كيف حول فليك بايرن من فريق مُهلهل إلى بطل ثلاثية في 9 أشهر
الإثنين، 24 أغسطس 2020 - 20:57
كتب : رامي جمال
2 نوفمبر 2019.. إنتراخت فرانكفورت يُدمر بايرن ميونيخ بخمسة أهداف لهدف في الجولة العاشرة من الدوري الألماني.
بايرن يحتل المركز الرابع في البوندسليجا بفارق أربع نقاط عن بروسيا مونشنجلادباخ المُتصدر.
والنتيجة؟
قرر بايرن إقالة مدربه نيكو كوفاتش رسميا وتعيين مساعده هانز دايتر فليك مؤقتا لحين التعاقد مع مدرب آخر.
في ذلك الوقت كان بايرن خاض 16 مباراة، فاز في 10 وتعادل في 3 وخسر في مثلهم.
سجل بايرن 43 هدفا واستقبل 24، والفارق في الأهداف كان 19 هدفا.
تذكروا تلك الإحصاية جيدة لأننا سنحتاجها في النهاية.
"سنقوم ببعض التغييرات، الأهداف التي تلقيناها لم تكن تمثل طريقة بايرن، من المهم أن يكون يحظى الفريق باستباقية في الملعب وأن يدافع من الأمام ويستعيد الكرة بأسرع ما يمكن، هذه هي النقاط التي أريد معالجتها" هانز فليك في أول تصريحاته عقب توليه المسؤولية.
بعد ثلاثة أيام فاز بايرن على أولمبياكوس بهدفين دون رد في دوري أبطال أوروبا قبل الانتصار الكبير على الغريم التقليدي بروسيا دورتموند برباعية مقابل لا شيء.
إدارة بايرن رأت أن هناك تغييرا يحدث لذا قررت إبقاء فليك على أقل تقدير على رأس الإدارة الفنية للفريق حتى فترة أعياد الميلاد.
جاء ذلك خاصة بعد بدء إشادة أكثر من لاعب بطريقة فليك في تدريبهم وفي المباريات، وقال روبرت ليفاندوفسكي: "طريقته التكتيكية ومعرفته بالكرة على مستوى عال للغاية".
أما بنجامين بافارد قال: "لدينا فهم جيد جدا مع المدرب، الكل مقتنع برؤيته".
وقبل فترة التوقف خسر بايرن من باير ليفركوزن بهدفين لهدف ومن بالنتيجة ذاتها من بروسيا مونشنجلادباخ.
لكن رغم ذلك رأى فليك إنهم لعبوا جيدا وقال: "من الهام إننا نلعب بشكل جيد".
تلك الهزائم كانت الأخيرة لفليك مع بايرن حتى الآن.
وبعد نهاية فترة العطلة الشتوية تحول كل شيء وسار بايرن يحصد الأخضر واليابس محليا أوروبيا ولم يعكره سوى تعادل سلبي وحيد ضد هوفنهايم.
تعادل كان الأخير لبايرن في عام 2020.
تلك النتائج والأداء القوي دفع مدرب بايرن التاريخي يوب هاينكس يصف فليك بالجوهرة وقال: "خلال فترة قصيرة جعل الفريق يبدو مخلفا تماما ويلعب كرة هجومية جذابة، يجعل كل لاعبيه يشعرون بالأهمية والحب".
وأضاف "اللاعبون يحتاجون لذلك النوع من التعاطف وفليك يتمتع بذلك الأمر".
ورغم الابتعاد عن صدارة الدوري بأربع نقاط أعلن بايرن مد عقد فليك لنهاية الموسم.
خطوة أخرى تؤكد أن العمل الذي يقوم به يسير بشكل جيد ويحظى بتقدير كاف.
وخلال فترة توقف الدوري بسبب جائحة كورونا وفي ظل مواصلة النتائج المُبهرة أعلن بايرن في شهر أبريل الماضي تعيين فليك كمدرب دائم بعقد يمتد لـ2023.
من جاء كمدرب مؤقت والكل يردد اسم ماوريسيو بوكيتينو أو ماسيمليانو أليجري ليتولى المسؤولية خلفا لنيكو كوفاتش، نجح وأصبح هو خليفة المدرب الكرواتي نفسه.
حسنا هذا عن النتائج لكن ماذا عن الجزء التكتيكي؟
عانى بايرن تحت إمرة كوفاتش من عدم ثبات التشكيل وطريقة اللعب، في المقابل فإن فليك اعتمد بشكل دائم على 4-2-3-1.
هذا بالإضافة لمحافظته على 10 لاعبين من أصل 11 في التشكيل الأساسي.
في حراسة المرمى تواجد العملاق مانويل نوير وأمامه الظهير الأيمن بافارد، على الرغم من أن اللاعب الفرنسي اعتاد اللعب كقلب دفاع على مستوى الأندية عدا مشاركته في كأس العالم 2018 مع منتخب فرنسا.
ومع تحويل بايرن لألفونسو ديفيز من جناح لظهير أيسر لاستغلال سرعته حافظ فليك على الأمر.
وبسببب إصابت نيكلاس سولي ولوكاس هيرنانديز لجأ فليك للدفع في قلب الدفاع بجيروم بواتنج وديفيد ألابا.
ولجأ فليك لحيلة شاهدها أثناء عمله كمساعد لمدرب ألمانيا يواكيم لوف وهي الدفع بجوشوا كيميتش في منتصف الملعب ليجاور تياجو ألكانتارا، مثلما حدث مع الماكينات بالدفع بفيليب لام في وسط الملعب في كأس العالم 2014.
تواجد كيميتش بجوار ألكانتارا منح اللاعب الإسباني حرية هجومية على عكس عهد كوفاتش، حينما كان يتركه وحيدا في منتصف الملعب لذا لا يستطيع تقديم الواجبات الهجومية والدفاعية بذات القوة.
أعاد فليك نظيره توماس مولر لمركزه المفضل كجناح أيمن ويقابله سيرجي جنابري في الناحية اليسرى وفي الوسط إما ليون جوريتسكا أو فيليبي كوتينيو، وفي الهجوم ليفاندوفسكي بالطبع.
ومع الإصابات عاد كيميتش للظهير الأيمن وجوريتسكا أصبح هو من يجاور ألكانتارا، وتوغل مولر لمركز صانع الألعاب.
في المقابل انتقل جنابري للجناح الأيمن ودخل إما إيفان بيريسيتش أو كينجسلي كومان في الناحية الأخرى.
فكيف يبني بايرن الهجوم مع فليك؟
يحب فليك اللعب المباشر للأمام مع التواجد في مناطق الخصم الدفاعية بأسرع وقت ممكن.
في البداية يخلق بايرن زيادة عددية أمام الخصم لتصبح هناك إمكانية دائمة سهلة لتمرير الكرة وخلق المساحة للتقدم.
نلاحظ في تلك الصورة أن هناك 4 من بايرن ضد 3 من تشيلسي وبافارد يتمركز في الناحية اليمنى خالي من الرقابة تماما.
وحتى لو اختار ألابا تمرير الكرة لمنتصف الملعب فهناك كيميتش وألكانتارا ضد لاعب وحيد من تشيلسي.
ويلجأ فليك لطريقة 2-2-2 لبناء اللعب بوجود قلبي دفاع وتقدم الظهيرين للامام ليخلقا زيادة عددية ضد الخصم.
وبذلك تخلو المساحة في وسط تشيلسي مع تقدم ألفونسو ديفيز وبافارد للأمام أكثر وخلو ألكانتارا من الرقابة مع عودة جنابري أو مولر للخلف قليلا ليخلق مساحة أخرى للتمرير حال الضغط على لاعب الوسط الإسباني.
وضد تشيلسي عانى بايرن في بداية اللقاء الذي فاز به بـ3-0 في لندن، لكن أجرى فليك تعديلا بسيطا بعد 18 دقيقة فقط من اللقاء.
عاد كيميتش للخلف ليشكل قلب دفاع ثالث بجوار ألابا وبواتنيج فسحب معه لاعب من وسط تشيلسي ولكنه ترك ألكانتارا وحيدا وسط 4 من لاعبي البلوز.
لكن راهن فليك على جودة لاعبه وامتيازه بالتمريرات الطولية المتقنة ورؤيته الثاقبة لو ركض بالكرة، فتياجو يُكمل 3 مراوغات في اللقاء الواحد بالدوري الألماني ولديه 10 تمريرات طولية في اللقاء الواحد بنسبة دقة 77%.
وحال عدم وجود حل أمامه فهو لديه حل إما التمرير لبافارد أو لألفونسو ديفيز.
مشكلة نيكو كوفاتش مدرب بايرن السابق أنه حاول إعادة أسلوب بيب جوارديولا في بايرن لكنه لم يملك الأدوات اللازمة لتنفيذ ذلك، في المقابل فإن فليك تحلى بالواقعية وأجرى تعديلات تناسب ما يمتلكه من لاعبين.
خلق الفرص
يتميز بايرن مع فليك بعدم اعتماده على لاعب واحد أو نجم بعينه بل الخطورة تأتي من كل لاعب في الفريق.
في الصورة المقبلة أمام دورتموند نجد أن أربعة لاعبين من بايرن تواجدوا داخل منطقة جزاء الفريق ذو الرداء الأصفر.
وبالتالي أصبح أمام بيريسيتش فرصة اختيار تمرير الكرة لأكثر من لاعب.
مولر يتوغل بدون رقابة لمنطقة الست ياردات ويخلق زملائه الثلاثة أزمة في الجزء الآخر من منطقة الجزاء للاعبي دورتموند، والنتيجة هدف بافاري جديد.
لكن ماذا لو لجأ خصوم بايرن للعب بدفاع متقدم لشل حركة الفريق مبكرا؟
هنا يترك فليك طرفي الملعب ويلجأ لصانع الألعاب رقم 10 وهنا نتحدث عن كوتينيو.
ضد فيردر بريمن لجأ الفريق للعب بدفاع متقدم وبدلا من محاولة بايرن فتح الملعب على مصراعيه قرر استخدام ذكاء كوتينيو الذي أرسل بينية من بين قلب الدفاع والظهير الأيمن إلى ليفاندوفسكي الذي انفرد بالمرمى.
بايرن كان لديه أكثر من أسلوب لشن الهجوم على الخصم.
التنظيم الدفاعي
الدفاع عند فليك يبدأ من المهاجمين ويلجأ دائما للدفاع المتقدم، على سبيل المثال ضد إينتراخت فرانكفورت رباعي بايرن الدفاعي استخلص الكرة في منتصف ملعبه 4 مرات وهو نفس عدد مرات استخلاص الكرة في منتصف ملعب الخصم.
لاحظ كذلك كيفية الضغط من الأمام ضد تشيلسي لحرمانه من تدوير الكرة بحرية والتفكير في خلق الهجوم، بل جعله يفكر في كيفية الخروج أولا من منتصف ملعبه.
كما يلجأ بايرن لمصيدة التسلل والتي ينفذها الفريق بدقة كبيرة.
ذلك الأسلوب يمنع الخصم من شن هجومه من قبل أن يبدأ من الأساس.
وحتى حال اللجوء لكرات ضولية لضرب دفاع بايرن المتقدم فهنا يظهر دور نوير الذي يلعب كأنه قلب دفاع ثالث وليس حارس مرمى.
ماذا حدث ضد باريس؟
فاز بايرن بلقب دوري أبطال أوروبا عقب التغلب على باريس سان جيرمان في النهائي بهدف دون رد.
فكيف واجه فليك كيليان مبابي ونيمار وآنخيل دي ماريا؟
في المؤتمر الصحفي قبل اللقاء ووسط التحذيرات من اللعب بدفاع متقدم ضد الثلاثي المرعب قال المدرب الألماني: "في مبارياتنا خلال الـ10 أشهر الأخيرة حاولنا فرض أسلوبنا على الخصم ولعبنا دائما بدفاع متقدم".
بدا أن صاحب الـ55 عاما لن يستمع للتحذيرات ولكن هذه لم تكن حقيقة.
أجرى فليك تعديلا بسيط وهو تأخير خط دفاعه 10 أمتار فقط في الملعب وبالتالي تأخر كل لاعب في هجومه تلك الأمتار وأصبح الضغط من منتصف الملعب.
تلك الحيلة جعلت مبابي يعود للخلف كثيرا للمساهمة في بناء الهجوم ما جعل دفاع بايرن لا يشغل باله به الأمر ذاته مع نيمار.
إذ أنه أصبح أمام كلا اللاعبين مهمة شاقة بالمرور من خمسة لاعبين على الأقل للوصول لمانويل نوير.
لاحظ الخريطة الحرارية لكلا اللاعبين، قليلا ما تواجدا داخل منطقة جزاء بايرن.
لكن على الرغم من ذلك نجح باريس في الشوط الأول في شن هجمات مرتدة سريعة، وبالفعل خلق زيادة عددية ضد دفاع بايرن 3 ضد 2.
وهنا ظهر دور نوير الذي استعاد بريق تألقه ودافع عن مرماه ببسالة، حتى الكرات التسلل تصدى لها.
لكن كيف جاء الهدف؟
نتذكر الحديث عن أهمية تمريرات ألكانتارا الطولية ورؤيته الثاقبة؟ حسنا هي ما بدأت قصة هدف بايرن.
مرر ألكانتارا الكرة لكيميتش الخالي من الرقابة تماما.
تلك التمريرة أخرجت هجوم ووسط سان جيرمان من المباراة كليا.
كيميتش بدوره أرسل تمريرة سريعة لجنابري والذي مررها بدوره لمولر الهارب من الرقابة.
نلاحظ أن كل أعين لاعبي باريس صبت تجاه جنابري ومولر وليفاندوفسكي في المقابل فإن كيميتش كان وحيدا تماما.
مرر مولر الكرة لكيميتش الذي أخذ وقتا كافيا للنظر لمنطقة الجزاء وتحديد أين يحب إرسال عرضيته ومن ثم لعبها وبالتالي هدف جميل في النهاية لبايرن حصد به البطولة لسادس مرة في تاريخة.
في نهاية الموسم كان بايرن خاض مع فليك 35 مباراة فاز في 32 وتعادل في لقاء وخسر مرتين.
سجل بايرن معه 116 هدفا، واستقبل 26 فقط، فارق الأهداف وصل لـ90 هدفا.
ما أفاد فليك هو عدم تسرعه ليصبح الرجل الأول بعد علمه أنه مازال أمامه الكثير ليجلس على ذلك المقعد.
أمضى فليك أربع سنوات في تدريب فيكتوريا بامينتال ثم خمس سنوات في هوفنهايم قبل أن تتم إقالته بعد أربع محاولات فاشلة في الصعود للدرجة الثانية.
وبدلا من الاستمرار في مقعد الرجل الأول اتخذ فليك قرارا جريئا بالعودة خطوة للخلف.
عمل كمساعد للمدرب الإيطالي جيوفاني تراباتوني في شتوتجارت وتعلم منه الكثير في الشق الدفاعي، ثم كمنسق رياضي في ريد بول سالزبورج.
واختاره يواكيم لوف ليعمل كمساعده في منتخب ألمانيا حيث توج بالمونديال في 2014، ثم تولى منصب المدير الرياضي للاتحاد الألماني.
وبعد عامين ونصف انتقل لبايرن كمدرب مساعد مع كوفاتش، والآن أصبح الرجل الأول في العالم وبطل الثلاثية الثانية في تاريخ النادي البافاري.
أحيانا العودة للخلف خطوة والعمل في الظل تجعلك تتعلم أفضل وبلا ضغوط قبل الاستعداد للمرحلة الأهم مجددا.
المصادر