركز في منطقة الجزاء ويُسجل.
كان هذا عن اللعب المفتوح، أما لعب الكرات الثابتة فكانت بنفس الدقة تقريبا "كان رائعا في تنفيذ المخالفات من على جانبي الملعب. من اليمين كان ينفذها بوجه القدم الخارجي ومن اليسار كان يسددها بالإصبع الكبير لقدمه على يسار الحارس".
وتذكر التونسي موقفا عن مواجهة فريق "بطا" من القليوبية في دوري الجمهورية، ويقول: "تقدمنا خلال الشوط الأول بنتيجة 3-0 وأبو تريكة سجل هدفا وقبل نهاية الشوط تعادلوا معنا".
"بين شوطي المباراة طلبت من حسن الشاذلي ومصطفى كامل المشرف على الفريق عدم الدخول لغرفة خلع الملابس لكي أتحدث مع اللاعبين".
"كنت عنيفا للغاية معهم لدرجة أنني قلت لهم (سنعود للقاهرة بالمواصلات ولن نستخدم سيارة النادي إذا لم نفز) لكن حديثي جاء بنتيجة إيجابية وانتهت المباراة بنتيجة 6-3 وسجل هدفين، وصعدنا للمركز الثالث خلف الأهلي والزمالك في جدول الترتيب".
"بعد المباراة قال لي أبو تريكة (لو كنت عنيفا معنا من البداية يا كابتن لم يكن ليحدث ما حدث بالشوط الأول)".
-قبل البداية
بعمر الـ18 صعد أبو تريكة للعب مع فريق دون 19 عاما الذي كان يتولى تدريبه رأفت مكي. تصعيد قال عنه مكي لـFilGoal.com بأنه كان لا يحدث سوى "للاعبين المميزين"...
وواصل مكي "حين لعب تحت 19 عاما معي، كان يقوم بتوزيع مجهوده خلال الـ90 دقيقة".
"كان ذكيا للغاية، حين يتواجد على اليمين كان يركض نحوه لاعبي الخصم؛ وبلمسة واحدة ينقل الكرة للجانب الأيسر".
لكن مسيرة أبو تريكة لم تكن لتستمر مع الترسانة للمرة الثانية، لولا الصدفة.
بعد أن أنهى أبو تريكة مرحلة الدراسة الثانوية، جاءت بنتيجة التنسيق بالاتحاق بأحد الكليات بالاسكندرية لذلك لم يكن يذهب كثيرا للنادي بسبب الدراسة.
يقول الحملاوي لـFilGoal.com: "في أحد الأيام التقيت بالصدفة بأحد زملائي الذي يعمل بجامعة القاهرة خلال أحد المباريات واستغربت لمشاهدته لها".
"سألته عما يفعل فقال لي إنه جاء لمشاهدة لاعب يُدعى (أبو تيكة) أو شيئا من هذا القبيل لكي يلعب مع منتخب الجامعة فقلت له: أبو تريكة تقصد؟ ليس هنا لأن جامعته بالإسكندرية، هل تستطيع نقله للقاهرة؟ سألته بحماس".
"تم النقل وعاد أبو تريكة للقاهرة وانتظم معنا وانضم لمنتخب القاهرة".
-مع الفريق الأول
في موسم 1996-1997 تولى مكي تدريب الفريق الأول للترسانة؛ ومعه صعد أبو تريكة.
يتذكر شاكر عبد الفتاح مدرب الترسانة كواليس تصعيد أبو تريكة للفريق الأول، فقال لـFilGoal.com: "بسبب إضراب اللاعبون أو شيئا مشابه لم يكن يمتلك مكي عدد كافي من اللاعبين في الفريق الأول لذا صعد عددا من الناشئين منهم أبو تريكة".
أما مكي فقال لـFilGoal.com: "بعدما توليت تدريب الفريق الأول قمت بتصعيده على الفور".
وتابع "بموسم 1996-1997 لعب أول مباراة ضد منتخب السويس وكانت ودية وشارك في الشوط الثاني، وحين بدأ دوري الممتاز (ب) لعبنا ضد الشرقية للدخان في الملعب الفرعي لاستاد المقاولون العرب، وكانت أول مباراة رسمية له".
ويتذكر مكي كيف كان أبو تريكة يكون في قمة تركيزه خلال المباريات، مستشهدا بما حدث ضد المنصورة "كنا نلعب على ملعبهم، والجماهير تملئ المدرجات، وفي أحد الكرات ظن الجميع أنه متسللا، فلم يواصلوا اللعب أما هو فألقى نظره على الحكم المساعد ولم يجده رافعا للراية؛ فسجل وفزنا بهذا الهدف".
في موسم 1999-2000 تألق أبو تريكة للغاية وقاد الترسانة للعودة للدوري الممتاز في موسم 2000-2001، حيث كان شاكر عبد الفتاح مديرا فنيا للفريق.
ويصف مكي أدائه هذا الموسم "كان يلعب بحرية ويقوم بصناعة الأهداف وتسجيلها عن طريق تقدمه من الخلف للأمام. تنطبق عليه مقولة حمادة إمام (القادمون من الخلف) هكذا كان يفعل أبو تريكة بدخوله لمنطقة الجزاء".
يقول عبد الفتاح عن أبو تريكة في هذا الموسم لـFilGoal.com: "بموسم 2001-2002 بدأ في الظهور. وهذا هو الموسم الأخير الذي شهد تفوق الترسانة في الدوري. واستمر الفريق في المراكز الـ3 الأولى لمدة 13 أسبوعا".
"تألقه استمر أيضا حتى موسم 2002-2003 بعد رحيلي عن صفوف الفريق".
في هذا الوقت كان الترسانة به مجموعة مميزة، ساعدت أبو تريكة كثيرا لأن مهما كانت إمكانيات النجم فلن يلعب بمفرده، وضمت كل من أحمد زغلول والسوري مهند البوشي ومؤمن عبد الغفار وحسين شكري وعماد أيوب كان ناشئا ولم يكن معروفا ومحمد عمر وأحمد إكرامي".
"وجود أبو تريكة ساعد أيوب في التألق. أحيانا لم أكن استخدمه لأن الأنظار كلها تجاهه، وهذا ما استفاد منه أيوب الذي لم يكن معروفا من فرق الدوري وقتها".
"لكن هذا ليس معناه عدم وجود أو تقديمه لدور سلبي بل كان دائما يحاول ويتقدم للأمام لكي يُسجل".
وعظم عبد الفتاح من إمكانيات أبو تريكة، وقال: "إمكانيات أبو تريكة في الترسانة لم تختلف عن التي ظهر بها في الأهلي لكن هناك الأوضاع مختلفة".
"الجماهير لم تشاهد أبو تريكة كثيرا مع الترسانة. حين معنا كانت مسؤوليته أكبر وكان يبذل مجهودا أكبر وإنتاجه كان أكثر، لأن جميع الفرق كانت تراقبه دائما".
"لكن في الأهلي هناك أكثر من لاعب فذ مثل محمد بركات وعماد متعب وفلافيو؛ لذلك الخصوم كانت تكون في حيرة من أمرها ولا تضع رقابة على لاعب بعينه".
-محارب للقوى العظمى
بعام 1999 كان أبو تريكة في الـ21 من عمره، وقتها كان المنتخب الأولمبي يستعد لتصفيات أولمبياد سيدني، والتي كانت ستقام عام 2000.
أبو تريكة انضم للمنتخب الأولمبي رغم أن الترسانة كان يلعب في الدرجة الثانية -بسبب تألقه الذي أشارنا له من قبل- بعدما تلقى استدعاء من زيجي هيلد وعبد العزيز عبد الشافي لكنه لم يلعب أساسيا.
بعد فشل الوصول للأولمبياد، ظهر أبو تريكة مع المنتخب الأول إبان فترة أنور سلامة، وشارك في مباراة ودية ضد المقاولون العرب عام 2001؛ لكن بعد المباراة لم يتلق أي استدعاء دولي جديد.
يرى عبد الفتاح أن "ما حدث مع أبو تريكة يجب أن يكون نموذجا في إن عملية اختيار اللاعبين للمنتخب يجب ألا تكون من القوى العظمى -يقصد الأهلي والزمالك".
وأضاف "صحيح أنه انضم للمنتخب الأول عام 2001 باختيار من أنور سلامة لكن بعد رحيله عقب اختلاف في وجهات النظر لم ينضم مجددا حتى انتقل للأهلي".
واستعاد عبد الفتاح محاولاتهم لإنضمام أبو تريكة للمنتخب "كنا نتساءل كثيرا (كيف لا ينضم للمنتخب؟) وحين انضم للمنتخب الأوليمبي لم يلعب".
"كنا نرى أحقيته باللعب وخدمة وطنه".
"حين تحدثنا مع المسؤولين قالوا لنا (هو لاعب بطيء) كيف؟ هل سندخل سباقا للسيارات؟ خصائص اللاعبون دائما مختلفة".
"حين رحل أبو تريكة كان في الـ26 من عمره، أي في سن النضج، كان ناضجا بنسبة 100% إن لم يكن 200%، وبعدها انضم للمنتخب، فلماذا لم يتم اختياره حين كان في الترسانة؟".
-الانتقال للأهلي
أكد شاكر عبد الفتاح على أن "لديه شخصية قوية داخل الملعب. فكان قادرا على تنفيذ ما تقوله له وهذا ما يساعد المدرب".
وهذا أيضا أحد أسباب اختيار الأهلي له ونجاحه مع الفريق.
رأفت مكي حكى لـFilGoal.com كواليس رحيله عن الترسانة، وقال: "حين تم تطبيق الاحتراف في مصر بطلب من محمود الجوهري، نص القرار على حرية انتقال أي ناشئ لأي فريق بشرط قضاء 6 سنوات مع فريقه الذي مثله في مرحلة الناشئين".
وأكمل "هذا ما طُبق على أبو تريكة".
وأضاف "حسن فريد رئيس النادي أرسل لي وكنت مدربا للفريق بعد حسن الشاذلي وقال لي الأهلي يريده مقابل 400 ألف؛ فقلت له (400 ألف فقط؟) فقال لي حتى لا يرحل مجانا بنهاية الموسم ونخسر قيمة انتقاله".
وأتم "خاض معنا الدور الأول لموسم 2003-2004، ثم انتقل للأهلي في يناير".
افتقد الترسانة لأبو تريكة فهبط للدرجة الثانية؛ أما هو فبدأت أسطورته في تحقيق كل البطولات مع الأهلي.