كتب : أمير عبد الحليم
امتلك زين الدين زيدان حاسة إضافية ميزته كلاعب وجعلت أصابعه تلامس المجد، لم تفارقه هذه الحاسة بعدما أصبح مدربا بل زاد التأكد من أن زيدان يرى أشياء قبل حدوثها.
حاسة سادسة ربما هي ما جعلته واثقا من النجاح إذا دخل في صدام مبكر مع كريستيانو رونالدو عندما تولى المسؤولية لأول مرة وأخرجه من الملعب حتى لا يستنفذ قواه ضد لاس بالماس وغرناطة ويوفرها لبايرن ميونيخ ويوفنتوس.
ساعدته في إضافة عنصر جديد لخط وسط ريال مدريد يمنحه التوازن الذي افتقده مع كارلوس أنشيلوتي ورفائيل بينيتث، ليكون كاسيميرو اللاعب الذي يفتك بالكرة وبهجمات المنافسين ليتفرغ لوكا مودريتش وتوني كروس لتوريد الكرة للهجوم.
هي بالتأكيد ما دفعته لإعلان رحيله بشكل مفاجئ بعد أيام من إضافة نجمة دوري الأبطال الثالثة لتاجه، وبجوار يجلس فلورنتينو بيريز وقد حلت الصدمة على ملامحه.
وهذا الموسم، قادته هذه الحاسة للإصرار على التعاقد مع فيرلاند ميندي ومنح الفرصة للشاب فيدي فالفيردي ليعيد الحيوية إلى وسط الملعب الذي سيطر به على أوروبا في ولايته الأولى.
بالتأكيد، العودة كانت أصعب بكثير من الولاية الأولى، فزيدان لم يعد رهانا قد يصيب أو يخيب كما كان الحال بعدما تولى القيادة خلفا لرفائيل بينيتث لكنه عاد محملا بآمال وتطلعات أكبر لإنقاذ ريال مدريد من وضع أسوأ والفشل يعني تشكيكا أكثر في قدراته، وحتى الأسلحة التي كان يفتك زيدان بأعدائه بها لم تعد كما كانت، رحل رونالدو وتقدم العمر بلوكا مودريتش ومارسيلو، وأصاب ملل التشبع كاسيميرو وتوني كروس وداني كارباخال.
والفريق الذي فاز بثلاث بطولات دوري أبطال متتالية مع زيدان كان يعاني لتحقيق مركز مؤهل لدوري الأبطال وأذاقه أياكس شر هزيمة على سنتياجو برنابيو. لكن زيدان اختار العودة وهو يرى أشياء قبل غيره.
لم تكن النتائج جيدة في المتبقي من الموسم الماضي، وفاجئت الهزائم الثقيلة الفريق في فترة الإعداد وضربت إصابة ماركو أسينسيو بقطع في الرباط الصليبي خطط ريال مدريد في موسم الانتقالات في مقتل ليضطر للتراجع عن بيع جاريث بيل. كل هذا كان ينذر بموسم لا يختلف عن السابق.
وبالفعل كانت البداية صعبة في الليجا، 5 نقاط من أول 3 جولات وخسارة من ريال مايوركا الصاعد هذا الموسم وتعثر في دوري الأبطال مع سقوط تاريخي من باريس سان جيرمان ليبدأ حديث اعتاد عليه جماهير ريال مدريد.. من يكون خليفة زيدان؟ مورينيو أم أليجري.
غابت الحلول الهجومية عن ريال مدريد بعدما تسببت صدمة البدايات في توهان إدين هازارد، واهتمام جاريث بيل بالجولف أكثر من أي شيء آخر مع عدم نضج فينسيوس جونيور ورودريجو ثم زاد الطين بلة بإصابة هازارد عندما بدأ يدخل في أجواء الفريق.
أصاب العطب حيوية خط الوسط وبات ضروريا إضافة عناصر جديدة، وأصبح نادرا حفاظ الفريق على نظافة شباكه لمباراتين متتاليتين وزادت الشكوك حول جودة تيبو كورتوا وخط دفاعه.
ودخل ريال مدريد مواجهة برشلونة في كامب نو بهذا الكم من المشاكل، وكانت بمثابة فرصة أخيرة لزيدان من أجل إنقاذ عودته للفريق أو الرحيل مرة أخرى لكن من باب مختلف تماما.
خرج ريال مدريد بالتعادل السلبي من كامب نو لكنه كان الطرف الأخطر والأقرب للفوز، استحوذ على الكرة وحرم برشلونة من التدرج في الخروج بالكرة من خط دفاعه وهي أهم مميزاته وظل فريق إرنستو فالفيردي حبيسا في نصف ملعبه لأغلب فترات المباراة، وقدم أفضل نسخة له بتواجد فيدي فالفيردي في وسط الملعب وميندي في مركز الظهير الأيسر، وربما حرمه الحكم من ركلة جزاء واحدة على الأقل، ليصبح الكلاسيكو الأول نقطة تحول رئيسية في موسم ريال مدريد.
ثم سافر ريال مدريد إلى جدة من أجل لعب النسخة الأولى من السوبر الإسباني بمشاركة 4 فرق دون حلول هجومية كثيرة، لكنه استعاد حيوية خط الوسط التي ميزته مع زيدان بإضافة فالفيردي واستعادة إسكو لجاهزيته، وبفضل ثلاثية من خط الوسط سحق فالنسيا، ثم حافظ فالفيردي له على النتيجة أمام أتليتكو مدريد بالتدخل الفدائي على ألفارو موراتا ليفوز بركلات الترجيح ويتوج بأول بطولة في ولاية زيدان الثانية.
“أحب قدرته على السعي لتحقيق التوازن الذي لا غنى عنه في فريق مليء بالجودة والمواهب، بالنسبة لي، كان الاعتماد على كاسيميرو قرار تكتيكي مهم من زيدان”.. ماسيمو أليجري مدرب يوفنتوس السابق.
اكتسب زيدان الثقة في عمله من إدارة ريال مدريد التي لا تصبر طويلا، ومن الجماهير وفي غرفة الملابس، وربما هو شخصيا استعاد ثقته في حاسته السادسة التي لم تخذله يوما.
يرفض إخراج فينسيوس جونيور من الملعب ضد برشلونة رغم لعنات جماهير ريال مدريد مع كل قرار خاطئ من الشاب البرازيلي ليسجل الهدف الأول، ثم يهمس في أذن ماريانو دياز ويدفع به في أخر دقائق الكلاسيكو في تغيير غريب ليسجل من أول لمسة في الليجا!
لم يتوقع أشد المتفائلين بريال مدريد تحقيق الفريق 10 انتصارات متتالية بعد عودة الليجا من فترة التوقف بسبب فيروس كورونا خاصة أن نفس الفريق الذي فاز على برشلونة 2-0 أضاع الصدارة قبل التوقف بالخسارة من ريال بيتيس في المباراة التالية.
أفادت فترة التوقف بالتأكيد زيدان الذي استعاد هازارد وأسينسيو الذي يسجل هو الآخر من أول لمسة في الليجا بعدما همس زيدان في أذنه ودفع به ضد فالنسيا، وكأن زيدان لديه تعويذة سحرية يتمتم بها في آذان لاعبيه.
بالتأكيد، لم يكن الفريق بنفس الجودة والقوة التي كان عليها في مشوار التتويج بليجا 2017، فأنت تشعر بالقلق قبل مواجهة ريال مايوركا وغرناطة وألافيس بنفس قدر الخوف من إهدار نقاط ضد فالنسيا وفياريال لكن لم يقل مقدار الثقة في حاسة زيدان.
وكان زيدان قادرا على التعامل مع غياب الأسلحة الهجومية وهو الموقف الذي ربما يواجه ريال مدريد لأول مرة في تاريخ النادي بزيادة كثافة خط الوسط ومنحهم أدوار هجومية مع الدعم الهجومي من الطرفين عن طريق كارباخال وميندي أو مارسيلو، والثقة في بنزيمة ليكون هداف الفريق وقتما شكك الجميع في قدراته.
وماذا يحدث عندما يكون ريال مدريد مضغوطا أو تمكن الإرهاق البدني من لاعبيه مع ضغط المباريات؟ لا يفكر زيدان إلا في الهجوم، وحتى عندما يلعب الفريق أسوأ أشواطه بعد العودة ضد غرناطة الذي كان قريبا من التعادل يدفع زيدان بأسينسيو ورودريجو ليدفع الفريق للأمام ويفتح اللعب على الجانبين.
ورغم كل ما يحققه زيدان، إلا أن نجاحه لايزال عرضة للتشكيك وتلخيصه في مجرد اكتسابه ثقة غرفة الملابس.
حتى اكتساب ثقة غرفة ملابس ريال مدريد ليس بالأمر السهل مع كم النجوم الموجودين داخلها، لكن أيضا ليس منطقيا إجحاف قدرات زيدان الفنية وهو الفائز بالليجا مرتين من أصل 3 لريال مدريد في أخر 10 سنوات مع ثلاثية دوري الأبطال.
يُرجع دائما زيدان الفضل في انتصاراته وما يحققه للاعبين، لكن عمله مر بالكثير من المراحل كان التشكيك في قدراته أولها دائما حتى وصل إلى مراده رغم اختلاف الظروف والتحديات، وفي كل مرة كان يمتلك القدرة على رؤية الأشياء قبل غيره.
"أقولها دوما، تحقيق الدوري أمر أكثر صعوبة ويحتاج العمل اليومي منذ معسكر الإعداد".. زيدان بعد فوزه بدوري الأبطال للمرة الثانية على التوالي.