كتب : نادر عيد
"كرهنا أسئلة الصحفيين الأوروبيين، كانوا يسألوننا هل تأكلون القرود ولديكم دكتور ساحر؟ نحن لاعبو كرة قدم حقيقيون وأثبتنا ذلك الليلة".
-----
قبل المعجزة..
"اعتقدت أن الفريق سيئ، سنخسر. فجأة المدرب قالي لي ستلعب! 5 ساعات قبل المباراة! قلت لا يمكن. لم أكن أثق في المدرب. الاتحاد، وزارة الرياضة، سبعة أو ثمانية أشخاص كانوا يقولون لي عليك أن تلعب ولم أكن أشعر أنني جاهز. قالوا إن لم تلعب سيشارك سونجو، ولو لم يلعب سيشارك لاعب عادي في حراسة المرمى. تحدثت مع رئيس الكاميرون وفي النهاية وافقت على المشاركة".
كان التخبط يسيطر على معسكر الكاميرون، من سيحمي المرمى أمام دييجو مارادونا ورفاقه، من سيتحمل هذا العبء الثقيل في ظل غياب جوزيف-أنتوان بيل، الحارس الأسبق للمقاولون العرب، والذي أُبعد عن الفريق بعد تصريحات صحفية قال فيها إن فريقه سيغادر مبكرا دون تحقيق أي شيء.
توماس نكونو لم يكن مستعدا بعد لهذه المسؤولية الضخمة، ولم يبدأ التفكير في كيفية مواجهة مارادونا إلا بعد أن اتصل به رئيس الكاميرون شخصيا!
ملعب سان سيرو الجميل، يتأهب في أبهى حلة لاستضافة افتتاح مونديال إيطاليا 1990.
المنافس الأول.. الأرجنتين.. حاملة اللقب يقودها الساحر مارادونا، غير المرحب به في ميلانو لأنه ينتمي لنابولي.
المنافس الثاني.. الكاميرون.. ثاني مشاركة مونديالية لها، يبدو الفوز مستحيلا، لكنها لم تخسر بعد في كأس العالم.
لم يكن أبرز المتفائلين في الكاميرون يتوقع ولو حتى نتيجة إيجابية لفريق بلده، بل حين تلعب مع الأرجنتين فالواقع يقول إن عليك الخروج بأخف الأضرار، وأن الأمل يبقى في المواجهتين المقبلتين ضد رومانيا والاتحاد السوفيتي.
في مواجهة سحرة الأرجنتين، لم يكن أمام الكاميرونيين سوى استخدام قوتهم البدنية، لإيقاف مارادونا، ولبث الخوف في نفوس أبطال العالم.
كتب ماتيو إنجيل صحفي جارديان عن المباراة "الكاميرون حجمت مارادونا بركله. قضى معظم وقت المباراة يتحرك بشكل عرضي، زملاؤه العشرة لم يخلقوا مشكلة للكاميرون لكنهم تعرضوا للركل أيضا، إذا اقترب منهم أحد".
أحد الذين لم يعجبهم العنف الزائد في المباراة كان جوزيف سيب بلاتر، السكرتير العام للاتحاد الدولي لكرة القدم آنذاك، فقال بعد المواجهة:"لست سعيدا أن الحكم اضطر للتدخل مثلما فعل، لكني ممتن أنه فعل. بعض اللاعبين يريدون تدمير اللعبة بدلا من ترك مساحة للإبداع".
عنف لاعبي الكاميرون لم يفوته الحكم الفرنسي ميشيل فاوترو، أشهر بطاقة تلو أخرى إلى أن أقصى أندريه كانا-بيك من الملعب في الدقيقة 61.
ويبدو أن القرار استفز فرانسوا أومام-بيك بعد رؤية شقيقه يغادر الاستاد مطرودا!
وتأتي الدقيقة 67 وتحصل الكاميرون على ركلة حرة ويرتقي معها أومام-بيك مثل أبطال الوثب العالي ليضرب الكرة برأسه في شباك الحارس نيري بومبيدو لينفجر ملعب سان سيرو بالجمهور احتفالا بتسجيل الكاميرون وليعلق محمود بكر قائلا:"عدالة السماء نزلت على استاد سان سيرو.. ربنا ميحبش الظلم".
رأى اللاعب الأسبق والمعلق الراحل أن الحكم تحامل بعض الشيء على الكاميرونيين ليجامل رفاق مارادونا، لكن واقع الأمر، وبعيدا عن عنف لاعبي الكاميرون، كان ممثل إفريقيا أفضل من بطل العالم.
التقليل من شأن منتخبات إفريقيا حوله الكاميرونيون إلى طاقة إيجابية ليثبتوا للعالم أنهم قادرون على إسقاط أعتى الفرق التي تضم نجوم اللعبة.
قال أومام-بيك بعد المباراة:"لم يعتقد أحد أن بمقدورنا فعل شيء ضد مارادونا، لكننا عرفنا ماذا علينا أن نفعل. كرهنا أسئلة الصحفيين الأوروبيين هل نأكل القرود ولدينا دكتور ساحر؟ نحن لاعبون حقيقيون وأثبتنا ذلك الليلة".
واعترف نجم الشباك الأول في عالم الساحرة المستديرة بذلك، فقال مارادونا بعد المباراة:"لا أعتقد أنهم كانوا ينوون التفوق علينا في المباراة. لا يمكنني الجدال ولا اختلاق أعذار. لو فازت الكاميرون فلأنها كانت الطرف الأفضل. الملعب كاملا كان يهتف للكاميرون".
نقطة مضيئة استفاد منها الكاميرونيون وهي مؤازرة الحاضرين في قلعة سان سيرو، ففي خضم صراع ميلان ونابولي في ذلك الوقت على الهيمنة على الكرة الإيطالية، مارادونا لم يكن شخصا محبوبا في ميلانو.
وبخلاف ذلك، الكاميرونيون قاتلوا في المباراة كالأسود الجائعة، ورغم أن بنيامين ماسينج تلقى بطاقة حمراء في الدقيقة 88 واستكمل الفريق المباراة بتسعة لاعبين، إلا أنهم ظفروا بانتصار تاريخي.
كتب ديفيد ليسي في صحيفة جارديان عن المباراة "لم تكن ضربة حظ، الفريق الأفضل فاز. فازوا رغم إكمالهم المباراة بتسعة لاعبين. لهذا تفوقوا، الأفارقة أكملوا المباراة وكأنهم الأكثر عددا في الملعب من منافسهم التعيس".
في الأرجنتين، كانت الأجواء مشتعلة، كيف لفريق إفريقي مغمور أن يهزم بطل العالم في المونديال؟ لدرجة أن رئيس الدولة اتصل هاتفيا بالمدرب!
يحكي كارلوس بيلاردو بطل العالم في 1986 ومدرب الأرجنتين في كأس العالم 1990 "كل شيء كان على ما يرام حتى فقدت الكاميرون لاعبا وفقدنا نحن تنظيمنا. هذه الخسارة هي الأسوأ في تاريخي الرياضي".
وواصل "الكل اتصل بي ليملي علي ما أفعل. هاتفني الرئيس (كارلوس مينيم)، رئيسان سابقان اتصلا بي وزعيم المعارضة. السياسيون كان لديهم بعض الأفكار، أجريت 5 تغييرات في المباراة التالية، وتطورنا إلى أن بلغنا النهائي".
وأتم "لم أر شيئا مثل هذا في حياتي أبدا، لم أر شيئا يوحد الشعب مثل ذلك. لا السياسية ولا الموسيقى ولا أي شيء. الكل كان يتابع المنتخب وحين عدنا إلى بلدنا كانوا سعداء. كنا فخورين ببلوغ النهائي".
في الأرجنتين، كان الهدف هو اللقب، فالفريق هو بطل النسخة السابقة ويملك ربما أعظم لاعب كرة قدم في التاريخ.
لكن في الكاميرون، ربما ذلك الفوز كان كافيا لإرضاء الجمهور، أو العبور فقط إلى الدور التالي.
لكن هذا الجيل المذهل من الكاميرونيين، وصل بعيدا، إلى أن سقط بصعوبة بالغة أمام إنجلترا في الدور ربع النهائي.
رفاق جاري لينيكير لم يستطيعوا إقصاء رجال روجيه ميلا إلا بعد شوطين إضافيين وركلتي جزاء ليفوزوا 3-2.
وهو الإقصاء الذي يشعر ميلا بالامتنان له!
يحكي ميلا، نجم الفريق وثالث هدافي البطولة والذي اختير ضمن التشكيل الأمثل لمونديال 1990، في حوار سابق مع مجلة فرانس فوتبول "سأقول لك شيئا. لو كنا فزنا على إنجلترا، كانت ستنفجر إفريقيا. ست-نف-جر. كان سيكون هناك موتى. الرب يعرف ما يفعل. أنا، أشكره على إيقافنا في الدور ربع النهائي".
وأضاف "لا يمكن لفريق أن يحقق ما حققنا في 1990. عنصر المفاجأة لم يعد موجودا. الكل يعرف كل شيء عن كل الفرق الآن".
8 يونيو 1990.. معجزة سان سيرو
30 عاما مرت على إحدى معجزات كرة القدم، حين أثبت الكاميرونيون للعالم أن إفريقيا قادرة على مقارعة أبطال الكرة الأرضية.
المصادر
اقرأ أيضا
أوناجم يوجه رسائل لطارق حامد وشيكابالا وساسي وبنشرقي
هل يفاوض المصري عامر عامر أو عبد المنصف؟ العشري: نحن محرومون من القيد
الإنتاج الحربي: نعم، المصري طلب عامر عامر
طلبة يحكي كواليس الإنقاذ التاريخي
صدقي يكشف مفاجأة كبرى بشأن عماد متعب