بدا أن لقب لقب الدوري الألماني الثامن على التوالي في مهب الريح مع نيكو كوفاتش، بساط القمة ينسحب من تحت أقدام البافاري جولة تلو الأخرى، فكان الحل السريع إقالته وتعيين هانز ديتير فليك بشكل مؤقت في نوفمبر.
وما لبث أن تأكدت إدارة النادي من تأثير فليك على الفريق على كافة المستويات فأصبح الألماني البالغ 55 عاما مديرا فنيا بشكل دائم حتى 2023، وأمس حقق أول لقب في مسيرته التدريبية، ولقب الدوري الـ 30 في مسيرة البافاري.
"أنا شخص طموح وأحب خوض التحديات المختلفة، ولكنني أدركت أنني أحب العمل مع اللاعبين، وخاصة اللاعبين الشباب، ولذلك اتخذت قراري بالعودة للعمل في المستطيل الأخضر من جديد"، فليك عقب تعيينه مدربا مساعدا لـ نيكو كوفاتش قبل بداية الموسم.
فليك كان من الممكن ألا نذكر اسمه وتتخذ حياته مسارا مختلفا تماما ليومنا هذا، في عمر الـ 18 حصل على فرصة التدرب في أحد البنوك ورفض عرضا من أجل اللعب لصفوف شتوتجارت (الذي حقق اللقب موسم 1983-84).
لاعب الوسط الألماني قال لمجلة راند في يناير 2014 "أردت أن أنهى تدريبي في البنك، لكن شتوتجارت أخبروني أنني إذا وقعّت سألعب للفريق الرديف ولم أقم بذلك، أردت الاعتماد على شيء لأنني لم أكن أعرف إلى متى سأتمكن من لعب كرة القدم".
ولا يعد فليك غريبا على بايرن ميونيخ فقد ارتدى قميصه لمدة 5 مواسم بعدما انضم له قادما من ساندهاوزن عام 1985 ولعب بقميص البافاري منذ سن الـ 20 محققا 4 ألقاب للدوري وآخر للكأس وخسر لقب دوري أبطال أوروبا 1978 في النهائي أمام بورتو.
ووصف توماس دول مشوار هانز كلاعب بقميص البافاري والغير معروف للعديد "كان هانز لاعب خط وسط دفاعي ولديه رؤية جيدة للغاية للمباريات، لقد كان ذكيا جدا من الناحية التكتيكية".
لوثر ماتيوس أحد نجوم الكرة الألمانية أشاد بزميله السابق قائلا أيضا: "كان لاعبا يهتم بالتفاصيل وهو على أعلى درجة من الاحترافية في عمله".
لاعب الوسط رحل إلى كولن بعدما خاض 137 مباراة لكن الإصابات أنهت مسيرته مبكرا بعمر الـ 28 عاما.
في 2000 عُين مدربا لـ هوفنهايم بعد تجربة مع فريق بامينتال في دوري الهواه، وساهم في قيادة الفريق من الدرجة الرابعة للثالثة وسلم المهمة لرالف رانكيك الذي أحدث ثورة في الفريق الأزرق لاحقا.
في 2003 حصل على رخصة التدريب رفقة توماس دول مدرب هامبورج وبوروسيا دورتموند السابق.
زميله في بداية الرحلة توماس دول تحدث عن بدء تجربة فليك مع البافاري لموقع “So Foot” "لقد فوجئت قليلا برؤيته يحصل على الوظيفة مباشرة بعد مغادرة نيكو. لكن هانز تمكن من اغتنام هذه الفرصة، إنها لحظة رائعة بالنسبة له! في سن 55، حان الوقت لترك الظلام للضوء".
زميله في دورة الحصول على الرخصة التدريبية تحدث عن تلك الفترة "أمضينا ستة أو سبعة أشهر في العمل بجد، كان شاملا للغاية في التعلم، وكانت هناك دورات لـ الأسلوب والألتزام والتربية وعلم النفس وكذلك دورات في التغذية".
"ما أدهشني في ذلك الوقت هو أنه كان دائما على استعداد جيد لكل جلسة وكل تمرين. ليس هذا هو الحال دائما عندما يضطر اللاعبون السابقون إلى العودة إلى الدراسة، وقضاء ساعات في الجلوس في الفصل أو في الاجتماعات. هانز شخص ذكي جدا".
"اعتقد أنه حصل على تقييم 1.4 (وهي نتيجة كبيرة في ألمانيا)".
بعدها بأسابيع قليلة حصل هانز على فرصة التدريب تحت قيادة المخضرم الإيطالي جيوفاني تراباتوني في ريد بول سالزبورج النسماوي.
في 23 أغسطس 2006 بعد شهر واحد من تولي يواكيم لوف مهمة تدريب منتخب ألمانيا عقب كأس العالم، عُين مساعدا لـ لوف وللمصادفة كان ماركوس شقيق لوف هو من وقعّ معه فريق ساندهاوزن لتعويض رحيل فليك عام 1985.
تلك المرة الأولى التي لا يكون فيها مدرب منتخب ألمانيا الأول ومساعده لم يلعبا أي مباراة بقميص المنتخب ومن ثم حصدا فضية يورو 2008 والمركز الثالث في كأس العالم 2010 والنجمة الرابعة لـ ناسيونال مانشافت في 2014.
وفي يورو 2008 ظهر في دور الرجل الأول بمواجهة البرتغال في ربع نهائي يورو والتي انتهت بفوز ناسيونال مانشافت بنتيجة 3-2 بسبب إيقاف لوف.
عُين فليك مديرا رياضيا للاتحاد الألماني بدءا من سبتمبر 2014 وحتى يناير 2017، ولاحقا العمل كمدير رياضي في هونهايم لمدة 7 أشهر ثم ترك عمله ليعود إلى أرضية الملعب من أجل أن يصبح أقرب من العشب الأخضر مجددا.
فليك قال لصحيفة "FR" الألمانية عن تعيينه مدربا مساعدا في بايرن "تلقيت عرضين لنفس المنصب أو عضو في مجلس الإدارة، لكن لدي بالفعل انطباع بأن هذه الوظيفة ليست لي، لم يكن عليّ التفكير طويلا عندما عرض علي بايرن وظيفة مدرب مساعد، تلك مهنتي".
يُلقب هانسي كما يحلو للبعض نداءه بـ "هانسي اللطيف"، لذلك يتذكر كريستيان داوب أحد مدافعي هوفنهايم السابقين كيف تعامل هانز معهم في تجربته الأولى: "القاعدة الوحيدة أن تقدم 100% أثناء التدريبات".
"أتذكر معسكر تدريب في النمسا حيث لم نتدرب بعد الظهر والمساء لأننا تدربنا جيدا في الصباح. بغض النظر عما سنشربه في ذلك المساء، كان علينا فقط أن نكون في الملعب في الحادية عشر صباحا من اليوم التالي".
داوب قال ضاحكا في حديثه عن مدربه: "إنه مهرج، ولديه روح دعابة مؤذي قليلا، كانت حركته المفضلة هي إلقاء الكرة خلفك عندما تخرج خارج الملعب. أو أن يطلب منا القفز والتنافس في التحام هوائي، لكن لن يلقي الكرة".
"فليك جزء من المدربين الذين يفضلون الأجواء الجيدة للمجموعة ويجعلها أولوية".
وروى موقفا طريفا "كان لدينا معسكر تدريب في الغابة السوداء حيث كان علينا أن ننزل من منحدر صخري، كان علينا إيجاد طريقنا باستخدام خريطة بأنفسنا. مرة أخرى، كان يجب بناء طوافة من مواد متناثرة حول بحيرة. غرقت المجموعة الأولى مباشرة، وتحركت الأخرى بضعة أمتار قبل أن تنقلب، ما فعلناه أننا ضحكنا".
في نفس الوقت يهتم فليك بالشخصية قبل اللاعب، رولاند ديكيسر مدرب الشباب في هوفنهايم أوضح عنه "ما يهمه قبل اللاعب هو الشخص الذي يقف خلفه".
"على سبيل المثال، لم يتردد في الذهاب إلى أحد اللاعبين لطرح أسئلة شخصية حول حياته الخاصة. هو فقط يحب التعرف على الناس".
وهو ما يؤكده داوب "لقد أقمنا العديد من حفلات الشواء حيث دعا النساء والأصدقاء والأطفال".
"أراد أن يُشعر الجميع بأنهم جزء من ذلك، ليجعل الجميع يشعرون بأنهم جزء من عائلة كبيرة".
"مع الأخذ بعين الاعتبار فكرة صغيرة. إنه يعلم أنه عندما لا يكون اللاعب على ما يرام في الملعب، فغالبا لا تكن الأمور على ما يرام مع زوجته أو صديقته".
"في هوفنهايم، حاول أن يجعل البدلاء يفهمون ماذا يشكلون، ثم يشرح لهم ما يحتاجون لتحسينه. كانت قوته العظيمة: جمع مجموعة كاملة خلفه، لجعل الجميع يشعرون أنه يمكنهم أن يحصلوا على فرصة. ومع فليك، هذه ليست وعود فارغة".
في بايرن يقضى فليك ساعات كثيرة في النادي مع اللاعبين يتحدث معهم وهو ما ظهر تأثيره سريعا.
مصدر قريب من غرفة الملابس بايرن ميونيخ قال لموقع "The Athletic": "تعاطفه هو أعظم أصوله، إنه يذكرنا بـ يوب هاينكس في هذا الصدد".
"يحب اللاعبون الطريقة التي يتحدث بها إليهم. إنه صادق معهم، وفيا لكلمته. إنهم يحبونه ويلعبون من أجله".
لذلك سترى مقدار تحول بواتينج ومولر بعدما تم تهميش أدوارهم مع كوفاتش وقدما اداءً استثنائيا منذ سنوات تحت قيادة الألماني.
فليك عرف أغلب لاعبي بايرن من واقع عمله في المنتخب الألماني وكذلك كان له دورا في ضم سيرجي جنابري لصفوف هوفنهايم في 2017 لذلك يضيف المصدر "عندما يكون لديك قدامى المحاربين إلى جانبك، سيسير الفريق خلفك".
وكذلك يمتاز فليك بالصرامة في بعض الأحيان إذ أفاد المتحدثان الإعلاميان في الاتحاد الألماني ذات مرة أنه تعامل معهما بصرامة شديدة بعد محاولة الاحتفال على متن الطائرة بالفوز بنتيجة 7-1 على البرازيل في نصف نهائي كأس العالم 2014 إذ قال لهم "لا يوجد سبب للاحتفال".
ويمتلك فليك متجره الخاص الذي بدأ الاستثمار فيه بمدينة بانتانتال عقب اعتزاله في منتصف التسعينيات.
متجر فليك للأدوات والملابس الرياضية صار ملتقى له مع عائلته وأصدقائه، لكن نجلته كاثرين وصفت اهتمامه بعمله الكبير "حتى عندما تناول مشروبا أو العشاء معا، يتحدث عن العمل".
حسن صالح حميديتش قال لـ "The Athletic": "لقد حقق هانسي أداءً جيدا في تعزيز نقاط القوة لدى الفريق في الهجوم والحفاظ على دفاع جيد التوازن في نفس الوقت".
"أنه يتواصل بشكل جيد مع اللاعبين. كانت جلسات التدريب عملا شاقا، ولكنها كانت أيضا ممتعة، وأعد الفريق جيدا لكل مباراة. هانسي متعطش للنجاح، وكذلك اللاعبين. هذا مناسب تماما".
مسيرة فليك رغم تأخر ظهورها على المستوى التدريبي الأول إلا أنها تعد بالكثير ولا زال أمامها الكثير لتقدمه لبايرن ميونيخ وكرة القدم الألمانية.
اقرأ أيضا:
دجلة يهدد بالتصعيد ويحدد موعد استئناف النشاط