بيترا كفيتوفا.. الأصابع الممزقة يمكنها الإمساك بمضرب تنس أيضا
الجمعة، 09 أكتوبر 2020 - 20:04
كتب : زكي السعيد
في الثامنة والنصف من صباح الثلاثاء 20 ديسمبر 2016، سمعت بيترا كفيتوفا طرقا على باب منزلها في مدينة بروستيوف التشيكية.
في اللحظة التي قررت كفيتوفا فتح الباب، تغيّرت حياتها إلى الأبد.
الطارق كان ذكرا في الثلاثينات من عمره، أخبرها أنه عامل سباكة قادم لفحص نظام تدفئة المياه في شقتها.
سمحت كفيتوفا له بدخول المرحاض، طالبها الرجل بفتح صنبور المياه الساخنة، استجابت بطلة التنس التشيكية لطلب ضيفها.
كان ذلك آخر ما فعلته كفيتوفا بإرادتها الحرة، لأن في اللحظة التالية، وجدت كفيتوفا سكينا بطول 25 سم مرفوعا على رقبتها، وعرفت أنها قد لا تغادر هذا الموقف على قيد الحياة.
..........
كفيتوفا، لاعبة تنس مولودة في مدينة بيلوفيتش التشيكية بشهر مارس 1990.
تتمتع كفيتوفا بطول فارع في عالم التنس النسائي يبلغ 182 سم، وتتميز بذراعين طويلتين للغاية تسمحان لها بإطلاق ضربات قوية من الخط الخلفي.
في عمر الواحد والعشرين، غزت فتاة عسراء ذات عين زرقاء وأنف مدبب، عالم التنس، وحصدت لقب ويمبلدون في إنجاز تاريخي.
كانت ماريا شارابوفا تبحث في 2011 عن لقبها الثاني في ويمبلدون بعد 2004، لكنها سقطت بمجموعتين دون رد أمام الشابة كفيتوفا.
وحتى اعتزالها التنس، لن تستطيع شارابوفا الوصول إلى نهائي ويمبلدون مرة أخرى.
امتلكت كفيتوفا والدا صارما للغاية، ضغط عليها طوال الوقت في دراستها وممارستها التنس.
تقول كفيتوفا: "لم يكن أبي يبحث عن احترافي التنس أو شيء من هذا القبيل، وإنما كل ما كان يخشاه هو أن أدمن السجائر أو المخدرات".
بعد أن قهرت شارابوفا في نهائي ويمبلدون 2011، بدأت المقارنات على الفور مع أسطورة التنس التشيكي، مارتينا نافراتيلوفا الفائزة بـ18 بطولة جراند سلام في مسيرتها.
نافراتيلوفا –التي كانت تلعب باليد اليسرى أيضا مثل كفيتوفا-، تعد في نظر الكثيرين أعظم لاعبة كرة مضرب على الإطلاق.
لكن مع فشل كفيتوفا في الوصول إلى أي نهائي لبطولات الجراند سلام خلال 2012 و2013، بدأ إنجاز ويمبلدون 2011 يُوصَف بالطفرة التي لن تتكرر.
احتاجت كفيتوفا إلى إنجاز آخر تاريخي حتى تحفظ سمعتها، وهذا الإنجاز تحقق في 2014، على أرض ويمبلدون العشبية كذلك.
فازت كفيتوفا بلقب ويمبلدون للمرة الثانية على حساب الكندية أوجيني بوشار بواقع 6-3 و6-0، نهائي كان من طرف واحد وانتهى في 55 دقيقة فقط، ليكون أحد أسرع نهائيات الجراند سلام على الإطلاق.
تتحدث كفيتوفا عن ذلك: "قد يقول الناس إنني استيقظت في مزاج جيد ذات يوم ففزت بلقب جراند سلام. لكن عندما فزت بلقب الجراند سلام الثاني، تغيّرت تلك النظرة".
كفيتوفا تعانق والداها "الصارم" بعد فوزها بلقب ويمبلدون 2014
النهاية؟
العامان التاليان في مسيرة كفيتوفا كانا مليئين بالإخفاقات.
مجددا فشلت كفيتوفا في الوصول إلى المربع الذهبي لأي بطولة كبرى، وعانت من مرض الحمى الغدية عام 2015.
وفي 2016 لعبت بشكل مريع في كل البطولات الكبرى، لم تصل حتى إلى دور الـ16 في أي منها، وقامت بتغيير مدربها.. قبل أن يأتي شهر ديسمبر حاملا الحادثة التي ستغيّر حياتها.
......
بالعودة إلى صباح الثلاثاء 20 ديسمبر 2016، وعندما وضع المعتدي السكين على رقبة كفيتوفا، قامت التشيكية برد فعل شجاع، وجذبت السكين من على رقبتها وأفلتت من قبضته.
لكن هذه الشجاعة كلفت كفيتوفا كثيرا، لأنها وحتى تتنصل من السكين، أمسكت النصل بيدها اليسرى (يدها الأساسية في ممارسة التنس).
لم تشعر كفيتوفا بكثير من الألم في تلك اللحظة، ربما لأن الخوف كان الشعور المسيطر عليها أكثر.
لكنها رأت الدماء منتشرة في كل مكان، وعندما نظرت إلى يدها، وجدت أن أصابعها تكاد تكون مقطوعة، خصوصا الإبهام والسبابة.
حاولت كفيتوفا الوصول إلى هاتفها الملقى على الأرض، لكن الرجل دفعه بعيدا عنها بقدمه.
تقول كفيتوفا: "لا أتذكر كام دام الأمر، ربما 5 دقائق أو 10 دقائق، لكني بدأت في التحدث معه".
أدركت كفيتوفا أنها ربما لا تواجه خطر انتهاء مسيرتها الرياضية فحسب، وإنما خطر فقدان حياتها.
سألت كفيتوفا المُعتدي إن كان يريد المال، فاستفسر عن القدر الذي تملكه، فأجابته كفيتوفا أنها لديها 10 آلاف كرونة تشيكية (حوالي 400 دولار).
أخبرها المعتدي أنه في حاجة إلى وقت للتفكير، فقالت له: "أنا ليس لدي وقت، أنا في حاجة إلى الذهاب إلى المستشفى فورا".
مع هذا القدر الكبير من الدماء، ورؤيتها لوجهه، لم يكن سرا أن الرجل يواجه تهمة قد تضعه في السجن لفترة طويلة.. "لهذا كان من الممكن أن يقتلني إن سنحت له فرصة التفكير".. تعقّب كفيتوفا.
لحسن حظ كفيتوفا، ارتضى المعتدي بهذا المبلغ من المال، وأخذه ورحل عن شقتها.
على الفور، هاتفت كفيتوفا الإسعاف، ثم اتصلت بالشرطة، كما اتصلت بطبيبها الخاص وأخبرته أن يتواصل على الفور مع جرّاح متخصص في اليد.
هل أدركت فداحة إصابتها؟ حسنا، تعترف كفيتوفا أنها لم ترغب في النظر إلى أصابعها.
خضعت كفيتوفا لجراحة دقيقة دامت 4 ساعات، ولأن مشهد أصابعها في تلك النقطة قد يكون مرعبا للبعض، فضّلنا أن تكون رؤية الصورة أمرا اختياريا.
اضغط هــنــا لرؤية أصابع كفيتوفا المتضررة (تحذير: المشهد قد يكون صادما)
عانت كفيتوفا من قطع في أعصاب الإبهام والسبابة، وكانت عودتها للممارسة التنس محل شك كبير، بعد أن صار تحكُّمها في يدها لا يتم بنسبة 100%.
في الواقع، الكثير من الأطباء شككوا في إمكانية حملها مضرب تنس مجددا، لكن طبيبها راديك كيبرلي أخفى الأمر عنها، ولم يخبرها بتلك التشخصيات.
تقول كفيتوفا عن ذلك: "من الجيد أنه لم يخبرني، فقد كان هذا مفيدا لحالتي العقلية".
بدأت كفيتوفا أسابيع طويلة من التأهيل والعلاج الطبيعي لتستعيد أكبر قدر من التحكم في يدها اليسرى.
شعرت بخوف كبير عندما أمسكت بمضرب تنس لأول مرة بعد 12 أسبوعا من الحادث، خصوصا عندما وجدت المهمة أكثر صعوبة عما اعتادت عليه منذ أن أمسكت المضرب لأول مرة في حياتها بعمر الرابعة.
بعد 5 أشهر من الحادث، فاجأت كفيتوفا العالم بظهورها في بطولة فرنسا المفتوحة للتنس (رولان جاروس)، لتسجل عودة سريعة للملاعب.
اكتفت كفيتوفا بالوصول إلى الدور الثاني في باريس، والأمر نفسه انطبق على مشاركتها في ويمبلدون، لكنها وصلت إلى ربع نهائي أمريكا المفتوحة بعد أقل من عام من تمزيق أصابعها بواسطة المعتدي.
كفيتوفا خلال ظهورها الأول في رولان جاروس بعد عودتها من إصابتها الخطيرة
البداية
في مطلع 2019، بعد 5 سنوات من خوضها النهائي الأخير ببطولات الجراند سلام عام 2014 في ويمبلدون، وصلت كفيتوفا مرة أخرى إلى نهائي إحدى البطولات الأربع الكبرى: أستراليا المفتوحة.
خسرت كفيتوفا في ذلك اليوم بصعوبة بالغة أمام اليابانية ناومي أوساكا بمجموعتين مقابل مجموعة واحدة.
وبينما تقدّمت كفيتوفا لتسلم جائزة الوصافة، تلقت تصفيقا خرافيا من الجماهير الحاضرة، لعله يوهم من لم يشاهد المباراة أنها هي المتوجة باللقب.
وقفت كفيتوفا تغالب دموعها أثناء مخاطبة الجماهير: "هذا أمر جنوني، لا أصدق أنني لعبت نهائي جراند سلام مرة أخرى".
وأضافت: "شكرا لفريقي على كل شيء، خصوصا لتواجدهم معي حتى عندما لم نعرف إن كنت سأحمل مضرب تنس مجددا أم لا".
هذه الخسارة، لعلها كانت الإنجاز الأهم في مسيرة كفيتوفا على الإطلاق، أكثر قيمة حتى من فوزها بلقبي ويمبلدون في 2011 و2014.
في 2020، تحديدا هذا الأسبوع، حققت كفيتوفا إنجازا شخصيا جديدا، ووصلت إلى نصف نهائي رولان جاروس للمرة الثانية في مسيرتها بعد 2012.
كفيتوفا غير المتخصصة في الأراضي الترابية، لم تتخط الدور الرابع في رولان جاروس إلا مرتين طوال مسيرتها، إحداها جاءت بعد الاعتداء البالغ الذي تعرضت له.
بعد خروجها من نصف نهائي 2020 أمام الأمريكية صوفيا كينين، ظهرت كفيتوفا بابتسامة عريضة خلال المؤتمر الصحفي عقب المباراة، ومازحت الصحفيين، وأعطت انطباعا أن الحياة ليست قاتمة دائما مثلما كان الحال في 20 ديسمبر 2016.
.......
قبل الاعتداء على كفيتوفا في مرحاض منزلها بثلاثة وعشرين عاما، تعرضت لاعبة تنس شهيرة لموقف آخر مشابه.
اليوغوسلافية مونيكا سيليش، كانت في أوج مسيرتها بشهر أبريل 1993، وتعرضت للطعن في ظهرها في الملعب خلال بطولة هامبورج.
سيليش البالغة وقتها 19 عاما، كانت قد حصدت 8 ألقاب جراند سلام بالفعل، وغيّرت من ملامح رياضة التنس، وتنبأ لها الجميع بأن تكون أعظم حاملة للمضرب على الإطلاق.
كان ذلك حتى قرر مُشجع ألماني مختل عقليا ومهووس بمنافستها شتيفي جراف، أن يطعنها في ظهرها خلال استراحتها بين أشواط المباراة.
الإصابة لم تكن خطيرة واحتاجت إلى أسابيع قليلة لتلتئم، لكن الضرر النفسي كان بالغا، فعانت سيليش من الاكتئاب وتزامن ذلك مع إصابة والدها بالسرطان، لتبتعد عن رياضة التنس لعامين كاملين.
لاحقا عادت سيليش لممارسة اللعبة، ورغم عدم استعادتها مستواها الخارق الذي ظهرت عليه قبل الإصابة أبدا، لكنها تمكنت من إضافة لقب آخر في الجراند سلام عام 1996 في أستراليا المفتوحة.
تقول كفيتوفا عن تشابه حالتها مع سيليش: "التقيت مونيكا في الحفلة التي تسبق بطولة ويمبلدون 2018، لم نكن قد التقينا من قبل".
وأضافت: "تحدثنا عن إعجابنا ببعضنا بسبب عودتنا للتنس بعد ما ممرنا به".
وأوضحت: "قابلت يومها شخصا مر بموقف مشابه، شخص يفهمني، الأمر حدث معها في الملعب، أمّا أنا فكان المنزل".
....
وإلى يومنا هذا، لم تستعد كفيتوفا سيطرتها بالكامل على يدها اليسرى، بل يغيب الإحساس عن طرفي الإبهام والسبابة بعد تضررهما بصورة بالغة.
لكنها كانت التجربة التي شكّلت حياة كفيتوفا إلى الأبد، لعلها في نهاية المطاف ليست النسخة الحديثة من مارتينا نافراتيلوفا، ولم تقترب منها حتى، إلا أنها صنعت أسطورتها الخاصة بوسيلة أخرى.
تقول كفيتوفا:
"كنت محظوظة، دون شك، كنت محظوظة في موقف يفتقد للحظ. حتى أكون صريحة، كان من الممكن أن ينتهي بي المطاف في المقبرة".
"الحادثة غيّرتني، بشكل إيجابي وسلبي أيضا".
"أحيانا عندما تمارس اللعبة لعدة سنوات متتالية، تبدأ في افتقاد الحافز والدافع، السفر والتنقل المستمر كان مرهقا جدا لجسدي، وكنت أتمنى أحيانا لو أنني متواجدة في منزلي ومستلقية أمام التلفاز".
"بعد الهجوم الذي تعرضت له، وجدت نفسي في المنزل مستلقية أمام التلفاز بالفعل، وبدأت أدرك كم أفتقد التنس، وكم كنت محظوظة باللعب في هذا المستوى".
"الآن بت أتمتع بشخصية أكثر استرخاء، وصرت أقدّر الأمور البسيطة، مثل المناخ الجميل، أو تواجدي مع عائلتي وأصدقائي، ولا ألتفت للمشاكل البسيطة".
لكن للتجربة جانب آخر سيئ أيضا:
"بعد الحادث، لم أخرج من المنزل لفترة طويلة، وحرصت دائما على التواجد مع أناس أعرفهم، خصوصا عائلتي، لأني فقدت الثقة في الجميع".
"لا أثق في الناس الآن، خصوصا الرجال، ربما هذا سبب أنني عزباء. أثق فقط في الناس الذين أعرفهم منذ فترة طويلة، ولا أستطيع تكوين علاقات جديدة الآن".
"لا أستطيع ركوب سيارة أجرة مع سائق وحدي، وعندما أكون في المدينة أو الشارع، أكاد أسير ركضا. في بعض الأحيان ينتابني الشعور أن شخصا ما يتتبعني. هذا صعب للغاية".
"أقمت مع عائلتي لمدة 3 أشهر، ثم عدت للإقامة وحدي في براغ، والأشهر الأولى كانت صعبة للغاية، إذا كنت في فراشي وسمعت ضوضاء في المرحاض، فإني أشعر بالرعب".
في مايو 2018، ألقت الشرطة التشيكية القبض على شخص يُدعى راديم زوندرا.. كان هو بنفسه الذي اعتدى على كفيتوفا.
وفي فبراير من العام 2019، تواجدت كفيتوفا في المحكمة للإدلاء بشهادتها في حادث الاعتداء عليها.
ولكي تتجنب كفيتوفا التواجد في نفس المكان مع المعتدي عليها، جلست في قاعة منفصلة.
تعرفت كفيتوفا على زوندرا بمجرد أن عرضت عليها الشرطة صورته.. "عرفت أنه هو بمجرد رؤيته، تذكرته تحديدا من خلال عينيه".. تعقّب كفيتوفا.
حُكم على زوندرا بالسجن 8 سنوات في مارس 2019، قبل أن ترتفع العقوبة إلى السجن لـ11 عاما في يناير من العام الجاري.
مصادر: